الحكامة الرشيدة ودال التدبير المالي. الجزء الأول.
*- سياق عام:
من المفاهيم الأكثر تسويقا وتداولا بين المهتمين بالخطاب الإداري التربوي الحديث مصطلح:" الحكامة" المنحدر من الأصل اللغوي :"حكم " والذي شحنه يوسف الخياط بمدلولات مكثفة في معجم المصطلحات العلمية والفنية من قبيل:" الحكم، إحكام،حكومة،تحكيم،تحكم."ص:173 و174 . والخيط الناظم بين هذه المداليل هو القيادة ومن ثم تتحول الحكامة إلى وسيط مفهومي يروم الارتقاء إلى مستوى الأداة العلمية التي يتم تشغيلها في مجالات التدبير المختلفة : كالتدبير المالي و التدبير المقاولاتي و التدبير في الشؤون السياسية والإدارية والتربوية…وغيرها من المناشط.
صحيح إن الحكامة مفهوم جديد للديمقراطية، نقلة نوعية في هذا النظام من مستوى التمثيل إلى مستوى التشارك والإشراك، هو حكومة بمنظور جديد حكومة تشكل قطيعة مع النظام المركزي التركيزي للسلط وتبني علاقات جديدة مع مؤسساتها قوامها النظام اللامركزي اللاتركيزي والتدبير التشاركي على ضوء النتائج والتعاقد، حكومة تحكم قيادة برامج عملها وتدبير مواردها البشرية والمالية تروم الإتقان في تنفيذ مشاريعها قصد ضبط المداخل والتحكم في العمليات و تجويد المخارج في اتجاه التحكم في تلبية الحاجيات وحل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية…على قاعدة التفويض والتفاوض والتوفيق بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة والوفاق بين القطاع العام و القطاع الخاص وعلى خط التحديث لأنماط العمل والدمقرطة الحقيقية للعمل المِؤسساتي تحت سقف مستلزمات تحكمه شروط وجود واستمرارية أولها التكامل وثانيها الإشراك في صناعة القرار وثالثها المحاسبة ورابعها الشفافية.
**- الإطار المرجعي:
كثيرة هي المفاهيم التي حمل بها مصطلح:" الحكامة" التي لايتسع المقام لسردها كلها: لكن سنحاول فحص تعاريف حددها إدريس ولد القابلة بدءا من:"الحكامة هي ممارسة السلطة السياسية وإدارة شؤون المجتمع وموارده." ومر ورا ب:" الحكامة آليات ومؤسسات تشترك في صنع القرار" وانتهاء ب:" الحكامة هي حكم تقوم به قيادات سياسية منتخبة وأطر إدارية كفأة لتحسين نوعية حياة المواطنين وتحقيق رفاهيتهم، وذلك برضاهم وعبر مشاركتهم ودعمهم."
إن التحليل البنيوي لهذه التعاريف يقود إلى تحديد الحقل الدلالي للمفهوم/ السياسة و لعناصر الرؤية الاستراتيجة للحكامة والمتكونة أصلا من:
1 – طبيعة الحكم:
يؤشر التعريف الأول على أن:
1
– نظام الحكم السياسي في المغرب يتميز بالطابع التعددي الديمقراطي وفق مقتضيات الدستور. وقد عرف هذا النظام عدة تطورات أبرزها استدخاله لمقاربة الحكامة التدبيرية الجهوية والمحلية…و من خلال مدل تحليل الخطاب المستشف من التعريف الأول المعروض على الفحص يتبين أن دال الحكامة يفيد فيما يفيد أنه: نظام متقدم يقوم على التعاقد والتشارك والإنماء والفعالية في مجال ممارسة السلطة السياسية تم تعميله في أوربا والولايات المتحدة الأمريكية وكان وراء المنجز الحضاري والتكنولوجي الهائل الذي يرتب العالمين: الولايات الأمركية وأوربا كأول وثاني قوة اقتصادية وتكنولوجية وعسكرية وسياسية حسب تصنيف الاقتصادي سمير أمين في كتاب التراكم على المستوى العالمي. ويجري اليوم تسويقه في العالم الثالث من طرف مؤسسات مالية عالمية كصندوق النقد والبنك الدولي…لإنعاش اقتصاديات هذه الدول ومن ثم استخلاص ماعليها من ديون وتأهيلها لموجبات نظام العولمة الجديد القاضي بفتح الحدود وإلغاء الرسوم الجمركية لتتحول إلى أسواق مربحة ومجالات حيوية للاستثمار.
-2 – أجهزة الحكم:
أما التعريف الثاني فيحيل على أنظمة العمل المتطورة التي ينبغي تبنيها داخل مختلف المجالس
و الأجهزة التداولية والتنفيذية لترشيد القرار وتعزيز التشاركية وتسريع وتيرة المنجز وخلق دينامية اجتماعية تروم إحداث التوازن بين النمو الديمغرافي والنمو الاقتصادي وضبط المتواليات الحسابية والهندسية على مستوى الإنتاج في اتجاه الرفع من معدلات النمو وتحسين الدخل…ولن يتحقق ذلك إلا بتطبيق المواثيق والنصوص التشريعية وتمرينها وتحيينها لتواكب المستجدات وتتأقلم مع الوضعيات والظرفيات الجديدة كالميثاق الجماعي 00 78 / 02 القاضي بدمقرطة انتخابات أعضاء المجالس وفق تعاقدات مبنية على برامج عمل قابلة للإنجاز وعلى قيادة جماعية مؤهلة متناغمة مع مجموعة الإنجاز على أساس توزيع الأدوار والمهام…
3-الهدف من الحكم:
فإذا كان التعريف الأول يركز على المدخلات والتعريف الثاني يشير إلى أدوات تنفيذ العمليات فإن التعريف الثالث ينصب بالأساس على المخرجات التي تحدث تنمية بشرية واقتصادية ومعرفية وروحية و…ينعم فيها الوطن والمواطن داخل مربع الأمن والأمان بالعيش الكريم و بالسلم الاجتماعي المرتكز على:
-1 – القيادة الرشيدة.
-2- التحكم في الأداء.
-3- التواصل المتعدد الأبعاد.
-4- التنمية الشاملة والمستدامة.
***- أنواع الحكامة:
إذا كانت الحكامة هي:" علم التحكم أو القيادة في الأحياء والآلات ودراسة آلية التواصل في كل منهما" على حد تعبير عالم الرياضيات الأمريكي نور برت فينر فإن مجالات تطبيقها تتعدد وأشكالها تتباين فمن مجال السياسة إلى الاقتصاد فالتعليم والإدارة …ومن الحكامة التدبيرية المركزية إلى الحكامة التدبيرية الجهوية فالإقليمية والمحلية…
أ- الحكامة التدبيرية المركزية: وتتم داخل مراكز صنع القرار وصياغة الإستراتيجيات الكبرى المسنودة بأطر قانونية مرجعية من قبيل الظهائر والمراسيم والمقررات لتحافظ على ثوابت السياسة العامة للبلاد في قطاع معين كثوابت منظومة التربية والتكوين الساعية إلى المحافظة على التوازنات العامة بين الاختيارات العمومية والاختيارات الخصوصية وبين الكفاءة الداخلية والكفاءة الخارجية للنظام التعليمي وبين التعليم النظامي والتعليم غير النظامي واستراتيجيات التسيير و التعليم الأساسي المسنودة بمبادئ الإجماع الوطني : المغربة ، التوحيد ، التعريب ، التعميم والاستراتيجيات الحديثة في مجالات التدريس والتدبير والتمويل والتقويم والاستشارة والتوجيه…
ب- الحكامة الجهوية: وتتدخل كوسيط بين السلطة التربوية المركزية والسلطات التابعة لها في الأقاليم والنيابات لتيسير تطبيق الاستراتيجيات وتنفيذ التوجهات الكبرى للسياسة العامة عن طريق التكوين وإعادة التكوين واستكمال التكوين والتعبئة والتمويل وتكييف النصوص مع الوضعيات والظرفيات والخصوصيات.
ج- الحكامة التدبيرية الإقليمية: وتتولى مقاربة المفهوم داخل أقسامها ومصالحها لخلق شروط إنجاح الاستراتيجيات على أرض الواقع وتوفير آليات الاشتغال وتعبئة الموارد البشرية والمالية والمادية والمعلوماتية لربح الرهانات وكسب التحديات والارتقاء بالتحكم والقيادة…
د- الحكامة التدبيرية المحلية: وهي التي من المفروض أن يمارسها مجلس تدبير المؤسسة بعد ترقيته من درجة الاستشارة إلى درجة اتخاذ القرارات وسن التشريعات في إطار من الاستقلالية وعلى قاعدة الابتكارية والانسجام بين أداء فريق العمل ومكونات المجتمع المدرسي والمتعاملين معه … وبعد دمج المؤسستين: مؤسسة المدير ومؤسسة مجلس التدبير في قيادة تربوية جماعية.
****- قيمة الحكامة:
إذا كانت الحكامة آلية تطبيقية لعلم السيبرنيتيك ومقاربة متطورة في مجال التدبير والتصريف والتواصل والقيادة وضبط المدخلات والتحكم في العمليات وتجويد المخرجات فإنه آن الأوان لخلق شروط إنجاح هذه المقاربة بواسطة المفهوم وتعميم تطبيقاتها لأنه : " لامدرسة جيدة بدون نيابة جيدة ولا نيابة جيدة دون أكاديمية جيدة ولا أكاديمية جيدة دون وزارة جيدة."
1 Comment
c’est pour quand la 2eme partie