Home»International»مصر والمؤامرة الكبرى: عبر ودروس

مصر والمؤامرة الكبرى: عبر ودروس

0
Shares
PinterestGoogle+

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله وصحبه أجمعين
مصر والمؤامرة الكبرى: عبر ودروس
بقلم: عبد المجيد بنمسعود
إن الانقلاب الذي تولى كبره وحمل أوزاره فرعون مصر الصغير المسمى بالسيسي في ذلك اليوم المشؤوم من تاريخها المعاصر، لم يكن إلا نتاجا وبيلا لمؤامرة كبرى حيكت في دهاليز المكر الشيطاني السوداء، من طرف أذرع أخطبوطية متعددة، وهي، أي الأذرع، وإن كانت أهواء أصحابها متفرقة وقلوبهم شتى ،فإنها التفت وتلتف حول هدف ثابت تسخر من أجل تحقيقه كل الجهود والمخططات، إنه تخريب مصر بسلخها من هويتها ومنعها من استثمار نتائج ثورة 25 يناير2011 وقطف ثمارها، أو بالأحرى الحيلولة بكل الوسائل والطرق بينها وبين أن تمضي قدما في تعهد شجرة الحرية التي سقاها شعب مصر بدمائه الزكية، حتى تورق وتزهر وتثمر، فتجنى في إبانها المقدور.
لقد أبت تلك القوى الأخطبوطية الرهيبة بكل صلف وعنجهية وعناد، إلا أن تحرم شعب مصر، من استنشاق نسائم الربيع التي ما أن كادت تشرع في نشر أريجه في أرض الكنانة التي طال اغتصابها، حتى جوبهت بسحب داكنة من الغازات السامة، تلوثها وتقطع عليها الطريق، فتختنق جراءها أنفاس المشتاقين إلى عبير الحرية الطاهر الخلاق، وإلى معانقة الكرامة التى طال أسرها بالأحضان، بل وجوبهت تلك النسائم الطاهرة بوابل من القذائف والرصاص الذي اخترق أجساد الركع السجود، وهي تقف بين يدي ربها المعبود، تناجيه وتتضرع إليه، وهي تصغي إلى قرآنه المشهود، من ملائكته المقربين، رصاص مشحون بالضغائن والأحقاد السوداء، أطلقته أيادي قذرة تلقت الإشارة من قائد جبان، تلقى الإشارة بدوره من محور الشر الذي راعه أن يشرع شعب مصر في التأسيس الجاد لاسترجاع إرادته الحرة، وكرامته المهدورة، عبر انتخابات حرة نزيهة حملت إلى سدة الحكم والتدبير، رجلا شهما شجاعا، كمثل الدكتور محمد مرسي، يحمل هم أمته ويستشعر آلامها، ويؤرقه أمر عودتها إلى موقعها الريادي كخير أمة أخرجت للناس، من خلال تطهيرها وإعادة هيكلتها الشاملة، ووضع قطارها على سكة الإقلاع الحضاري من جديد، متحررا من الإملاءات والضغوط، والتبعية العمياء، للحلف الصهيوني الصليبي بزعامة أمريكا الرعناء، ليجد الشعب بعد ذلك معناه المفقود، وليرجع من رحلة التيه والشرود، في صحراء المذلة والخنوع، وفيافي البؤس، ومهاوي اليأس والانهزام.
لقد تبين لكل ذي بصر وبصيرة بعد الذي جرى، أن ربيع مصر كان في أمس الحاجة إلى ربيع آخر، وأن دماء زكية إضافية باتت ضرورية لتطهير أرض الكنانة من ركام الأدران التي رانت عليها، وهو ما جرى في مذبحة الساجدين أمام مقر » الحرس الجمهوري » في التاسع والعشرين من شهر شعبان 1434، ولا يزال يجري في ميادين الإباء والشموخ التي تشهد ملاحم الجهاد السلمي في سائر محافظات مصر الغالية، من خلال الاعتصام والثبات، والتعبير بصوت عال، وإصرار عنيد، والإعلان الصادع الهادر للعالم أجمع، أن لا بديل عن استرجاع الحق المغتصب، بعودة الشرعية ورمزها الشامخ، الرئيس الدكتور مرسي، إلى الشعب الذي فداه وفداها بالأرواح والدماء.
لقد تبين، بعد إبعاد أول رئيس شرعي في مصر وجعله رهن الاعتقال، بعد عام من حكمه، أن ما وقع كان نتاجا لحركة دؤوبة لفلول النظام الاستبدادي السابق الذي جثم لثلاثة عقود على صدور المصريين، وأذاقهم الويلات، وذلك في تنسيق تام وتحالف بغيض مع قوى العسكر المتنفذة، الممثلة لما يسمى بالدولة العميقة، ودعم وتوجيه ممن شق عليهم أن تشق مصر، طليعة الأمة العربية، طريقها نحو التحرر والاستقلال عن قوى الهيمنة العالمية التي تسخر ترسانتها الضخمة، ماليا ومخابراتيا، للحيلولة دون إفلات أي شعب من قبضتها، إلا إذا غلبت على ذلك، بسبب خلل في أجهزة الرصد والمتابعة لديها، ينتج عنه تهييء لشروط التحرر وعوامل الاستقلال، وفي هذه الحالة، تظل تلك القوى الغاشمة محافظة على يقظتها وتربصها، وتعيد الكرة من جديد، في غير تردد ولا يأس، لإعادة الشعب المفلت من قبضتها عنوة وقسرا ، إن وجدت إلى ذلك سبيلا، مستخدمة أرباب الخيانة ورموز الفساد، ممن باعوا ذممهم للشيطان، لقاء عروض مادية تافهة ومتاع دنيوي رخيص، وهذا ما حصل فعلا في مصر الجريحة وأكدته معطيات المشهد الدرامي الذي لا تزال تداعياته تترى، لتكشف عن فضيحة كبرى عبر عن أحد مظاهرها أحد شعارات مسيرة ضخمة توجهت صوب المجلس الدستوري بالعبارة التالية: » خسروا في الانتخابات، وجاءوا إلى الحكومة على ظهر الدبابات »
إن هذا الانقلاب الغاشم الغادر الذي وقع على الشرعية التي صاغها شعب مصر الأبي بدمائه، وفداها بأرواحه، لتدعو إلى استخلاص ما تتضمنه من عبر ودروس، تعتبر زادا على طريق شرفاء الأمة العربية والمسلمة وشعوبها الحرة، من أجل إقامة بنائها على أساس راسخ، وصيانة مكاسبها ومقدراتها من أن تتعرض للسرقة أو الضياع، فما هي هذه العبر والدروس؟
أولا: أن ما تحققه الشعوب من إنجازات على مستوى تأمين كرامتها وتحرير إراداتها في لحظة من لحظات تاريخها، يظل مهددا دوما بمحاولات الإجهاض أو الاغتصاب، من قبل القوى الشيطانية الغاشمة التي لا ترى لها مصلحة في ذلك، بل تراه نكسة لمصالحها الرخيصة، فهي وإياه على طرفي نقيض، ولا حياة لأحدهما في ظل بقاء الآخر على قيد الحياة، إلا إذا كانت هذه الحياة في أدنى مظاهرها وأحط تعبيراتها، وإذ ذاك قد يسمح لها بنوع من أنواع الوجود المهين، وتلك سنة من سنن الله الثابتة في العمران البشري، سنة التدافع بين الحق والباطل، بين الخير والشر، وما وقع في أرض الكنانة من انقلاب على الرئيس الشرعي، وعلى كل المؤسسات الدستورية المنبثقة من إرادة الشعب، والمعبرة عن اختياره الحر، إن هو إلا تأكيد لهذه السنة الماضية.
ثانيا: أن الحقيقة السالفة الذكر تدعو القوى النيرة للشعوب، الساعية إلى صناعة التحولات الثورية في المجتمع، إلى أن تكون على حذر من أمرها وهي تخطو كل خطوة من خطواتها على طريق الإصلاح، وأن تحسب كل حساب، لكل ما تخطط له قوى الشر من محاولات الارتداد على مكاسب الشعب، وإحباط مساعيه في الحرية والاستقلال والعيش الكريم. وأن أدنى غفلة أو تراخ في التعامل مع فلول الفساد المعادين لمصلحة الوطن، ولو من باب السماحة والترفع والحلم، قد يشكل خرقا خطيرا في سفينة الأمة، يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه، وتزداد الخطورة تفاقما، كلما تعددت جيوب الفساد ومنافذ السوء التي يغض عنها الطرف من طرف صناع التحولات الثورية، لأن أهل الفساد الكارهين للحق، لا خلاق لهم ولا مبادئ تحجزهم عن الغدر، ومواجهة السماحة بالصلافة، والعفو بالانتقام والشماتة.
ثالثا: أن الحلف الشيطاني البغيض لا يعرف أصحابه النوم والراحة، وأنهم دائمو الكيد، وأن بعضهم يوحي إلى بعضهم الآخر « زخرف القول غرورا »، وأنهم رغم ما ينخر صفهم من خلافات بدافع من المصالح الأنانية الخاصة، وحب الاستئثار بالمكاسب الدنيوية الزائلة، يوحدهم العداء المشترك لأهل الحق والصلاح، عندما يستشعرون خطر انسحاب البساط من تحت أرجلهم، ويلمحون جبهتهم تتعرض للتآكل والاهتزاز، ولخطر المحق والزوال. ولقد برهنت الأحداث التي انتهت بانقلاب العسكر على شرعية الشعب المصري على هذه الحقيقة، فقد اجتمعت كل أحزاب وقوى الشر بقضها وقضيضها، وجمعت كل فصائلها، للانقضاض على مكاسب الشعب المصري والإجهاز عليها بقوة حتى لا تقوم لها قائمة: أمريكا الغاشمة بمكرها الكبار، وآل صهيون بكيدهم العريق، وعداوتهم الشديدة للمسلمين، و »جبهة الإنقاذ » الكريهة ، برصيدها في الخيانة والعمالة للمعسكر الصليبي الصهيوني المعادي للإسلام والمسلمين، وأمراء البيترو دولار بمالهم المغتصب المسموم، كل أولئك قاموا بإنزال هذا الظلم الكبير بشعب مصر العظيم، وبإيقاظ هذه الفتنة الهوجاء التي تحصد الأخضر واليابس، إنهم يمثلون معسكر الشر والباطل الذي سيمثل لا محالة أمام محكمة التاريخ، وسيلقون جميعهم جزاءهم المستحق في يوم لا ريب فيه.
رابعا: أن رابطة العرب أوهن من بيت العنكبوت ، خصوصا على مستوى الأنظمة التي تجثم على صدور الشعوب، فبدلا من أن تغير تلك الأنظمة المنكر، وتنتصر للشرعية الدستورية التي عانى الشعب من أجل الحصول عليها الأمرين، سارعت لمناصرة الانقلاب الغادر، بل إن الأمين العام للجامعة العربية المفروض فيه التعقل والحياد، سارع إلى الانضمام إلى بلاطجة قومه، وتأييد الانقلاب، حتى من غير استشارة، ولو شكلية، للدول العربية الأعضاء في المنظمة، وكأنه كان يعلم مسبقا بموقفهم، لمعرفته المسبقة أيضا بطبيعتهم ونفسياتهم التي مردت على الذل والخذلان.
خامسا: لقد شهد العالم أجمع مزيدا من الدلائل على نفاق الغرب السياسي وخوائه الأخلاقي، فقادة هذا الغرب المرضى بداء الجهل والطغيان والاستكبار، لا يؤمنون بمبدأ إنساني، ولا بأي حق من حقوق الإنسان، أو حقوق الشعوب، مما يتبجحون به صباح مساء في تصريحاتهم وعبر المنظمات التي يحكمون قبضتهم عليها، بل إنهم على العكس من ذلك يبيعونها في المزاد العلني، ويتنكرون لها بدون أدنى تحفظ ولا خجل، خاصة إذا كان من تعرضوا لإهدار حقوقهم ينتمون إلى جبهة المسلمين، ويحملون مشروعهم الفكري والحضاري. فلقد حاص الأمريكيون والأوروبيون حيصة الحمر، وفكروا ثم قدروا، ثم فكروا ثم قدروا، ثم عبسوا ثم بسروا، ثم قالوا : وما نظام محمد مرسي إلا نواة للإرهاب ستقتلعنا من جذورنا ولو بعد حين.
سادسا: أن حماية مكاسب الثورة لشعب من الشعوب، تقتضي القضاء على كل عناصر الشر ومخلفات السوء، وعلى كل الجراثيم وعلى البيض الذي تتركه خلفها قوى الفساد، مما يمكن أن يفقس في أي لحظة كلما وجد الشروط المناسبة، فما وقع في مصر الحبيبة يمثل وجها كالحا لخروج الثعابين والأفاعي الرقطاء من مكامنها وجحورها لتنهش وجوه الشعب المصري البريء، وربما كان المظنون بها أن لا قيام لها إلى الأبد، وذلك وهم قاتل، في ظل وضع شبيه بالوضع الذي أعقب ثورة 25 يناير 2011.
سابعا: أن الآلة الإعلامية الرهيبة تشكل في أيدي قوى الإفك والظلام، وسيلة لقلب الحقائق ونشر الأكاذيب التي تصبح جراء كثافتها وتكرارها بمثابة الحقائق في أعين خلق كثير ممن يتعرضون لوابل قصفها، في ظل افتقادهم للمناعة والقدرة على مغالبة تخييل السحرة والمشعوذين، ولقد عول الانقلابيون في خطتهم للإجهاز على الشرعية على الإعلام بشكل رهيب، بحيث مكنهم ذلك من تسميم الأجواء،  وتجريد المناخ السياسي من أدنى مقومات المصداقية والأخلاق، ومن سحر أعين الناس واسترهابهم، يقول الله تعالى:  » فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ } [ الأعراف: 116],  ومما يؤكد هذه الحقيقة في ما حدث في مصر، أن كثيرين ممن احتشدوا ضد الشرعية، عادوا إلى صف أصحاب الحق، بعد انقشاع أثر السحر والتخييل عن أعينهم، وانكشاف الحقيقة أمام أعينهم ناصعة البياض.
ثامنا: أن حلف الشيطان قد ينجح تحت ذرائع شتى في جر حتى بعض شرائح من المتدينين إلى صفه، مسخرا في ذلك العزف على الأهواء، والنزوع إلى حب الرياسة، مستغلا جهل تلك الشرائح بالمقاصد العليا للدين، وبخبايا الواقع الدفين، و انسياقها وراء تغليب متاع الدنيا الرخيص على ما أعده الله جل جلاله في الآخرة لعباده المخلصين الصادقين.
تاسعا: أن وراء المحن والابتلاءات، حكما ربانية بليغة، فهي بمثابة المدرسة الجامعة التي تشحذ فيها معادن الأرواح، وتحكم رابطة الأخوة بين المؤمنين بالحق، فيتحولوا إلى بنيان متماسك مرصوص، تتكسر عليه جميع محاولات شقه أو توهينه. إن وقوف الشعب المصري في ميادين الاعتصام، بجميع فئاته وشرائحه، رجالا ونساء، وشيبا وشبابا وأطفالا، قياديين ودعاة وعلماء ومفكرين، وهم يستشعرون جلال شهر رمضان، يقومون بعبادة الصيام والقيام، ويقتسمون ما توفر لهم من شراب وطعام، ويجأرون إلى الواحد القهار، المنتقم الجبار، أن يقتص لهم  ممن سلطوا عليهم الظلم الغاشم، وأخرجوهم من ديارهم إلى الميادين والساحات، وأراقوا دماءهم برصاص اقتسموا معه قوت عيالهم، ليحمي ظهورهم، لا ليخترقها وهم يقومون فجرا لله الواحد الديان، قلت: إن كل ذلك ليشكل ملحمة رائعة الجمال والجلال، تحمل في أعماقها وثناياها عوامل النصر المؤزر بإذن الله، على الظلمة المجرمين، وصدق الله القائل: » وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)
صدق الله العظيم

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *