النخبة السياسية : أزمة خطاب أم أزمة هوية ؟

يكاد يحصل الإجماع لدى المهتمين و المحللين على أن خطاب النخبة على اختلاف تموقعها ومكانتها، فإنه لابد أن ينبني على مقومات من قبيل: قوة اللفظ، وصدق اللغة، وانسجامها مع منطق الحقائق وتجليات الواقع، فدلالة هذا الخطاب ومرجعيته تستمد من موقع النخبة ورتبتها في المجتمع، بل قد تلعب أدوارا قيادية، وهذا ما يميز النخبة عن العامة .
إن مصطلح نخبة يعكس بجلاء درجة التميز، لكونها تحمل في طياتها مضمون الوصاية على الفئات التي يطلق عليها اسم عامة، من خلال مساهمتها في توجيه الأحداث، والتأثير في القرارات، وصناعة الأفكار، لكنمن المفارقات العجيبة للخطاب النخبوي إصراره على القدرة على الإنتاجية الفكرية و لعب أدوار القيادة والتوجيه، ومن منطلق بعيد عن روح التسامح، وتقبل الأخر، وبالنظر إلى سيادة الإيديولوجيات وخدمة الانتماءات السياسية، تبقى بعيدة كل البعد عن المصداقية والنجاعة، مما قد يسقطها في دوامة تبعدها عن القرارات الصائبة، من خلال فرض حقائق قد تصفها بالثابتة، فادعاءها التأثير في العامة، هو إحساس بالفوقية، التميز، والتعالي .
إن ما يجعل هذا الخطاب أو ذاك يمارس السلط الرمزية والفعلية على الأخرين، هو موقعه المجتمعي والمكانة التي يحظى بها، إما من خلال ارتباطه بالمجال الفكري والثقافي، أو بالمؤسسات المنتخبة، فالنخب مرتبطة ارتباطا وثيقا بالمكانة والمسؤولية من خلال العلاقة الأفقية والعمودية بالمجتمع، ومدى الانشغال و الاهتمام بقضايا الشأن العام، وهذا ما يجعلها تتصف بوجود و حضور قوي، فلولاها لأصبح الجميع يندرج ضمن خانة واحدة، و فئة واحدة يطلق عليها اسم العموم، فغياب النخب هو وضع غير سوي، يتعارض و جميع الأعراف و العادات، فمن هذا المنحى يبدو واضحا إجبارية وجود خطاب نخب مميز مهما كانت الأوضاع والظروف، وكيفما كانت درجة المستوى الثقافي العام .
لعل القضية التي تعتبر من الأساسيات، هي مدى وفاء الخطاب النخبوي لالتزاماته التي يقطعها على نفسه باستمرار، وخدمته للبنية المادية والبشرية للمجتمع، فهو يحتاج منا جميعا الوقوف عند مواطن الداء، ومكامن الاعوجاج، بالانخراط ضمن دواليب الواقع، وعالم الأفكار السوية، ومراعاة منطق الانسجام بين اللغة والمضمون، وكدا طرح تساؤل عريض بشأن هذه النخب ومدى قدرتها على التكوين، وإعادة التكوين، وتأهيل العنصر البشري، ليكون قادرا على رفع المردودية في إطار إنتاج جيد، وصنع التنمية التي يريد الجميع، بدعوة القوى الحية إلى ضرورة تقييم التجارب، و تقويم مضمون ومحتوى خطاب النخبة، لإعادة إنتاجه من جديد .
إن الضرورة لتقتضي طرح التساؤل باستمرار بشأن الخطاب النخبوي، إن كان قادرا على التعبير عن التطلعات، والإسهام في صناعة الأليات الأساسية للنمو، وخدمة السلوك المدني، بجعله قادرا على تجاوز الأزمات، وتخطي الصعاب، وصناعة القرار المناسب، وإلا لأصبح خطابا فاقدا لمصداقيته .
بكل تأكيد فإن الأزمة في خطاب النخب تجعله عاجزا عن تحقيق الانسجام بين الذات والأخر، بسبب سلطة الانتماء السياسي التي تجعله حبيس الايديولوجيات، وغير قادر على تغليب الشأن العام، والتخلص من هيمنة الخلفيات الضيقة، مما يحول الوضع إلى أزمة هوية، فينتج عنه اختلال منظومة القيم و الأخلاق .




Aucun commentaire