انتصار الكفاءة في آخر تعيينات الولاة والعمال الجدد.
مرت حوالي ثلاثة أشهر على آخر تعيينات وحركات للولاة والعمال من طرف صاحب الجلالة . وهذه فترة كافية لتلمس أثر تسييرهم على الشأن العام ،ومدى إسهامهم في التنمية الشاملة والتأثير الإيجابي على حياة المواطنين من جهة ،ومن جهة ثانية لطرح مسالة العلاقة بين رجالات الإدارة الترابية والمواطنين، علاقة يراد لها أن تكون على أساس من التفهم والإنصات، في ظل الحكامة الجيدة التي هي رأس الحربة في تدبير الشأن العمومي..
ولأن المناسبة شرط كما يقول الفقهاء، فإن من الضروري أن نستدعي ما يمكن أن يفيد في كشف « بروفايل » هؤلاء العمال والولاة ولا ندعي الإحاطة بالتفاصيل بقدرما نسعى إلى مسح أفقي قد يسعفنا في فهم التوجه الجديد الذي ترومه الإدارة الترابية ببلادنا.
سنسوق ههنا حديثا عن « بروفايلين » متميزين ،يتعلق الأمر بالسيد عبد العالي الصمطي الذي عين عاملا على إقليم تازة .والسيدة زينب العدوي الوالية على جهة الغرب الشراردة بني احسن. وسنحاول الإطلاع عن الخلفيات التي تحكمت في تعيينهما في سياق دستور جديد لمغرب ما بعد الربيع الديمقراطي .
السيدة زينب العدوى أول عنصر نسوي يتبوأ منصبا من هذه الدرجة في سلك الإدارة الترابية. فالمرأة حظيت بالثقة الملكية بناء على مسارها المهني الحافل، كقاضية وخبيرة بالمجلس الأعلى للحسابات، يبقى لها فقط أن تنال نفس الحظوة عند القاعدة الشعبية التي أوليت أمر تدبير شؤونها. فمباشرة بعد تقلدها للمهام على رأس الجهة عمدت إلى دعوة مرؤوسيها إلى اجتماع من أجل دراسة الملفات المعروضة و التي لم يحسم فيها المسؤولون السابقون،وعوض أن تكتفي بالإطلاع البروتوكولي وتنصرف إلى ملفات التدبير اليومي، و التي سيتأتى لها أمر معالجتها مع مرور الوقت، ارتأت السيدة الوالي أن من الواجب البت في قضايا أكثر ملحاحية، وتوجهت رأسا إلى الوقوف على النقط الساخنة بالإقليم والمدينة،ومن جملة ما قامت به زيارة سوق الحرية بالجماعة الحضرية الساكنية بالقنيطرة الذي هو اسم على مسمى، لكن في الإتجاه السلبي، وأصدرت أوامر بإعادة تأهيله ،وهو ما بدأ العمل فيه بالفعل. تلتها مبادرة تمكين حوالي 600 مستفيد من الباعة المتجولين من محلات قارة ، وهو موضوع مؤرق تقاذفه المسؤولون السابقون دون أن يجدوا له حل، فمدينة القنيطرة كما يعلم الجميع لها رصيد محترم من سوء التدبير ووسائل الإعلام الحرة لا تتوانى في سرد ما يتاح لها منه ، لأجل تنوير الرأي العام ومده بمعطيات الإدانة للتجاوزات والإختلالات. شكلت بعد ذلك خلية تقنية للنظر في احتمال وجود انبعاثات غريبة المصدر تعرفها أجواء القنيطرة ولا زلنا ننتظر نتائج التشخيص. وفي خطوة إيجابية ،عمدت مؤخرا إلى إعفاء رئيس القسم الإقتصادي بعمالة القنيطرة بعدما تبين أنه رفض تمكين سيدة أرملة من مأذونية نقل مستحقة، حكمت المحكمة في شأنها لصالح الأرملة،وتم تعطيل التنفيذ ليتم تفويتها لشخص آخر. وهي حاليا تنظر في ملف حرمان مستثمرة من رخصة استكملت جميع شروطها لكن التعقيدات والبيروقراطية المألوفة في ردهات المجلس البلدي كان لها رأي آخر. وخارج المدينة قامت السيدة الوالي بأول زيارة لها لمدينة سوق الأربعاء حيث فاجأت المسؤولين المحليين هناك واطلعت على أوراش مفتوحة وعاينت بعضا من تفاصيل تدبير الشأن المحلي محاورة فعاليات المجتمع المدني.
من خلال استعراضنا هذا لبعض محاور برنامج السيدة الوالية نستطيع أن نتبين أن أسلوبا جديدا في التدبير أخذ يرتسم على الواقع العنيد ،وقد يبشر بالأفضل في الآتي من الأيام، شريطة الإستمرار في التصدي للمثبطات وعدم الإنحناء أمام ضغط الجهات المستفيدة من الخلل والراعية لأسبابه. وأنا شخصيا أعتقد كما يعتقد الكثير من عموم الشعب في صواب أن تؤول المسؤولية إلى عنصر نسوي، لأسباب كثيرة، لعل أبرزها أن النساء يتميزن بالحماس والدقة في تنفيذ المشاريع، وهن أكثر مقاومة للمساومات وأشد استعصاء على المحاولات الإرتشائية وقبول شروط الفساد من نظرائهن الرجال.
النموذج الثاني يتعلق بالسيد عبد العالي الصمطي الذي عينه صاحب الجلالة على إقليم تازة . وهنا سأتحدث أولا عن الرجل من موقع قرين الطفولة ، ثم من موقع المتتبع لمساره المهني ، وأخيرا عن الحيثيات التي تحكمت في تعيينه في ها المنصب السامي .
شق السيد عبد العالي الصمطي مشواره في سبيل تحقيق ذاته ،منذ طفولته الأولى في سبعينات القرن الماضي متوسلا بالتحصيل العلمي، وهم ما تيسر في ظرف قياسي حينما طوى المراحل، كما سنأتي على تلخيصه فيما بعد . هو المنحدر من أسرة قروية متواضعة ،لا تدعي جاها يحملها على الإستكبار كما لا تشكو تذمرا يجعلها موضوع استصغار. عرفته أيام الطفولة حين كان يوازي بين مستلزمات الدراسة ومشاركة أسرته الصغيرة أمور التدبير اليومي ،مشاركة لا شك ساهمت في صقل شخصيته ، ولم تمنع من تكريس تميزه على امتداد مساره التعليمي. هو ذلك اليافع الذي لم يتنازل أبدا عن تواضعه ولا تكاد الإبتسامة تفارقه . مواصفات تلك بعض تفاصيلها، لا شك أنها تختزل واقع التفاؤل الذي يفتح باب الأمل.
في بداية الثمانينات ،افترقت بنا السبل ،حينما ولجت سوق العمل مبكرا ،فيما واصل هو مشواره : بعد الباكالوريا فالإجازة تخصص جغرافيا ثم دبلوم في التعمير ليعود متصرفا في عمالة تاونات ،بعدها التحق بسلك مفتشي الإدارة الترابية لينتهي مسؤولا عن قطب الدراسات العامة بذات المفتشية.
ماذا سنستفيد من سرد سيرة الرجل في مجملها أو في تفاصيلها..؟ أولا: لنتبين أن الحهات العليا في البلاد هي ماضية تدريجيا في منحى إسناد المهام بمعيار الكفاءة والإستحقاق، وليس بمعيار الولاء والجاه.كما دأبت عليه الدولة منذ سنين. وهذا مؤشر جد إيجابي،من شأنه أن يستعيد ثقة للمواطن في من يؤتمن على شؤونه . فالرهان على النخب المقترحة عبر قنوات الولاء أو الإنتماء السلالي قد أثبت إفلاسه . ثانيا: أن القطع مع نظام الولاء الشخصي/العائلي أو العرقي/ القبلي وما يستتبعه من توظيف شبكات مصلحية متصلة تضحي بالمصلحة العامة وتعطل التنمية،هو مطلب شعبي ما فتئ المواطنون يرفعونه تحسبا لأي فساد محتمل. ثالثا: أعتقد أنه لو قدر للسيد عبد العالي الصمطي أن يتقدم للإنتخابات الجماعية أو التشريعية في الدائرة التي ينتمي إليها، وما أظنه يفعل ذلك حتى وإن سمح له القانون بذلك ، فأنا على يقين أنه لن يفوز فيها، ليس لإنه ناقص كفاءة أو ليست له غيرة على منطقته. بل لأن أهل البلد لا يستميلهم إلا الشخص الذي ينافقهم ويقايضهم الولاء بالوهم ، وتنطبق عليه الأوصاف السلبية للكائن الإنتخابي. والرجل الذي نتحدث عنه ليس من طينة هؤلاء .
نحن لا نحتكم إلا إلى التجارب، وهي مريرة في واقع المنطقة التي ينحدر منها السيد العامل . إنها رهينة في يد حفنة من الأعيان المصلحيين اللاهثين وراء الحصانة والإمتيازات دون مقابل يحضى به عموم الشعب. هذا الشعب الذي يبدو أنه أستأنس بقوانين اللعبة التي يدعى مرة كل خمس سنوات للمشاركة فيها، ثم يستبعد قسرا من الميدان ويطلب منه أن يكتفي بالتفرج على لعب الكبار.
مع كل هذا، نستطيع أن نزعم أن عهدا جديدا ومتميزا ترتسم ملامحه وسينعكس تدبيره الواعي والمتبصر على مآل التنمية المحلية في جميع أبعادها . تدبير قوامه الإنصات والنزول إلى القاع المجتمعي لتحديد الأولويات وحصر المشاكل المؤرقة ومعالجة البؤر العنيدة ، وهذا بقتضي،طبعا، من هؤلاء المسؤولين مزيدا من التجرد والأمانة، وعدم حصر مهامهم في النطاق الوظيفي/ البروتوكولي البحت.
Aucun commentaire