Home»International»العنف شهادة إدانة في حق من يلجأ إليه

العنف شهادة إدانة في حق من يلجأ إليه

0
Shares
PinterestGoogle+

العنف نقيض الرفق وهو الشدة والقساوة والحدة ، وعنف ، يعنف ـ بضم النون ـ بالغير إذا عامله بشدة ولم يرفق به سواء كانت المعاملة جسدية أم نفسية . والعنف لا يكون مقبولا إلا إذا كان مشروعا من قبيل ما تقره العدالة في حق المذنبين الذين يعتدون على الغير ، أو من قبيل الدفاع المشروع عن النفس لرد العدوان. وما عدا ذلك يعتبر العنف سلوكا غير حضاري وغير مقبول . ويتراوح العنف غير المشروع ما بين السب والشتم والقذف والضرب والجرح والقتل . ولقد أثار حراك الشارع العربي قضية العنف بشكل واضح حيث غدا موضوع اتهام بين الشعوب والأنظمة. فالشعوب تحركت سلميا كرد فعل على أوضاع سيئة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا حملت مسؤوليتها للأنظمة . والأنظمة بدورها اعتبرت الحراكات الشعبية السلمية ضدها عبارة عن عنف لأن هذه الحراكات تتضمن الشعارات الداعية إلى إسقاط هذه الأنظمة ، لهذا جاء رد فعل الأنظمة بالعنف الجسدي مقابل عنف الشعارات ـ إن جازت تسميته كذلك ـ وإذا ما أردنا تحليل موضوع الخلاف حول العنف بين الأنظمة والشعوب موضوعيا دون انحياز لجهة من الجهات وجب الوقوف عند أسباب العنف أولا . فالشعوب لم تتحرك من فراغ ودون سبب أو دافع ذلك أن أوضاع العالم العربي السياسية والاقتصادية والاجتماعية واحدة ، وكل ما حدث هو الاختلاف في مواعيد الحراكات حيث بدأ أول حراك في أكثر البلدان العربية أزمة ، ثم انتشر بعد ذلك في باقي البلدان ليس بدافع التقليد كما يعتقد البعض ، وإنما بسبب تشابه الأوضاع في الوطن العربي

. فإذا ما انطلقنا من مقولة الأنظمة التي تعتبر الحراكات الشعبية ضد الأوضاع السيئة عنفا فإننا سنلاحظ تعمد قفز هذه الأنظمة على سبب الحراكات ذلك أن الشعوب تعتبر الأنظمة هي البادئة بممارسة العنف عندما أخلت بمسؤولياتها وواجباتها ، وأن الحراكات ردود أفعال على عنف الأنظمة المتسبب في سوء الأوضاع. وقد تثار ههنا قضية خلافية عويصة وهي قضية تغيير الأنظمة ذلك أن الأنظمة إنما تغير عن طريق صناديق الاقتراع ، وهو الشكل الحضاري للتغيير إلا أن معظم الأنظمة العربية لا تحترم طريقة الاقتراع وقد خلقت تقاليد منافية للاقتراع سواء عن طريق تزوير الانتخابات أو عن طريق إلغائها جملة وتفصيلا واستبدالها بما يسمى الرئاسة مدى الحياة أو توريث الرئاسة ، الشيء الذي جعل الشعوب تلجأ إلى طريقة أخرى لتغيير الأنظمة ، وهي الحراكات التي تعتبرها الأنظمة خرقا للشرعية الدستورية . والغريب أن الأنظمة التي تتهم الحراكات بخرق الشرعية لا تبالي بخرقها لشرعية الانتخابات من خلال أساليب الرئاسة مدى الحياة وتوريث الرئاسة . وهكذا نجد قواعد اللعبة الشرعية غير محترمة من طرف يلزم الطرف الآخر باحترامها. فالشرعية في نظر بعض الأنظمة هي قبول الشعوب بصيغة الرئاسة مدى الحياة وصيغة توريث الرئاسة . وتبدو الأزمة بين الشعوب والأنظمة العربية أزمة أفعال وردود أفعال ذلك أن عدم احترام الأنظمة لقواعد اللعبة الانتخابية كفعل ولد الحراكات الشعبية كرد فعل ، والحراكات الشعبية كفعل من جديد ولد عنف الأنظمة كرد فعل من جديد. والملاحظ أن الأنظمة العربية وبعد وقوع الحراكات كرد فعل على سوء الأوضاع بدءا بخلل الانتخابات وانتهاء بالأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية حاولت تدارك أخطائها بعد فوات الأوان ، وبعد الرهان على مواجهة الحراكات بالعنف الفاشل من خلال التصريح بإصلاحات اعتبرتها الشعوب دون طموحاتها وأحيانا اعتبرتها متأخرة وغير مجدية بعد حصول العنف وسقوط ضحايا كثر .

وهكذا ظل العنف في الوطن العربي هو الميزة الغالبة لأن الشعوب العربية بلغت مرحلة اللاعودة إلى فترة الأوضاع السيئة خصوصا وأن بعضها نجح في تحقيق ما كان يصبو إليه كما هو حال تونس ومصر الشيء الذي جعل فشل باقي الحراكات الشعبية في حكم المستحيل إذ لا يمكن أن تقبل شعوب هذه الحراكات العودة إلى ما قبل الحراكات وهو ما يعني عبثية هذه الحراكات وعدم جديتها أو ربما اعتبارها مجرد تقليد لحراكات الغير دون وجود أسباب داعية لذلك كما تذهب إلى ذلك بعض الأنظمة المراهنة على سحق الحراكات بالعنف ، والرهان على هذا العنف كرهان وحيد أمام فشل الحوارات القائمة على فقدان الثقة بين الأنظمة والشعوب . ولقد صرنا أمام وضعيتين في العالم العربي وضعية شعوب نجحت حراكاتها كما هو حال مصر وتونس ، وشعوب لا زالت حراكاتها لم تثمر شيئا ، وبعضها اختار مواجهة عنف النظام بعنف مماثل كما هو حال ليبيا ، وبعضها لا زال ضحية عنف النظام كما هو حال سوريا واليمن ، والبعض منع من الحراك جملة وتفصيلا ، وهو عنف من نوع خاص ، والبعض الآخر لم يمنع من الحراك ولم يسلم من العنف بشكل كامل حيث تخلو الحراكات الحاشدة من مظاهر العنف ، وتتعرض الحراكات الأقل عددا للعنف المقنن. وأمام هذه الحالة لم يعد خافيا أن الأوضاع في العالم العربي لا بد لها من حل بعيدا عن منطق العنف ، لأن كل طرف يمارس العنف غير المبرر وغير المشروع يدلي بشهادة إدانة في حق نفسه أمام العالم ، وعوض أن يواجه الأوضاع بشجاعة وموضوعية وحكمة يراهن على العنف وهو أسلوب فشل بامتياز لأن العنف لا يولد إلا العنفوان . فهل ستجد الحكمة سبيلها إلى الوطن العربي ؟ وهل سيحك الظفر العربي جلده ؟ أم أن هذا الوطن سيظل عالة على العالم ينتظر الوصاية عليه ممن يتربص به الدوائر ولا ثقة في نواياه التي انكشف خبثها في أكثر من مناسبة ؟

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *