أزمة قطاع التربية لا تحل باختزالها في شكل صراعات بين الفرقاء
بداية أود أن أشير إلى أن بعض المقالات التي وافيت بها موقع وجدة ستي لم تر النور لأسباب ذكرتها من قبل في مقال سابق. وحرصا مني على مصلحة الموقع فإنني لن أطالب بظهورها مجددا مقدرا ظروف السيد المدير المسئول عن الموقع خصوصا بعد الانتكاسة الكبرى لحرية الرأي والتعبير كما عبرت عن ذلك الكاتبة الوجدية شهرزاد الأندلسي في مقالها المتميز ، كما أنني أقدر إكراهات الموقع ،وأنا أسانده وأقف إلى جانبه في هذه الظروف الاستثنائية.
بعد ذلك أشير إلى أن الأزمة العميقة في قطاع التربية أكبر من أن تختزل في شكل صراعات بين الفرقاء كما قد يتبادر إلى أذهان البعض. لقد بدأت الصراعات الهامشية تظهر هنا وهناك بين أطراف قطاع التربية متنكبة الأزمة الحقيقية التي هي أكبر من مجرد صراعات بين هذه الأطراف.
ولقد صار كل طرف يرفع عقيرته بالرغبة في الإصلاح، ويوزع تهم الفساد والإفساد على غيره مجانا. وقد بلغ الغرور بالبعض درجة تزكية النفس واعتبار الرؤية الذاتية فوق كل الرؤى. وقد يعمد طرف ما إلى إجراءات يعتقد أنها تتضمن الحلول السحرية لأزمة عميقة تراكمت منذ عقود طويلة لأسباب متجذرة في تاريخ المنظومة وربما كان ذلك قبل أن يرى النور من يزعم أنه أبو عذرية قطاع التربية.
والذي يريد أن يلم بأزمة هذا القطاع فعليه أن يصغي باهتمام شديد لكل الفعاليات فيضم النتائج المتوصل إليها إلى بعضها ليصل إلى الحقيقة ، وهي مع الأسف الشديد ضلوع كل الشركاء في تعميق هذه الأزمة عن طريق ممارسات قد يحسب أصحابها أنهم قد أحسنوا صنعا في وقت تعتبر إساءتهم في منتهى الخطورة على المنظومة.
فلو التفتنا إلى الأصوات التي تنحي باللائمة على المسئولين المركزيين يجتمع لدينا من الملاحظات ما يلي:
ـ سلبية التغييرات المتوالية للوزراء وما يترتب عن ذلك من هيكلة لقطاع التربية بحيث لا يكاد يوزر وزير ولا يكاد يضع خطة عمله وهيكلة القطاع حتى يجد نفسه يحزم حقائبها ليغادر، وتتكرر العملية وكأننا أمام عملية إقامة بناية وهدمها باستمرار فلا يعرف شكلها الحقيقي بين عمليتي الهدم والبناء المستمرتين.
ـ عدم النأي بالوزارة عن الحقل السياسي جعلها عرضة للاستغلال حيث يركب الوزير المحزب القانون لاستقطاب أتباعه وتمكينهم من مواقع القرار الخطيرة .
ـ التجاهل المتعمد للقوانين والمراسيم والمذكرات عند اتخاذ القرارات الهامة، حتى أن المتابع للشأن التربوي يرى الانفصام بين الورق والواقع.
ـ فقدان المسئولين مركزيا للثقة في كفاءات الفعاليات التربوية وعلى سبيل الذكر لا الحصر نذكر بأنه تقدم العديد من المرشحين لمناصب في لجان تنسيق التفتيش دون أن يقع الاتفاق حول واحد منهم مما يعني أحد أمرين : إما التصديق بانعدام المؤهلات في المرشحين أو التصديق بانعدام الموضوعية في الجهة المنتدبة للانتقاء.
ـ فقدان كل الفرقاء الثقة في المسئولين مركزيا إذ لم يعد أحد يثق في المركز الذي لم تعد خلافاته خافية على أحد في العديد من القضايا التربوية الحساسة.
وعندما نلتفت إلى الأصوات التي تنحي باللائمة على ما دون المركز ويتعلق الأمر بالجهة والإقليم نسجل من الملاحظات ما يلي:
ـ غياب حصول الاتفاق على مسئول جهوي أو مركزي بين كل الأطراف بحيث لا يكلف أحد بمهمة تدبير في الجهة أو الإقليم إلا وتحصى عليه الهفوات قبل مباشرته مهامه لأنه يتولى منصبه الجديد وعلى كاهله تقع مسئولية الفشل الذريع في منصب سابق تركه ، وعوض أن يحاسب يرقى ليزيد المنظومة فشلا.
ـ غياب حصول القناعة بسلامة معايير الانتقاء، وهي معايير تأخذ أشكالا مختلفة حسب الظروف ولا تعتمد مسطرة واحدة ذات مشروعية متفقة عليها.
ـ حصول الإجماع حول الأداء المتعثر والفاشل لهؤلاء المسئولين في عدة محطات، حيث صار الواحد منهم يترقب الانتقال من جهة إلى أخرى بعد أن تفوح رائحة فشله ، ويصير همه هو التفكير في الخلاص من ورطة منصب إلى أخرى دون أن يملك الشجاعة للاعتراف بالفشل والرحيل مع المحافظة على ماء الوجه.
ـ شيوع فكرة بحث هؤلاء المسئولين عن شماعات لتعليق فشلهم ، مع أن قانون المسئولية يتناقض مع فكرة البحث عن الشماعات إذ لا شماعة إلا شماعة المسئول الأول كما هو الشأن في الأعراف الدولية، وكم من مرة كان خطأ الموظف البسيط سببا في استقالة أكبر مسئول بموجب قانون المسئولية.
وعندما نصغي إلى التهم التي تتراشقها مختلف الفعاليات نلاحظ ما يلي :
ـ شيوع فكرة كل فئة بما لديها فرحة ، حيث تنفي كل فئة جهود باقي الفئات لتمكن لجهدها وحده بالظهور والتميز .
ـ شيوع فكرة الشماعات لدى كل فئة، فكلما سجل خلل لدى فئة ما إلا وحاولت نسبته لغيرها ودفعه عن نفسها.
ـ شيوع فكرة تصيد المديح لدى كل فئة، فلا يشكر سعي إلا وسارعت كل الفئات لنسبته إلى نفسها تماما كما تتملص من مسئولية الخلل.
ـ انعدام الاعتراف بالمسئولية لدى كل الفئات حتى راجت عبارة من قبيل: ( لقد فعلوا، ولقد تركوا… ) وعندما تسأل عن الجهة المقصودة لا تجد إلا نائب فاعل، وفعل مبني للمجهول على حد تعبير اللغويين.
ـ شيوع فكرة الرضوخ للأمر الواقع المزري بحيث تنخرط كل الفئات في الأداء الفاسد بوعي تام، وعندما تسأل عن ذلك يكون لسان مقالها وحالها على حد سواء: ( ما باليد حيلة أو العين بصيرة واليد قصيرة )
ـ شيوع فكرة الاستخفاف بمن يريد الإصلاح فهو مجرد دونكيشوط في عيون المستخفين العاجزين يعيش على هامش الواقع في نظرهم.
والاتفاق والإجماع الوحيد الحاصل بين كل الأطراف هو الإقرار بوجود أزمة عميقة في قطاع التربية، مع اتفاق وإجماع على التملص من مسئوليتها من طرف الجميع.
إن الأزمة ناطقة بما لا يرضي أحد في القطاع، إنها أزمة صنعها الجميع من موقعه الخاص مهما كان هذا الموقع. إنها أزمة يصنعها المتعلمون بلامبالاتهم ، وأولياؤهم بغيابهم التام أو حضورهم السلبي ، والبوابون والحراس على بوابات المؤسسات بإهمالهم لها ، وأعوان الكنس بتحطيمهم لمكنساتهم ، وحراس الداخليات والخارجيات بتفرجهم وكأن الأمر لا يعنيهم ، والمقتصدون بسوء الاقتصاد ، والمدرسون بسوء التدريس ، والمديرون بسوء الإدارة ، والمراقبون المفتشون بسوء المراقبة والتفتيش ، والنواب بسوء النيابة ، ومديرو الأكاديميات بسوء الإدارة ، وينتهي الأمر بوزير بسوء الوزارة. ولا أريد أن أبخس الناس سعيهم لهذا أقول إن في عمق الأزمة ضمائر حية أربأ بها أن توصف وصفا لا يليق بها ولكن هذا لا يعني أن كل الضمائر حية ، فلو كانت كذلك لما كانت أزمة أصلا.
إن الذين يراهنون على حل أزمة قطاع التربية العميقة من خلال التستر وراء الصراعات الفئوية واهمون كل الوهم لأن أسهل طريق للتملص من المسئولية هو أسلوب تراشق التهم . والحق أنه حيثما وجدت أزمة فكل من فيها شريك فيها وإن تفاوتت الحصص. ويوم يفكر كل شريك في محاسبة نفسه بنفسه أو بغيره ستبدأ الأزمة بالانحسار حتى تنتهي إلى الانفراج.
5 Comments
السلام عليكم الاستذ شركي و رحمة الله و بركاته:
في غياب الضمير المهني و سياسة الهروب الى الامام و التخفي وراء النقابات وووو يتيه التعليم في وطننا العزيز و انتم تعرفون جسامة المسؤولية الملقاة على المدرس او المفتش
و لكن المشكل يبقى متعددا و كانه اخطبوط المشكل يولد مشكلا و هكذا دواليك و استغربت مرة و انا اقرا في استطلاع لجريدة ما نشرت ان 83 في المئة من التلاميذ المغاربةيفضلون الذهاب للتفرج على مقابلة في كرة القدم مقابل 18 في المئة يريدون الذهاب الى المدرسة و الباقي اجاب بعدم درايته انه تائه تماما لا يعرف ماذا يفعل الا يدعو ايها الاخ الكريم الاستاذ شركي الى السخرية ؟؟
مرة اخرى تحياتي اليك
Enfin, vous voilà de retour.Merci Monsieur Chergui d’avoir écouté la voix de la raison. Un grand merci à l’équipe d’oujdacity .
أخي الأستاذ السيد الطيب زايد مقالاتي لم تنقطع قط ، وإنما حجبت لأنها تتضمن النقد الذي لا يضي بعض الجهات والتي هددت الموقع بشتر الطرق وأنا أقدر موقف مدير وجة سيتي وسيظل الحق ثابتا بوجود أمثالكم من المخلصين الذين لا يخشون في الله لومة لائم تحياتي الخاصة ودام قلمك المبدع
من موقعي كمسؤول سابق كمسير للمصالح الاقتصادية وكمفتش للاقتصاد وعملت بالمصالح المركزية مع مديرين ورؤساء مصالح فانا لم اكن ابدا مقتنع بطريقة عملهم وللحقيقة فلا المديرين عندهم مستوى ثقافي اداري قانوني ولا الرؤساء بل حتى الكاتب العام كمنصب يشغله استاذ او مفتش فبالله عليك كيف يسير شان اداري كبير للوزارة كالشؤون الادارية والمالية او الموارد البشرية اناس ليست لهم دراية بالمالية العامة ولا بالمحاسبة ثم النواب هم اصلا اساتذة اصبحوا بالاقدمية والترقي مفتشون ثم عينوا نوابا فمن اين لهم ان يعرفوا الميزانية والمحاسبة والقانون الاداري وغيره اما مديروا المؤسسات فحدث ولا حرج فليس فيهم من يعرف معنى القاعدة القانونية ولا معنى القانون الاداري ولا المدني ويخاف من اية مبادرة فمثلا القانون يعطي الصلاحية للمدير للتداعي باسم المؤسسة فهل في سوابق القضاء عندنا احكام كان فيها المدير طرفا يمثل مصلحة مؤسسته ابدا ونطلب منه القيام بالشراكة مع الغير وهو لا يعرف معنى التعاقد ولا الغبن ولا البطلان في العقود ونطلب ان يخلق مجلس تدبير بدون موارد والله لقد وجدت نفسي في عداد اصحاب المغادرة الطوعية لاستريح من اللغط والهراء والكل يدعي انه فيلسوف محيطه كل واحد يعتبر نفسه صاحب الكلمة الاولى والاخيرة حين يكون امام مرؤوسيه وتراه تلميذا خانعا امام رؤسائه فكم من نائب بحكم عملي بالمركز رايته يقف امام مدير مصلحة مركزية مطاطا الراس مربع اليدين كالتلميذ ونفسه ذخلت عنده الى مكتبه في مجموعة من الموظفين فجلس رافعا رجليه الواحدة فوق الاخرى واضعا اياهما قوق مكتبهوهو يحرك مؤخرته قوق الاريكة مزهوا بنفسه ويقول انا ممثل الوزير فكيف يستقيم التعليم مع الطاعة العمياء وعدم مراجعة ما يصدر عن الرئيس
سلام الله عليكم أستاذي الفاضل سيدي محمد شركي، عودة ميمونة وقرار صائب بالعودة الميمونة إلى منبرنا جميعا » وجدة سيتي » الذي يستحق الدعم والدفاع عنه في وجه التهديدات. إن الأزمة مستمر إذا لم تجد من يصحح مسار التعليم ببلادنا، إنها الأزمة في التظير وفي التطبيق، في العلن وفي السر. فعلى الغيورين من أهل التعليم وبمختلف مواقعهم ومسئولياتهم أن يتدخلوا لإصلاح ما يمكن إصلاحه انطلاقا من المسئولية الفردية والجماعية التي تلزمنا أمام الله أولا ثم أمام المجتمع المغربية بمكوناته الرسمية أو المدنية أو الفردية. لكم الشكر والتقدير ودام قلمكم حيا فياضا بالكلمة الحرة. والسلام