مبدأ القدوة وأثره في التربية على قيم الأسرة

مبدأ القدوة وأثره في التربية على قيم الأسرة
القدوة اسم لمن يُقتدى به والاقتداء هو طلب موافقة الغير في أقواله و أفعاله و مواقفه ، إذا كان ممن يأتسي الناس خطاه، ويتبعون طريقته ، والقدوة هي إتباع شخصية تنتمي إلى نفس القيم التي يؤمن بها المقتدي . قال الجوهري: « القدوة بالكسر: الأسوة، يقال: فلانقدوة يقتدى به، وقد يضم فيقال: لي بك قدوة وقدوة و قدة « 1و جاء في معجم مقاييس اللغة : القاف و الدال و الحرف المعتل أصل صحيح يدل على اقتياس بالشيء و اهتداء ، و مقادرة في الشيء حتى يأتي به مساويا لغيره، من ذلك قولهم: هذا قدى رمح ، أي قيسه ، و فلان قدوة يقتدى به و يقولون إن القدو الأصل الذي يتشعب منه الفروع « 2 و يقال: فلان لا يقاديه أحد ولا يماديه أحد، ولا يباريه أحد، ولا يجاريهأحد وذلك إذا برز في الخلال كلها ، لكن هذا لا يمنع من القول أن فلاناً قدوة فيصفة معينة ويكون ممن ينقص حظه في أمور أخرى، فيقال مثلاً: فلان قدوة في البذلوالتضحية ولكنه لا يتصف بالعلم ، ويقال: إن فلاناً قدوة في طلب العلم دونالشجاعة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما يقال: إن هذه الأخت قدوة في الأدبواللباقة ولكنها ليست على قدر من العلم الشرعي، والموفق من ضرب من كل خير بسهمفيكون له باع في كل شيء وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
الأسوةوالقدوةبمعنىواحدو يقصد بهاالسيروالإتباععلىطريقالمقتدىبه وهي التأسي بالغير علىالحالة التي يكون عليها حسنة أو قبيحة: فالقدوة الحسنة هيالاقتداءبأهلالخيروالفضلوالصلاحفيكلمايتعلقبمعاليالأمور وفضائلها،منالقوةوالحقوالعدل. وعادة ما يمثل الشخص المقتدَى به قدراً من المثالية والرقي والسمو عند أتباعه ومحبيه، والقدوة
تنطوي في داخلها على نوعٍ من الحب والإعجاب الذي يجعل المقتدِي يحاول التأسي بالمقتدى به. والقدوة السيئة يعنيالسيرفيالمسالكالمذمومةوإتباعأهلالسوء والاقتداءمنغيرحجةأوبرهان .
1- القدوة في الإسلام:
اعتبر الإسلام القدوة الحسنة دعما لانتشار الخير؛ لأن الناس بفطرتهم يحبون محاسن الأخلاق، ودرجات الكمال ؛ ولذا كان من رحمة الله أن يوجد في الناس على مر العصور
– حتى في أوقات ضعف الأمة – نماذج تبقى صامدة مجاهدة، تتمثل الإسلام في أقوالهاوأعمالها واعتقاداتها، ولكن قد يقل العدد أو يكثر بحسب قوة الأمة، ولكن لا تخلوالأرض من قائم لله بحجة، وكثيرة هي القصص عن اهتداء كثير من الناس بمجرد رؤية تصرف لبق في موقف صعب، وهذا كله بدون أن يشعر المقتدى به.ولعظيم شأن هذا المبدأ ورد الحث على الاقتداء بالأنبياء – عليهمالسلام – في كل الأمور، ولذلك قال الله عز وجل: ﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَىاللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ﴾1، فهم مضرب المثل في الصفات المتميزة؛وذلك لأنهم نهضوا بأعظم وأخطر مهمة وهي إصلاح الناس، ولأن إصلاح الناس يتطلبمستويات عليا من الأخلاق كان لهم منها النصيب الكامل إعانة لهم للقيام بالمهامالشاقة. وقد جعل الله عز وجل رسوله محمد صلى الله عليه وسلم قدوة لكلأتباعه الذين عاصروه، والذين يأتون من بعده إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، قالتعالى: ﴿ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة
لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكرالله كثيراً﴾2 وليس للمسلمين من سبيل إلا هذا السبيل طليعةتتأسى خطوات الرسول – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه شبراً بشبر، وذراعاً بذراع في كلظاهرة وخفية، وفي كل دقيقة وجليلة، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها. وفي هذا تأكيد لمدى أهمية القدوة الحسنة فيالتنشئة والتوجيه والتربية لما للقدوةالحســــنة
من أثر كبير فياكتساب القيم والفضائل، والاحتكاك بالصالحين ومحــــــاكاتهمبكسب
الإنسان العادات الحسنة والطبائع المرغوبة.و إذا كان بعض الناس يحبأن يكون قدوة يقتدى به في الخير؛ لما يعلم من عظيم الأجر والثواب الذي يصله من تأثرالناس بفعله وقوله مصداقا لقوله تعالى: ﴿ وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا ﴾1 فمناستطاع أن يكون إماماً لأهله إماماً لحيه، إماماً لمن وراء ذلك، فإنه ليس شيءيؤخذ عنه إلا كان له منه نصيب ،خصوصا و أن أمتنا حاليا في أمس الحاجة إلى قدوات في العبادة، والدعوة، والأخلاق، وإلى أمس الحاجة إلىالبحث في أسباب قلة النماذج التي يقتدى بها. مــــــــن أجل هذا وجب على الآباء والمربين أنيحرصواكــل الحرص على أن يكونوا قدوة حسنة في العلاقة مع الله،ومع الناس، قـــــدوةفي صدق الكلمة، وأمانة الرأي وحسن العشرة،وأداء الفرائض والبعد عن الرذائل،حتى يحققوا بذلك المعنى الحقيقي للقدوة الحسنة.
و مما لاشك فيه أن الاقتداء غير التقليد والفرق بينهما جوهري، إذ يقتدي الإنسان بغيره عن وعي، ولقد : » رفض الإسلام التبعية الفكرية والتقليد الأعمى عندما أمرنا بالنظرة واستعمال العقل فيما بين أيدينا من ظواهر الكون وينهانا في الوقت نفسه عن التقليد الذي هو تعطيل للعقل عن أداء دوره في الوجود » 2 لذا عاب القرآن على الذين يعطلون عقولهم ويقلدون
غيرهم بعد أن استبان لهم الحق حيث قال عز و جل:﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ﴾3
2- القدوة في الفضاء الأسري:
تعتبرالقدوةمن أهم العوامل المؤثرة في تربية الأبناء وأبرزمايعينعلىغرسالقيمفينفوسهم « فهم يكتسبون القيم عن طريق الملاحظة و التقليد ، كما أن العديد من الأطفال يقبلون بوجهات نظر آبائهم و المهمين ممّن هم في بيئتهم « 4 وذلك لأنهم يتأثرون بما يرونه عن
4- القيم الإسلامية المتضمنة في النتاجات التربوية الواردة في المنهاج الوطني التفاعلي لمرحلة رياض الأطفال الحكومية في الأردن – ص 200- مرجع سابق
طريق المحاكاةوالإيحاء والاستهواء، فالأطفالمنذنعومة أظافرهم يبدأون بتقليد آبائهم وهذاالتقليددليلعلىمحبتهم لهم .
ففي سن مبكرة يدرك الطفل بوضوح أنه من الذكور، وأنه سيصبحيوماً ما رجلاً كأبيه، وهذا ما يحمله على الشعور بإعجاب خاص به وبغيره من الرجال، إنه يراقبهم بدقة، ويسعى جاهداً للتشبه بهم في مظهره وسلوكه ورغباته ،بينما تدرك الطفلة هي الأخرى أنها ستصبح امرأة فتندفع إلى التشبه بأمها وباقيالنساء، وتقتفي أسلوبهن . يقول عبد اللطيف أوبلا:
« و الثابت أنه إلى حدود سن الثامنة و التاسعة سلوك الطفل هو سلوك مقلد للكبار في كل شيء : للتلاميذ الكبار ، للمدرس ، للآباء و الأمهات ، لما يراه في الشارع و حتى لما يراه على شاشة التلفزة . و من هنا تبرز أهمية (المثال( الذي يمكن أن يشكله الأشخاص الذين يكونون ) المحيط الأخلاقي( للمتعلم « 1
إن أكثر هذه القدوات تأثيرا هم الآباء حيث يقف سلوك الأبوين كمصدر أساسي لمعلومات الطفل. فملاحظة الطفل لسلوك أبويه أكثر تأثيرا من مجرد إعلام أبويه له بالسلوك الملائم. فعندما يستمع إلى أبويه وهما يوجهانه فهو يتعلم منهما فقط ما الذي يريدانه منه. يقول الدكتورعبد اللطيف محمد خليفة مبرزا أهمية تأسي الأبناء بآبائهم: »ومن خلال ملاحظة سلوكهما فهو يتعلم كيف يصدر السلوك. ومن فوائد الاقتداء أيضا أنه يكشف للأبناء عن مدى تمسك الآباء بالقواعد السلوكية التي حددتها الثقافة والقواعد المحبوبة. وهذا من شأنه أن يشجع الأبناء على تمثل هذه القواعد »2
فالطفل يكوّن صورته عن ذاته من خلال تعامل أسرته معه لا سيما تعامل الأب الذي يشكل بالنسبة للطفل نموذجا يحاول دائما التماهي به و الاقتداء بما يصدر عنه من أفعال . و تقليد الطفل لوالده في حركاته و أقواله و أفعاله ظاهرة تعرفها مختلف الأسر الأمر الذي يعكس حاجة الطفل إلى الأب كنموذج لسلوك يحاول أن بتمثله و يتعوّد على القيام به . و من هذه
1- تدريس الاجتماعيات بالسلك الأول من التعليم الأساسي- سلسلة التكوين التربوي-العدد9- ص30/ 31- عبد اللطيف أوبلا – مطبعة النجاح الجديدة – البيضاء – ط1-1998/1999م
2- ارتقاء القيم – دراسة نفسية – ص 208– د.عبد اللطيف محمد خليفة-ع 160- المجلس الوطني للثقافة و الفنون و الآداب- الكويت- أبريل 1992م
الناحية » فان ما يلاحظه الطفل من سلوك والديه لا سيما سلوك الأب يلعب دورا هاما في تكوين شخصيته و في توازنه النفسي ، أكثر من الدور الذي يمكن ان تلعبه النصائح و الإرشادات التي يسمعها الطفل من والديه أو معلميه أو من أي مصدر آخر »1
و الحقيقة أن الطفل تابع بطبعه ، فهو ينظر دائما إلى الراشد كنموذج ينبغي الاقتداء به و لعل السبب في كثير من أنواع الانحراف و السخط لدى الطفولة ، إنما هو راجع في الغالب إلى غياب النماذج الراشدة داخل أسرهم ، فيضطرون حين ذاك إلى التماسها في الشارع .
ويخطئ كثير من الآباء والأمهات عندما يظنون أن أبناءهم لا ينتبهون لسلوكهم، ولا يلاحظون تصرفاتهم،ولا يحاكمون أفعالهم ولا يقوّمونها. إن الأبناء يزنون آباءهم وأمهاتهم ومربيهم بميزان فطري دقيق، ويقيمون لهم في أنفسهم التقدير والاحترام على حسب رجحانهم في ذلك الميزان، أو خسرانهم. لذلك فالإسلام يحث على أعظم الوسائل نجاحاً في التربية وأجداها في توصيل المبادئ والقيم وهي القدوة… ولابد أن تكون هذه القدوة ملازمة للإنسان المسلم طيلة حياته كلها إذ لابد للطفل من قدوة ينهج نهجها، ويكوِّن مبادئه وقيمه وعقائده منها، ولابد له من أسرة تكون نموذجاً متحركاً في أجواء المنزل تترجم كل ما تعلمته وما خبرته من الحياة إلى سلوك يلمسه طفلها، إذ أن من غير المعقول أن يكون سلوكها وتصرفاتها مخالفة لما تقوله امتثالا لقوله تعالى: ﴿ يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون. كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ﴾2 فالإسلام يسعى إلى جعل الأسرة المسلمة قدوة حسنة وطيبة تتوفر فيها عناصر القيادة الرشيدة. قال تعالى حكاية عن عباده الصالحين: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً﴾3
إن القدوة الحسنة من أبرز الوســـائل التربوية ذلك أن:« التربيةعلىالأساسالقيميوالمبدئيلاتستقيمإلابالتمثلعلىالمستوىالسلوكيللأفرادوالجماعاتوالمؤسساتفينهايةالمطاف.« 1
يعطي التلاميذ في مرحلة الطفولة المتأخرة أهمية كبيرة للاقتداء بالنماذج المثالية من الأشخاص أي الأشخاص الذين يتصفون بالأمانة و الصدق ، و تشير هذه النتيجة إلى أهمية دور المحاكاة في تعلم الطفل للقيم و المعايير السائدة في مجتمعه، ويرى الدكتور عبد اللطيف محمد خليفة أنه : » يمكن الاستفادة من هذه النتيجة في توصيف المقررات و المواد الدراسية التي تقدم للأطفال ، فيجب تضمين هذه المقررات ما يشير إلى أهمية الاقتداء و النموذج في حياتهم كما يجب الحرص على تقديم مواصفات هذه النماذج بشكل ييسر للأطفال تمثلها
و استيعابها »2
و من هنا يتحمل الآباء مسؤولية القدوة حق التحمل فيكونون مثالا حياً لحسن الخلـــــقوالسلوك والالتزام ،وعلى هذا النهج يجب أن يسير المربون فــــي المؤسساتالتعليمية حتى يكون تأثيرهم إيجابياً وفعالاً في نفوس مـــــــن يقتدونبهم. و نظرا لأهمية مبدأ القدوة من الناحية التربوية فناذرا ما تخلو كتب التربية منإيراد أهميته و فعاليته. فقد جاء في الدليل البيداغوجي حول إدماج مبادئ مدونة الأسرة في المناهج التربوية : » و أفضل بيداغوجيا هي بيداغوجيا القدوة : المدرس يفعل مايقول »3
و قد أظهرت الكثير من البحوث : » أن الأطفال يحتاجون إلى نماذج يكون لها دور إيجابي وذلك لكي يستطيعوا تنمية حبهم لذاتهم وثقتهم في أنفسهم « 4
كما أن التحليل و الجرد اللذين قامت بهما S.MOLTO لموضوعات و قضايا الكتب المدرسية ليظهران : » أن المجتمع يتمثل بكامل مظاهره في هذه الكتب، و أن ما تحفل به هذه الكتب من
1- السلوك المدني – وثائق مرجعية – ص47 – وزارة التربية الوطنية و التعليم العالي – المملكة المغربية- فبراير 2008م
2- ارتقاء القيم : دراسة نفسية- ص 197–مرجع سابق
3- دليل بيداغوجي حول إدماج مبادئ مدونة الأسرة في المناهج التربوية – ص 22- مرجع سابق
4- دعم الكفايات التربوية: الإنصاف في الفضاء المدرسي- ص 39– مديرية العمل التربوي- وزارة التربية الوطنية– الرباط – المغرب- بدون ت
شخصيات و قيم ، إنما تعرض على المتعلمين نماذج يحتدونها. »1 و عن التربية بالقدوة كتب عبد الله علوان : » و من هنا كانت القدوة عاملا كبيرا في إصلاح الولد أو فساده : فإن كان المربي صادقا ، أمينا ، خلوقا، كريما…نشأ على الصدق و الأمانة و الخلق و الكرم….
و إن كان المربي كاذبا ، خائنا ، متحللا…نشأ الولد على الكذب و الخيانة و التحلل… »2
وقد جرت العادة عند الآباء إرسال أبنائهم لمن يظنون فيه الصلاح لتربيتهم ،وليستفيدوا من نموذج حي يعمل بما يقول.و هذا ما يستشف من قولعمروبنعتبة
مخاطبا معلمولده: » ليكن أولإصلاحكلولديإصلاحكلنفسك،فإنعيوﻧﻬم معقودة بعينك،فالحسنعندهمماصنعت،والقبيحعندهمماتركت »3
و كان كثير من السلف يذهبون إلى حلق بعض العلماء لالطلب العلم فقط وإنما للاستفادة من أخلاق وسمتشيوخهم ، و من هنا تبدو أهمية تعليمالقيم بالنموذجالحيلأنه أقوىالمؤثراتفيتشكيلالشخصية ، ومما يزيد في أهميتها وجود تلك الغريزة الفطرية الملحة فيكيان الإنسان التي تدفعه نحو التقليد والمحاكاة، وخاصة الأطفال فهم أكثر تأثراًبالقدوة إذ يعتقدون أن كل ما يفعله الكبار صحيحاً .
وتعدتربية الأبناء بالقدوة من أقوى الوسائل في تعويدهم فعل الخير؛ لأن الناشئ يتعلم منالأعمال أكثر من الأقوال، و لا معنى للقيمإذا لم تكن متمثلةفيالبيئة المدرسية، وبدون هذا التطبيقالواقعي تكون المواعظ و التوجيهات كتابة على الماء لا أثر لها في قلوب المتلقين وعقولهم بل إن التلقين لا يكاد يثمر الثمرة المطلوبة في وجودالفعل المخالف .
يقول الشاعر :
لا تنه عن خلق و تأتي مثله *** عار عليك إذا فعلت عظيم
» فلا ننصح بشيء و نأتي بنقيضه و هذا الأمر لا يهم المدرس فحسب بل الأسرة كذلك
إن التأثير العاطفي لشخصية المعلم ، يأتي من مبدأ اتخاذ المعلم كنموذج ، فكل الظروف القائمة في المجال المدرسي ، و شروطه المادية و المعنوية ، و مضمون العملية التثقيفية التي يقوم بها المجتمع تؤدي إلى هذه النتيجة ، و أن المعلم نفسه ليتعامل مع التلميذ بوحي من هذا المبدأ ، كما أن التلميذ يعامل المعلم على أساس منه » و هذه النموذجية الشاملة على المستوى المعرفي و الأخلاقي و الوجداني هي ما يجعل العمل التربوي صعبا ، و هي منشأ ما يلاحظ من تردد و تخوف لدى المبتدئين في التعليم أو المقبلين عليه ، و هذا التأثير يستمر مع التلاميذ ، و يعلق بهم إلى مراحل متأخرة من حياتهم ، و خاصة منه ما يتصل بالجانب الخلقي و المهني من شخصية المعلم »2
و يستنتج من ذلك أن شخصية المعلم بقدر ما تكون خصبة و فاعلة و متفتحة ، بقدر ما تتيح للتلميذ أفقا ملائما لاحتذائها كنموذج يخرج من نطاق التمركز حول الذات، ومن ثم فإن بجانب المناهج الجيدة المحكّمة نحتاج إلى المعلم القدوة الذي يقوم بتربية الأجيال على القيم والفضائل، ولا يمكن أن يصلح حال التعليم إلا إذا صلح حال المعلم خلقياً وتربوياً ومعرفيا
» فهو وسيط لنقل المعرفة إلى تلاميذه، ومساعد لهم على تنمية المرغوب من المهارات والاتجاهات والقيم، والمعلم في إطار دوره كمرب لتلاميذه وموجه لهم يتوقع أن يكون قائداً في فصله، مساهماً في تفتيح أذهان تلاميذه وكشف استعداداتهم ومواهبهم واتجاهاتهم المرغوبة في الحياة » 3
و يرى عبد اللطيف أوبلا أن الأسباب الكامنة وراء أهمية القدوة في مقدمة الطرق التربوية التي يكتسب الفرد من خلالها القيم والاتجاهات تتجلى فيما يلي:
– » القدوة أهم عنصر في تشكيل شخصية الإنسان وبخاصة في مرحلة الطفولة ، ذلك أن التربية والتنشئة ليست في جوهرها إلا عملية اجتماعية تفاعلية يكتسب الفرد من خلالها الخبرة والتجربة والمعرفة وأنماط السلوك من الوالدين والمقربين منه.
– القدوة تجسيد لمعاني القيم وأمثلة تطبيقية لها ، فالقيم مفاهيم تجريدية يصعب على المتعلم فهمها وتحديد مظاهرها السلوكية نظريًا ، فالتقوى والنجاح ، والاعتراف بالخطأ ، وتحمل المسؤولية ، والسعادة والحرية .. قيم سامية ولكنها تبقى معان رمزية تجريدية تجعل تعلمها قضية صعبة ما لم تتضح معانيها وتظهر حية واقعية مشاهدة ، وحتى يقترب الفهم العقلي
ويمتزج بالشعور القلبي والوجدانيلابدمنإظهارالقيمفينماذجمنالقدوةوالسلوكالعملي،ذلكأنالفعلأبلغمن القولوأشدتأثيرًا »1
و ثمرة القول فإن القدوة أهم عنصر في تشكيل شخصية الإنسان وبخاصة في مرحلة الطفولة ، ذلك أن التربيةوالتنشئة ليست في جوهرها إلا عملية اجتماعية تفاعلية يكتسب الفرد من خلالها الخبرة والتجربةوالمعرفة وأنماط السلوك من الوالدين والمقربين منه، و من هنا تأتي أهمية القدوة في مقدمة الطرق التربوية التي يكتسب الفرد من خلالها القيموالاتجاهات على اعتبار أن القدوة تجسيد لمعاني القيم وأمثلة تطبيقية لها ، فالقيم الأسرية مفاهيم تجريدية يصعب على المتعلم فهمهاوتحديد مظاهرها السلوكية نظريًا ، فالطاعة، و التضامن وتحمل المسؤولية وصلة الرحم .. قيم سامية ولكنها تبقى معان رمزية تجريدية تجعل تعلمها قضية صعبة ما لمتتضح معانيها وتظهر حية واقعية مشاهدة ، وحتى يقترب الفهم العقلي ويمتزج بالشعور القلبيوالوجداني لا بد من إظهار القيم في نماذج من القدوة والسلوك العملي ، ذلك أن الفعل أبلغ منالقول وأشد تأثيرًا منه.
الصحاح : تاج اللغة و صحاح العربية – ج6- ص 2459- الجوهري – دار العلم للملايين – بيروت – ط4- 1990م
2- معجم مقاييس اللغة- ج5- ص 66- ابن فارس – تحقيق عبد السلام محمد هارون دار الفكر- بدون ط- بدون ت
الأنعام/90
2- الأحزاب /21
الأنبياء/ 73
2- تقليد الغرب وأشكاله وعواقبه- ص15- عثمان محمد عثمان – دار الرشيد- دمشق-1999م
3- البقرة/ 17
التنشئة الأسرية: رؤية نفسية اجتماعية تربوية لعلاقة الأسرة بأبنائها و الإشكاليات التي تطرحها- ص 156- مرجع سابق
2- الصف/2
3- الفرقان/ 74
3- القدوة في الفضاء المدرسي
عواطف الطفل- ص345- ربيع مبارك – الشركة المغربية للطباعة و النشر- الرباط – المغرب- ط2- 1991م
2- تربية الأولاد في الإسلام – ج2- ص 633- عبد الله علوان – دار السلام و الطباعة- بيروت – لبنان- ط2- 1978م
3- البيان والتبيين – ج 2- ص 73 – للجاحظ – تحقيق : عبد السلام محمد هارون – مكتبة الخانجي – القاهرة – ط 5- 1985م
و حتى الشارع ، لأن المثل المعيشة في الأسرة إذا كان لها امتداد في المدرسة و الشارع أصبحت عادة ممارسة و هذه هي الغاية. »1
1– تدريس الاجتماعيات بالسلك الأول من التعليم الأساسي- سلسلة التكوين التربوي-العدد9- ص 31- مرجع سابق




Aucun commentaire