وقفة مع إعجاز القرآن الكريم
استضافني مشكورا ومأجورا إن شاء الله تعالى الأخ الكريم الدكتور عبد المجيد بالعابد الأستاذ بكلية العلوم بجامعة وجدة ،وهو أستاذ باحث شغله الشاغل الإعجاز العلمي في القرآن الكريم ، وقد كان وراء زيارة العلامة الدكتور زغلول النجار لمدينة وجدة ، وقد أثنى الدكتور النجار على بحوثه القيمة ، استدعاني مشكورا لتسجيل حلقة من حلقات إعجاز القرآن والسنة التي يشرف عليها بالإذاعة الجهوية بوجدة فكانت مداخلتي كما يلي جوابا عن أسئلته : أصل كلمة إعجاز لغويا : من المعلوم أن اللغة العربية لغة اشتقاقية، يعتبر الجذر الثلاثي فيها أصل الكلام سواء كان هذا الجذر فعلا أم مصدرا. وكلمات إعجاز وهي مصدر مشتق من الجذر ( عجز ) الدال على الضعف وعدم الحزم. والعجز يسمى أيضا المعجزة بفتح الجيم وكسرها أيضا ، وقد وردت في حديث عمر ( ولا تلثوا بدار معجزة ) أي لا تقيموا ببلدة تعجزون فيها عن الكسب والتعيش . والعاجز مهما كان عجزه يعاني من ضعف ، فالعجوز من أضعفه الهرم ؛ والعجيز من فقد القدرة على الوطء. والعجزة بكسر العين وتسكين الجيم آخر ولد العجوز. والأعجاز أواخر الأمور ؛ والأخير من الأمور متخلف عما تقدمه. وتسمي العرب بعض أيام النوء وهي خمسة أيام في أواخر الشتاء أيام العجوز لتأخرها وتعرف بالمستقرضات وهي صنٌ (بتضعيف النون) ، وصنبر( بتضعيف النون وتسكين الباء) وأخيهما (بصيغة التصغير) وبر( بتسكين الباء) ،ومطفئ الجمر ،ومكفئ الظعن . وهذه المادة اللغوية ( عجز) العين والجيم والزاي حسب نظرية ابن جني في اشتقاقه تدل إذا ما اجتمعت وفي كل صيغها المستعملة على ضعف ، ذلك أن (عجز) تعني ضعف ، و(جزع ) تعني لم يصبر ، و(زعج ) تعني صاح وقلق ،و(عزج) تعني دفع .
وتبقى صيغتان من المهمل الذي لم يستعمل. وإذا كانت هذه المادة اللغوية تحيل على الضعف في دلالتها فإن الزيادة فيها من خلال حروف الزيادة تحول دلالتها إلى نقيض الضعف وهو السبق والتفوق والفوت . قال الأعشى: فذاك ولم يعجز من الموت ربه ++++ ولكن أتاه الموت لا يتأبق وسميت المعجزات كذلك للدلالة على سبق الأنبياء صلوات الله عليهم غيرهم في أمور. ويقال أعجز الإنسان في كلامه إذا أدى معانيه بأبلغ الأساليب. وهذه المادة اللغوية تكررت في القرآن الكريم حوالي خمس وعشرين مرة كالتالي: ـ سورة المائدة الآية 31 [ قال يا ويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب ] بمعنى ضعفت. ـ سورة هود الآية 72 [ قالت يا ويلتي أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا ] بمعنى مسنة ، وههنا وقفة طريفة ، فزوج هذا النبي الكريم نسبت العجز لنفسها ولم تصف به زوجها وإنما وصفته بالشيخوخة ؛ ولو نسبت له العجز لقالت وزوجي عجيز. ـ سورة فاطر الآية 44 [ وما كان الله ليعجزه من شيء في السموات ولا في الأرض ] بمعنى لن يسبقه ولن يفوته أحد . ـ سورة العنكبوت الآية 22 [ وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء ] بمعنى غير سابقين لا في أرض ولا في سماء ، وههنا وقفة أيضا فقد نزل كلام الله هذا ولما يطير الإنسان في الفضاء ، ولو فهم أن المقصود بمن في السماء غير البشر لاستقام المعنى أيضا. وفي قراءة [ معجزين ] بفتح العين وكسر الجيم بمعنى مثبطين لأن التعجيز هو التثبيط. ـ سورة الجن الآية 12 [ وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هربا ] بمعنى لن نسبقه، وقد تم تصريح الجن بالهرب إشارة للسبق. ماذا يعني إعجاز القرآن ؟؟؟ الله عز وجل أعجز في كلامه بمعنى سبق وجاء كلامه بأبلغ الأساليب .
وكلمة أبلغ من البلوغ والبلاغة وهما الوصول والانتهاء ولهما علاقة بالسبق، والإعجاز سبق كما مر بنا. ولبيان بلاغة الكلام تحدث علماء البلاغة عن كلام مساو للمعنى وآخر موجز له، وثالث مطنب فيه. فالمساواة هي أداء المعنى بلفظ على قدره، والإيجاز هو أداء المعنى بلفظ أقل منه ولكنه واف به، والإطناب هو أداء المعنى بلفظ زائد عنه ولكن لفائدة فيه. وقد سبق القرآن كلام البشر مساواة وإيجازا وإطنابا ، وإن كان بعض العلماء يرون أن هذا التقسيم لا ينسحب على القرآن الكريم لأن كلام الله عز وجل كله إيجاز، وأنه ليس بوسع أحد أن يأتي بأقل مما يمكن أن يسمى إطنابا في القرآن ويكون هذا الإطناب في الحقيقة إيجازا خاصة وقد استحسن الإسلام الإيجاز في الكلام لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد الصحابة : ( يا جرير إذا قلت فأوجز وإذا بلغت حاجتك فلا تتكلف ) . وقول البلاغيين: البلاغة مطابقة الكلام لمقتضى الحال يناسب كلام الله عز وجل، وهم التعبير المناسب على الإعجاز ذلك أن الله عز وجل أعلم بكل الأحوال لهذا يطابق كلامه هذه الأحوال، وهو ما لا يتأتى للبشر لعجزهم عن استيعاب كل الأحوال. ومنا سبة الكلام لمقتضيات الأحوال معناه الدقة المتناهية في اختيار الكلام ووضعه حيث يجب أن يوضع. والناس في كل عصر ومصر يحاولون مطابقة كلامهم لمقتضيات أحوالهم بما ينتجون من نثر وشعر ، ولكنهم يتفاوت كلامهم بتفاوت أحوالهم ، ويختلفون في الحال الواحدة فيختلف كلامهم فيها ؛ وهذا دليل على حجزهم عن السبق في الكلام ؛ فهم يتسابقون في ما بينهم في الكلام ويسبق بعضهم بعضا ؛ ولكنهم عاجزون عن مسابقة كلام الله عز وجل أو سبقه. فهو سبحانه صاحب الإدراك التام الكامل للأحوال ؛ وصاحب مطابقة الكلام الكاملة التامة لهذه الأحوال. بعض أوجه الإعجاز : أو ما يثير الانتباه في القرآن الكريم تأليفه الصوتي؛ وهو لحن غريب عجيب متميز في اتساقه وائتلافه. ويختلف عن التأليف الصوتي لغيره كالشعر مثلا . فالشعر إمكانياته الإيقاعية محدودة بالرغم مما حاوله الناس من تنويع فيه شمل البحور والقوافي والأشكال ، فنهاية إيقاع الشعر هو العود على البدء مما يعني الرتابة خلاف القرآن الذي ينفتح إيقاعه لهذا يتنوع أداؤه بين تجويد وترتيل وحدر وإنشاد … وأداء فردي وثنائي وجماعي ، لهذا أشكل على الناس تصنيفه إذ يؤدى بطرق أداء النثر ، وطرق أداء الشعر ، وطرق أخرى لا يؤدى بها النثر والشعر. وهذا سبق وإعجاز على مستوى التأليف الصوتي. ومما يلفت في القرآن أيضا الإجادة المطلقة التي لا تتأتي في كلام البشر ذلك أن الشاعر أو الكاتب يعلو وينحدر كلامه، فيكون جيده نادرا، ويكون توسطه غالبا، وتزيد وتنقص رداءته. وكلام الله عز وجل جيد دائما لأن لفظه يفي بغرض معناه. ولا يستطيع البشر الجمع بين الأمرين وحاله كما قال أحد الدارسين كحال من يريد الجمع بين ضرتين عدلا وما هو بقادر.
والقرآن لا يحتمل إسقاط شيء من كلامه أو زيادة وهذا دليل الجودة مصداقا لقوله تعالى : [ كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ] فالإحكام والتفصيل إجادة وهي من لدن خبير بهما جل جلاله. ومن الإعجاز الجمع بين خاصية مخاطبة العامة والخاصة ، وهما غايتان متباعدتان عند البشر ذلك أن البشر يخاطبون العامة بالواضح من الكلام ، والخاصة باللمحة والإشارة بينما يخاطب القرآن الكريم العامة والخاصة في نفس الوقت فيجد الكل ضالته في الآية الواحدة علماؤهم وجهالهم ، ملوكهم وسوقتهم ، أذكياؤهم وأغبياؤهم ، وهذ ا معنى تيسير القرآن [ ولقد يسرنا القرآن للذكر]. ومن الإعجاز الجمع بين الإقناع والإمتاع ذلك أن النفس البشرية فيها قوتان : قوة تفكير وسيلتها العقل وضالتها الحق ؛ وقوة وجدان وسيلتها القلب وضالتها اللذة. ولا يستطيع البشر بكلامه أن يحقق ضالة كل قوة في نفس الوقت. فكلام العلماء فيه إقناع وهو جاف ولكنه حق ، وكلام الشعراء فيه إمتاع وفيه رواء ولكنه قد يكون باطلا لقوله تعالى : [ والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون إلا الذين آمنوا ] فالإيمان حق إذا لابس الشعر جعله حقا . أما كلام الله عز وجل ففيه إقناع وإمتاع في نفس الوقت. فالإنسان عندما يفكر يكون فيلسوفا ، وعندما يحس يكون شاعرا ، وكلما غلب جانب فيه اضمحل الآخر إذ لا يتكافؤ تفكير ووجدان ؛ وإنما يتعاقبان . فالفكر يحيل على الوجدان لقوله تعالى : [ إنما يخشى الله من عباده العلماء ] فههنا حل الوجدان محل الفكر ، وهو ما يؤكده قوله تعالى : [ تقشعر منه جلود الذين يحشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ] فهذا وجدان سببه التفكر. ومن الإعجاز أيضا الجمع بين البيان والإجمال، وهما طرفان لا يجتمعان في كلام البشر لأنهما ضدان. فلإنسان إما أن يجمل فيبهم، وإما أن يبين فيلغو. أما كلام الله فيجمع بينهما فيكون لكلامه وجوه عدة صحيحة أو محتملة الصحة. مثال من الإعجاز الذي لا يتنبه له الناس: يقول الله تعالى في سياق الحديث عن بني إسرائيل : [ وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نومن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مومنين ] .
فالظاهر أن الآية فيها إجمال، وهو عبارة عن دعوة بني إسرائيل للإيمان بالقرآن، وجوابهم على ذلك وتعقيب على جوابهم. وبعد التأمل نجد بيان ذلك ما يلي: فدعوتهم للإيمان بالقرآن تذكير لهم بأنهم قد آمنوا بالتوراة ؛ والقرآن والتوراة كلاهما أنزل من عند الله عز وجل ، فكيف يؤمن اليهود بالتوراة ويكفرون بالقرآن ومصدرهما واحد ؟ وقوله تعالى : [ آمنوا بما أنزل الله ] اختصار فيه عدول عن ذكر القرآن ، وذكر التوراة ، وغيرهما من الكتب ، وعدول عن ذكر الرسل الذين أنزلت عليهم هذه الكتب بما فيهم خاتم المرسلين صلوات الله وسلامه عليه. ولما كان جواب اليهود إنما آمنا بالتوراة لأنها أنزلت علينا كان لازم كلامهم كفرا بالقرآن [ نومن بما أنزل علينا ] وهو تليمح بالكفر بالقرآن جاء التصريح به في تعقيب الله عز وجل [ ويكفرون بما وراءه ] . وكلمة ما وراءه تدل على القرآن والإنجيل ، وكلاهما جاء بعد التوراة ، ولا تشمل الإشارة ما قبل التوراة كصحف إبراهيم عليه السلام ، وفي هذا دقة وصف وأمانة تبليغ إذ لو كفر اليهود بصحف إبراهيم أيضا لما كان من معنى لقوله تعالى [ بما وراءه ] . وكرد على مقولة الكفر بالقرآن عند اليهود جاء قوله تعالى: [ وهو الحق مصدقا لما معهم ] ودلالته: كيف يكون إيمانكم بالتوراة باعثا على الكفر بما هو حق مثلها وهو القرآن ؟ فالحق لا يعارض الحق. فقد يكون هذا حقا وذاك حقا ولا يتكاذبان دون أن يشهد هذا لذاك ، فكيف إذا شهد هذا لذلك ؟؟ فالمكذب لمن يصدقه مكذب لنفسه بالضرورة. وههنا يأتي تكذيب اليهود فيما يزعمون من إيمان بما أنزل عليهم وهو قوله تعالى : [ قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مومنين ] فقتل الأنبياء دليل على الكفر بالتوراة ، ذلك أن الذي يؤمن بها لا يقتل الأنبياء . وقتلة الأنبياء هم أسلاف اليهود ومع ذلك جاء القتل بصيغة الحاضر لا بصيغة الماضي [ تقتلون ] وكأن القتل كان من الذين حاورهم القرآن وبيان ذلك أن الاعتقاد يلزم المعتقد. فمن كان على اعتقاد قتلة الأنبياء كان مشاركا لقاتلهم في القتل وهو منطق تقره كل الشرائں والناس اليوم يدانون ويتهمون بالتنظير للجرائم كما يدان من يرتكبها. وذكر الأنبياء في الآية بلفظ عام فيه تنبيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأن اليهود قتلة الأنبياء فاحذرهم ، وبالفعل قد حاولوا قتله مرارا . من خلال هذا النموذج نستطيع معرفة بعض إعجاز القرآن حسب طاقة المتأمل ومستواه في آي الذكر الحكيم. مراجع المداخلة: ـ إعجاز القرآن للإمام الباقلاني ـ النبأ العظيم للدكتور محمد عبد الله وراز ـ الإعجاز الفني في القرآن لعمر السلامي ـ التفسير البياني للقرآن الكريم لعائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ ـ التعبير الفني في القرآن للدكتور بكري شيخ أمين ـ من أساليب القرآن للدكتور إبراهيم السامرائي
6 Comments
السلام عليكم لقد ترددت قبل توجيه السؤال لأن خالي ( معلم) نصحني بأن لا اكتب خوفا من الرد العنيف او من اتهامي لا قدر الله بانني امس بقداسة القرآنالكريم.. فرجاء لا تغضب يا سيد كاتب المقال و أرجو الرد بوضوح من فضلكم و بدون فصاحة ..سؤالي ماذا نفعل إذا كانت النظريات العلمية ( انا تخصصي فيزياء) تتغير و كلما ظهرت واحدة جديدة قلنا لقد قال القرآن هذا؟ السنا نتلاعب بالقرآن يا أستاذ ..و عفوا لا تغضب.
إلى السيد عزيز لماذا ساغضب منك ؟؟ أنت تسال سؤالا معقولا . إذا ما كانت النظريات العلمية في تطور مستمر وكان بعض الناس في كل مرة يقيسونها على ما جاء في القرآن فهذه مشكلتهم وليست مشكلة القرآن
القرآن كتاب دين فيه الحقائق الكونية الكبرى وليس كتاب دقائق علمية جزئية كما يظن البعض
القرأن يتحدث عن خالق سبحانه وعن وجود أوجده هذا الخالق والعلم يبحث في قوانين هذا الوجود
حسب مستويات تطور الفكر البشري فكل مرة يكتشف جانبا من هذه القوانين قد يتجاوزه البحث
وهذا لن يغير شيئا من أن لهذا الوجود خالق أوجده.
فالخطأ فيمن يعتقد أنه قد أحاط بقوانين الوجود إحاطة شاملة فيلجـأ للبحث عما يعتقده تأكيدا
لوجهة نظره في كتاب الله فعندما تتغير وجهة نظره يجد نفسه في حرج ولو أنه تجنب اسقاطات وجهات نظره على القرآن لما وقع في إشكال.
ومع ذلك أقول لك يا سيد عزيز أنه لم يسجل على كتاب الله تناقض مع الحقائق العلمية الصحيحة فلا زالت فكرة التكوير (تكوير الليل على النهار ) وهي إشارة لكروية الأرض على سبيل المثال لم تعرف تطورا وعلى القياس يشتغل العلماء المسلمين على اكتشاف الاعجاز العلمي لكتاب الله في أمور متعددة ولا زالت أمور كثيرة ثابتة لم تتغير
وللتنبيه هناك من يريد النيل من مصداقية القرآن عن طريق القول إن ما يؤكده القرآن اليوم ينفيه العلم غدا والحقيقة أن أصحاب هذا الاتجاه لهم أغراض واضحة وهي تشكيك الناس في كتاب دين من خلال مسار الكشوفات العلمية وعن طريق التعسف في تاويل وتفسير الآيات القرآنية تفسيرا يؤيد اليوم وجهة نظر وينفيها غدا والخلل في قصور أفهام هؤلاء وليس في حقائق القرآن التي لن تناقض الحقائق العلمية الثابتة بالضرورة
وشكرا لك على تعليقك الهام واهتمامك بالموضوع . ومرة أخرى أقول لك لا تصدق من قال لك إنني أغضب بغير سبب إنني أغضب من بشر أو أشباه بشر يتركون موضوع المقال جانبا ويعلقون على كاتبه بالكلام القبيح فأرد على كلمهم بكلام في مستواه فلا يرضيهم ذلك فهم لا ينتبهون إلى عيبهم ولو كان نقاشهم علميا لوجدوا الرد المناسب عليه ولو كان تعليقهم مؤذبا لوجود الرد مؤذبا
تحية وبعد لعل السؤال الذي طرحه السيد عزيز يجد جدواه في التغيرات التي تعرفها المعارف البشرية باستمرار بل والنجاحات الإنساينة في مجال أكثر حساسية ؛ تجعل مسألة الإعجاز متجاوزة ليس لأن النص الديني خال من بعده القدسي بل لأن النص الديني ظل منحصرا في نطاق العبادات ليس إلا الى جانب اشارات لبعض ظواهر الكون بصورة عمومية كان القدماء يلامسونها . والمؤسف هو أن البعض يسعى وبكل ما لديه من خيال جياش على تحميل النص الديني أكثر مما لا يحتمل وقد ساعد ذلك مبدأ التاويل ولعل التأويل يفيد على حد قول ابن رشد تحميل النص معنى غير المعنى المباشر ؛ وهكذا ندخل مجالا يعمل كل مؤول على ادعاء أنه الأقدر على إدراك خبايا النص . وتصور معي لأكثر من 1400 سنة ونفس الحكاية تتكرر . ويبقى مفهوم الإعجاز ذلك المكان الذي يختبأ خلفه المتأسلمون . بينما الأمر واضح ؛ الإعجاز يتجلى في الخلق الإلهي ذلك الخلق المكتمل والمتكامل بلغ دروته في العقل الذي وهبه الله لخلقه . وحتى لا ندخل النص متاهات التأكيد والنفي والنسبية . يجب أن نعود الى مبدأ التنزيه ؛ تنزيه الذات الإلهية ، تنزيه أقوال الله . ودعك من العموميات والخطاب الذي يتقمص البعد القدسي لإحراج المفكرين والمبدعين . إن المعيار الذي يقوم عليه الدين هو الإيمان بالدرجة الأوللى وليس الإعجاز . وبعد الإيمان لا نطلب دليلا اعجازيا لمعرفة الخالق بل نطلب التأمل الوجداني والوجودي لإدراك عظمة الخالق . لا زلت اتذكر المناظرة التي جرت بين ديدات من جنوب إفريقيا هو مسألة الإعجاز وكيف وقع ديدات ضحية عدم اضطلاع القس على مكونات النص الديني ، و عدم إدراكه لمبدأ الخالق . ذلك أن الله واحد أوحد ونفس الشيء هو واحد أوحد عند المسيحيين وما التثليث سوى تمديد لوحدانية الخالق . وأخيرا العلم له طرقه ومفاهيمه وأدواته ومن بين أهم مكونات العلم الحديث الفرضية والدين له مكوناته ومفاهيمه ومن بين أهم مكوناته الإيمان . هنا الفرق : بين المطلق والنسبي بين الفرضي والثابت ….
نعم القران اعجاز ومعجزات وبعثه الله نعمة وخيرا واداة عمل وتطور ونهوض وازدهار بالنسبة للبشرية . والمفروض ان يستفيد منه اولا من امن بالاسلام دينا . ولكن مع كامل الاسف بقي المسلمون في اخر الصف والصحيح حتى خارج الصف . اتعرف لماذا لاننا نحن المسلمون منافقون نحسن بلاغة الكلام والمكر لبعضنا البعض وحفر الخنادق لبعضنا والاستعداء بالعدو على بعضنا . وواقعنا خير شاهد على ذلك . وهذا ليس جديد في تاريخنا الاسلامي . نتحدث عن الاعجاز والعلم وهو اعظم هبة وهبها لنا ديننا الحنيف . ولكن لانعرف ولانملك منه الا الاسم . وغيرنا العامل الجاد يحقق الاعجاز والمعجزات في الميادين العلمية على اختلاف انواعها . ونحن المسلمون شاننا شان انصار المذهب الانطباعي في النقد الادبي الذي قال فيهم ميخائيل نعيمة في كتاب الغربال : ( كالدجاجة التي لاتبيض ولكنها تقوقئ كلما باضت احدى رفيقاتها ) .
لقد منع تعليقي السابق و أرجو ان لا يكون مصير هذا التعليق مماثلا..أسأل السيد الفقيه : ‘ هل الباحث في مسألة الإعجاز يكفي أن يكون أستاذا للادب بالثانوي ؟ ام لا بد من ان يكون عالما مثل النجار و الزدنداني و غيرهما ؟ أم أن البحث في الإعجاز ( و هو بحر واسع جدا ) لا يكون بمجرد البحث في » منجد الطلاب عن معنى عجز و مشتقاتها) ، من هو الجدير او المؤهل للخوض في هذا التخصص الخطير ؟؟ و شكرا مسبقا
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين
أما بعد :
سعدت جدا بوجود موقع مغربي من هذا النوع خاصة وأنني مهتم بالإعجاز العلمي في القرآن والسّنة ولي بفضل الله تعالى ومنّته آراء و مواضيع أرجو أن نتحاور فيها
فيما بعد . ولكن لي رأي في هذا الموضوع , أرجوا أن يجد آذانا صاغية وقلوبا رحبة , وهذا المأمول من الإخوة الموجودين في هذه المنتدى الموقع الرائع .
أولا ما عنى الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ؟
إنه بخلاصة وجود آيات قرآنية تحمل في طياتها حقائق علمية وهنا اسطر على هذه الكلمة » حقائق عليمة » التي تبتت بالتجربة والتمحيص العلمي ولم يعد في حقيقتها شك البتة . فكروية الأرض مثلا لا أحد يشك فيها كحقيقة. وعندما تكلم القرآن عن خلق الإنسان عبر مراحل أي أطوار فهذه كذلك حقيقة لا يمكن لأحد أن ينكرها أو أن يشكك فيها وكذلك الحاجز بين البحرين وهو البرزخ , وهكذا. بل نجد أن القرآن نفسه يحدّد المسألة في وجود حقائق وهي صريحة في قوله تعالى » {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }فصلت53 وكذلك قوله تعالى في الموضوع نفسه
{وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ}الحج54 وهنا إشارة إلى غير المسلمين الذين برعوا في العلم وتقدّموا فيه. إذن القرآن يحدّد المسألة في العلم بالحقائق .وهذه القضية هي من أسس وضوابط البحث في الإعجاز العلمي التي تشدّد عليها هيأة الإعجاز العلمي العالمية.
سؤال ثاني. هل هناك ضرورة لوجود آيات الإعجاز في القرآن ؟
أرى – وعلى الله التوكل – أن وجود هذا النوع من الآيات التي تحمل حقائق علمية ثابتة له دور كبير في مخاطبة علماء عصرنا المسلمين منهم والكفار على حد سواء. إذ كيف سيقتنع عالم غربي بأن القرآن كلام الله تعالى وأنه معني بالإيمان به. وهو خاطبه بأشياء لا يؤمن بها كالجنة و النار و الآخرة و العقاب وغيرها من الغيبيات. لذلك كان لا بد من وجود خطاب يناسب كل عصر حسب مستواه العلمي و المعرفي الذي وصل إليه وهو ما نجده في قوله تعالى {لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ }الأنعام67 أي سيعلم كل عصر بالطريقة التي تتماشى مع علمه و مستواه الفكري أن القرآن الكريم كلام الله تعالى. فلكل آية زمان تُعْرف فيه أسرارها وخباياها وتكون حجة لأصحابها على أن القرآن الكريم كلام الله العليم الحكيم. ولذلك حتى الآية تخبر بذلك في المستقبل
» وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ » ونجدها واضحة كذلك في قوله تعالى {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ }ص88 . وما يُتِمّ و يؤكد هذا الكلام هو الأحاديث النبوية الشريفة الصحيحة التي تكلم فيها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن حقائق لم يتوصل إليها الإنسان إلا في القرن العشرين مثلا في الحديث الشريف عن عجب الذنب وهو حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال » كل ابن آدم تأكل الأرض إلا عجب الذنب , منه خُلق , وفيه يُرَكّب » والحديث من صحيح البخاري وأبي داود وأحمد وغيرهم. وهناك أحاديث أخرى بروايات أخرى تؤكد صحة هذا الحديث . ولا يسعني الوقت لشرح الحقيقة العلمية التي يتضمّنها هذا الحديث الشريف. وأعتقد أن الجميع يعرف هذه المعلمة عن عب الذنب. وهناك حديث آخر أرى أنه يفيد موضوعنا هنا وهو قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال » لن تقوم الساعة حتى تعود جزيرة العرب مروجا وأنهارا » هنا يتنبأ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بحقيقة علمية ما كان لبشر أن يعرفها في عهده صلى الله عليه وآله وسلم ولا حتى بعده بقرون. وهي عودة جزيرة العرب إلى أنهار و بساتين و مروج .وهو ما أتبته العلم اليوم ولا أحد يجادل في هذه الحقيقة .وهذا هو الأسلوب الوحيد الذي يمكن أن نخاطب به الغرب وهي اللغة الوحيدة التي يفهمها وهي » لغـــــــــــة العلـــــــم » و الجميع يعلم كم من العلماء الذين اسلموا عندما ناقشناهم بالأسلوب الذي يعترفون به و اللغة التي يتكلمون بها .
أرجو ألا أكون قد أطلت عليكم ولكن الموضوع مهم ولي فيه بقية ولكني أكتفي بهذا القدر فاتحا المجال للرد و الحوار.