الديموقراطية في عصر العولمة…ليست الديموقراطية هبة من السماء لشعب عاجز

الديمقراطية في عصر العولمة
"ليست الديمقراطية هبة من السماء لشعب عاجز"
نعمل هنا على تعريب استجواب وقعته مجلة علوم إنسانية مع المفكر الأمريكي بنيمبن بار بارBenjamin Barberالذي يحاضر بجامعة نيو جرزي منذ سنة1969فهذا المفكر ذو ثقافة متشعبة بحيث يصعب تصنيفه،فبالإضافة إلى كونه عالم سياسة ،فهو فيلسوف وخطيب ،أسس مركزا يهتم بالدراسات النظرية والتطبيقية للديمقراطية،ألف العديد من الكتب من أهمها :"الديمقراطية القوية" "وdjihad Versus Mc world "جهاد ضد ماك وورلد ثم" الامتياز والمساواة"000 يحاول هذا المفكر أن يجد حلولا ملموسة للمشاكل التي تعترض النوع الإنساني انطلاقا من قوانين الفكر مما دفع به إلى التفكير في نموذج "الديمقراطية التشاركية" التي تتأسس بدءا من المجتمع المدني0
سؤال :إنكم تقودون منذ سنوات تفكيرا نقديا حول الديمقراطية الليبرالية ،ما الذي دفع بكم إلى مثل هذا التفكير؟
جواب:إن السنوات التي قضيتها في أوروبا في سن المراهقة كانت حاسمة فبعد دراستي في إنجلترا انتقلت إلى سويسرا لدراسة الفلسفة السياسية والأخلاق ،في هذه الحقبة أحسست بوجود أشكال متنوعة للديمقراطية بعدما كنت أعتقد في وجود نموذج واحد هو الأمريكي0 السويسريون مثلا لم يكن لهم إعلان عن الحقوق الفردية على شاكلة ميثاق الحقوق الأمريكي ذلك أن ديمقراطيتهم كانت لامركزية في العمق حتى على مستوى الجماعات المحلية0عبر حالة سويسرا اكتشفت بأن دستورا ديمقراطيا لاقيمة له ما لم يكن مكيفا مع تاريخ شعب ما،من هنا يأتي اهتمامي بفلاسفة مثل رو سو الذي كان على وعي بأنه إذا كانت المبادئ الديمقراطية كونية فإن على المؤسسات الديمقراطية أن تتكيف مع السياقات الخاصة للثقافات الوطنية،ولقد تفطن رو سو إلى أن حق ملكية الأرض كما كان يوجد في سويسرا يؤدي إلى دستور ديمقراطي مخالف للدساتير التي فكر فيها من اجل دول أخرى0كل هذا حثني على متابعة أثر نقدي لكارل بوبرـ الذي كان لي حظ متابعة دروسه في لندن ـمن خلال كتابه المهم "المجتمع المفتوح وخصومه"وكان يقصد المجتمعات المفتوحة في مقابل الأنظمة الاشتراكية القائمة في أوروبا الشرقية،وتبعا لهذا التحليل فإن المجتمعات الأمريكية والإنجليزية هي الوحيدة التي تجسد المجتمعات المفتوحة ومن ثم الديمقراطية،والحالة هذه لم أكن مقتنعا ليس فقط بوجود خيارات على الديمقراطية الليبرالية لكن أيضا بأن هذا النوع من الديمقراطية قد بلغ نهايته0بدون شك كانت الديمقراطية الليبرالية ـمع الليبراليةـ ونظرية الحقوق بمثابة أدوات للمقاومة الفعالة ضد هيمنة الحكم الفردي ،لكن تبدو قواعدها حاليا أكثر هشاشة مادام كل شيء يسير اليوم في نهج العولمة :المقاولات
الوسائط، المبادلات،ما عدى المؤسسات الديمقراطية التي تحافظ على طابع وطني0
سؤال:لنصل إلى الكتاب الذي رفع من شهرتكم بفرنسا Djihad versus Mc Worldجهاد ضد ماكوورلد(النظرة التقليدانية ضد النظرة الحداثية)الذي تصفون فيه تحديات الديمقراطية في عصر العولمة فلماذا هذا العنوان؟
جواب:إنه صيغة لتلخيص منظورين متناقضين تطورا في سنوات 80/90 فمن جهة المنظور الذي يدافع عنه "فوكوياما"القائل بأنه نتيجة لفشل الاقتصاديات المنظمة يتوجه العالم نحو طريق الاندماج تحت تأثير اقتصاد السوق ،
ومن جهة أخرى المنظور الذي يلوح به كل من "روس كابلان" و"صاموئيل هنتنجتون"والذي يرى بأن العالم يسير نحو إعادة تقسيم قبلي عشائري،فمن له الحق هل الليبراليون "الموحدون"الذين يرون بأن العالم يتوحد أم العشائريون والقبليون الجدد الذين يرون بأن العالم يتفتت ويتجزأ ؟إذا تعمقنا في المسألة نقول بأن عالما يتوحد لايمكن فضلاعن ذلك أن يتجزأ اللهم إذا كان المنطقين اللذين أطلق عليهما ماك وورلد وجهاد يقيمان علاقة دياليكتيكية0كفيلسوف سياسي،يكمن التحدي الذي يجب رفعه في نظري في تقديم رؤية تركيبية تأخذ بعين الاعتبار العلاقة بين المنطقين معا
بمعنى آخر لا أهتم بالعولمة وبالخصوصيات بقدر ما اهتم بالعلاقات المتواجدة بين التيارين المشتغلين في كل مكان من العالم وبالتالي بتأثيراتهما على الديمقراطية0
سؤال: هل ترى بأن الإسلام الأصولي هو القوة المعارضة الوحيدة للعولمة وبصيغة أخرى لماك وورلد؟
جواب:إنني أعترف بثقل لفظ الجهاد حيث اعتقد الكثير بأنني أرى في النزعة الإسلامية المنبع الرئيسي للأصولية،وهذا مالم أذهب إليه لأن النزعة الإسلامية لها إمكانات ديمقراطيةلاتقبل الجدل ،فالجهاد في تحليلي ما هو إلا استعارة مادام يحمل بالفعل كل الخصوصيات الدغمائيةالتي نلاحظها عند المسلمين وكذلك عند المسيحيين (البروتستانت والكاثوليك) وعند الهنود وأيضا عند الحركات العلمانية واللائكية،أي كل الحركات التي تطالب بهوية إتنية0كل هذه الظواهر تشترك في التعبير عن رد الفعل ضد القوى المجسدة من قبل الماك وورلد،فلفظ جهاد ليس لفظا قدحيا في حد ذاته،إنه من نواحي أخرى تقليد له فضائله:أو ليس هذا التقليد حاملا لانتقادات مبررة لمجتمع ينتظم للدفاع عن مصالحه؟
سؤال:وماذا يغطي لفظ ماك وورلدبالضبط؟
جواب:إنه يشير إلى شيء أكبر من الشركات المتعددة الجنسية،كقوى الإدماج المشتغلة على المستوى الكوني والتي تتنافس نحو تجديد الرأسمالية ،إننا ننتقل بالفعل من رأسمالية مؤسسة على التصنيع والإنتاج بالجملة للخيرات الدائمة
(السيارات،الثلاجات،التلفزات) إلى رأسمالية قائمة على الإعلام وتطور صناعة ترفيهية ،بدل إذا النظام الرأسمالي طبيعته تحت تأثير العولمة0يعترض البعض بقولهم بأن هذه العولمة قديمة أكثر مما نعتقد ،بما أن حصة التجارة العالمية كانت غداة الحرب العالمية الأولى بالنسبة للثروات المنتجة نفسها تقريبا على ما هي عليه اليوم،وأن الشركات المتعددة الجنسية ظهرت منذ بداية القرن 20 الخ0أكيد،لكن المهم هو أن التبادلات لم تكن تتعلق إلا بالمواد الأولية والخيرات المصنعة يدويا ،أما اليوم فالتبادلات تنصب على الخيرات اللامرئية أو المفترضة، وماك وورلد يشير إلى هذا الواقع حيث بزوغ اقتصاد قائم على الإعلام والترفيه ،مجسد من قبل الشركات المتعددة الجنسية والتي لا تتخذ كأسماء لها "فورد" وجنرال موتور" لكن" ماك دونالد"وماك نتوش" وأيضا "CNN"ومايكروسوفت"ونايك"0
سؤال:إذا اختزلنا السيرورات الكونية إلى هذين التيارين(جهادوماك وورلد)ألا تخشون من عدم تقدير العوامل الأخرى التي تميز الخصوصيات؟
جواب: بدون شك توجد اختلافات مهمة بين حزب الله الإيراني والإخوان المسلمين في مصر،وتاريخ الأصولية البروتستانتية ليس هو تاريخ الأصولية الإسلامية،هذا واقع ،لكن ليس المهم هو التلويح بالخصوصيات لاستخراج مكامن القوة نظرا لعدم وجود نظرية ممكنة0من خلال كتابي كنت أريد اقتراح نظرية للعالم الحالي ،ذلك أن القوات التي أحشرها تحت مصطلح جهاد هي بدون شك مختلفة سوسيولوجياوانثروبولوجيالكنها تقتسم نفس قابلية رد الفعل ضد العالم المعاصر، فعندما يرفع أفراد حزب الله شعارات معادية للولايات المتحدة فهم يقتسمون بعض الأشياء مع الإخوان المسلمين ومع المناهضين الذين يحتقرون الصناعة الثقافية المجسدة من قبل هوليود وديزني ،فكل هؤلاء يقاومون ما يعتبرونه تهديدا لقيمهم الخاصة وهذا موقف مشترك أتمنى أن أعمل على توضيحه0
أريد أن أبرز الكيفية التي يردون بها على تظاهرات الماك وورلد ولكن أيضا كيف يفرز منطق ماك وورلد بشكل من الأشكال هذه القوى المتناقضة،وكيف يتنافس "جهاد وماك وورلد"جميعا لاعادة النظر في الدولة القومية وأسس الديقراطية0
سؤال:لنأخذ مثالا جديدا،كيف يمكن لشبكة التحليل التي وضعتموها أن تساعدنا على فهم الصراع الذي يدور في يوغسلافيا السابقة؟
جواب:إن مثال كوسوفو مهم جدا في الحالة التي يضع في تقابل المنطقين وهما يشتغلان على المستوى العالمي لما
أسميه جهاد وماك وورلد والدعم المتبادل الذي يولدانه0 كان الصحفي Tom friedmanمن نيويورك طايمز
قد أعرب عن فكرة مفادها أن دولتين يتواجد بهما ماك دونا لد لا يمكنهما أن يتقاتلا،إنه ملخص كاريكاتوري للأطروحة التي ترى بأن الديمقراطية هي ترياق الحرب،وأن ديمقراطيتين ليس من طبيعتهما الدخول في صراع الواحدة ضد الأخرى 0 إن الواقع يكذب هذه الفكرة ذلك أن الماك دونا لد يوجد في كل أنحاء العالم بما فيها الدول المتصارعة وبما فيها بلغراد0بالرغم من المظهر الطريف لهذا المثال فإنه يوضح تعقد الأشياء أكثر مما توحي به النظرة الثنائية التي نحملها عن العالم والتي نميز بواسطتها من جهة بين دول متقدمة وديمقراطية ومن جهة أخرى بين دول منغلقة وغير قادرة على الانفتاح على الحداثة0وخلافا لما اعتدنا قوله فإن يوغسلافيا لم تكن دولة ديكتاتورية ،فقبل أزمة كوسوفو كانت المحطات الإذاعية تذيع الموسيقى الغربية وتوجه نقدها لسلطة ميزولفيتش،فحالة يوغسلافيا هذه أحسن مثال على تعايش واشتغال المنطقين في آن واحد داخل نفس المجتمع 0إن هذا التحابك يتيح الفرصة لمواقف لانوليها قيمتها ذلك أن العلاقات الموجودة بين جهاد وماك وورلد لها دلالات كثيرة،فمن ضمن الصرب الذين كانوا يقتلون الألبان من كان ينتعل أحذية من نوع Adidasويضع على أذنيه آلة Walkmanمن نوع Sony
يمكن أن نضاعف الأمثلة حيث أتذكر صورة أخذت إبان الحرب في جنوب إفريقيا تبين زنجيا مجروحا إلى حد الموت من قبل زنجي آخر ،فالأول كان يرتدي قميصا كتب عليه “NY Yankees”والثاني قميصا كتب عليه
“Chicago Bulls” هكذا وبالرغم من صراع الرجلين حول مقاييس إثنية فإنهما بلباسهما كانا يعلنان عن انتمائهما لماك وورلد0نستنتج أ ن لكل واحد منا هويات متنوعة ،حيث يمكن أن أكون مسلما ألبانيا من الكوسوفو وفي نفس الوقت من أنصار جور دان لاعب كرة السلة ومنصتا للموسيقى بواسطة الولكمان0لكن السؤال الجوهري يتمثل في معرفة ما إذا كانت هناك مكانة للتعبير عن الهوية المواطنية0
إن هذه الحركة الجدلية بين تأكيد الخصوصيات والحداثة غير ممكنة في غياب الوسائط الجديدة وتقنيات التواصل المعاصرة،تذكروا هنا الطريقة التي استعمل بها الحكم الصربي قناة CNN في صراعه ضد الحلف الأطلسي ،ويمكن هنا التجسيد الفعلي لهذه العلاقة الجدلية بين جهاد وماك وورلد:إننا نقاوم ماك وورلد باعتماد وسائل ماك وورلد
وهنا يتعلق الأمر بتحويل الإيديولوجيات إلى فيديولوجيةVideologie0
سؤال:بماذا يتعلق الأمر؟
جواب:بالرغم من أن التفاوت سيظل قائما فإن المجتمع الاستهلاكي ساهم بشكل فعال في تجنيس الطبقات الاجتماعية،فكيفما كان انتماؤكم الطبقي فأنتم خاضعون لنفس الصور ولنفس الأصوات هذا ما أطلق عليه الفيديولوجيا وهي مرتبطة بدقة بفضاء الإشهار وعالم الوسائط والإنتاج الموسيقي الخ00إنها أكثر ضبابية واقل دوغمائية من الإيديولوجيات السياسية التقليدية لكنها تتنافس من أجل إبداع حساسية مشتركة عبر العالم الذي هيأ لنشر قيم جديدة تكون الأسواق في حاجة إليها 0ففي الوقت الذي تحث الإيديولوجيا على كلمات من طبيعة تعبوية فإن الفيديولوجيا تؤثر على العقول بدون ضجيج 0
سؤال:عندما ننصت إليكم وأن تتحدثون يمكن القول بأن حكم الأخ الأكبرBig brotherقد حل؟
جواب:لا ليس هناك أية علاقة بالأخ الأكبر الذي يوحي بوجود سلطة مركزية المفروض فيها مراقبة الأفعال والحركات عند كل واحد ،بينما الفيديولوجيا تصف نثريا أشكال التشريط ضمن مجتمع حداثي 0كان الطغاة من قبل يخضعون الناس بالسلاح والخوف أما الآن فإن هذا النوع من السلوك يترك مكانه لتشريط العقول ليس من فوق بل بالعكس، وهذا ما أ بحث فيه بغية توضيحه بواسطة الفيديولوجيا0يغذي المجتمع الاستهلاكي وهم حرية اختيار الأفراد،لكن هل يجب أن نتوفر على إ مكانية الاختيار بالفعل؟0بإمكانكم بدون شك اختيار لون سيارتكم ونوعها لكن ليس لديكم دائما إمكانية اختيار وسيلة نقلكم هنا يكمن الفرق بين الاختيار العمومي والاختيار الخاص،فسكان لوس أنجلوس لهم إمكانية اختيار سيارتهم لكنهم لا يملكون إمكانية استعمال النقل العمومي0من هنا الطابع الطريف الذي يكمن في الرهان على إمكانية التأثير في اختيارات المجتمع0لايتعلق الأمر عندي بمعرفة ما إذا أردنا التوفق في خلق "المجتمع الديمقراطي"وإنما بالأحرى في معرفة ما إذا كانت هناك إمكانية لاختيار عمومي مفتوح وما إذا كان المواطنون قادرين على التأثير في توجهات تطور العالم0
سؤال:نصل إذا إلى موضوع "الديمقراطية القوية "فما القصد منه؟
جواب: إنه يهتم بإرساء قواعد الديمقراطية المباشرة وتقوية مساهمة المواطنين في اتخاذ القرارات العمومية محليا وطنيا وعالميا0 تمر الديمقراطية القوية محليا ووطنيا عبر تجمعات الأحياء والندوات أما دوليا فان الاستراتيجيات بسيطة ومعروفة تتمثل في تقوية التعاون بين المنظمات الدولية الموجودة وغير المفعلة كمنظمة الأمم المتحدة والمكتب الدولي للشغل 000ثم العمل على تقوية المنظمات غير الحكومية للتصدي للمنظمة العالمية للتجارة وصندوق النقد الدولي0
أما مسألة تشكيل حكومة دولية فهو في نظري مسألة وهمية ،ومهما قيل فإن الدول القومية تبقى هي الفاعلة الأساسية وبالتالي فإن المسألة لم تعد مرتبطة بمعرفة ما إذا كنا نتخيل أو لا حكومة دولية وإنما يتعلق بمعرفة ما إذا كان المواطنون قادرين على المحافظة والتحكم في السيرورات المشتغلة حاليا في العالم ولا يتحقق هذا إلا عبر تدويل المجتمع المدني لكن كيف نخلق مجتمعا مدنيا ضمن محيط دولي؟في نظري يجب البحث عن الحل في الجانب الكونفدرالي 0نعود هنا إلى بداية حديثنا يعني إلى سويسرا ذلك أن اتحادا كونفدراليا يمكننا من المحافظة جميعا على أجزاء وطنية متصارعة ضمن تحالف رخو مع العمل على توفير استراتيجية تدريجية للإدماج،أما بالنسبة للدول التي تستحوذ عليها توترات داخلية مرتبطة بالجهادوبماك وورلد فإن الاتحاد الكونفدرالي يشكل طريقا ثالثا بين النموذج المركز والديمقراطية الليبرالية،وهو يسمح أيضا بتجاوز التعارض بين الفردانية والنزعة الجماعية0
إعداد قو يدر عكري وجدة عن علوم انسانية
Aucun commentaire
ON VOUS SOUHAITE BON COURAGE.a vous et a l’enssemble de votre groupe.bonne chance.