Home»Jeunes talents»المقامات الدفية : الدف التاسع والعشرون – الرجل الذي قذف التين بالسِّنان وجانَبَ كلَّ ما في البستان

المقامات الدفية : الدف التاسع والعشرون – الرجل الذي قذف التين بالسِّنان وجانَبَ كلَّ ما في البستان

0
Shares
PinterestGoogle+

المقامات الدفية : الدف التاسع والعشرون  –  الرجل الذي قذف التين بالسِّنان وجانَبَ كلَّ ما في البستان

حدثنا أبو الغرائب عن أبي العجائب أن رجلا من أهل الوحل والطين ، عاش طيلة حياته قنوعا آخذاً الأمور بالرفق واللين ، وكان يعيش ويقتات على ما يدخره من العنب والتين…كان محبا للنكت والنوادر وجلسات السمر ، وكان يعاني من ضعف في السمع والبصر ، أقعده عن العمل والحركة والتجوال والسفر…تعود الجلوس لتمضية الوقت في دكان عطار ، حيث كان يستأنس بكلام وأمثال وحكم الشطار ، حول من ملكوا البصيرة وفقدوا نعمة الإبصار…عاد يوما إلى منزله ورأسه يشكو من الألم ، وانتشر في سائر بدنه حتى أسفل القدم ، من بعد يوم كامل ما جنا منه غير العدم…أحس بحمى تسري في عروق مفاصله وقرارته ، فبادرت زوجته تناوله شيئاً يخفف من حرارته ، ونام بعدما تأكد من مفعول الدواء وجدارته…وحدث يوماً أن ذهب إلى البادية لزيارة الأهل ، حيث الهواء النقي والأنعام وصنوف الخيل ، وحيث أهازيج الحصادين وروعة السهر في الليل…يروي بعض الفضوليين البدويين العارفين المحنكين ، أن صاحبنا كان يريد بزيارته تحدي كل المتشككين ، لدرجة أن أعمامه وأخواله استقبلوه وهم جد مرتبكين…وبعد أن استوعبوا ما أصابهم من صدمة ومفاجأة واندهاش ، رحبوا به ترحيب الكرماء وأفرشوا له أحسن الفراش ، وقدموا إليه كل ما يُشعر النفس بالنشاط والانتعاش…لحم دجاج بمرق تُغري دوائر بيضه بالشهية علنا ، ثم اقترحوا عليه عسلا وشايا وزادوه لبناً ، ثم ختموا بالتين مسكا حمله بطنه وهنا… وفي الغد خيروه بين نزهة في البساتين أو التمتع بجو الحصاد ، فاختار البساتين وما تزخر به من فواكه قد تفي بالمراد ، ورغبةُ يَدِهِ في قطف التين وأكله مستعدة  قابضة على الزناد…غيَّر لباسه وتوجه نحو البساتين رفقة خاله ، ورغبته في التمتع بأشجار التين لا تنمحي من باله ، فمنذ زمان وهي تُسيل ريقه وتعبث بخياله…وقف مندهشا أمام كثرة واصطفاف الشجر ، مكحلا بخيراتها المتدلية ضباب وضعف البصر ، وظل على نفس الحال حتى أفزعته زخات من المطر…نظر خاله إلى السماء وأمر بالعودة قبل اشتداد الهطول ، وقبل أن تَحول بينهما وبين المنزل مجاري السيول ، استجاب كرها وكبت في داخله رغبته في العدول..

.يروي أحد الفضوليين متهكما شامتا بالوضوح وبالقصد ، أن صاحبنا ظل يومين لا يسمع إلا صوت الريح والرعد ، وأشجار التين تُسيل لعابه  طامعا فيها رغم البعد..وفي اليوم الثالث رمق عبر النافذة تسرب خيوط الشمس ، وتمنى أن تكون بِشارةً تبدد ما أصابه من النحس ، فأسرع نحو البستان ليهدئ ما تاقت إليه رغبة النفس…أغرى بصرَهُ  في أعلى الشجرة  لونُ تينة طازجة ، لم يملك أمامها صبرا فبادر يريد لها معالجة ، لكنها كانت بعيدة وتحتاج إلى سلالم ومصاعد ومعارجة… حاول تسلق الشجرة تنفيذا لأمر ما مبديا سرعة المثول ، إلا أنه تخلى عن الفكرة بعد أن سمع صوتا يأمره بالنزول ، وألاَّ وسيلة لاقتناص التينة بعد نفاد كل الحلول…تراجع إلى الوراء منكسر النفس برغبة ذليلة ، راجيا أن يُهديهُ ذكاؤه وتفكيره إلى حل أو أية وسيلة ، فأتاه الحل سريعا بعد فترة وجيزة ولحظات قليلة…أحضر عمودا غليظا طويلا صيره إلى شكل سنان ، وقوس على منبت التينة بكل مهارة وإتقان ، إلا أن العمود مال كثيرا حتى وقع خارج البستان..تأفف وتوجه نحو موقع السنان راغبا في إعادة الكرة ، إلا أنه وجد نفسه مبللا غارقا في عمق الحفرة ، والحمى تقَطِّرُ جسمه ماء ساخنا قطرة بعد قطرة…مسح جبينه وعينيه وتذكر ما جرى له في دكان العطار ، وما فعلته به تلك العيون والضحكات المحتشمة خلف الأستار ، فمات راجيا ألاّ تُعرف الأسباب وألا تُكشف خبايا الأسرار…وفي رواية أخرى أنه لما وجد جسمه يسيل عرقا ، تذكر أيام العطار وما فاحت فيها الرموش والمناديل عبقا ، ثم مات وسيول العرق الدافئ تزيده خنقا وغرقا ….

يتبع مع فضول آخر .      

   محمد حامدي

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. محمد لمكوم
    28/01/2013 at 02:46

    جميل مقامات تسجل وتنقد بسخرية ما يجري من تناقضات أخلاقية في مجتمعنا. المزيد من النقد والسخرية الهادفة

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *