Home»Jeunes talents»الرجل الذي أمروه بجني فاكهة النبق

الرجل الذي أمروه بجني فاكهة النبق

0
Shares
PinterestGoogle+

المقامات الدفية : الدف الخامس والعشرون  –  الرجل الذي أمروه بجني فاكهة النبق

حدثنا أبو الغرائب عن أبي العجائب أن رجلا منبني القرافة ، اشتهر بالرزانة وقلة الحال والحيلة ونُذرة الحصافة ، اشتغل بالسباكة والحدادة والمطالة وحسن الصرافة…كان كلما قام موسم أو عرس أو مهرجان إلا وجند له لسانه، مُبليا في ذلك جهده وما استطاع سبيلا مُطلقا له عنانه ، مادحا حينا ومُتوسلا أحيانا وعلى الوعود بانيا رهانه…مر عليه الشتاء وهو يشكو قسوة  الجمود والصقيع ، صابراً مُتطلعاً لما قد يجود به عرب الربيع ، حيث الدفء والرغد والربى تُغري ريق القطيع…وعدوه بدواء وأمن ومسكن ورفاه وزيادة في الرزق ، حيث لم يعد هناك مجال للعوز ولا للتقشف والهم والرتق ، وسطروا له رزنامة من الكلام مطرزة بالحنان والحب والعشق …يروي أحد فضوليي الكتابة والتحليل والتأليف والتدوين ، أن صاحبنا بعد أن شبع حتى التخمة من أكلات التطمين  ، نام هادئ البال مُطْمَئنا على الحق والتقنين…وحدث أن اتصل به جاره ليزف له البشرى والحظ السعيد ، بعد أيام من الانتظار سَلَّحَ فيها أعصابه بالحديد ، هنأه جاره على ما جادت به القرعة له من مسكن جديد…تلقف الخبر وكله شكر لله ودعاء وامتنان لمشاريع الحكومة ، رافعا رأسه وأنفه عاليا بين الجيران والأعداء وأبناء العمومة ،  وأطلق بعدها رجليه ورغبته الجامحة للريح قاصدا مكتب الديمومة…عَرَّف باسمه وهويته وانتمائه وجنسه وإخلاء ذمته ، حامدا الله الذي أخرجه من ضيق همه وعمق غمته ، فرحا بما أصبح ينعم به من حق كباقي أبناء أمته…سلَّ الموظف من بين الرفوف ملفا متذرعا بالعياء والكلل ، وطلب من صاحبنا ملء استمارة قبل انصراف الأجل ، بعد أن وقع له توقيعا يخبو لونه بين اليأس والأمل …توجه لتوه إلى البلدية وهو يحضن بكل عناية تلك الاستمارة ، وهناك استقبله الأعوان والموظفون والرؤساء بكل حرارة ، وأنجزوا له المطلوب في عجالة ودقة ومهارة …كلفوا من بينهم موظفا ليصطحبه إلى مكتب الضرائب ، حتى يجتاز ما يمكن أن يعترضه هناك من سوء أو مصائب ، واعتبر هو ذلك حلما أو عجبا أو غريبة من الغرائب…يعلق أحد فضوليي مجالات وميادين التحليل والشرح والتبرير والمتابعة ، أن صاحبنا تعجب من خلو المكتب من الزبناء والزحام والتملص والممانعة ، وكيف أخلوا ذمته بكل أريحية ومن دون محاسبة ولا مراجعة…زركشوا استمارته بصباغة الأختام والطوابع وألوان التواقيع ، وأرسلوه إلى مصلحة المياه والأحواض والمجاري والبواليع ، ليأخذ نصيبه كغيره مما تجود به الآبار والينابيع…

وفي الغد وجهوه إلى دار النار والحرارة والطاقة والكهرباء، فسجلوا حصته في عدَّاد وما يحتاجه من مصابيح وأضواء ، آخذين في الاعتبار تأخر سداد فواتيره عند الضرورة الاقتضاء…أصبحت الاستمارة بعد يومين فقط جاهزة ، والفرحة سارية في جسمه ومن عينيه قافزة ، فما عليه إلا أن يستعجل سيره لينال الجائزة…يتمم بعض فضوليي الأخبار والتقارير بقية أحداث الرواية ، كيف غرر الزهو بصاحبنا حتى كاد يرمي به في الغواية ، حينما استقبلوه في أجواء تسودها أدخنة العصائر والشواية…يروي أن صاحبنا حضر في جمع كبير من بين رهطه، فخيروه بين حي كلُّ شيء فيه سيكون تحت إبطه، وحي به فُرْنٌ وكُتَّابٌ وحافلاتٌ تعمل على ربْطه…استقر اختياره حسب ما أوصت به زوجته في ذات اليوم ، فاختار مسكنا بحريا تتوفر فيه كل شروط الراحة والعيش والنوم ، ومسبح فسيح ومطبخ تمتص مكيفاته فيه رائحة البصل والثوم…استقل شاحنة لنقل ما يصلح من الأثاث والزوجة والأولاد، وودع الجيران متمنيا أن يلتحقوا به في الوقت والميعاد، فنام أول ليلة أحس فيها كأنه السيد ذو الأوتاد…مر عليه شهر على نفس الحال حتى أدرك معنى شهر العسل، وكيف تحول بالفعل إلى إنسان بعد سنين من الشوق والأمل ، ثم نظر إلى المسبح ورغب في الاستحمام قبل الشروع في العمل…بسمل ثم قفز في الحال مبتهجا بدفء الماء والدفق ، وفي غفلة منه أحس بشيء غريب يجذبه نحو العمق ، حاول التخلص منه مضاعفا جهده حتى حدود الإحساس بالخنق…صرخ صراخا جَمَّع أهل الحي من كل الحدب والصوب ، فأغاثوه وخلصوه مما أصبه من ضيق في القلب، وغطوه بما تيسر لهم من القماش والأغطية والثوب…وضعوه فوق سريره وتركوه يستكين إلى الراحة قليلا، وأوصوا زوجته أن تطبخ له عرعارا وسانوجا وإكليلا، وأن ترعاه حنانا وتزيده غنجا ودلالا وتدليلا…نفذت زوجته الوصية وهي تفكر في غلق المسبح بأية مكيدة، بعد أن عزت ما وقع إلى امتناعه ذبح ديك على العتبة الجديدة ، ثم جست نبضه ولاحظت ما به من حرارة شديدة…أحظرت ماء باردا وربتت بخرقة على جبينه، ذعر واستجاب للبرودة واستيقظ في حينه ، ووجد ابنه الصغير لا زال يصرخ من أنينه…وهو يصغي إليه منهمكا في إصلاح مجرى المرحاض من الخنق ، وفهم حينها ما معنى أن يأمروه بجني فاكهة النبْق ، ثم مات كما تموت الوعود في قلوب سائر الخلق… وفي رواية أخرى أنه لما أدرك أنهم باعوه أملا ووهْما ، لطم خده وضرب صدره ثلاثا وحقن دمه سُما ، ثم ملأ بطنه نبقا ومات واكفهرت السماء من بعده سحبا وغيما.

 

يتبع مع فضول آخر .              محمد حامدي

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. سعيد البوهالي
    06/01/2013 at 23:48

    لقد أبدعت وأوفيت إنها مقامات جميلة نريد الكزيد منها

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *