Home»International»سؤال المصداقية في كتابات بوبكري

سؤال المصداقية في كتابات بوبكري

0
Shares
PinterestGoogle+

لقد أكثَرَ »محمد بوبكري »:  سؤال المصداقية في كتاباته وفي مواقفه

محمد إنفي

لقد ترددت كثيرا قبل الإقدام على الكتابة في هذا الموضوع، وذلك لاعتبارين ذاتيين وأساسيين: الاعتبار الأول يتعلق بالخشية من التصنيف ومن تهمة التبعية لهذا الاتجاه أو ذاك؛ ذلك أني حرصت، قدر المستطاع وطيلة حياتي الحزبية (والنقابية أيضا)، أن لا أدين بالولاء إلا للمبادئ التي يقوم عليها الحزب الذي اخترت الانتماء إليه، وأن لا أمتثل إلا للمشروعية المؤسساتية، بغض النظر عن الأشخاص وعن مواقعهم… أما الاعتبار الثاني، فهو مرتبط بصاحب المقالات التي هي موضوع المساءلة، وذلك نظرا لعلاقة الاحترام المتبادل بيننا باعتبار الأخوة الاتحادية، من جهة، وباعتبار الزمالة المهنية، من جهة أخرى.

لكن الاعتبارين السالفين تضاءلا مع تمادي « بوبكري » في توجيه سهامه المسمومة إلى حزبه، معتقدا أنه يوجهها لشخص خصمه الجديد من أجل النيل منه ومن سمعته، بينما هو، في واقع الأمر، يسيء إلى كل المؤتمرين الذين انتخبوا الكاتب الأول وانتخبوه هو أيضا ضمن قيادة الحزب. ونظرا لتجاوزه حدود الحوار الفكري وحدود المصلحة الحزبية وحدود الأخلاق النضالية وحدود الحوار الداخلي للحزب الذي هو عضو في مكتبه السياسي، فإني لم أجد بدا، أمام استفزازه المتكرر والممعن في النيل من صورة الحزب وسمعته، من التعبير عن ردة فعلي كمناضل يسيئه ما يقرأه على حزبه من شخص هو في قيادته ومن صناع وضعه الحالي بما له وما عليه.      

يهاجم د. « محمد بوبكري »، عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بالواضح والمرموز، الكاتب الأول للحزب، الأستاذ « إدريس لشكر »، وذلك من خلال مقالات أصبح ينشرها منذ مطلع شهر ماي 2013 بإحدى الجرائد الإلكترونية المعروفة؛ وهي مقالات تصب كلها في اتجاه واحد: النيل من القائد الجديد لحزب القوات الشعبية، وإن كان يحاول أحيانا إضفاء طابع العمومية على ما يكتبه، فيتحدث عن القيادات أو الزعامات الحزبية؛ لكن القراءة السريعة لمقالاته، حتى وإن أعطى لها عنوانا عاما، تُبرز لنا بوضوح أن الهدف ليس هو تحليل الوضع الحزبي بالمغرب بقدر ما هو تحامل على الذي أصبح يقود الاتحاد الاشتراكي بعد مؤتمره الأخير. وهكذا تجده يؤطر مقالاته ببعض الفقرات العامة في بداية وفي نهاية المقال، بينما صلب الموضوع وعموده الفقري يكون هو صديقه الحميم السابق الذي يصب عليه جام غضبه، مستعملا في ذلك أسلوب المقالة التحليلية التي، إن تمعنت فيها، تجدها لا تمت إلى التحليل بصلة؛ أو لنقل بأنه يمارس من خلالها التضليل باسم التحليل (ويلبس الحق بالباطل)، خصوصا وأنه يقلب كثيرا من الحقائق ويوظفها لأهداف غير نبيلة وغير شريفة، تُشتَمُّ منها رائحة الانتقام والتجني.

يكفي المرء أن يستعرض عناوين بعض مقالاته، ليكتشف الحمولة النفسية و »الفكرية » لهذه المقالات. وقد انطلقت حملته على الكاتب الأول لحزب القوات الشعبية يوم رابع ماي 2013 بمقال عنوانه « الزعامة السياسية والفراغ الفكري »، لتتلوه عناوين أخرى تحمل في طياتها، إما تصريحا وإما تلميحا، الكثير من التحامل والحقد والرغبة في تصفية حسابات ما. وهكذا كتب يوم 10 ماي 2013 مقالا بعنوان « الوجه المكشوف للزعامات الحزبية في المغرب »، ثم « البغاء السياسي بين الزعامات الحزبية والأعيان » (16 ماي 2013)، « السياسي والمثقف أو ‘القوة ثقافة’ و’الثقافة قوة' » (31 ماي 2013)، « مستخدمون برتبة معارضين » (6 يونيو 2013)، « في غياب المدنية: زعامة الفساد وفساد الزعامات » (21 يونيو 2013)، « توحيد اليسار أم تحالف الأطماع؟ » (28 يونيو 2013) »تزعم ‘العامة’ للأحزاب السياسية يفضي إلى فنائها » (5 يوليو 2013)، « تآمر الصغار على الكبار » (13 يوليو 2013)، « المهرولون الجدد: زعامات بدون مؤهلات القيادة »(26 يوليو 2013) و »إنا نسألك الرحيل، فارحل!! » (2 غشت 2013).  

القاسم المشترك بين هذه العناوين هو التركيز على « الزعامة الحزبية » التي يصفها « بوبكري » بكل أنواع النقائص والرذائل. فهي فارغة فكريا وفقيرة ثقافيا وفاسدة أخلاقيا وتابعة سياسيا ومستبدة سلوكيا وصغيرة قدرا، ولا تتقن إلا التآمر على الكبار من مثقفين وقادة تاريخيين، الخ. وهذه الصفات تجد تجسيدها، في نظر « بوبكري »، في صديقه الحميم الذي أصبح بين عشية وضحاها من « العامة » ومن رموز التردي السياسي والفكري والأخلاقي والسلوكي وغيره، بعد أن كان، قبل شهور فقط، الوحيد المؤهل لقيادة المرحلة.

كل من يعرف « بوبكري » ويعرف علاقته بالأستاذ « إدريس لشكر »، لا يمكن إلا أن يستغرب  هذا التحول المفاجئ في علاقة الرجلين ويتساءل عن سر ذلك؛ خصوصا وأنهما قد شكلا دائما، وإلى عهد قريب، ثنائيا صلبا ضد كل المنافسين والخصوم الحقيقيين والمحتملين، داخل الحزب وخارجه. وبما أن ذلك الترابط القوي الذي انفرط عقده فجأة، بعد أن عمر طويلا، كان معروفا وشائعا بين الناس، وبالنظر لحدة الخطاب الجديد الذي اعتمده « بوبكري » في انتقاد صديقه، فإن سؤال مصداقية كتاباته ومواقفه يطرح نفسه بحدة، إذ لا يعقل أن يكون الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي حاملا لكل تلك الصفات السلبية ولم تظهر لـ »بوبكري » إلا الآن.    

وإذا ما اكتفينا بمقاله ما قبل الأخير بعنوان » »المهرولون الجدد: زعامات بدون مؤهلات القيادة »(26 يوليو 2013)، والذي يحتوي على كل الخاصيات الأسلوبية التي تحدثنا عنها آنفا، نجده يستهل حديثه بكلام عام من قبيل « يلاحظ المتتبعون أن أحزابنا صارت مجرد يافطات وأسماء بدون مسمى… » (مطلع الفقرة الأولى)؛ ثم يضيف: « تعاني الأحزاب في المغرب من أزمات فكرية وتنظيمية حادة… »(مطلع الفقرة الثانية)، مما « جعل الحكومة الحالية لا تملك رؤية ولا مشروعا… »؛ « في مقابل ذلك، نجد معارضة ضعيفة تعقد تحالفات هشة لا تنهض على أية رؤية أو مشروع… » (مطلع الفقرة الثالثة). والسبب في ذلك هو انحدار المستوى الثقافي للنخب الحزبية؛ وينسب هذا الرأي إلى بعض المهتمين، ليخلص إلى أن « إيصال (لاحظوا استعمال إيصال وليس وصول) ‘العامة’ إلى السلطة الحزبية (هو) تفقير  فكري وسياسي وشكل تنظيمي لها… ). « إضافة إلى ذلك، يشكل غياب الديمقراطية داخل الأحزاب مشكلة هيكلية » (مطلع الفقرة السادسة)، لينتقل إلى التدليل على ما ذهب إليه؛ وهنا، سوف لن  يجد سوى  صديقه « إدريس لشكر » ليحمله كل أوزار الوضع الحزبي بالبلاد؛ وهكذا سيخصص له 9 فقرات من مقاله المذكور ليكيل له فيها، تصريحا وتعريضا، كل أنواع القدح والتجريح والطعن والعيب…ليختم مقاله بالطريقة التي ذكرناها آنفا، أي بالعودة إلى الخطاب العام؛ وهكذا كتب في مطلع الفقرة الأخيرة: « نظرا لما يعرفه عالم اليوم من تحولات كبرى، فإن الأطر الحزبية والهياكل التنظيمية الحالية لم تعد قادرة على المسايرة، حيث ضاق أعضاؤها بفضائها وبسلوك زعاماتها ورؤاها الفكرية المتسمة بالارتكاس… ».

لا شك أن هناك أسبابا شخصية وراء هذا الانقلاب المباغت في علاقة يعرف الجميع متانتها وعمقها وطول مدتها. فهل هي عقدة الكتاب الأولين التي كانت السبب في فرط عقد هذه العلاقة أم هناك أشياء أخرى؟ لقد عرف عن « بوبكري » مخاصمته لكل الكتاب الأولين، باستثناء « عبد الرحيم بوعبيد » الذي لم يكن يجرؤ أحد على مواجهته. لكن إذا كان من السهل فهم « مخاصمته » للكتاب الأولين السابقين (وهو، في الغالب، كان يخوض المعارك بالنيابة، أي لم يكن سوى أداة طيعة تُصفى بها الحسابات السياسية الضيقة داخل الحزب؛ ولنا في تهجمه على المجاهد والقائد « عبد الرحمان اليوسفي »خير مثال على ما نقول)، فإنه من الصعب « هضم » مواقفه الحالية لاعتبارات يعرفها أصدقاءه وخصومه جيدا.

  لقد شاع بين الاتحاديين (وبالخصوص المسئولين منهم)  بأن « بوبكري » (الذراع اليمنى السابق لـ »إدريس لشكر ») كان يمني النفس بمنصب نائب الكاتب الأول للحزب (وهذا، ربما، ما يبرر تركيزه، في أكثر من مقالة، على عدم توزيع المسؤوليات بالمكتب السياسي رغم مرور أكثر من ستة أشهر على المؤتمر)، نظرا للعلاقة الوطيدة بين الرجلين ونظرا لدوره الرئيسي، تنظيرا وتنفيذا، في وصول الأستاذ « إدريس لشكر » للكتابة الأولى للاتحاد. وهذا الطموح، حتى وإن كان مشروعا، فهو يريد أن يُبقِيَّ الكاتب الأول رهينة لعلاقاته، بينما الوضع اختلف الآن: فالأستاذ « إدريس لشكر » هو الآن كاتب أول لكل الاتحاديين وليس فقط للمجموعة التي ساندته في « معركته » للظفر بالكتابة الأولى للاتحاد. ثم إن الوعي بهذا الوضع الجديد، قد يكون جعل الكاتب الأول للاتحاد يدرك أن صديقه غير مؤهل لشغل  المهمة التي يطمح إليها، خصوصا بعد أن نجح في إقناع حزبين من « العائلة الاتحادية » للاندماج في الحزب الأم، مما يستوجب، أخلاقيا وسياسيا، مراعاة تمثيلية الحزبين المندمجين داخل المكتب السياسي، وكذا في توزيع المهام داخل هذه المؤسسة الحزبية. لكن « بوبكري »، ومن وجهة نظر ضيقة، ربما رأى في ذلك « إجحافا » في حقه، فانبرى لهذه العملية (عملية الإدماج) بالنقد والانتقاد في مقال بعنوان « توحيد اليسار أم تحالف الأطماع؟ »، قال فيه  في حق « لشكر » ما لم يقله مالك في الخمر.    

يبدو أن « بوبكري » قد فقد السيطرة على مشاعره ولم يعد يميز بين التحليل والتحامل، فراح يدبج مقالات يريد أن يضفي عليها الطابع التحليلي، بينما هي مليئة بمشاعر أقل ما يقال عنها أنها بنكهة انتقامية ولا تمت إلى التحليل بصلة. وهي، على كل حال،  تسيء إليه هو، أمام من يعرفونه، أكثر مما تسيء لصديقه، خصوصا وأن هذه « الصحوة » المتأخرة لن يُفهم منها سوى « ردة فعل » على تبخر أحلامه في الحصول على النيابة الأولى للكاتب الأول للحزب؛ ولما أيقن بذلك، استل سيفه وراح  يضرب في كل الاتجاهات، كمن اعترته حالة من الهستيريا أو أصيب بنوبات جنون، لدرجة اختلط عليه الأمر فأصبح يسمي الفوضى ديمقراطية والتجريح حرية تفكير، الخ؛ وكل من يرى غير رأيه، فهو « عامي » ورافض للآخر ولا يصلح للقيادة، وهلم جرا.    

وقد وصل به الأمر، في تخبطه، إلى مستوى متقدم من عدم التمييز، جعله يتحدث باسم كل التنظيمات الحزبية وباسم أعضاء اللجنة الإدارية والأغلبية الساحقة من أعضاء الحزب، ليدعو، في آخر مقال له (« إنا نسألك الرحيل، فارحل!! »)، « إدريس لشكر »، باسم كل هؤلاء، إلى الرحيل، ناسيا أو متناسيا، الاستهجان الذي قوبل به تدخله الأهوج في آخر اجتماع للجنة الإدارية الذي خصص لموضوع الاندماج. 

« ظاهرة » « بوبكري » تستحق الدراسة، خاصة إذا ما استحضرنا بعضا من سلوكاته السابقة:   بصفة عامة، فهو يسعى إلى التواجد ضمن القيادة الحزبية، ثم يتنصل من تبعاتها التي هي المسؤولية، وهي الانضباط، وهي الالتزام، الخ. وقد حاول أن يبني أمجادا على هذا السلوك المتناقض، بحيث تجده يترشح للمكتب السياسي ليقاطع اجتماعاته بعد ذلك، ثم يعطي لنفسه الحق، في اجتماع الهيئات التقريرية، في التهجم على الجهاز الذي هو عضو فيه، مستعرضا، في ذلك، « عضلاته الفكرية » و »ملكاته » الخطابية.

لقد سجل الاتحاديون (الذين ليست لهم حسابات خاصة) إيجابية الدينامية التي أطلقتها القيادة الجديدة للاتحاد (وعلى رأسها الكاتب الأول « إدريس لشكر »). ونظرا لاستماتة « بوبكري » في مقاومة هذه الدينامية وعرقلة مسيرها، فإن هؤلاء سوف لن يروا فيما يقوم به هذا الأخير سوى خدمة، بوعي أو بدونه، لأهداف من له  مصلحة في أن يظل الاتحاد ضعيفا. فهل هذا ما يريده « بوبكري »؟ أليس من الأجدر به أن يطرح أفكاره ويدافع عنها في الهيئات الحزبية التي هو عضو فيها، بدل أن يلجأ إلى هذا الأسلوب الهدَّام؟ أم تراه استحلى أسلوب « خالف تعرف » حتى وإن كان ذلك على حساب المبادئ الديمقراطية ومخالفا للأخلاق النضالية؟…  

خلاصة القول: إن مواقف « بوبكري » الحالية لن تنطلي على الاتحاديين (وعلى غير الاتحاديين)؛ وعليه أن يعي أن  تهجماته المجانية على صديقه الكاتب الأول، تسيء له هو شخصيا وتمرغ مصداقيته في التراب، من جهة، وتقدم خدمات، بالمجان، لخصوم الحزب وأعدائه، من جهة أخرى. إنه، باختلاقه لصراعات هامشية وتغذيتها، يشوش، بكل تأكيد، على المرحلة، بينما المطلوب هو تضافر الجهود لإعادة بناء الحزب، كما التزم بذلك كل المرشحين للكتابة الأولى في المؤتمر الوطني التاسع. أليس من واجبنا جميعا، كل من موقعه، أن نساهم في هذه العملية، خدمة، ليس فقط للمصلحة الحزبية، بل وأيضا للمصلحة الوطنية التي تتطلب وجود أحزاب قوية ؟…  

 

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. اتحادي سلبق وبحق
    12/08/2013 at 13:28

    كلام خشبي مسطح

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *