Home»Régional»أطفال صغار يمارسون أشغالا شاقة وخطيرة بسبب عوز وحاجة وفقر أسرهم بمدن الجهة الشرقية

أطفال صغار يمارسون أشغالا شاقة وخطيرة بسبب عوز وحاجة وفقر أسرهم بمدن الجهة الشرقية

7
Shares
PinterestGoogle+

أطفال في أشغال خطيرة

كانت الطفلة الصغيرة "حياة" في "خريفها" العاشر غارقة في حفرة أحد الجبال الصغيرة المتكونة من ركام نفايات الفحم الحجري الملقى هنا وهناك والتي تغطي مساحات شاسعة من فضاءات مدينة جرادة المنجمية التي أصبحت شبحا وجبالها السوداء الفحمية رمزا للمرض والموت ومثالا للفقر والعوز والحاجة والبطالة ونموذجا للتهميش والإقصاء والنسيان…كانت الطفلة جالسة على قدميها المنتعلتين حداء متواضعا وتزحف ببطء كحلزون تائه، كانت منهمكة في جمع بعض الأحجار والأتربة من بقايا الفحم من داخل الحفرة التي كادت أن تبتلعها ولا يظهر في بعض الأحيان من جسدها النحيل إلا الرأس أو بعض منه… كانت زهرة يانعة تنبش في الأتربة المسمومة السوداء سواد عيش أسرتها القاطنة بحي فقير وسط تلك الجبال من النفايات كباقي الأحياء المقصية بمدينة جرادة، كان سلاحها أظافرها الرخوة تحاول جمع حفنات قليلة كميات يدين صغيرتين بريئتين لتملأ دلوا من حديد صدئ، لتعود به إلى البيت غانمة فرحة بعد ساعات من الزحف و"التنقيب"… كان سواد غبار الفحم يكسو ملابسها ويديها اللتين كانت تمسح بهما أنفها وفمها بتلقائية وبطريقة آلية…كان يظهر خلفها غير بعيد عن بيوت حيِّها الخربة "غول" أو "وحش التنين" المعمل الحراري الذي كانت تُطل مدخنتاه على السكان الأحياء والمحتضرين والأموات، شامخة تنفث أطنانا من الأدخنة السامة في سماء المدينة الشبح الحزينة وتخنق أجواءها وتزيد ظلام سكانها سوادا على سواد…"حياة" الطفلة الصغيرة التي من المفروض أن تكون في رحلة ترفيهية أو استطلاعية أو اكتشافية ذالك اليوم من أيام عطلة نهاية شهر يناير الماضي،كانت البراءة في "رحلة"عملية جمع أحجار الفحم من وسط ركام النفايات المسمومة… اضطرت أسرتها إلى إقحامها في ممارسة أشغال شاقة وخطيرة لا يباشرها إلا الشبان والكبار أصحاب السواعد المفتولة والبنيات القوية والنفس الطويل مرغمين بسبب البطالة التي حطت أوزارها بهذه المدينة منذ أن توقفت الشركة عن استغلال الفحم الحجري الذي صنع مجدها وثروة مسؤويلها، بعد أن تركت وراءها الخراب والمرض والفقر…"حياة" الطفلة البريئة ستعرف ولا شك مرض السيليكوز مبكرا خلافا لأجداها وآبائها من عمال المفاحم الذين اشتغلوا لسنوات طوال قبل أن يتقيؤا رئاتهم…"حياة" ليس إلا نموذجا من أطفال صغار بالمدينة يضطرون إلى العمل،حسب ما صرح لنا به سليمان مجدوبي رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بجرادة، كلما سنحت لهم الفرصة وذلك أثناء العطل المدرسية والصيفية…

أطفال محكومون بأشغال شاقة

"

أوْقَفْ …أوْقَفْ…ما قديتش نمشي…ما قديتش…" يصرخ الطفل "عادل" في وجه شقيقه الأكبر "عمر" ذي الثني عشر "خريفا".استلقى الطفل الصغير وهو لم يتجاوز بعد "خريفه" الثامن على الرصيف أحد أزقة أحياء مدينة وجدة بعد أن أعياهما المشي والسير والدفع والجرُّ بحثا عن أي شيء ألقي به من طرف السكان ليتخلصوا منه. تمدد الشقيقان الصغيران على الأرضية الصلبة ليأخذا أنفاسهما ويسرقا دقائق من الراحة التي هجرتهما وهجرت أسرهما، أو يسرقا لحظات من اللعب بأي شيء أو في أي شيء يذكرهما بأنهما ما زال طفلين في حاجة إلى اللعب كباقي أقرانهما الذين يتواجدون بساحات المدارس خلال فترات الاستراحة أو يملؤون الأحياء ضجيجا بعد خروجهم منها."خاصنا نقلبو على الحديد أو اللوح أو شي حاجة صالحة يعاود فيها بَّا البيع…" يحاول أن يشرح الطفل "عمر" دون أن يدري لماذا حُكم عليهما بقطع المسافات واختراق أزقة أحياء مدينة وجدة والتنقيب في قمامات المنازل أو الغوص في مزابلها أو بَقْر أكياس البلاستيك وتشتيتها وكشف ما بداخلها دون التفكير فيما يمكن أن يصيبهما من مكروه في حالة عثور أيديهما خلال الغوص على أدوات حادة أو مواد كيماوية سامة أو قطع حديدية ومسامير صدئة قد تصيبهما بأمراض خطيرة. ولم يكن يعي الطفل "عادل" لماذا فَقَدَ هذا المجتمع العدل والإنصاف والتكافؤ والمساواة بين جميع الأطفال في الحقوق والعيش الكريم. كان يردد فقط "خاصنا نعمرو الكروسة باش نبيعوها ونعيشو …". كان يعي الفقر والحرمان والحاجة والعجز والجوع والعطش والحرَّ والقرَّ… ، بل كان يعيش كل هذا في خربة وسط العديد من الخرب من الطوب بأحد أحياء "فيلاج الطوبة" بحي كولوش…"يا أللاه نوض نمشيو …ما زال الدورة ما كَمَّلناهاشْ…" يصرخ الطفل الكبير في وجه شقيقه الصغير. قاما في قفزة واحدة وانقضا على "الكروسة" ودفعاها بصعوبة لتواجدها في مرتفع زقاق نحو قمامات الأزبال…

طفلات خادمات معذبات ومعنفات

تعرضت طفلة خادمة قاصرة تدعى شيماء زريول لا يتعدى عمرها العشرة ربيعا إلى اعتداء مادي واستغلال جنسي مورس عليها من طرف ابن عمتها وزوجته، حسب ما جاء في تصريحاتها، وأدخلت إلى المستشفى الإقليمي بمدينة الناظور في حالة صحية خطيرة لازمت على إثرها قسم الإنعاش لمدة ثلاثة أيام قبل نقلها فيما بعد إلى قسم جراحة الأطفال. وأفادت جمعية الريف لحقوق الإنسان بالناظور التي بعثت بشكاية توصلت الأحداث المغربية بنسخة منها، بخصوص الاعتداء على طفلة من طرف أقاربها إلى الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بالناظور يوم الأربعاء 28 نوبر الماضي، أنها انتقلت إلى عين المكان لمعاينة وضعية الضحية والاستماع لشهادتها حول ملابسات الاعتداءات الشنيعة التي تعرضت لها من قبل أقربائها. وقد تم الاستماع لوالدة الضحية التي كانت برفقتها بعد أن انتقلت من مقر إقامتها بسيدي سليمان مباشرة بعد توصلها بنبأ ما تعرضت له ابنتها شيماء. واستنادا إلى الشكاية التي تقدمت بها جمعية الريف، صرحت والدة الضحية بأنه على إثر طلب من أقربائها ( ابن عمة الضحية وزوجته ) فقد سمحت لهما بأخذ ابنتها لكي تعمل كخادمة لديهما بالناظور بمقابل شهري. ومن جهة أخرى،أفادت الضحية الطفلة المعنفة شيماء خلال تصريحها لجمعية الريف لحقوق الإنسان بالمستشفى أن الاعتداءات التي تعرضت لها تعود إلى ما يزيد عن شهر، حيث كان يتناوب الزوجان على تعذيبها بشتى الوسائل و الطرق، حيث كانت معرضة بشكل يومي للضرب المبرح من قبل زوجة رب المنزل ، التي أقدمت على كيها بواسطة آلات حديدية تضعها على النار قبل أن تقوم بتمريرها على مختلف أنحاء جسدها، فيما يقدم رب المنزل أثناء عودته ليلا على ممارسة طقوسه الإجرامية المعتادة في حق الضحية، المتمثلة في كي الأماكن الحساسة في جسدها بواسطة السيجارة التي يرغم الطفلة شيماء على تدخينها، إضافة إلى توجيه ضربات موجعة لها بواسطة مطرقة ومجموعة أخرى من الآلات الحادة الأخرى، مما تسبب لها في عجز عن المشي وكدمات على مستوى الرأس. وتضيف التصريحات أن هذا الأخير لم يكتف بذلك فقء بل سولت له نفسه استغلال الطفلة القاصر جنسيا أثناء غياب زوجته عن المنزل، وذلك ما أثبتته الشواهد الطبية بالمستشفى الإقليمي،حسب الجمعية، ناهيك عن الأزمة النفسية التي ستظل تعاني طويلا من تبعاتها والتي ستنعكس سلبا على شخصيتها مستقبلا…

ترسانة من القوانين على هامش واقع مرّ

"

حياة" و"عادل" و"عمر" و"شيماء"…، ليسوا إلا نماذج من آلاف الأطفال المشغَّلين قسرا وغبنا في أشغال شاقة متعددة ومتنوعة حرمتها كل القوانين والأعراف في العالم، لأنه بكل بساطة ليس هناك أشغال خاصة بهؤلاء الأطفال الأبرياء الذين لا تتحملها أجسادهم الطرية ولا أعضاؤهم الرخوة ولا قواهم المحدودة ولا عقولهم غير النامية ولا حواسهم غير المكتملة وهو الأمر الذي يعتبر جريمة في حقهم…أطفال يشتغلون في بيع السجائر بالتقسيط وبيع أكياس البلاستيك وبيع الماء ويشتغلون في مسح الأحذية وحمل قفف الخضر للمتبضعين في الأسواق وفي التنقيب في القمامات وبيع مناديل "كلينيكس" للسائقين ومعطرات السيارات في مدارات الشوارع وملتقياتها عند توقف السيارات وبيع الخبز وبيع القزبر والبقدونس والنعناع وغيرها من الأشياء التي تدر بعض الدريهمات في آخر النهار بعد يوم عمل شاق وطويل…أطفال تتراوح أعمارهم ما بين 6 سنوات و14 سنة معرضين لجميع الأخطار يملؤون الأسواق والساحات والأزقة والشوارع والمقاهي بعد أن هَجَروا المدارس أو هُجِّروا منها، يحاربون مع أبائهم وأمهاتهم أو مكانهم الفقر لكسب لقمة عيش لهم ولأسرهم… آلاف من الأطفال لم تشملهم التقديرات التي نشرت حول عدد الأطفال المشغلين والمستغلين في شتى أنواع الأشغال… لقد تعزز مجال حقوق الطفل بترسانة من القوانين والمساطر والمقتضيات الحمائية ، وعرف هذا المجال خلال سنة 2003، دينامية ملحوظة، من خلال مجموعة من المستجدات التشريعية والتدابير العملية همت حقوق مختلفة تكفلها المواثيق والاتفاقيات الدولية وخاصة الاتفاقيات المتعلقة بحقوق الطفل ومن ضمنها " مجال الشغل" حيث خصت مدونة الشغل الجديدة الأحداث بمقتضيات حمائية . وتمثل بعضها في التنصيص على أنه "لا يمكن تشغيل الأحداث، ولا قبولهم في المقاولات، أو لدى المشغلين، قبل بلوغ سن خمس عشرة سنة كاملة" (المادة143)، خلافا للمقتضيات السابقة التي كانت تحدد السن في 12 سنة. وبالنسبة للأحداث الذين تقل سنهم عن 18 سنة، يمكن للعون المكلف بتفتيش الشغل، أن يطلب في أي وقت، عرضهم على فحص طبي قصد التحقق من أن الشغل الذي يعهد به إليهم لا يفوق طاقتهم، وإذا كان الأمر كذلك، يحق له بأن يأمر بإعفاء الأحداث من الشغل دون إخطار(المادة 144). وفي جميع الأحوال، يمنع تشغيل الأحداث دون الثامنة عشر في المقالع، وفي الأشغال الجوفية التي تؤدى في أغوار المناجم، وفي أشغال قد تعيق نموهم، أو تساهم في تفاقم إعاقتهم إذا كانوا معاقين، أو تشكل مخاطر بالغة عليهم، أو تفوق طاقتهم، أو قد يترتب عنها ما يخل بالآداب العامة، وتحدد لائحة هذه الأشغال بنص تنظيمي (المواد 179 إلى 181) . ومع تسجيل أهمية هذه المقتضيات الحمائية، يبقى من الضرورة الإشارة إلى أن مدونة الشغل تحيل على قانون خاص بالنسبة لوضعية خدم البيوت أو في القطاع التقليدي. لقد أصبح الكل يردد أن تشغيل الأطفال يعد خرقا للمواثيق الدولية لحقوق الإنسان وضدا على حقوق الطفل الذي وقعت عليها بلدان العالم من ضمنها المغرب، من حماية لكرامة الطفل إلى واجب تربيته وتعليمه إلى تحريم تشغيله وتجريم مشغليه. ولم يستطع المغرب القضاء على أشكال تشغيل الأطفال لأن دواعيه متجذرة في واقع الأسر المعوزة المحرومة ووضعيتهم المزرية المنخورة بالبطالة والمرض وانسداد آفاق مستقبل أبنائهم من أطفال وشبان وحتى كبار بسبب سياسة الإقصاء والتهميش…إذن سيبقى واقع هؤلاء الأطفال حقيقة مُرًّة وحياة ملغومة ما دامت وضعية أسرهم غارقة في الفقر لانعدام فرص الشغل لأولياء أمرهم وبالتالي عجزهم عن تأمين أبسط ظروف العيش الكريم وضمان حقوقهم وكرامتهم التي يكفلها الدستور قبلهم إلى جانب حقوق الكبار… إذن سيبقى هؤلاء الأطفال رهينة "جحيم" واقعهم ما دامت أسرهم رهائن الحرمان والفاقة والجهل والتهميش…

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. بلعيد/ فرنسا
    07/03/2008 at 00:03

    موضوع جد مهم يا أستاذي الكريم ، فانت دائما كما انت ، لقد استفدت منك الكثير وانت استاذي وها انذا استفيد منك وانت صحفي ، تحياتي ، ودعائي لك بالصحة ، الله يجازيك عنا خيرا

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *