محامون … ومحامون
كثيرة هي المهن التي أثبتت وجودها بفعل التقادم أوب"الأقدمية"بحسب تعبير الوظيفة العمومية،وطبيعة هذا الإثبات أملتها الحاجة والضرورة.فالقاضي يفصل في المنازعات ويقرر الجزاء،والمعلم يلقن الدروس ويربي الأجيال،والطبيب يحرص على صحة الأفراد والجماعات..الخ.هذه المهن وغيرها كثير،هي وليدة الطلب العمومي،وهي صميميةفي الوجود من حيث أداؤها ادوارا أساسية لا غنى عنها،وغياب أحدها أو بعضها لا شك وان يحدث شرخا واضحا في توازن الأداء المجتمعي.
غير ان تسارع نمط الحياة والتعقيدات المرتبطة بهذا التسارع عجلت بظهور مهن حرة تعمل بالموازاة أو بالتداخل مع المهن القائمة أصلا،والمحاماة واحدة من هذه المهن،إذ قيل ان هذه ان هذه المهنة جاءت لمؤازرة المتقاضي حينا،ولمساعدة جهاز القضاء حينا آخر،ولضمان محاكمة عادلة أحيانا أخرى.وكل هذه التعابير ما هي إلاتلميح مبطن لقصور جهاز القضاء،وحده،عن الوفاء بالمطلوب،أي إجراء المحاكمة العادلة والنزيهةبالشروط التي يرتضيها جميع الأطراف،وهذا برايي عجز لا يمكن تبريره إذا افترضنا الأهلية والنزاهة والشفافية في سيرورة إجراءات التقاضي.ثم أن جهاز القضاء،وإن ارتضى لنفسه العمل بالتعاون مع هيئة الدفاع،فليس ذلك إلامن قبيل التغطية على شطط محتمل حصوله بفعل عسر المساطر وشوائب التحقيقات،والحالة ان المواطن العادي تتجاوزه هذه المثبطات،فيرتمي بوعي أو بدونه بين احضان المحامي،رغبة في استرداد حق مغتصب أورد اعتبار لكرامة مهدورة،او حتى لدواعي نفسية كإثبات الغلبة مثلا. وبما ان العناصر الثلاثةتتداخل مع بعضهافي اتصال وانفصال فإن مهنة المحامي مافتئت تنتعش على حساب مهن أخرى بديلة،فضلت أن تركن في الصف الخلفي للمشهد المجتمعي (أحيل هنا على دورالجمعيات الأهلية ودور الوعاظ والمرشدين)
وإذا تحرينا الموضوعية والصراحةفي شأن مهنة المحاماة،إوكان واجبا التسليم بدورها في منظومة القضاء،فلا بد من التمييز بين صنفين من المحامين:
_الصنف الأول،وهو الذي يتشكل من محامين متفرغين ومتضلعين في بنود القانون بجميع روافده،نزهاء الجريرة، أصفياء السريرة.لا تزحزحهم في سبيل إحقاق الحق أهواء،زلا تجرفهم عند التجذيف نحو تحقيق العدالة انواء.يقبلون على القضايا غثها وسمينها سواء بسواء،ولا يعانقون السياسة إلا بقدرما يدعم ثقافتهم الحقوقية.
_اما الصنف الثاني فيندرج في إطارهأشخاص يسكنهم الحس المقاولاتي وتذهب بتلابيبهم إغراءات المال وسلطانه.لا يقبلون على إحقاق الحق إلا بقدرما في جعبته من عملة صعبة،ولا يراهنون على القضايا العمومية الشائكة لأن في ذلك احتمال للخسارة.بينما لا يتوانون في التهافت على ملفات التعويض والتأمين..وكل القضايا المغموسة في دسم المال..وهم إن آزروا موكليهم استغفلوهم بوازع ضعف درايتهم بفصول القانون ومساطر تنفيذه،فيعملون عمل المنشارما بين أرزاق هؤلاء التعساء وشركات التأمين التي تتكفل بتعويض الملفات .فياخذون من هنا وهناك دون رقيب او دليل إثبات.
ومن ميزات هؤلاء أنهم لايقبلون على السياسة إلا لتلميع مواقعهم وجلب السعد الذي تجسده قاعات الإنتظار بالمكتب،حينما تكون مملوءة عن آخرها،ولا يهمهم مدى انعكاس توجههم السياسي،إن كان لهم ،على أدائهم الحقوقي .وسيادة هذا الصنف من المحامين دليل على انحسارالعدالة وتحولها إلى مجرد سوق للدلالة تحتكر القضايا المعروضة عليها بناء على مردوديتها ونفعها المادي،بينما يتم استبعاد غيرهاباقتراح إعادتها،في أفضل الأحوال، إلى مربع الصلح من جديد.
2 Comments
سلام الله عليكم أستاذي الفاضل محمد اقباش، فمهما كان من سالف الاختلاف يظل قلمكم في من الصواب ما يوجب التقدير والاحترام. والله الموفق والمعين على أداء كل منا رسالته ضمن القانون والضمير المهني وأخلاقيات المهنة. وما دمنا في العالم المتخلف فلكل منا أصناف. شكرا على المقال.
أحيي في الأستاذ قريش موضوعيته و رحابة صدره، فلو كنتم من الذين يستلذون الإطراء والمديح لكانت ردودكم على كل من اختلف معكم في الرأي إقصائية . والحالة انني أتتبع جل مساهماتكم عبر الصحافة الإلكترونية وأثمن رغبتكم في تحريك النقاش العمومي في المسألة التربوية بعيدا عن الإثارة . وفي موضوع الإختلاف تعلمون سيدي أن له منهجية وغاية وسياق. فمنهجيته احترام شروط التدافع وحدود اللياقة وغايته التعديل أو طرح البديل وسياقه هو الظرفية التي لااحد يستطيع ضمان ديمومتها . وما اختلافي معكم فيما سبق من مواقف عبر جريدة الصباح إلا مبادرة شكلية لا تمس الإحساس المشترك بضرورة فعل شيء ما من أجل أن نبرح شرنقة لفتنا بها اختيارات حكومية مهزوزة لا تستقر على حال