عقلنة الممارسة السياسية

عقلنة الممارسة السياسية
بقلم : عبد الحفيظ زياني
إن من السمات الغالبة على الخطاب السياسي الراهن على اختلاف مرجعياته الفكرية هي افتقاره للتوجه العقلاني القادر على صناعة حركية فكرية ، ومن تم الإسهام في صناعة القرارات الصائبة بعيدا عن نزعة الذاتية وصراع الأنا وتقديس المواقع ، وحماية الامتيازات .
إذا كان المنهاج العقلي هو السبيل الناجع لإيجاد الحقيقة و تحري الموضوعية و ضبط السلوكات ، وإنتاج للأفكار والنظريات، والأساس الصلب للعمل البشري والمحدد للتوجه الاجتماعي ، فإن الممارسة من خلال انسجام الفكر والواقع ، فإنها قادرة على إعادة ترتيب أنماط الذهن، لتحقيق التقدم فعلا و ممارسة .
من دون شك فإن الممارسة السياسية العقلانية هي أساس رقي المجتمعات ، نتيجة مطابقة توجه الفرد الاجتماعي لمبادئه ، مواقفه و رغباته ، و إيمانه بمفهوم المواطنة الحقة ، إما باعتباره جزء لا يتجزأ من المجتمع المدني في شموليته و فردا في الدولة ، وإما لانسجام توجهه ذو المرجعية المستمدة من البيئة والتربية ، ولهذا تصبح العقلانية ركيزة أساسية للعمل الجاد و المبني على أسس تندرج ضمن منظومة شمولية للفكر، وبالتالي فهي بناء أساسي لمجتمع القيم والأخلاق.
من البديهي أن عدم توافق العقل والسياسة ، وجدلية المصالح الخاصة والعامة وتضاربها ، والخروج عن المرجعيات المؤسسة ، قد يخلق الفئوية ، ويأسس لفكر النخب ، ويقطع مع الشأن العام بخدمته لأجندة مصالح الفئات، مما يضرب وحدة وكينونة المجتمع في الصميم ويزيغ عن الأهداف الاجتماعية الإنسانية .
ويظل الخطاب السياسي الحالي ، على اختلاف تلويناته ، فاقدا لشرعيته ومصداقيته بسبب ما يعيشه من صراع الهوية والذات ، واتصافه بصفة النخبوية المهيمنة على مواقع القرارات القيادية ، وقطعه الطريق أمام فئات تروم الإصلاح من منطلق الديمقراطية الداخلية للهيئات السياسية كممارسة لا كمجرد شعار . وكذا غياب المشروع التعاقدي الذي يتيح توسيع الانخراط العقلاني البعيد عن نزعة البراغماتية المقنعة السبب الرئيس في إفراغ العمل السياسي من مدلوله ليضحي مجرد توجه نفعي بعيد عن الالتزام والتعاقد ، وافتقاره لوحدة الاستراتيجية في المبدأ و التوجه ، مما يتطلب العمل على إعادة هيكلة البنيات والوظائف لأجل تحقيق الغايات و المرامي .
إن تعدد المرجعيات ، وكثرة التوجهات واختلافها، وغياب الانسجام و التكامل للإيديولوجيات المتقاربة ، قد أفرز تناسل في الخطاب السياسي فزاغ عن مساره الحقيقي ، لافتقاره للتوجه العقلاني السبيل إلى خلق الانسجام بين العقل و الخطاب السياسي المعبر عن الشأن العام والذي يعكس خريطة طريق المجتمع .





Aucun commentaire