Home»National»طرق اكتساب اللغة العربية عند ابن خلدون. 1- كثرة الحفظ وجودة المحفوظ.

طرق اكتساب اللغة العربية عند ابن خلدون. 1- كثرة الحفظ وجودة المحفوظ.

7
Shares
PinterestGoogle+

من المفيد أن نشير إلى أن أفكار ابن خلدون التربوية لا توجد في مكان واحد محدد من المقدمة، فإذا كان ابن خلدون يعبر تارة عن أفكاره التربوية ومنظوره التعليمي في فصول تدل عناوينها على ذلك، فإن هناك أفكارا أخرى متفرقة في فصول أخرى من المقدمة. فإن كان قد وضح منظوره في تعلم اللغة العربية في الفصل التاسع والأربعين، وعنوانه دال على ذلك صراحة: » في تعلم اللسان المضري »، فهناك أفكار وآراء أخرى لها علاقة بالموضوع، وهي متناثرة في فصول أخرى.
يرى ابن خلدون أن اللغات جميعها ملكات شبيهة بالصناعة، ومعنى هذا أن اللغة تتعلم كما تتعلم صناعة ما، والملكة عند ابن خلدون هي مهارة ثابتة تكتسب عن طريق التعلم ، سواء تعلق الأمر باللغة أم بغيرها من الصنائع، والملكة مصطلح أكثر ابن خلدون استعماله حين حديثه عن التعليم، وقد عرفها بأنها صفة راسخة يكتسبها الإنسان عن طريق التعلم، ومعنى صفة راسخة، أي أن هذه الملكة أو المهارة أصبحت طبعا في المتعلم، فهي لا تفارقه، وتحدث هذه الملكة عن طريق التكرار والممارسة، قال ابن خلدون يشرح معنى الملكة:  » والملكات لا  تحصل إلا بتكرار الأفعال، لأن الفعل يقع أولا وتعود منه للذات صفة، ثم تتكرر فتكون حالا، ومعنى الحال أنها صفة غير راسخة، ثم يزيد التكرار فتكون ملكة أي صفة راسخة »
و اللغة العربية الفصحى، التي يطلق عليها اسم « لغة مضر »  ملكة كانت تكتسب بالسماع، حينما كان المتكلم ينشأ في وسط لغوي كله عربية فصحى، فكان يكتسب ملكة اللغة العربية طبيعيا بالسماع، ولا يحتاج إلى أن يتعلمها على يد معلم، وبهذا فسر القول الشائع بأن اللغة العربية طبع في العرب، قال:  » وهذا معنى ما تقوله العامة من أن اللغة للعرب بالطبع، أي بالملكة الأولى التي أخذت عنهم، ولم يأخذوها عن غيرهم ». لكن هذه الملكة فسدت بسبب اختلاط العرب بالعجم كما قال ابن خلدون، لذلك لم يعد السماع وسيلة كافية لتعلم اللغة الفصحى، فما طرق اكتساب ملكة اللغة العربية الفصحى؟
طريقة اكتساب اللغة الفصحى عند ابن خلدون هو حفظ كلام العرب القديم. وجعل القرآن الكريم والحديث الشريف، من أول ما يبغي أن يحفظ ابتغاء هذه المكلة، لأن القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف كلام جار على أساليب العرب كما قال ابن خلدون، ثم يأتي بعد ذلك كلام السلف عامة، ثم كلام فحول العرب، شعرا كان أو نثرا، ولم يستثن عبد الرحمن كلام المولدين، قال ابن خلدون: » ووجه التعليم لمن يبتغي هذه الملكة (اللسان المضري) ويروم تحصيلها أن يأخذ نفسه بحفظ كلامهم القديم الجاري على أساليبهم من القرآن والحديث، وكلام السلف، ومخاطبات فحول العرب في أسجاعهم وأشعارهم، وكلمات المولدين أيضا في سائر فنونهم؛ حتى يتنزل لكثرة حفظه لكلامهم من المنظوم والمنثور منزلة من نشأ بينهم ولقن العبارة عن المقاصد منهم »
 هكذا فابن خلدون يرى أن حفظ كلام العرب الفصيح، طريقة فعالة في اكتساب ملكة اللغة العربية الفصحى، ذلك أن من حفظ كلام العرب الفصيح كمن عاش بينهم فسمع منهم كلامهم، والملكة التي تنشأ عن حفظ الكلام الفصيح هي نفسها التي تنشأ عن سماع الكلام الفصيح من أفواه العرب الفصحاء. فإذا كانت وسيلة السماع الطبيعية غير متاحة في الوسط اللغوي بعد فساد اللسان العربي بالعجمة، فإن ابن خلدون يحث على خلق سماع اصطناعي، إن جاز هذا التعبير، وقد عالج الأستاذ محمد الأوراغي مسألة السماع في الاكتساب اللغوي، معالجة فلسفية.
ولنوعية المحفوظ وكميته أثر في امتلاك اللغة الفصحى، إذ كلما كان المحفوظ جيدا كثيرا كانت الملكة أجود، قال ابن خلدون مشيرا إلى هذا الأمر: » وعلى قدر المحفوظ وكثرة الاستعمال تكون جودة المقول المصنوع نظما ونثرا ». ومعلوم أن الدعوة إلى حفظ كلام العرب، شعره ونثره، والتعرف على أيامهم قديمة، ودليل ذلك ما جاء في كتاب » طبقات النحويين واللغويين »، حيث قال الزبيدي: »ولم تزل الأئمة من الصحابة والراشدين ومن تلاهم من التابعين يحظون على تعلم العربية وحفظها والرعاية لمعانيها، إذ هي من الدين بالمكان المعلوم، فيها أنزل الله كتابه المهيمن على سائر كتبه، وبها بلّغ رسوله عليه السلام وظائف طاعته وشرائع أمره ونهيه.
وكذلك كانوا يحظون على رواية الشعر الذي هو حكمة العرب في جاهليتها وإسلامها، وديوانها الذي أقامته مقام الكتاب لما تقدم من مآثرها وأيامها، فكانوا يتناشدونه في مجالسهم ويتذاكرونه عند محافلهم »
ونبه ابن خلدون مرة أخرى إلى أن على قدر المحفوظ كما وكيفا تأتي الملكة، وبين الفرق بين ملكة من يحفظ أشعار العرب الإسلاميين المتقدمين وبين من يحفظ أشعار المتأخرين منهم، إذ قال: » قد قدمنا أنه لا بد من كثرة الحفظ، لمن يروم تعلم اللسان العربي، وعلى قدر جودة المحفوظ وطبقته من جنسه وكثرته من قلته، تكون جودة الملكة الحاصلة عنه للحافظ » ثم قال يشرح هذه القاعدة العامة: » فمن كان محفوظه من أشعار العرب الإسلاميين، شعر حبيب أو العتابي أو ابن المعتز أو ابن هانئ أو الشريف الرضي، أو رسائل ابن المقفع أو سهل بن هارون أو ابن الزيات أو البديع أو الصابئ؛ تكون ملكته أجود وأعلى مقاما ورتبة في البلاغة، ممن يحفظ أشعار المتأخرين، مثل شعر ابن سهل أو ابن النبيه أو ترسل البيساني…وعلى مقدار جودة المحفوظ أو المسموع تكون جودة الاستعمال من بعده » وقد اعترف ابن خلدون نفسه أنه كان يجد صعوبة في نظم الشعر، بسبب كثرة محفوظه من الأشعار العلمية في النحو والفقه والمنطق، وقد عبر عن هذا بأسلوب شيق.
إن الحفظ في التراث التربوي العربي مسألة ضرورية، لما لها من فوائد في تعلم اللسان العربي كما وضح ذلك ابن خلدون، وفي تعلم الأخلاق والشيم العربية، فقد أورد نايف معروف نصا لابن سينا « ينصحنا ويحضنا على تلقين أطفالنا آيات القرآن الكريم وأبيات الشعر التي تحث على الفضائل وتنهى عن الرذائل ». وهذا نص ابن سينا كما ورد في « خصائص العربية وطرائق تدريسها » : » ينبغي البدء بتعلم القرآن، بمجرد تهيؤ الطفل للتلقين جسميا وعقليا، وفي الوقت نفسه يتعلم حروف الهجاء، ويلقن معالم الدين، ثم يروى الصبي الشعر، على أن يختار من الشعر ما قيل في فضل الأدب، ومدح العلم، وذم الجهل، وما حث على بر الوالدين، واصطلاح المعروف، وقرى الضيف، فإذا فرغ الصبي من حفظ القرآن، وألم بأصول اللغة، انظر عند ذلك في توجيهه إلى ما يلائم طبيعته واستعداده »، وقال نايف معروف عن ابن خلدون: » أما العلامة ابن خلدون فيبدو أكثر حرصا واهتماما بالحفظ عند الأطفال، وذلك لتكوين ملكة اللسان العربي عندهم »  لكن هل الحفظ وحده كاف لاكتساب ملكة اللغة العربية؟

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. الناظور
    21/01/2011 at 11:46

    شكرا جزيلا على المقال

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *