Home»International»ما يمارس اليوم في برلماننا بغاضة لا علاقة لها بالمعارضة

ما يمارس اليوم في برلماننا بغاضة لا علاقة لها بالمعارضة

0
Shares
PinterestGoogle+
 

ما يمارس في اليوم في برلماننا بغاضة لا علاقة لها بالمعارضة

 

محمد شركي

 

لا زال المغاربة يذكرون وصف الملك الراحل الحسن الثاني للبرلمان المغربي في يوم من الأيام بأنه  تحول إلى سيرك ، وربما استاء البعض يومئذ من هذا الوصف ، والحقيقة أن الملك كان محقا لأنه كان سياسيا يميز بين المعارضة في البرلمان  والفرجة في السيرك . ولقد صار وصف برلماننا اليوم أيضا بالسيرك مناسبا جدا ،لأننا لا نلمس فيه معارضة بل كل ما يوجد فيه مجرد بغاضة . فالمعارضة أو العراض من فعل عارض يعارض تعني فيما تعنيه العدول، فعارض الشخص غيره  إذا عدل عنه  أو جانبه ، وعارض الشيء بالشيء إذا قابله ، وعارض الشخص غيره إذا فعل فعله ، وعارض الشخص غيره إذا ناقض كلامه ،  وعارض الشخص غيره في السير إذا سار حياله  ،  وعارض الشخص غيره إذا باراه أو قاومه .وتعارضا الشخصان إذا عارض أحدهما الآخر ، واعترض الشخص على الشخص في قول أو فعل إذا نسبه إلى الخطإ . ويقال عارضه فعرضه إذا غلبه . ولا يوجد البتة شيء من هذه الدلالات فيما يجري في الغرفتين عندنا ، بل ما يجري فيهما عبارة عن بغضاء أو بغاضة . والبغضاء من فعل بغض ـ بفتح الباء وفتح الغين وضمها وكسرها ـ  يبغض ـ بضم الغين وفتحها ـ بغاضة إذا صار بغيضا أي غير محبوب ، ويقال :  » ما أبغضه إلي  » والمقصود أنه مبغض عندي . ومن بغض أبغض إذا مقت وهو نقيض  أحب . وتباغض شخصان إذا لم يتحابا . والبغض نقيض الحب . والبغاضة والبغضاء  شدة البغض . وقد جاء في الذكر الحكيم : (( قد بدت البغضاء من أفواههم  وما تخفي صدروهم أكبر ))  والخفي الأكبر هو العداوة من فعل عدا يعدو عدوا ـ بفتح العين وتسكين الدال ـ  وعدوا ـ بضم العين والدال ـ وعداء ـ بفتح العين ـ  وعدوانا ـ بضم العين وكسرها ـ  وعدوى ـ بضم العين وتسكين الدال ـ عليه إذا ظلمه . وهذه الدلالة هي ما يوجد بالفعل في برلماننا بحيث تضمر أحزاب لم تفز بأغلبية في الانتخابات البرلمانية العداء للحزب الفائز، وهي بذلك ظالمة له ، لأن الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه ، فعندما ترى الأحزاب غير الفائزة في الانتخابات بالأغلبية أن الحزب الفائز بها لا يستحق  حكم البلاد ، وأنها أحق بذلك منه ، فهي تضع الاستحقاق في غير موضعه وهذا ظلم صارخ . وبدافع العداء وما يتضمنه من ظلم نشأت البغاضة أو البغضاء بين الخاسر والرابح في الانتخابات . ومعلوم أن البغضاء  يعبر عنها بالأفواه كما جاء وصفها في كتاب الله عز وجل ، ويوجد ما يقابلها من عداوة في الصدور، وهي أكبر من البغضاء وأخطر، لأن هذه الأخيرة تكشف عنها الأفواه ، وتعرف وإذا عرفت فهي تحذر ،إلا أن ما تخفي الصدور لا يعرف ولا يمكن أن يحذر . والعصبية الحزبية لا تعدو العصبية الجاهلية  التي شعارها :

وما أنا إلا من غزية إن غوت //// غويت وإن ترشد غزية أرشد

الشيء الذي  يعني  أن المتحزب لا محالة  مع حزبه سواء رشد أم غوى. ومن عافاه الله عز وجل من هذه العصبية الحزبية من أمثالي  يرى الحياة السياسية عندنا مجرد تناوب على الحكم بين أحزاب تتراوح جغرافيتها السياسية ما بين يمين ويسار متطرفين وما بينهما من وسط مائل إلى أحد الطرفين المتطرفين . وبحكم الحزب ذي المرجعية الإسلامية اليوم يكون المغرب قد جرب  حكم كل الأحزاب له . وكان من المفروض أن تعطى للحزب الحاكم اليوم نفس الفرصة التي أعطيت لغيره  ليبرهن إن كان أداؤه كأدائها أم أنه يختلف عنها أداء . وهذا ما عبر عنه رئيس الحكومة وهو يواجه مبغضيه من أحزاب البغضاء لأن وصف المعارضة لا ينطبق عليها حين قال :  » دعونا ننجح أو نفشل  عن جدارة واستحقاق  » . وهو بهذا الكلام لم يطلب سوى نفس الفرصة التي أعطيت لغيره ممن فشلوا عن جدارة واستحقاق كما يشهد الشعب المغربي على ذلك . ولا يعقل  أن تعطى للأحزاب التي حكمت المغرب فرصة  استنفاد فترات حكمها كاملة غير منقوصة ، ويحرم الحزب الحاكم اليوم من ذلك . ومن السابق لأوانه أن  نعتبر الحزب الحاكم اليوم فاشلا أو ناجحا  ولما يستوف حظه كاملا غير منقوص من فترة الحكم . ولهذا لا مبرر لكل هذه الضجة التي تحدث  تحت قبة الغرفتين والبعيدة عن ممارسة المعارضة ، والمتورطة بشكل فاضح في البغاضة المكشوفة . والشعب المغربي لم يصوت لا على الحزب الفائز بالأغلبية ولا على الأحزاب التي لم تفز بها  من أجل أن  يتفرج على السيرك كما وصفه الراحل الحسن الثاني ، خصوصا وأنه شعب على درجة كبيرة من الوعي السياسي الذي يمكنه من التمييز بين المعارضة والبغاضة . وأتوقع أن يحصل في القريب العاجل  تحت إحدى القبتين ما حدث في ببرلمان بلد أجنبي مؤخرا حيث  تحول التلاسن إلى  عراك بالأيدي واستخدمت فيه تقنيات الملاكمة والمصارعة اليابانية، ولست أدري ما الذي  ستستعمله أحزابنا من تقنيات في عراكها المحتمل جدا قياسا على تلاسنها الذي سجل رقما قياسيا غير مسبوق  من حيث الضراوة العاكسة بوضوح لشدة العداوة . والمغاربة لا يستعملون عبارة :  » العداوة كائنة والصواب  واجب  »  عبثا  وهي حكمة  لا يضعها من تحت القبتين في الاعتبار مع أنهم في أمس الحاجة إليها ، ولم أنهم أخذوا على الأقل بهذه الحكمة لخفت حدة التلاسن  بينهم ، ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.