Home»International»من هم أبناء لطائفة العلوية في سوريا؟

من هم أبناء لطائفة العلوية في سوريا؟

1
Shares
PinterestGoogle+

ذ. ع مكاوي كاتب مغربي

هل الطائفة العلوية هي حاضنة النظام البعثي الأسدي في دمشق والمسؤولة عن المجازر في مختلف أنحاء سوريا؟ أم هي طائفة مظلومة تاريخيا منذ ظهورها الى الآن. فقدمت الشهداء في عهد العثمانيين السنة وكذلك العلمانيين الاتراك والاستعمار الفرنسي كما زج بالكثير من رموزها في السجون في عهد الإستقلال لمعارضتهم للحكم الإستبدادي لعائلة الأسد الحاكمة مند 5 عقود والأن يقوم بتخويفها من الأغلبية السنية المعارضة فمن هم إذن العلويون في سوريا؟.

أثارت الانتفاضات العربية الكبرى او الحراك الشعبي المطالب بالديمقراطية والحرية في تسليط الأضواء على المشاكل السياسية والإجتماعية والإقتصادية والثقافية والدينية لهذه الدول، وأعادت الإنتفاضة السورية التي أشعلها أطفال مدينة درعة عندما إقتلعت أظفارهم، ثورة مازالت مستمرة في التذمير مند أكثر من عام في بحر من الدماء والصراع الطائفي والمذهبي القديم الجديد على الحكم بين الطائفة العلوية التي تنتمي إلى عائلة الأسد و بين الأكثرية السنية التي حكمت سوريا مند السبعينات وتعتبر نفسها مضطهدة ومقمعة من نظام أل الأسد.

فالبعض من المحللين يصورون الثورة الشعبية الدائرة في سوريا بأنه صراع طائفي بين الأقلية العلوية التي تحتكر جميع مفاصل الدولة وخاصة الجيش والأجهزة الأمنية المختلفة (الحرس الجمهوري، الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد شقيق الرئيس والمخابرات الجوية والعسكرية التي كان يوجد على رأسها أصف شوكت زوج بشرى الأسد). فالشبيحة يقومون بقتل الأطفال والنساء والشيوخ بالأسلحة البيضاء بوازع مذهبي شعارهم في ذلك « الأسد أو نحرق البلد ». في المقابل نجد منظمات أصولية وإخوانية تمثل الأكثرية السنية في البلاد وحركات علمانية ديمقراطية ضعيفة يقودها مسيحيون وشركس وأكراد. إن هذه الصورة المعقدة في للفسيفساء الإجتماعية السورية هي محاولة لإجتزاء لما يحدث وإفتتات على الثروة الشعبية في الشام وعلى أبناء الطائفة العلوية التي قدمت الكثير من الشهداء في سبيل إستقلال سوريا والتي يجري اليوم إختصارها وإختزالها في عائلة الأسد الحاكمة بالحديد و النار. من هذا الباب ولتوضيح حقيقة ما يجري في سوريا ودور الطائفة العلوية وامتداداتها الإقليمية والدولية لابد من الوقوف عن قرب على تاريخ العلويين في الشرق الأوسط وعقيدتهم أو كيف إستطاعوا الصمود في منطقة معروفة بالزلازل المذهبية والعقائدية والأقليات الإثنية.

 

هل العلويون مسلمون ؟

عرفت الطائفة العلوية ميولها في إخفاء ديانتها ومذهبها ونذرة المراجع التي تفسر بوضوح معتقداتها إضافة إلى هذا العائق العلمي الذي وقف عقبة في التعرف على الطائفة العلوية، لا سيما في ظل التشكيك بحقيقة إنتساب هذه الفئة إلى الدين الإسلامي فعلماء العلويين في الشرق الأوسط ومعهم مؤرخون وباحثون يؤكدون أنهم مسلمون إماميون جعفريون مرجعيتهم الشريعة الإسلامية، فهم يطبقون أحكامها وفقا لمضمون مذهب الإمام السادس عبد الله جعفر الصادق، إلا أن بعض فقهاء السنة ينعتوهم بالهراطقة الخارجين على الإسلام مثل إبن تيمية (1263- 1328م) الذي أصدر فتوى شهيرة كفر فيها الطائفة العلوية وإعتبرها فئة من فئات القرامطة الباطنية وهم أكفر من اليهود والنصارى وعلى غرار كل الأقليات في الشرق الأوسط.

عرف العلويون عبر تاريخهم الطويل القمع الديني والتهميش من الحكام العثمانيون مما دفعهم إلى اللجوء إلى الجبال والإنغلاق على أنفسهم وعدم المشاركة في الحياة السياسية والإجتماعية وعاش العلويون في « كيطوهات » في قمم الجبال الممتدة من طرطوس شمالا إلى عكار جنوبا ويعيش القسم الأكبر من العلويين اليوم في تركيا وسوريا كما يتوزعون في العراق وفلسطين بالإظافة إلى تواجدهم بكثرة في دول الشتات (أمريكا – أوربا).

في القديم كان يطلق على الطائفة العلوية إسم النصيرية نسبة إلى محمد بن نصير الذي يعتبر المؤسس للمذهب العلوي في بغداد، وقد انشق العلويون عن الشيعة في عهد الإمام الموهوم وبدأهذا المستلح والتسمية يطلق عليهم منذ 1920 حيث قام الفرنسيون أيام الإستعمار الفرنسي بتغيير إسمهم إلى العلويين لتمييزهم عن المسيحيين وفي هذا السياق توجد أقواسم مشتركة مع الشيعة عامة وخاصة الرواية التارخية لمرحلة الرسول « صلى الله عليه وسلم » والصراع الذي تبعها بين أهل البيت والخلفاء الراشدين وما بعدها ولكنهم يعاكسون الشيعة في التقاليد الدينية والقرأنية ويزعمون قدرتهم على معرفة الحقيقة الإلهية بتواثر عن الأئمة المغمورين، وأكثر ما يركز عليه العلويون السوريون هو العقل الذي يمثل عندهم شخصية الرسول « صلى الله عليه وسلم » وهم مثل اكثر من 60 فرقة شيعية يعطون مكانة كبيرة للإمام علي « رضي الله عنه » لكنهم يختلفون عنهم بأن بعض متطرفيهم يقدسون الإمام علي ويدفعونه إلى درجة الألوهية. أما ما يميز الطائفة العلوية عن السنة والشيعة في أن واحد وهم إيمانهم بالثالوث المقدس الذي يتجلى في رأيهم : الله – محمد – علي يجعلهم قربين من فكرة الثالوث المقدس عند المسيحيين، كما يعتقد العلويون بمعتقد الحلولية الإلهية، وكما « أن الله يتجلى في صورة الإنسان »، وقد تجلى في النبي محمد « صلى الله عليه وسلم » والإمام علي كرم الله وجهه وعدد من الأئمة والصالحين والأشخاص الذين « يختارهم الله »، وقد ظهر عندهم أئمة في التاريخ العلوي إدعوا النبوة وأمنوا بالإمام المهدي المنتظر. أهم أركان المذهب العلوي يرتكز على الإيمان بمعتقد « التقمص أو التناسخ « الأمر الذي يقربهم من نظريات الطائفة الدرزية. فأبناء الطائفة العلوية لهم نظرة خاصة من تطبيق أركان الإسلام الخمسة فهم يعتقدون « بالظاهر و الباطن ويرون أن روح العبادات ليست سلوكا خارجيا ينفذه الإنسان بتكرار وأن بواطن الأمور تمكن من معرفتها من خلال الأئمة المعصومين وأن الله سبحانه وتعالى يمنح هذه القدرة المعرفية لمن يشاء من خلقه الذين يمتازون بالبصيرة والعقل » فهم لا يعتبرون الصيام في شهر رمضان أمرا ملزما أما الصلاة لا ضرورة لإقامتها في رأيهم في المساجد ويمكن أن تقام في الأماكن المختلفة والمنعزلة ومعروف أن الطائفة العلوية لا تشيد مساجدا لأن في رأيهم هذه الأماكن المقدسة لم تكن موجودة أيام الرسول ولا في عهد الإمام علي الذي قتل داخل مسجد .ومن معتقداتهم الغريبة كذلك أن فقهاء الطائفة العلوية لا يحرمون شرب الخمر، فكان الإستعمار الفرنسي يعتبرهم مسيحيون من الدرجة الثانية ويشبهون في ذلك السيخ في الهند الذين جمعوا فضائل الإسلام والهندوسية في دين ثالث.

فحسب المستشرق البلجيكي هانري لامنس (1862-1937) فإن العلويون هم من المسيحيين الذين أخفوا ديانتهم وإدعوا أنهم مسلمون كي لا يتعرضوا للإضطهاد الديني من المسلمين السنة ومن جهة أخرى نجد تقارب بين العلويين والدروز في سرية التعليم الديني فعندما يبلغ الشاب العلوي سن المراهقة يقوم والده بتقديمه إلى فقيه الطائفة ليطلعه على أسرار الدين ويتحول هذا العالم إلى الأب الروحي للشاب طيلت حياته ويدين له بالطاعة حتى الموت والعلويون يقسمون نفسهم إلى قسمين : المتفقهون في الدين والجاهلون له. اما في شأن المرأة المرأة فالطائفة العلوية تمنع على بناتها الحجاب لأن حسب رأيهم الأمر ليس بفريضة إسلامية ولكنه تعبير عن الحشمة المحببة و هذا ما اكده كذلك مفتي الازهر اخيرا : « الحجاب عادة ليس عبادة ». وتعتبر المرأة الحلقة الضعيفة و الرخوة في هذا المجتمع المغلق الذي هو مزيج من المذهب الشيعي واليهودية والمسيحية والإسماعلية والدرزية… فلا يحق للمرأة على سبيل المثال الإطلاع على أسرار الدين فهي في منزلة أقل من الرجل وهي ״ناقصة عقلا ودينا״ مواقف جرت الطائفة إلى مواجهات مع فقهاء الإسلام وكذلك حاربتهم الكنيسة المسيحية والتيارات الصوفية الأخرى كما تناوله لويس مايسنيون (1883-1963) الذي أضاف أن الديانة العلوية تأثرت بالمعتقدات الفارسية فهم يحتفلون بعيد ميلاد المسيح والغطاس وعاشوراء وعيدين الفطر والأضحى. لا يمكن أن نذكر العلويين السوريين بدون أن نذكر أن إمتداداتهم وعقيدتهم إنتشرت كثيرا في تركيا حيث يعيش فيها أكثرمن 25 مليون علوي % 35 منهم الأكرادا وهناك أيضا علويون تركمان وشركس، أما العلويون في المغرب فهم من سلالة الرسول « صلى الله عليه وسلم » ومن أهل البيت هم سنة مالكيون أشعريون. أما الطريقة العلوية بضم العين فهي حركة صوفية تجد جدورها في الأنضول وهي قريبة من الطريقة الرحمانية النقشبندية، ينبغي الإشارة قبل غلق هذا الموضوع الذي لم يحضى بالإهتمام والتحليل والتمحيص لفهم ما يجري الأن من حرب أهلية في سوريا ووالتي قد تنتشر في الإقليم بأكمله نظرا لإنتشار الطائفة العلوية في أكثر من بلد، رغم وجود إختلاف بين العلويين في تركيا والعلويين في سوريا فالطائفة العلوية في تركيا هي فئة صوفية تسمى بالقزلبانية (ذو الطاقيات الحمر) التي نشأت في ق 16 في أذريبجان وإشتهرت في الأنضول ومنها نشأت الدولة الصفوية. أما الطائفة العلوية في سوريا هي أقدم من ذلك بقرون عدة لكن القاسم المشترك بينهما هو معاناتهم من الإضطهاد والقمع الديني أيام الإمبراطورية العثمانية إلى أن جاء كمال أتاتورك إلى الحكم وقام بعلمنة الدولة التي سمحت للعلويين في الشرق الأوسط بولوج مؤسسات الدولة وخاصة الجيش والأمن وخاصة الأحزاب العلمانية والشيوعية . أما عدد العلويين في سوريا فهو % 15 من الشعب السوري فلقد كانت تعتبرهم السلطة العثمانية كفارا وفرضت عليهم الجزية مند 1571، لأنهم لا يصلون في المساجد ولايؤدون الفرائض الإسلامية ومنعتهم من ممارسة مذهبهم مما أجج مشاعر الكراهية لدى العلويين من الأغلبية السنية وهذا ما يفسر بعض المجازر التي حدثت مؤخرا، ولم يتحسن وضعهم إلا في أواخر ق 19 عندما قام العثمانيون ببعض الإصلاحات ومنحوهم نوعا من الإستقلال الذاتي في معاقلهم المحصلة كما شكل مجيء الإمتداد الفرنسي مرحلة جديدة في تاريخ العلويين الذين أثبتوا عروبتهم وإنتمائهم للأمة الإسلامية.

أخيرا أن الطائفة العلوية في سوريا ظلمها التاريخ وظلمها أبناؤها عندما زجوا بها في مواجهة ثورة شعبية تضم جميع أطياف الشعب السوري، فهي الخاسر الأكبر في المنطقة ولو نجح أل الأسد في إقامة دويلة علوية في اللاذقية.

ذ. ع مكاوي كاتب مغربي

31/07/2012

مصادر:
Henri Lamans (1862-1937)

Louis Massignon (1883-1963)

Mahmoud Karoui

Randa Haydar

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *