الجزائر وسياسة المغالطات
وجهة نظر
الجزائر وسياسة المغالطات
شيبة ماء العينين
إن تصريحات الرئيس الجزائري المناوئة لبلادنا في كل فرصة أتيحت له داخل الجزائر وخارجها قد أثبتت مع الأسف حقيقة مخيبة لآمال أقطارنا وكل القوى المحبة للسلام وهي أنه مازال يتعامل مع قضايانا الإقليمية وخاصة التوتر القائم حول الصحراء بعقلية السبعينات وحمولتها المتجاوزة على كل المستويات الإقليمية والقارية والدولية
.
الأمر الذي ينم عن نية مبيتة عند بعض الناقدين بجارتنا لمعاكسة كل الإشارات الإيجابية الصادرة عن بلادنا بل وحرص أكيد على إطفاء كل بارقة أمل تلوح في الأفق لإنهاء هذا التوتر أنى كان مصدرها لإبقاء فتيل الصراع مشتعلا
.
لذا نعتبر الواجب الوطني وروح الإخوة التي تجمع بين شعبينا يقتضيان القول للحكام الجزائريين القدامى والجدد أن عليهم أن يدركوا أن أفضل السبل لمعالجة التركة الثقيلة التي ورثوها على المستوى الإقليمي تكمن في عدم البحث عن صيغ لتبرير المواقف المناوئة لنا وتغذية أسباب التوتر، فنحن في المغرب والجزائر على كل حال نعرف بعضنا، وندرك عمق ما يجمعنا ونعي أسباب وظروف معكرات صفو أجوائنا. وفي مقدمتها قضية الصحراء التي ما كان لها أن تكون مصدر توتر على أية واجهة لولا معاكسة إخواننا الحاكمين في الجزائر منذ سبعينات القرن الماضي لحقوقنا الثابتة في هذا الجزء من وطننا الذي سلكت بلادنا في سبيل استرجاعه كل سبل التحرير المسلحة والسياسية الى أن تحقق ذلك المطمح الوطني بفضل المسيرة الخضراء التي ستظل إحدى مفاخر وطننا التي تفتقت عنها عبقرية المرحوم جلالة الملك الحسن الثاني والتحمت فيها إرادة العرش والشعب لإنهاء الاحتلال الأجنبي بإقليم الساقية الحمراء ووادي الذهب والمتجددة باستمرار وثقة في المستقبل حول جلالة الملك محمد السادس نصره الله
.
إن وعينا بهذه الحقيقة الثابتة بدعونا الى التأكيد على أننا قد نقبل التسامح والتغاظي عن ما ارتكب في حقنا من أجل تنقية الأجواء وتجاوز الحواجز النفسية وتوطيد دعائم علاقات بلدينا خدمة لمصالح شعبينا وكل أقطارنا المغاربية، إلا أننا لن نقبل بأية حال المغالطات التي لاتستقيم أمام منطق الأشياء ومعطيات الأحداث والبراهين الماثلة للعيان، كما لن نسكت على محاولات الاستخفاف بعقولنا والسعي الى جعلنا ننساق وراء الطروحات التي طالما راهن عليها خصوم وحدتنا الترابية
.
إن على الحكام الجزائريين أن يدركوا عندما يتحدثون عن مشكل الصحراء أنه مازال لدينا ولديهم في الدرب والشارع ومراكز المسؤولية ولدى دول الجوار العربي والأوروبي خصوصا شهود أحياء يعرفون منطلقات، وجذور وأبعاد التوتر بمنطقتنا ويعرفون بالاسم والصفة مهندسيه الذين منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا
.
فقضية النزاع المفتعل حول الصحراء تشكل أحد أسباب تدهور علاقات بلدينا إن لم تكن هي العنصر الأساسي في ذلك. لذا نؤكد أن المساعي التي تستثني التطرق لهذا الملف في كل جوانبه لن تحقق الأمل المنشود منها، وستصبح ـ في أحسن الظروف ـ من قبيل المسكنات الوقتية
.
فعلى كل الإرادات الخيرة الجادة في البلدين ولدى الدول الشقيقة والصديقة التي يشغلها أمر علاقات بلدينا أن تدرك بوعي كامل أن قضية الصحراء نقطة مفصلية في هذا المجال غير قابلة للتجاوز، وأن تركز مجهوداتهم أولا وقبل كل شيء على البحث عن حلول تكفل استئصال هذا التوتر من جذوره بشكل يجعل في مقدمة الاعتبار
:
1-
عدم المساس بسيادة بلادنا وحقنا في وحدة أرضنا الثابتة تاريخيا والمكرسة واقعيا.
2-
جعل حد لمعاناة أهلنا المحتجزين وأسرى الحرب المعتقلين بمخيمات لحمادة.
3-
صيانة المصالح المشتركة لبلدينا وفق تصور واقعي شمولي متحرر من عقد الماضي ومتشوف لكسب رهانات المستقبل.
4-
إنهاء الصراع بصيغة لا غالب ولا مغلوب التي سبق أن نادى بها جلالة المغفور له الحسن الثاني ودعا إليها جلالة الملك محمد السادس وتضمنتها بعض تصريحات الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أثناء حملته الانتخابية الأولى والذي علقنا على انتخابه أملا مازلنا نحافظ عليه حيا في الأذهان رغم بعض تصريحات سيادته، سيادة الرئيس المثيرة للانشغال لأننا نؤمن بقدرته على الإسهام في إيجاد صيغ مناسبة لإنهاء هذا التوتر باعتباره أحد المسؤولين الجزائريين الأساسيين البارزين الذين أشرفوا على خلق آلياته البشرية والعسكرية والدبلوماسية وتعهدوا الترويج للأطروحة الانفصالية وتأطير العناصر المغرر بهم في ظل ظروف مشحونة بتفاعلات الحرب الباردة.
ومن هذا المنطلق فإننا لا نعتقد أن الرئيس بوتفليقة يصدق ولا يريد منا أن نصدق بأنه ليس للجزائر أي دخل في موضوع ملف الصحراء، وأن الأمر يعني أطراف اتفاقيات )هيوستون( والأمم المتحدة، وأن ملف العلاقات المغربية الجزائرية شأن آخر وليس لموضوع الصحراء أية علاقة به
.
لاشك أن ملف علاقات بلدينا متداخل وضخم بحجم ما يربطنا من أواصر أخوية وعلاقات إنسانية وتاريخ نضالي وإرث حضاري وآفاق مستقبل مشترك نرجوه واعدا الشيء الذي يدعونا الى التأكيد على ضرورة المصارحة والواقعية من أجل المصالحة الدائمة وذلك بالابتعاد عن تزييف الحقائق أو القفز من فوقها فأقوال العقلاء مصونة عن العبث، والمصداقية والوفاء بالالتزامات الثنائية السرية والمعلنة شرط أساسي لانقشاع السحب التي تلبدت في أجوائنا، من جراء تواصل انغماس إخواننا في هذا الصراع الذي انتهت الحرب الباردة التي أسهمت ظروفها المعقدة في خلق هذا التوتر والعمل على توفير كل الشروط اللازمة لإقحامه على الساحات الإقليمية والقارية والدولية وسخرت الجزائر لذلك واجهة البوليساريو التي لم تكن راضية عن تأسيسها وتوجيهاتها في البداية نظرا لكونها تأسست بدعم من الجماهيرية الليبية من أجل التحرير وليس من أجل الانفصال الشيء الذي سبق أن أكده العقيد القذافي إلا أن المخابرات العسكرية الجزائرية احتضنتها فيما بعد لتسخيرها كواجهة ورأس حربة لمواجهة بلادنا
.
إن إدراكنا لخلفيات هذا التوتر، وحرصنا القوي على طي هذه الصفحة المؤلمة خدمة لمصالح بلدينا ومستقبل الأجيال التي ليس من حق أحد أن يحكم عليها بأداء فاتورة حسابات وتطلعات عفا عليها الزمن وأثبت الواقع المعيش وتطورات الأحداث استحالة تحقيق ما ترمي إليه من فصل الصحراء عن باقي تراب المملكة
.
لذا نؤكد أنه على إخواننا في الجزائر أن يقلعوا عن التمادي في سياسة المغالطات بشأن قضية وحدتنا الترابية التي فوتت معاكساتهم بشأنها على قطرينا العديد من الفرص وأن يستوعبوا أن طبيعة المرحلة المصيرية التي يعرفها بلدانا )المغرب والجزائر( وتحولات العالم من حولنا تفرض عليها جميعا تكريس الجهد لبناء علاقاتنا المستقبلية على أسس سليمة تعتمد الصدق في الخطاب وقول الحقيقة كاملة بدل الترويج لعكسها، مما يحتم الجرأة على مواجهة الصعاب بإرادة تخطي المعثرات، وعدم التعصب لمواقف أصبحت متجاوزة لأن المناخ الذي أفرزها قد تغير في كل أبعاده وأصبحنا اليوم في مواجهة إكراهات وما يفرضه الحوار الأوروبي ومتوسطي وروح أوفاق )برشلونة( ومبادرة )انشتات( من تحديات كبرى، مما يحتم على جيراننا إعادة ضبط عقارب ساعة التعاطي مع قضية الصحراء على توقيت العصر بدل زمن تشنجات الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. وللنظر الى المستقبل برؤيا تستجيب لطموحات شعبينا الشابين وتؤمن أنسب الظروف لتأهيل أقطار مغربنا العربي الكبير لمواجهة زحف العولمة الكاسح والتكتلات الاقتصادية والسياسية والجغرافية الكبرى كما واجهنا في الماضي معركة التحرير والاستقلال
..
جريدة العلم
Aucun commentaire