دلالة الدعم أو التصحيح أو المعالجة و واقعها في منظومتنا التربوية

دلالة الدعم أو التصحيح أو المعالجة و واقعها في منظومتنا التربوية
محمد شركي
استدعيت على عجل من أجل تأطير حلقة من حلقات التكوين المستمر الخاصة بالدعم بنيابة جرادة ، دون أن تمدني الجهة المعنية بمصوغة على غرار مصوغات حلقات التكوين المستمر ، ودون أن يطلب مني اقتراح مصوغة ما، الشيء الذي حال دون حضوري، احتراما للفئة المستهدفة بهذا التكوين ، واحتراما للتكوين الذي كاد يصير مستباحا لكل من هب ودب طمعا في ممضوغاته ، ومستحقاته ،وبنهم غير مسبوق يدعو للأسف الشديد . ولقد أخبرت الجهة المعنية في آخر لحظة أنني لست ممن يمارسون التكوين على طريقة القراد الذي لا يجد ما يتحف به المتفرجين فيعتمد على قرده لخلق الفرجة .
وحرصا مني على تنوير الفئة المستهفة بهذا التكوين ، ارتأيت تقديم هذه المحاولة المتواضعة في تقريب دلالة الدعم منهم عبر هذا المنبر الإعلامي لتعميم الفائدة ، والله من وراء النية والقصد ، وما التوفيق إلا به جل شأنه .
من العبارات الشائعة في الحقل التربوي عبارة بيداغوجيا الدعم . والحقيقة أن هذه التسمية ينطبق عليها ما ينطبق على غيرها، حيث يقرن مصطلح بيداغوجيا بمجرد إجراء من ضمن مجموعة إجراءات من المفروض أن تمثل مجموعة البيداغوجيا ، ولا يكون كل إجراء على حدة بيداغوجيا ، وإلا صرنا أمام العديد من البيداغوجيات بعدد هذه الإجراءات . وهنا أذكر بما سبق أن قلته عن بيداغوجيا الإدماج ، فهي مجرد إجراء يدخل ضمن بيداغوجيا الكفايات ،وليست بيداغوجيا ، تماما كما أن الدعم مجرد إجراء يدخل ضمن بيداغوجيا ما أيضا . ويأتي بيان ذلك بعد مقاربة المصطلح ، وقبله لا بد من تمهيد لغوي صرف .
الدعم لغة إسناد الشيء ، وتقويته ،وتقديم العون له . والدعمة ،والدعام ، والدعامة جمع دعم ـ بكسر الدال و فتح العين ، أو بضم الدال والعين معا ـ والدعائم والدعامات عبارة عن أعمدة أو أخشاب تستعمل في البيت أو الخيمة أو العريش . ومن ثم سمي النجار الدعمي . ومعلوم أن إسناد الشيء أو تقويته أو تقديم العون له إنما يكون بسبب ضعف، أو عوج ،أو علة ، لهذا يقترن الدعم بالعلاج أو المعالجة ، وهو لغة الممارسة والمزاولة لهذا تقول العرب » أنا صاحب ظهر أعالجه » .وممارسة مداواة المريض تسمى علاجا ومعالجة أيضا . وقريب من ذلك التصحيح ، وهو إزالة مرض المريض ليصح ، وكذا إزالة سقط الشيء المعوج ،كقولهم صحح الكتاب إذا أزال سقطه . ومن ثم تأتي صحة الخبر ، وهو ذهاب سقطه ، وثبوته ،ومطابقته للواقع .أما الدعم اصطلاحا ، وفي المجال التربوي ،فهو عبارة عن مجموع إجراءات ،وتقنيات تهدف إلى تصحيح التعثرات في المجال الدراسي ،بعد الكشف عنها بواسطة أنواع التقويم المختلفة . والدعم أيضا عبارة عن استراتيجية تهدف إلى تحقيق التقليص بين أهداف التعلم ونتائجه . ومعلوم أن التعثرات هي كل ما يحول دون التعلم الصحيح ،أو دون إبراز المهارات ، ومن ثم يحول دون نمو الكفايات ، ومن ثم يحول دون النمو التربوي السليم . ويتوقف الدعم أو المعالجة أو التصحيح على إجراءات سابقة له ،تتمثل أولا في تشخيص التعثرات عن طريق قياسها عبر وسائل التقويم المختلفة . ولهذا يرتبط الدعم بالتقويم ارتباطا جدليا بحيث أنه يتأثر به ويؤثر فيه . والدعم باعتبار مراحله ثلاثة أنواع : 1 ـ دعم أولي وهو دعم المنطلقات ، 2 ـ دعم السيرورة ، 3 ـ دعم النتائج . والدعم الأولي أو القبلي يكون على إثر التقويم التشخيصي على غرار ما تقوم به الوزارة الوصية من خلال ما يسمى تقويم المستلزمات. ودعم السيرورة هو كل دعم مصاحب للتعلم ، ودعم النتائج هو عبارة عن دعم بعدي. والدعم باعتبار الجهات التي تمارسه نوعان : دعم بيداغوجي داخلي أساسي يدخل ضمن دائرة المناهج الدراسية ، وتقوم به المؤسسات التربوية ، ودعم غير بيداغوجي خارجي تكميلي ،تضطلع به المؤسسات غير التربوية. والدعم البيداغوجي بدوره أنواع دعم مؤسساتي وهو عام وشامل ، ودعم فصلي أي يكون داخل الفصول الدراسية وهو خاص ومتخصص . والدعم المؤسساتي يتجلى في عدة إجراءات منها على سبيل الذكر لا الحصر المبادرات الهادفة إلى تشجيع التمدرس ،كما هو الشأن بالنسبة لمبادرة مليون محفظة ، وما يشابهها من إجراءات الدعم المادي والاجتماعي. ومن إجراءات هذا النوع من الدعم أيضا المساعدة السيكولوجيا للحالات المرضية سواء النفسية أو العضوية ،التي تحول دون التحصيل السوي ، وتكون سببا في التعثرات الدراسية . ومن إجراءات هذا النوع من الدعم أيضا كل الأنشطة المؤسساتية من أنشطة ثقافية ،ورياضية ، وفنية ، ورحلات ، وخرجات ،زيارات ، وسياحات ….. أما الدعم الفصلي فهو مختلف الإجراءات الهادفة إلى عمليات التصحيح المصاحب للتعلم سواء كان فوريا أم متراخيا، من أجل تقليص الفوارق الكمية والكيفية بين المطلوب من التعلم ، والمنتوج عنه ، وبعد قياس هذه الفوارق عبر إجراءات التقويم المختلفة كما وكيفا.
وإذا ما تأملنا واقع الدعم في مؤسساتنا التربوية نلاحظ ما يلي :
ـ شبه غياب لبرامج الدعم المؤسساتي بسبب غياب مشاريع المؤسسات
ـ غلبة الإجراءات الشكلية على الممارسة الفعلية للدعم ،كما هو حال تقويم المسلتزمات الدراسية التي تستهدف الدعم والمعالجة القبلية ، فهذه الإجراءات لم تبارح مرحلة التعبئة الورقية بسبب غياب انخراط المعنيين فيها من متعلمين ومدرسين.
ـ ظاهرة التحايل على الدعم من أجل استكمال جداول الحصص الناقصة دون وجود دعم حقيقي على أرض الواقع .
ـ تبني ما سمي بيداغوجيا الإدماج من أجل تحقيق الدعم والمعالجة لتنمية الكفايات، وهي معالجة لازالت رهن التجريب ، ومن السابق للأوان الجزم بفعاليتها.
ـ التباس الدعم الفصلي بإجراءات التعلم على اعتبار أن الدعم معالجة بعد التعثر ، ولا يمكن الحديث عن التعثر إلا بعد استكمال التعلم . والتعلم أصلا يلابسه التعثر، ويزول التعثر بالتعلم ، وبقدر ما يكون التعلم يكون زوال التعثر. أما التعثر المستوجب للدعم والمعالجة ، فهو الذي يأتي على إثر الكشف عن عوائق حصول التعلم بداية أو سيرورة أو نتيجة .
ـ التباس الدعم غير البيداغوجي بالدعم البيداغوجي ،حيث تمثل ما يسمى الدروس الخصوصية أو الدروس المدفوعة الأجر، أو بالمقابل دعما هو في حقيقة أمره بيداغوجيا ، ولكنه يحسب على غير البيداغوجي . فكل الأنشطة التعلمية التي تنجز خارج المؤسسات الدراسية بالمقابل أو بالتطوع هي من صميم أنشطة المؤسسات التربوية ،لهذا لا يمكن تسميتها بالدعم غير البيداغوجي الذي يفترض فيه أن تكون إجراءاته غير مدرسية ، ولا تمت بصلة للمنهاج الدراسي ، وتكون بمثابة دعم للإجراءات المدرسية . ويدخل ضمن هذا الدعم ما يسمى التأليف الموازي للتأليف المدرسي ، وهو كل الوثائق التي ترتزق بالإجراءات شبه المدرسية ، ويكون هدف أصحابها ماديا صرفا مموها عليه ، و لا يمت بصلة للتربية .
ـ غياب الدعم غير البيداغوجي الذي تضطلع به وسائل الإعلام المختلفة ، ومؤسسات المجتمع المدني خصوصا الجمعيات. فمع وجود ما يسمى قنوات التعلم فلا زال الدعم الناتج عنها دون أثر مملموس . كما أن غير هذه القنوات لا تسهم في هذا الدعم ، علما بأنه بإمكانها أن توظف مختلف البرامج بما فيها الأفلام والمسلسلات ومختلف الأنشطة لتحقيق الدعم عوض الاشتغال بالأفلام والمسلسلات المدبلجة ، والأنشطة الفارغة ،وغير الهادف التي تكون سببا مباشرا في التعثرات الدراسية المستوجبة للدعم .
ـ غياب المصاحبة الراشدة والواعية من المربين لتعامل المتعلمين مع وسائل تحقيق الدعم ،كما هو الشأن بالنسبة لمواقع الشبكة العنكبوتية التي يحال عليها المتعلمون من طرف المربين باستمرار بغرض الدعم والمعالجة .
ـ فقر حلقات التكوين المستمر الخاصة بموضوع الدعم ، واقتصارها على الجانب الدعائي والإشهاري.
فأمام هذا الوضع غير السوي في اعتقادي ـ وأقول ذلك بدون مزايدة ، وبدافع الغيرة الصادقةـ لا بد من مراجعة إشكالية الدعم خصوصا مع وجود مديرية الدعم لدى الوزارة الوصية .




Aucun commentaire