المدرسات :عين على التلميذ وقلب مع الأسرة
تفيد المعطيات الخاصة بحقل التربية والتكوين ، أن المرأة اكتسحت فعلا قطاع التعليم حتى أضحت بعض المؤسسات التعليمية نسائية بامتياز، غير أن هذا المكسب الذي تم انتزاعه في صراع مرير وشاق مع القوانين والمجتمع بكل تناقضاته، يخفي في المظهر والباطن كثيرا من المعاناة التي تعيشها موظفات التربية والتكوين سواء كن أستاذات أو إداريات ، أو في وظيفة لها علاقة بهذا القطاع المعقد والحساس. في هذا الملف وبمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للمرأة ، نعالج موضوع نساء التعليم من زوايا مختلفة وانطلاقا من المعاينة الميدانية ل لفئة هامة تؤثث هذا القطاع بآلامه وآماله
.
عين على التلميذ وقلب مع الأسرة
تدخل الأستاذة إلى القسم، ولاتعرف مجموعة الفصل المستهدفة من العملية التعليمية التعلمية حجم الإنهاك الذي تعرضت له وهي في منزلها بين أحضان أسرتها، ورغم ذلك فإن هذه الأستاذة باستثناء الحالات المعزولة تؤدي واجبها بامتياز، فعيونها لاتنام على التلاميذ، وفليها مع أطفالها الذين تعودوا على أم تطرق باب المنزل كلما انتهت من الحصص الدراسية، لتتحول إلى ربة بيت في أوقات الفراغ على قلتها. إن هذه الازدواجية في المهام تصنع أستاذة مناضلة بالتأكيد تضعها في قلب التفاعل مع مؤسستين اجتماعيتين متناقضتين أحيانا أي المدرسة والأسرة، وبالتالي فإن نجاح الأستاذة يرتبط في الحدود الكبيرة بمدى تقريبها للمسافة بين المؤسستين، وفي كل الحالات ،فإن نساء التعليم أقرب إلى إنتاج بيداغوجيا تربط بين التربية بمفهومها الواسع، وتلك التي تضيق في المؤسسة التعليمية. تقول إحدى الأستاذات" عندما أدخل المؤسسة التعليمية ، وتطأ قدماي القسم،أتعامل مع التلاميذ وكأنهم أبنائي، أستحضر بامتياز ضميري المهني، حنى وان كنت مرهقة، إذ ليس أخلاقيا ولامهنيا أن تكيل الأستاذة بمكيالين، أي حب أبنائها والتعامل عكس ذلك مع مجموعة الفصل…إنني أطمح دائما لأن يكون أبنائي متعلمين ،بل متفوقين، أتابع أداءهم في المدرسة بشكل متواصل، ونفس الشيء أريده لتلامذتي….". إنها نموذج فقط من بين مئات الأستاذات اللواتي يتعاطين مع العملية التعليمية التعلمية بهذه الطريقة رغم المعاناة ورغم المشاكل التي تعيشها المؤسسات التعليمية والتي يتقاطع فيها النساء مع الرجال، فالاكتظاظ يفسر تلك الأزمة ،غير أنها تتعمق عند النساء اللواتي لايجدن بدا من ترديد " من صداع الأولاد، لصداع القسم…"، والحقيقة أن هذا الانتقال يحدد في جزء منه المسار المهني لنساء التعليم أي نجاحه من عدمه ، لكن الغالبية حسب المعاينة تمكن من إيجاد حلول لذلك ، فهناك من استقدمن أحد أفراد عائلتهن للتكفل بتربية الأطفال ، وفي حالة عدم توفر ذلك هناك من استقدمن خادمات ، وهي حالات قليلة لأن نساء التعليم لايملن الى الإجراء الأخير. لكن وجبت الإشارة أيضا الى أن نساء التعليم يحاولن بداية كل موسم دراسي تكييف جداول حصصهن مع المتطلبات الزمنية للأسرة في انسجام مع أزواجهن، أما سبب اللجوء الى ذلك تقول إحدى الأستاذات" ماخصش الدار تخوا ، إما نكون أنا ، أو الرجل…".
تشتت أسري
خارج الأستاذات اللواتي يلتحمن مع أسرهن يوميا في منطقة العمل، هناك من يعانين فعلا من التشتت الأسري وأحيانا بمسافات طويلة، فهمومهن كلها منصبة على تقريب تلك المسافة على الأقل في حالة عدم الاستجابة لطلباتهن في الالتحاق بأزواجهن أو أسرهن، وهي في حقيقة الأمر إشكالية عميقة تكتوي بنارها نساء التعليم اللواتي يتسابقن الى طرح ملفاتهن الاجتماعية على المسؤولين ، وترى حضور هذه الملفات بشكل كبير ضمن الطلبات الموضوعة على طاولة الحركة الانتقالية من المركز الى الأكاديمية الى النيابة،الأمر الذي يثير أكثر من سؤال حول مردوديتهن داخل مؤسساتهن التعليمية في وضع اجتماعي ،تتفاعل فيه الأشياء بطريقة مختلفة ، إذ كيف يمكن أن يقوم الملاحظ مايحدث مع أستاذة تحمل جذاذتها داخل الفصل ، وهي تنتظر رنات الهاتف النقال ، أوتنتظر بشغف كبير عطلة نهاية الأسبوع للالتحاق بزوجها أو أسرتها، إنها بهذا المعنى أستاذة مسافرة كل يوم ، غير أن تذكرة سفرها لم تصل الى المسؤولين على الشأن التعليمي بعد. إن هؤلاء المسؤولين عليهم أن يدركوا تماما ، ان الأمر هنا ليس مجرد حكاية ببداية ونهاية، بل هو منعطف يجب إصلاحه في الاتجاه المستقيم ، حتى تذب الحياة في أستاذة دخلت التعليم بحماس ، ولايجب أن تخرج منه بخفوت. في هذا الموضوع تحديدا تعاين نساء التعليم في بداية كل موسم دراسي يطرحن ملفاتهن لدى النقابات التعليمية وما أكثرها في زمن الإسهال النقابي، وهن من يخترن نقابة دون أخرى، ولو سألت المعنيات بالأمر لأجبنك دون تردد"هاذيك النقابة كالولي كدافع مزيان…"، أما النقابات فتجد في هذه العبارات مجالا استقطابيا لقاعدتها ، وتحاول ما أمكن أن تدافع باستماتة على تلك الملفات الاجتماعية، لكن في كثير من الحالات تبقى نساء التعليم ضحية حسابات نقابية ضيقة وبالتالي لايمكن الاستجابة لطلباتهن، ما يعني أن نساء التعليم يعشن تشتتا أسريا ، وأيضا تشتتا نقابيا ، هذا الأخير يلازم أيضا نساء التعليم المستقرات.
معاناة مضافة بالقرى
تتعمق معاناة نساء التعليم اللواتي يمارسن مهامهن في المجموعات المدرسية المتناثرة في البوادي، ووصفت أستاذة عينت بداية هذا الموسم وصولها الى مؤسستها التعليمية الموجودة بإقليم الناظور بمغامرة شبيهة بالاكتشافات الجغرافية، فالمنطقة معزولة تماما عن العالم الخارجي، بل ان الوصول الى المدرسة يثير الرعب، فبعد رحلة السيارة ، تأتي رحلة الأقدام، وفي كلتا الحالتين ينسج سيناريو مأساوي حقيقي. ليست وحدها هذه الأستاذة التي تعيش الظلام وهي تلقن النور للتلاميذ ، بل هن كثيرات أصبحن يعشن إيقاعا زمنيا ومكانيا مختلف وغير طبيعي، فالمدارس ثبتت لتعميم التعليم، غير أنها في حالات كثيرة لاتحمل المواصفات، فهي بلا أسوار وبلا حارس وبلا مرافق بمافي ذلك الصحية. من تلك الأمكنة تصل شكايات من نساء التعليم جراء ما تعرضن من اعتداءات ومضايقات وسرقات، لكن الإجراء الروتيني يسجل دائما ضد مجهول ، رغم أن هوية الفاعل معروفة تماما وان كانت بدون اسم عائلي أو شخصي ، انه الواقع الرديء بكل تفاصيله ، الذي أنجب مدرسة غير آمنة،. ان نساء التعليم في تلك المؤسسات يعانين عذابات بالجملة، تبدأ بصراعهن مع وعورة التضاريس وقساوة المناخ ونظرات المجتمع المحافظ، فقد سمعت أستاذة رجلا يقول" ايوا صافي جابونا امرأة تقري لولاد…" ، انهارت تلك الأستاذة بالبكاء ، تذكرت رحلتها اليومية وهي تصارع الواصلات ، ورحلتها على الأقدام وهي تصارع طريقا عالية غير معبدة، تذكرت مدرستها التي أصبحت جزءا من كيانها اليومي، فقررت أن تتنتصر على الواقع، عندما دخلت بحماس الى القسم ، فكانت يدا بيضاء أمام سبورة سوداء… انها أستاذة تستحق أن تكرم فعلا في كل الأيام وليس في 8 مارس وحده الذي يتزامن مع اليوم العالمي للمرأة.
2 Comments
شكرا السيد الرامي على مجهودك الطيب لفائدة أسرة التعليم..و نرجو من الاخ قدوري أن يكثر من مثل هذه المقالات لأننا أصبحنا نخشى الدخول إلى الموقع ( و هو موقعنا جميعا) و نجد بعض الكتابات التي تشبه كلام العجائز أو نجد تعليقات مليئة بسب القراء من طرف احد الناس الذي يقال انه فقيه ..فرجاء -أخي قدوري – كن أنت محامي القراء المتعطشين إلى الاستفادة من هذا الموقع النموذجي ..و تحية خاصة لولدنا علاء حفظه الله.
تحية تقدير للأستاذ الرامي الذي تعاطف و لامس معاناة سيدات التعليم.وكل عام ونحن- رجالا ونساء- بخير وبصحة وعافية حتى نسطيع الوقوف أمام سبوراتنا بأصابعنا السوداء بفعل « الخرشف و القرنيع »