حزام السلامة وحزام الحصانة..
قانون محاربة التدخين في الأماكن العمومية،كما قانون وضع حزام السلامة للسائقين ماذا كان مصيرهما غيرالتنكر والإستهتار.وفي أفضل الأحوال التجاهل والنسيان؟ قوانين قدر لها أن تخلق عزلاء،أي دون مرسوم تطبيقي يؤهلها لمواجهة كيد المغامرين واستهتار المسرفين،من أولئك الذين يرون في القانون المغربي إلا مجرد نسيج عنكبوت يسهل اختراقه كلما كان حجم الحشرة اكبر. ولكن هل تساءلنا يوما عن جدوى هذه القوانين الرخوة،الفاقدة لقوة التنفيذ، المفتقدة للمتابعة الصارمة،في أفق تطبيق الإجراءات اللازمة في حالات متباينة من التجاوزات؟ وهل مرور الزمن على صدور هذه القوانين وحده كفيل بضمان نفاذها بتن عموم الشعب فنرى لها أثرا هناك وصدى هنالك؟ لماذا لا تحضر الجرأة لإستصدارالقرارات التي لها قابلية التنفيذ ويترك أمر التحسيس للمبادرات الجمعوية والتربوية،فتصد بذلك الباب في وجه التأويلات والتبريرات.
لا يختلف إثنان في أن الطبيعة البشرية ميالة فطريا إلى العصيان والتمرد،ولنا في الطفولة المبكرة أساس مرجعي لهذا العصيان،حين يتمرد الطفلعلى أقرانه ويرفض قوانين اللعب مثلا،رغم ضرورتها .ولا يستطيع التخلص من هذا الرفض إلا عند تنازله عن انانيته ومركزيته لفائدة روح الجماعةالتي يجسدها ميثاق متداول بشانه.وهكذا،وبشيء من التناظر،يمكننا توصيف بعض أحوال أولائك المخالفين للقوانين الناظمة لحياة المجتمع.فلا نستطيع مثلا أن ننكر أنهم أنانيون ومعاندون وانتهازيون…الخ من الأوصاف المساوقة لهذا المجال الضيق في الفهم والممارسة.ومصيبة هؤلاءهي أنهم لا يرغبون في الإلتزام بقوانين صيغت من اجل طمأنينة المواطنين وراحتهم،ولايرغبون حتى في استضمارهذه القوانين لإستثمارها كزاد وقائي من تقلبات الزمن.
ومن الجدير التمييز بين ثلاثة أصناف من المستهترين بالقوانين.الصنف الأول قوامه بعض اولائك الذين أنعم الله عليهم وبوأهم الدرجات العلا في هذه الدار الفانية،ومن موقعهم المجتمعي المتميز هذا لا يبالون بالقوانينكيفما كانت مناسبتها وظروفها.ومحاسبتهم،إن حصلت،فلا تخلو من مجاملة أو تبرير.هؤلاء فضلوا ان يضعوا حزام الحصانة بدل حزام السلامة،وقطعوا الطريق على أية متابعة إلاالمتابعة الأخلاقية التي تقض مضجع كل من كان له ضمير.
وأما الصنف الثاني،فينبثق من القاعدة الشعبية العريضة ويحاول أن يقفز إلى الأعلى،متأسيافي ذلك بممارسات النخبة المتميزة السالفة الذكر. هؤلاء يرون في خرق القوانين قيمة مضافة لإيهام الناس بوضع اعتباري مفترض.حيث يعتبرون أن تميزهم يمر عبر إفلاتهم من الزجر والعقاب .فيما يجسد الصنف الثالث الخيار الإنتقامي،إذ يرى في مخالفة القوانين ردا مناسبا على سائر التجاوزات التي تحدث على مرأى ومسمع منه،وليس له من حيلة لتصويبها ولا حتى الإبلاغ عنها في الحد الأدنى.
وهكذا فحزام الحصانة سيظل،وحتى إشعار آخر،هو الأشد متانة والأجدرأن يثق االمرء في حمايته وبالتالي التعويل عليه،وبمكر صريح،في تدبير الخلافات الناشئة عن تجاوز القوانين.ويبقى حزام السلامة مهلهلا يلتمس من يروج له في الأوساط التربوية واللوحات الإشهارية ،إلى ان تتضح الرؤيا ،بعد ان يكون حجم الخسائر قد اتسع بما فيه الكفاية.
1 Comment
تحية إكرام للأستاذ محمد أقباش الكريم على إثارة هذا الموضوع الذي يجد امتدادات له في مواضيع ومجالات أخرى. مجالات نتمنى أن ينتقل منها حزام الحصانة إلى حزام المواطنة، فحينها الوطن بكل أبعاده تاج فوق رؤوس الجميع. تحية تقدير مشفوعة بالدعاء بالتوفيق.