Home»Correspondants»عن الذاتية المقيتة

عن الذاتية المقيتة

0
Shares
PinterestGoogle+
 

عن الذات المقيتة!
محمد إنفي
هناك صنف من الناس (وهم موجودون، عندنا وعند غيرنا، في كل المجالات، وبشكل لافت في المجال السياسي الذي لم يتطبَّع بعد بالتقاليد الديمقراطية الحقة) يعتقدون أن لا شيء يمكن أن يسير بدونهم وأن لا شيء يمكن أن يتغير أو يتطور إلا إذا كانوا فاعلين أساسيين فيه. فهم لا يقبلون أن تتجاوزهم الأحداث أو يفوتهم الركب، فيصبح غيرهم يتصدر المشهد؛ ولا يقبلون أن يكون النجاح (أو على الأقل، النهوض من الكبوة والسير في طريق النجاح) على يد غيرهم، لأنهم يرون في ذلك مساسا بكبريائهم وتنقيصا من قيمتهم وتقليصا لأدوارهم، بسبب ما ركبهم من غرور وما أصاب « أناهم » من تضخم.
وحين يكتشف هؤلاء أن الأمور قد تغيرت وأن سنة الحياة قد فعلت فعلتها، في دورتها الطبيعية، فألقت بهم أو ببعضهم، لهذا السبب أو ذاك، من عليائهم، ليُفسَح المجال أمام غيرهم لتصدر المشهد، يلجأون إلى سياسة الأرض المحروقة، فيعمدون، بعدوانية مفرطة، إلى تحطيم كل شيء، شعارهم في ذلك « علي وعلى أعدائي »، وكأن الخَلف لا يمكن أن يكون إلا عدوا.
وإذا ما تمعنا فيما يحدث داخل المشهد السياسي المغربي، وبالأخص داخل الأحزاب الوطنية الديمقراطية، سنكتشف العجب العجاب. فكم من « مهندس » مرحلة أو مراحل معينة في حزب معين، يعمل على دك البناء الذي ساهم في تشييده على من فيه، حين يفقد موقعه التنظيمي في الصدارة أو حين لا يسعفه هذا الموقع في تحقيق طموحاته الشخصية! وكم من مساهم في قيادة سفينة هذا الحزب أو ذاك، يعمل على إغراق السفينة أو إحراقها بمن فيها، حينما يصل منافس له لمركز قيادة هذه السفينة! وقس على ذلك.
والأدهى والأمر، أنهم يصنعون ذلك باسم الديمقراطية. فلفرط أنانيتهم، تصبح الديمقراطية (وأعني بها الديمقراطية الداخلية)، بالنسبة إليهم، تساوي النجاح الشخصي. لذلك، فهم لا يعترفون بنتائجها إلا إذا كانت لصالحهم، وإلا فهي مغشوشة ومخدومة؛ بل ومملاة من خارج التنظيم. فالتنافس عندهم لا يحتمل إلا نتيجة واحدة؛ ألا وهو الفوز (فوز الشخص نفسه أو المجموعة التي اصطف فيها). ويقدمون، بهذا، للشباب أسوأ نموذج في الديمقراطية والتنافس السياسي. ونستغرب، بعد ذلك، من عزوفهم عن العمل الحزبي أو من انخراط بعضهم في البحث عن أقصر السبل وأيسرها (بل وحتى أحقرها) للوصول.
لن أحتاج إلى البرهنة عن الإساءة البليغة التي يقترفها أصحاب هذه العقلية في حق التنظيم الذي ينتمون إليه وتصدروا فيه الصفوف الأمامية. ولن أحتاج إلى التدليل على قوة  الصدمة عند المناضل، حين يكتشف أن من كان يعتبرهم أساتذة في النضال وقدوة في العمل السياسي النظيف، لا يقوون على الصمود في وجه أنانيتهم البغيضة التي تزيِّن لهم القبيح (من قبيل حب الانتقام) وتكرِّههم في الجميل (من قبيل فضيلة الاعتراف بأحقية الآخرين والتحلي بالروح الرياضية في التنظيم).
كما لا أحتاج إلى التأكيد بأن من يسقط في أتون الأنانية المفرطة، يفقد السيطرة على عواطفه وعلى تفكيره؛ فيسيء، بذلك، إلى نفسه إساءة بليغة، تجعله يفقد احترام الآخرين وثقتهم؛ وذلك، بفعل فقدانه لمصداقيته ولوجاهة أفكاره ولحسن تدبره وتدبيره.
لقد جالت بخاطري كل هذه الأفكار وغيرها وأنا أقرأ محتوى الندوة التي نظمتها جريدة « المساء » تحت عنوان: « مخاضات الأحزاب الوطنية وسؤال الديمقراطية.. الهوية والبنية الاجتماعية ». وقد كتبت الجريدة بالبنط العريض، تحت العنوان الذي اختارته لهذه الندوة: « سياسيون يفككون أزمة الأحزاب ومأزق النخبة ويقترحون أجوبة لإشكالية الديمقراطية ». حضر هذه الندوة كل من « محمد الأشعري (الاتحاد الاشتراكي) و » عبد الواحد الفاسي » (حزب الاستقلال) و »امحمد اكرين » (التقدم والاشتراكية)  وأدارها صحافي المساء « سليمان الريسوني » والباحث « محمد الساسي ».
لن أناقش الندوة  ومحاورها ولن أساجل المتناظرين فيها؛ وهذا ليس لا تهربا ولا تهيبا.  كما لن أهتم، في هذه العجالة، بالأجوبة التي قدمها الحاضرون لإشكالية الديمقراطية؛ بل سوف لن أهتم حتى بالبحث، في ثنايا الملف، عما إذا كان هناك، بالفعل، أجوبة للإشكالية المطروحة، قدمها المتدخلون. سوف أكتفي، فقط، ببعض الملاحظات حول ما قاله الأستاذ « محمد الأشعري » في حق الحزب الذي كان عضوا في مكتبه السياسي لأكثر من ولاية، وتحمل باسمه حقيبة وزارية في عهد حكومة « التناوب التوافقي » (بنُسخَتيها) بقيادة المجاهد « عبد الرحمان اليوسفي ». وما اهتمامي بأقوال الأشعري، هنا، إلا لكونه حمل هاتين الصفتين لمدة ليست باليسيرة؛ ومسؤوليته، كقيادي، ثابتة في كثير من المشاكل التي لا زال الحزب يعاني منها، محليا ووطنيا بسبب تدخلاته المباشرة في كثير من القضايا التنظيمية والتمثيلية.
لقد قال الأشعري (وهو المثقف المعروف بكتاباته الصحفية والأدبية الرصينة وتحليلاته السياسية العميقة) كلاما خطيرا وغير مقبول سياسيا وعلميا وأخلاقيا وواقعيا ، لكونه يفتقد إلى الموضوعية وإلى رصانة التحليل العلمي والرؤية السياسية الثاقبة المبنية على التحليل الملموس للواقع الملموس. وأعتقد أن مرد ذلك إلى ما أوردتُه في الجزء الأول من هذا المقال؛ وإلا كيف سنفسر القسوة والسوداوية التي يتحدث بها عن حزبه منذ مؤتمره الأخير؟ وكيف سنفسر التنكر للدينامية التنظيمية التي أطلقتها القيادة الجديدة للخروج من حالة الجمود والتشرذم التي وجدت عليها الحزب؟… وغير ذلك من الأسئلة كثير، لأن وضع الأشعري في القيادة الحزبية لم يكن عاديا ودوره لم يكن ثانويا.
وأجد نفسي، مرة أخرى، محرجا في الحديث عن شخص أكن له كل الاحترام والتقدير وتربطني به علاقة شخصية منذ مدة ليست بالقصيرة. لكن الإساءة المجانية إلى البيت الاتحادي ولمؤسساته الشرعية، تستفزني وتستنفر عقلي وقلبي، فتصبح الاعتبارات الإنسانية غير ذات قيمة عندي. وهذا ليس لا تعصبا ولا رفضا للرأي المخالف. وليس لا تخندقا ولا تموقعا في هذا الاتجاه أو ذاك. بل، هو الاحترام الواجب للديمقراطية وللمشروعية المؤسساتية، بغض النظر عن الأشخاص وعن مواقعهم.
من السهل أن يتنصل المسؤول من أخطائه ويلقي بوزرها على الآخرين. وقد « يُقنع » بذلك من تنقصه المعطيات أو من له استعداد لتصديق ذلك لحسابات شخصية.  لكن، من الصعب أن يُسلِّم بذلك من له نصيب من الحس النقدي ومن التفكير الموضوعي ومن الاطلاع على بعض تفاصيل الوضع الذي يراد تقبيحه أو تجميله.
لقد ذكر الأخ « محمد الأشعري » أشياء تتعلق بتحضير المؤتمر الوطني التاسع، بعيدة كل البعد عن تقاليد تحضير المؤتمرات (التي له فيها باع طويل) وعن الواقع الذي عشته شخصيا من خلال إحدى أهم لجانه التي استقطبت أكبر عدد من أعضاء اللجنة التحضيرية؛ وأعني بذلك لجنة تفعيل الأداة الحزبية. فمن من الاتحاديين (أقصد الذين لا حسابات شخصية لهم) سيصدق « الأشعري » حين يقول (والعهدة على جريدة « المساء »): « إن المرحلة الإعدادية للمؤتمر الأخير للاتحاد الاشتراكي، تبقى كفيلة لفهم ما يجري داخل الحزب، وذلك حينما طرح المؤتمرون- قبلا- (كذا) سؤال المشروع الذي سوف يحملونه إلى المؤتمر، وكذا تحديد من يذهب إلى المؤتمر، ثم وضع أجندة واضحة لإحاطة المؤتمرين وتحسيسهم ضد شراء الذمم ».
أستبعد أن يكون هذا التعبير للأشعري (أتحدث عن التعبير وليس على المضمون)، لأن الفقرة مليئة بالتناقض ومرتبكة التركيب وتفتقد إلى الدقة في اختيار الكلمات؛ اللهم إذا افترضنا أن الحقد قد استحكم بالمتحدث وأفقده التمييز. فلكي يطرح المؤتمرون سؤال المشروع الذي سوف يحملونه إلى المؤتمر (أتصور أن الأشعري تحدث، خلال الندوة، عن اللجنة التحضيرية للمؤتمر)، يجب، أولا، أن يكونوا معروفين؛ وذلك لن يتأتى إلا بعد انتهاء عملية انتخاب المؤتمرين، والتي لا تتم إلا أياما معدودة (وفي أحسن الأحوال أسابيع) قبل انطلاق أشغال المؤتمر. وهذا واضح من الاستدراك الموالي: « وكذا تحديد من يذهب إلى المؤتمر ». لكن عبارة « وتحسيسهم ضد شراء الذمم »، تطرح أكثر من تساؤل. فالاتهام فيها ليس مبطنا، بل واضحا كل الوضوح. وصدوره في هذا الظرف، بالذات، يمكن أن يقرأ قراءات متعددة، ولن تكون أبدا بريئة.
لكن الفقرة الموالية تغنينا عن الاستمرار في طرح الأسئلة لوضوح مقصد الأشعري. فحين يقول: « لكن، مشروع تصور الإعداد للمؤتمر أصبح بين عشية وضحاها، عبارة عن مشروع لأقلية حينما رفض عبد الواحد الراضي رفضا قاطعا عرض المشروع على المجلس الوطني…، فهو يفصح من حيث يدري أو لا يدري عن نوع التحضير الذي كان يريده للمؤتمر. إني أفهم من كلامه أنه كان يهيئ المؤتمر مع مجموعة محدودة من الاتحاديين خارج اللجنة التحضيرية الرسمية التي صادق عليها المجلس الوطني. ولما لم يرضخ عبد الواحد الراضي، الكاتب الأول السابق، لمجموعة الضغط التي كونها الأشعري الذي كان يهيئ نفسه لمهمة الكاتب الأول للحزب، كان من الطبيعي أن ينال حظه من الاتهام الصريح، حيث  اعتبر موقف الراضي تعبيرا عن سلطوية تنظيمية كان عنوانها « إما تدخل للصف وتطلب –تتوسل- شي منصب قيادي » أو تأتي لتزكية المؤتمر بحضور شكلي ».
لم يكن الأشعري يريد، إذن، المساهمة في تحضير المؤتمر من خلال لجانه المنبثقة عن الجهاز التقريري للحزب؛ بل هدفه كان هو التحضير الموازي (هذا ما يستشف من كلامه على التحضير للمؤتمر)، في دائرة مغلقة، بعيدا عن التحضير الرسمي الذي يساهم فيه جميع أعضاء اللجنة التحضيرية. وبمعنى آخر، فقد أعطى لنفسه الحق، ربما لاغتراره بنفسه أكثر من اللازم وربما  بهدف تحضير مؤتمر على المقاس، يسهل له الظفر بمنصب الكاتب الأول؛ وربما… وربما…!  قد يقول قائل بأن الأشعري لم يكن مرشحا للكتابة الأولى، فلم يقحم في موضوع لا علاقة له به؟  لقد أصبح معروفا عند الاتحاديين أن ما منع الأشعري من الترشح للكتابة الأولى، هو ترشح الأخ « فتح الله والعلو » ضمن المتنافسين على هذا المنصب، لاعتبارات لا داعي للدخول فيها.
يجب التذكير بأن « محمد الأشعري » – في أول خروج إعلامي له بعد المؤتمر الوطني التاسع الذي عرف لحظة ديمقراطية غير مسبوقة، سواء خلال التحضير أو أثناء انعقاد المؤتمر الذي عرف دورين لتحديد الفائز بمنصب الكاتب الأول  الذي تنافس عليه أربعة مرشحين من القادة البارزين-  قد صرح لإحدى الجرائد التي تكن كثيرا من الحقد والضغينة لحزب الشهداء والمناضلين بأنه « غسل يديه على (أو من) الاتحاد الاشتراكي ». وهو التصريح الذي لقي كثيرا من الاستهجان  وخلف كثيرا من الامتعاض لدى المناضلين.
وعلى نفس النبرة الاستعلائية، قال الأشعري في الندوة التي نحن بصددها: « الحزب الذي انخرطت فيه لم يبق. لقد راودتني فكرة الاستقالة. لكن لمن سوف أقدم استقالتي…؟ »، مشيرا، في نوع من التعميم، إلى أن الأحزاب استنفذت شرط وجودها، أي أنها « ماتت ». ما ذا يمكن أن نقول عن هذا الحكم الذي لا يسنده لا الواقع ولا فرضيات التحليل الموضوعي؟ في أي خانة يمكن أن يصنف هذا الكلام؟ هل في خانة الهذيان؟ أم في خانة العجرفة والاستعلاء؟ أم في خانة…؟!   على كل، يستفاد من كلام الأشعري أن السياسة قد ماتت بخروجه من القيادة الحزبية. وبما أنه يصر على أن يستخرج شهادة الوفاة لحزب القوات الشعبية، فقد كان من الأولى به أن يقول: « أنا الحزب؛ وبما  أن « صلاحيتي » قد انتهت، فالحزب لم يعد موجودا والقوات الشعبية لم يعد لها معنى والمثقف العضوي مجرد خرافة…!! ».
وبهذا، يستحق موقف الأشعري أن يكون أرضية لصياغة « كوجيطو »(على طريقة « ديكارت »: أنا أفكر، إذن أنا موجود) جديد، جدير بعلم السياسة والفكر السياسي على طريقة الأشعري. وسيتميز « كوجيطو » الأشعري بكونه يقوم على معطيين متناقضين يجعلان من  « الأنا » مركز الحقل الحزبي. وهكذا، يصبح « الكوجيطو » الجديد على الشكل التالي: « أنا قائد سياسي، إذن الحزب موجود. أنا لم أعد قائدا سياسيا؛ إذن، الحزب غير موجود ».

ودائما في إطار التحليل غير الموضوعي الذي يكتفي بالوقوف عند النتائج ويهمل الأسباب، تحدث الأشعري عن « نفي » الاتحاد الاشتراكي من المدن وباتت قواعده الجديدة قروية المنشأ.  وهو ما سمته الجريدة بـ »ترييف »   (ruralisation) قواعد الاتحاد الاشتراكي، مما يعنيه ذلك من تأثير على البنية السوسيولوجية للحزب، بما فيها ظهور صنف الأعيان. لكن هذا  التوصيف الذي يقف عند حدود الملاحظة، يبقى ناقصا، لكونه لا يتعرض للأسباب الحقيقية التي تقف وراء هذه الظاهرة؛ ناهيك عن كون استخدام مصطلح « الترييف » نفسه، غير ملائم، علميا، حسب رأينا المتواضع، للسياق الذي نحن بصدده  .

وإذا تجاوزنا مسألة المصطلح، نصطدم بغياب دراسة موضوعية لعوامل « الترييف » التي تعرض لها الاتحاد. لكن هذا لا يمنعنا من إدراك الأسباب الثاوية وراء « نفي » الاتحاد من قلاعه الحضرية. ويكفي أن نستعرض ما حدث بمكناس لكي نفهم أشياء كثيرة عن أسباب التشرذم والشلل الذي أصاب الوضعية التنظيمية للحزب؛ ذلك أن مكناس (والأصح إقليم مكناس) يقدم لنا نموذجا من التدبير السيئ لبعض المحطات التنظيمية والانتخابية، والذي لا زلنا نعاني من تبعاته إلى الآن .

لقد تكونت عند معظم اتحاديي مكناس القناعة بأن لـ »محمد الأشعري » يدا طولى فيما آلت إليه الوضعية التنظيمية بالإقليم؛ ويرجع ذلك إلى تدخله المباشر (باعتباره عضوا في المكتب السياسي وبرلمانيا عن دائرة المنزه برسم انتخابات 2002) في لائحة المرشحين لانتخابات 2003 الجماعية، حيث قرر، على مستوى المدينة، إقصاء كل المستشارين السابقين، دون استثناء وفرض بعض الأسماء لاعتبارات غير مقنعة، مما خلف استياء لدى المناضلين. وقد انعكس ذلك على النتائج المحصل عليها (4 أو 5 مقاعد من أصل أكثر من 50 مقعدا)، ليستمر الوضع في التردي، ستعكسه نتائج انتخابات 2007 و2009  و2011 التي فقد فيها الحزب التمثيل البرلماني (على مستوى الإقليم) والجماعي (على مستوى الحاضرة الإسماعيلية).

وإذا نظرنا إلى النتائج السلبية التي حصل عليها الاتحاد (في شخص عضوي مكتبه السياسي الأخ « محمد الأشعري » والأخت « نزهة الشقروني ») في الانتخابات التشريعية لسنة 2007، وفي شخص الأخ « محمد محب » (عضو المكتب السياسي) سنة 2011، يصبح مصطلح « ترييف » قواعد الاتحاد الاشتراكي غير دقيق وغير مطابق للواقع؛ ذلك أن تلك « القواعد » ليست قارة وليست وفية للحزب ولمبادئه. لقد حصل الاتحاد في انتخابات 2003 على نتائج مهمة على مستوى الجماعات القروية التابعة للإقليم (ترأس جماعات وساهم في تسيير أخرى). وكان من المفروض أن ينعكس ذلك في نتائج الانتخابات التشريعية لسنة 2007، خاصة في دائرة المنزه التي كان بها رؤساء جماعات، نجحوا باسم الاتحاد، سهر على اختيارهم (بشكل مباشر أو غير مباشر) الأشعري نفسه المنتمي للمنطقة والعارف لطبيعة العلاقات التي تربط بين قبائلها. لكن، ما حدث، خلال الانتخابات التشريعية، هو عكس ما كان منتظرا، تماما. وسنعيش نفس التجربة سنة 2011 مع الجماعات التي تُسير باسم الاتحاد وليس لها من الاتحاد إلا الاسم. فإذن قضية « الترييف » فيها نظر، بل قصر في النظر وفي التحليل؛ فالأصح، هو أن الحزب تراجع، تنظيميا وإشعاعيا، بسبب أخطاء سياسية قاتلة، ارتكبها إما الأفراد أو الأجهزة، انعكس مفعولها على نتائجه الانتخابية.

قبل أن أضع نقطة النهاية لهذا البوح الانفعالي الذي قد يُعتبر غير ودي وغير أخوي، أود أن أنحني إجلالا وتقديرا لكل الاتحاديين والاتحاديات (وما أكثرهم!) الذين تمكنوا من التغلب على أنانيتهم وغلَّبوا مصلحة حزبهم، فلاذوا بالصمت وترفعوا عن الخوض فيما قد يضر بسمعة حزبهم أو بسمعة قياداته السابقة والحالية، رغم ما يمكن أن يكونوا قد تعرضوا له من حيف ومن ظلم على يد إخوان لهم، وهم قادرون على رد الصاع صاعين. وما التحلي بهذه الروح وهذه الأخلاق العالية، إلا علامة على سمو الهمة وعزة النفس. فتحية لهم، مرة أخرى.

أما الذين يتهافتون على استصدار شهادة الوفاة لحزبهم، بعد أن جف الضرع الذي كان يسقيهم، فنترك لهم التاريخ الذي سيحاكمهم على فرط انتهازيتهم وأنانيتهم. ويكفي القيادة الحالية فخرا أن يرى المناضلون أن حزبهم بدأ يسترد بعضا من عافيته على يدها، رغم التشويش الذي يمارسه البعض من الداخل ومن الخارج.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.