Home»National»المساواة بين الجنسين

المساواة بين الجنسين

1
Shares
PinterestGoogle+

المساواة بين الجنسين

 ترتكز المساواة بين الرجل والمرأة في التشريع الإسلامي على جملة من المبادئ العليا والكليات التي يجليها القرآن الكريم وتؤكدها السنةالنبوية. وإذا كنا في غنى عن بسط القول في تلك المبادئ والكليات فإن ضرورة الحديثتدعونا إلى التذكير بما كان أكثرها دلالة على قضية المساواة خاصة.

تستوقفنا في القرآن الكريم آيات عديدة تفيد كلها،بكيفيات متعددة يقتضيها تنوع الخطاب (خطاب الشرع للمكلفين) المساواة بين الذكر و الأنثى من حيث الانتماء إلى الطبيعة البشرية منها قوله تعالى في مستهل سورةالنساء: ﴿ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثمنهما رجالاً كثيراً ونساء1. ففي هذه الآية ،و غيرها إقرار للمساواة في الطبيعة الإنسانية أولاً، وفي الحقوقوالواجبات التي تتصل بالإنسان من حيث هو إنسان. ولا يعادل هذه المساواة في القرآن الكريم، إلا المساواةفي الكرامة الإنسانية لبني الإنسان، الذكر منه والأنثى على السواء على النحو الواضحالذي يفيده قوله تعالى:          ﴿ ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر البحر ورزقناهم منالطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً 2. و في السنة النبوية عشرات الأحاديث التيتقر مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الطبيعة البشرية وفي المسؤولية أمامالخالق، فضلاً عن الأحاديث التي تحث على تكريم المرأة والإحسان إليهابل إن إكرامالأم مقدم على تكريم الأب في النص الصريح للحديث النبويالصحيح. لقد خلق الله الزوجين الذكر والأنثى وجعل كلا منهما صنو الآخر في قصةالحياة الإنسانية منذ بدء الخليقة حتى المرجع والمآب إليه، ولم يجعل أي منهما دونالآخر ، وكل ما صنع الدين أنه وزع الاختصاصات العملية توزيعاًيوافق طبائع الذكورة والأنوثة وهذه الفروق مع تطبيق العدللا يخدشالمكانة الإنسانية لأي منهما فهي فطرة الله التي فطر الناس عليها.

اقتضت حكمة الخالق  » أن يجعل الجنسين أحدهما موافقا للآخر ، ملبيا حاجاته الفطرية       و النفسية و العقلية و الجسدية ، بحيث يجد كل منهما في صاحبه راحة و طمأنينة و استقرارا  ويتم في اجتماعهما السكن و الاكتفاء و المودة و الرحمة لأن تركيبهما النفسي و الروحي يتأسس على تلبية الرغبات بشكل متبادل بينهما من خلال اختلافهما و امتزاجهما »1

و قد سما القرآن بالمرأة حتى جعلها بعضا من الرجل  » كما حد من طغيان الرجل و جعله بعضا من المرأة و أدمجهما في لفظين اثنين (الإنسان و الزوج ) المعبر عنهما لفظا في اللغة العربية لتكون مساواتهما متحدة لفظا و معنى و ليتعرفا على أحوالهما الشخصية و يؤديا واجباتهما الاجتماعية »2

إن النوع الواحد من جنس الإنسان لا ينفع ، و أنه « لم ينقسم إلى نوعين اثنين إلا لأداء مهمتين اثنتين ، و أنه لو كانت المهمة واحدة لظل الجنس واحدا ، و انقسامه إلى نوعين دل على أن كل نوع له خصوصياته في ذاته ، فكما أن للزمان نوعين الليل و النهار كذلك للإنسان نوعين : الرجل و المرأة « 3 و إذا ظهرت الحكمة الربانية في حكمة وجود الزوجية في جنس الإنسان ، فما على كل واحد من الرجل و المرأة إلا أن يعتز بمهته في الحياة        و يقدرها حق قدرها ليسعد في حياته المطبوعة على التنوع و التجدد في كل الفصول         و الأحوال ، فكما أن الليل لا يستطيع أن يقوم بدور النهار ، و لا النهار يستطيع أن يقوم بدور الليل ، فكذلك الرجل و المرأة فكل منهما غير مهيإ فطريا للقيام بمهمة الآخر.  » و الذي يفسد الأمر هو أن نوعا يريد أن يغير على مهمة نوع آخر و يتقمص مميزاته الشيء الذي من شأنه أن يحدث الفساد و الاضطراب في نظام الكون الذي خلقه الله أزليا ليكون خاضعا و منضبطا إلى يوم الدين . بحيث لا ينبغي أن يتمنى الرجل أن يكون امرأة أو تتمنى المرأة أن تكون رجلا لأن الله ينبههما و ينهاهما عن ذلك حين يقول :



و كون المساواة مبدأ إسلاميا أمر صحيح  و لا جدال فيه و لا داعي إلى إيراد النصوص الشرعية الدالة عليه لشهرتها ، و لكن لا تطابق بين دلالة المساواة عالميا و دلالتها إسلاميا فالمقصود بها دوليا الآن المساواة التامة ، و لكنا نعلم إسلاميا أنه لا تلازم بين المساواة       و العدالة ذلك أن: « العدالة قد تتحقق بالمساواة بين الجنسين و قد تتحقق بالتفريق بينها في الأحكام    و غاية ما يمكن يتصوره موقفا شرعيا من المساواة هو أن الإسلام يعدها الأصل الذي يرد عليه الاستثناء بمعنى أنها الغالب على الأحكام المشرعة للإنسان و أنها لا تترك إلا لحكمة بالغة ، و كل من المساواة و التمييز ليس مقصود لذاته بل هو مقصود لغيره و تابع لمصلحة راجحة تقتضيه « 3 و هذا ما حذا بالشيخ ابن عثيمين إلى القول : »أخطأ على الإسلام من قال: إن دين الإسلام  دين مساواة، بل دين الإسلام دين العدل و هو الجمع بين المتساويين          و التفريق بين المفترقين »4 والشَّرِيعَة الإسْلاميَّة  حين أناطت كل من الذكر و الأنثى بحقوق وواجبات جعلتها واحدة حين تقتضي طبيعته الإنسانية جَعْلها واحدة، وجعلتها متنوعة حين تقتضي طبيعة كل منهما هذا التنوع . فالمنهج الإسلامي قادر على تحقيق ما فشل فيه الغرب هناك لأنهالمنهج الوحيد الذي أقر فكرة التباين بين الرجل و المرأة دون أن يدخل الذكورة    و الأنوثة في حلبة الصراع، فالسبيل إلى التفاضل بل إلى التكامل إنما هي التقوى و توفر المواهب . فالحقوق متبادلة بين الرجل و المرأة  » و أنهما كفئان، فما من عمل تعمله المرأة للرجل إلا   و للرجل عمل يقابله لها، و إن لم يكن مثله في شخصه، فهو مثله في جنسه، فهما متماثلان في الذات و الإحساس و الشعور و العقل أي أن كل منهما بشر تام له عقل و قلب فليس من العدل أن يتحكم أحد الصنفين بالآخر و يتخذه عبدا يستذله و يستخدمه في مصالحه

و لا سيما بعد عقد الزوجية و الدخول في الحياة المشتركة التي لا تكون سعيدة إلا باحترام

 

 

كل من الزوجين الآخر و القيام بحقوقه. « 1 فالنساء شقائق الرجال كنوعين لجنس واحد خلقا من نفس واحدة ،  » لهما مهمات مشتركة كجنس( كنفس) و مهمات مختلفة كنوعين ذكر       و أنثى و هي تفرقة في الأدوار، أو الوظيفة الموكلة لكل منهما ، مع التساوي في الحقوق              و المسؤوليات ، و المساواة هنا لا تعني التماثل ، فالرجال و النساء يجب أن يكمل كل منهما الآخر داخل منظومة متعددة الوظائف ، بدلا من أن ينافس كل منهما الآخر داخل مجتمع أحادي الجانب »  2

يقول الدكتور فريد الأنصاري:« تلكالنفس،التيذكرهااللهجلعلاهفيغيرماموضعمنالقرآنالعظيم،التيلاتحملفيالأصلصفة جنسية،لاذكورةولاأنوثة.  وهذاأمرعجيبحقا. فلاالرجلولاالمرأةيمكنهأنيزعمأنهالأصلوكونآدمعليهالسلامأسبقفيالخلقلايعنيأنهالأصل. فهوالأصلبالمعنىالزمني،وليسالأصلبالمعنىالوجودي،ولاكذلكحواء.  وليسالأمركمازعمبعضهمأنالمرأةفرعمنالرجل،ولاأنالرجلفرعمنالمرأة،وإنماهيالنفسالتيلاتحملأيسيماءجنسية. إنهانفسواحدة) علىحدتعبير

القرآن: (مننفسواحدة. وفيهذاالتساويالوجوديمافيه.  وأماالتأنيثالواردفيصيغتهافإنماهوعلىعادةالاستعمالاللغويالعربي،ليسإلا« 3

و من هذا المنطلق و مراعاة للتوازن في الطبيعة و العمل فإن الإسلام قد أعطى المرأة الحقوق نفسها التي أعطاها للرجل من حيث القيمة الإنسانية و الشخصية الاعتبارية و في سائر التصرفات، و في الوقت نفسه كلفها بما كلف الرجل من عبادات و واجبات، و اعتبرها مسؤولة مثله عما تؤديه من أعمال و طاقات. و قد سوى الإسلام بين الرجل و المرأة في التكاليف و الواجبات و في الحقوقو ضمن لها كامل شخصيتها المدنية مستقلة عن زوجها   

و في سائر التصرفات،و بكل مقوماتها « 4 و في العودة إلى مصادر التراث الإسلامي نجد

 

 

أنه:  » لا تكاد تخلو إشارة إلى النساء دون التأكيد ضمنا أو علنا على حقيقة أنهن يختلفن عن الرجال، و أن هذا التباين أو الاختلاف إنما هو تعبير عن الإرادة الإلهية التي لا سبيل إلى تغييرها أو تعديلها أو مقاومتها أو التأثير عليها. »1

عموما فإن التصور الإسلامي لقضية المساواة ينطوي على عدد من المزايا الهامة لعل أهمها:

أولا: إن تأكيد الإسلام على مسألة التباين أو الاختلاف بين النساء و الرجال لم يكن يراد به الإساءة إلى المرأة بقدر ما أريد منه تأكيد الشخصية المستقلة و المتميزة لكليهما. و في هذا مصدر قوة بدلا من أن يكون مصدر ضعف، إذ أن التباين في المفهوم الإسلامي يمنع أن يذوب أي من الطرفين في بوتقة الآخر.

ثانيا:يضع الفصل على أساس الجنس أسس حياة اجتماعية و حضارية سليمة تقف دون الاستغلال و التمييز و التفاوت و الاضطهاد الناجم عن الخلط في تقدير مزايا و إمكانات      و قدرات الطرفين المتباينة حتما. يقول السيد  قطب: » و تبعا لهذا الاختلاف الحاسم بين الرجل و المرأة في المهمة و الأهداف اختلفت طبيعة الرجل و المرأة ليواجه كل منهما مطالبه الأساسية، و قد زودته الحياة بكل التيسيرات الممكنة، و منحه التكييف الملائم لوظيفته….لذلك لا أرى كيف تستساغ هذه الثرثرة الفارغة عن المساواة الآلية بين الجنسين؟ إن المساواة في الإنسانية أمر طبيعي و مطلب معقول، و قد قرره الإسلام أصلا، فالرجل و المرأة هما شقا الإنسانية و شقا النفس الواحدة، أما المساواة في وظائف الحياة و طرائقها فلا يمكن تنفيذها، و لو أرادتها كل نساء الأرض و عقدت من أجلها المؤتمرات و أصدرت القرارات. « 2 إن المساواة الحق  بين الجنسين اللذين تحكمهما سنة الزوجية و سنة التبعية المتبادلة و ليست الاستقلالية المتبادلة يعبر عنها مبدأ أو شعار التكافؤ أو التعادل و ليس المساواة. فالمساواة في نظام الأسرة تعبير حقوقي عن مبدأ الفردية و الاستقلالية، وشعار التعادل تعبير عن مبدأ الزوجية و التبعية المتبادلة بين الرجل و المرأة في نظام الأسرة. فمبدأ

التعادل يفضي إلى الحديث عن المعادل فنقول هذا الحق عند الرجل معادله(équivalant) كذا عند المرأة و العكس صحيح. فنحن أمام معادلة حقوقية. و في المعادلة فإن الأطراف تتباين من حيث الشكل أو المبنى و تتساوى بالتمام من حيث المضمون و المعنى. فعلى سبيل المثال الرياضي المجرد:  » لرجل (ثمانية حقوق و ست واجبات)، و لامرأة (ستة حقوق و أربع واجبات) فـثمانية  حقوق  مثلا عند الرجل لا تساوي ستة عند المرأة في الطرف الأول من المعادلة، و يظهر من حيث الشكل كأنه تمييز ضد المرأة. و لكن إذا عادلناها بمكون الواجبات فسيظهر أيضا من حيث الشكل كأن هناك تمييزا ضد الرجل الذي عليه ست واجبات مقابل أربعة عند المرأة في الطرف الثاني. لكن من حيث المضمون الحقيقي فالطرفان متكافئان و متعادلان عند القيام بعملية الطرح بين أطراف المعادلة، فنحصل على أن8-6 = 6-4 تلك هي المساواة بين الجنسين في ميزان الشرع الإسلامي، و هي المساواة الحقة. »1

فتأسيس تنظيم الأسرة على المساواة و حقوق الإنسان ليس أمرا غريبا عن شريعة الإسلام  و إنما هو متطابق معها كل المطابقة ، على أساس أن لا يستورد لها مفهوم هذين المصطلحين جاهزا من تصور آخر و فلسفة أخرى ، وإنما  » ينبغي أن يؤسس هذا المفهوم على مقاصد الشريعة و مبادئها العليا و هو السبيل إلى إعادة الحيوية إلى قانون الأسرة مع الأخذ بعين الاعتبار الواقع الاجتماعي، و مختلف الظواهر المكونة لهذا الواقع الاقتصادية منها و الثقافية و الأخلاقية و السياسية و غيرها. و هذا أكبر تحدي يواجه قانون الأسرة . »2

و الخلاصة « إن المفهوم الشرعي للمساواة هو المفهوم المقاصدي من حيث إنه يعتبرها من وسائل المقاصد لا من المقاصد ذاتها. »3

1-      النساء/ 1

2-      الإسراء / 70

سعادة الأسرة – ص 195- مرجع سابق2- المرأة و مكانتها في الإسلام – ص 276- مرجع سابق

3- نفسه – ص262

﴿  و لا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض ﴾1« 2

1-      المرأة و مكانتها في الإسلام – ص262- مرجع سابق

2-      النساء/  32

3-      قراءة مقاصدية لأسس المقترحات القانونية لخطة إدماج المرأة في التنمية- ص 400- مرجع سابق

4-      أثر المساواة و العدل في الفكر الإسلامي المعاصر- ص8 – علاء الدين الأمين الزاكي- مجلة البيان- ع240/2007م

 

 

1-      التحرير الإسلامي للمرأة: الرد على شبهات الغلاة- ص118- مرجع سابق

2-      الأسرة المسلمة بين النصوص و الواقع – المحاضرة الأولى –ص 72 د. سعاد الصالح- الأسرة العربية في وجه التحديات و المتغيرات المعاصرة – مؤتمر الأسرة الأول 5-6 أيار 2002م- دار ابن حزم- بيروت – لبنان- ط1- 2003م

3-      بينالنفسوالصورة-ص25- د.فريدالأنصاري-منشوراتألوانمغربية-ط1-2003م

4-      المرأة بين دينها و واقعها- ص45- يوسف الكتاني- مجلة الإحياء ع6-1995م

لتحرير الإسلامي للمرأة: الرد على شبهات الغلاة- ص118- مرجع سابق2-      الأسرة المسلمة بين النصوص و الواقع – المحاضرة الأولى –ص 72 د. سعاد الصالح- الأسرة العربية في وجه التحديات و المتغيرات المعاصرة – مؤتمر الأسرة الأول 5-6 أيار 2002م- دار ابن حزم- بيروت – لبنان- ط1- 2003م

3-      بينالنفسوالصورة-ص25- د.فريدالأنصاري-منشوراتألوانمغربية-ط1-2003م

4-      المرأة بين دينها و واقعها- ص45- يوسف الكتاني- مجلة الإحياء ع6-1995م


1-      في الموقف الإسلامي من قضية المرأة – ص80- د.لاهاي عبد الحسين الدعمي- مجلة الحكمة – منتدى الكلمة للدراسات و النشر- ع22- السنة السادسة-  1999م

2-      الإنسان بين المادية و الإسلام- ص91- مرجع سابق

 

1-      العدل الأسري  مساواة أم تكافؤ؟ – ص5- مرجع سابق

2-      قانون الأسرة الجديد – دراسة مقارنة مع أحكام الفقه الإسلامي و قوانين دول المغرب العربي- ج1- د ص32- مرجع سابق

3-      قراءة مقاصدية لأسس المقترحات القانونية لخطة إدماج المرأة في التنمية- ص 401- مرجع سابق

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

2 Comments

  1. خديجة
    18/03/2015 at 23:14

    نص روعة شرا على المجهود

  2. cycdtdtuf
    16/08/2017 at 13:26

    ليس جميله

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *