Home»National»الطالب والتغير الاجتماعي

الطالب والتغير الاجتماعي

0
Shares
PinterestGoogle+

الطلبة والتغير الاجتماعي : بقلم عمر حيمري

التغير هو التحول والتبدل ، الذي يطرأ على المجتمع ، فيصيب القيم وكذا الأدوار والوظائف الاجتماعية في فترة زمنية معينة . وقد يكون جذريا وشاملا ، كما هو الشأن في الثورات الاجتماعية ، التي تطال الجانب السياسي والثقافي والديني والأخلاقي …. ، أو جزئيا كالإصلاح الذي ينحصر في نظام اجتماعي معين، مثل  الأسرة أو التقاليد والأعراف ،  والسياسة … والتغير إما أن  يكون إيجابيا أو سلبيا ، بحسب تقييم القوى الاجتماعية التي تساهم في إحداث التغير، أو يطالها التغير،   وبحسب التعديلات التي يخضع لها البناء للاجتماعي ككل ( القيم ، الأدوار الاجتماعية ، السياسة ، الدين،  التقاليد …).

إن  التغير الاجتماعي  ظاهرة إنسانية ، بغض النظر عن اتجاهه ، ودرجته ، وقيمته الإيجابية أو السلبية ، فهو ملازم لكل المجتمعات ، سواء كانت متخلفة بدائية أو متحضرة راقية .لأن السكون والركود وعدم التغير موت ، والحركة والتغير حياة . وقديما قال الفيلسوف هيراقليطس  » إن التغير قانون الوجود ، وأن الاستقرار موت وعدم . »وكان هيراقليطس يرى أن الثبات ، لا وجود له في هذا الكون ، وأن الوجود  مليء بالحركة و ادياليكتيك ، إلى درجة أنك لا تستطيع أن تستحم ولو مرة واحدة في النهر، لأن مياها جديدة ستغمرك في كل حين ، فأنت إذن تستحم في عدة أنهر وليس في نهر واحد. وبما أن التغير الاجتماعي ظاهرة إنسانية ، بل سنة وقانون إلهي لهذا الكون ،  فهو محل نزاع وصراع دائم ومستمر بين أهل الخير وأصحاب الشر. أي بين الشيطان ، والإنسان الخير. فكلما انحرفت الإنسانية عن المنهج السليم ، والطريق المستقيم ، جاء المدد من الله سبحانه وتعالى لتقويم المعوج من الأفكار، وإصلاح الفاسد ،المنحرف ، من الدين و المعتقدات والقيم  والعادات …على يد الرسل والأنبياء والصالحين الذين يجدون في الغالب مقاومة شديدة في بداية الأمر من لدن  المفسدين والمترفين  الفاسقين الراغبين في إعاقة التغير الاجتماعي حرصا على الامتيازات و المصالح الاقتصادية وحفاظا على العلاقات السياسية الداخلية أو الخارجية …وخوفا من الجديد ، ولو كان الهدى ، وتشبثا بالحاضر ، مع  تمجيد المتوارث الماضي ، ولو كان ضلالا .{ وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أو لم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون } (سورة القصص آية 57) .

صحيح هناك عوامل كثيرة ، تساعد وتفسر ظاهرة التغير الاجتماعي . منها ما هود اخلي ، ذاتي كالعلم ، والمعرفة ،والفلسفة ، والوعي الديني والثقافي ، والشعور بالحيف والظلم ، والفقر ، والرغبة في التغيير… ومنها ما هو خارجي كالغزو الثقافي والسياسي والاقتصادي  ، والاتصالات ، والإعلام بأنواعه ، والتدخل الأجنبي ، والصراع  الدولي ( الشرق الأوسط ، العراق ، أفغانستان ، الشيشان … ) والنزاع الإقليمي ( السودان ، اليمن ، الصومال ، ساحل العاج ….)  ولكن التغير الاجتماعي يبقى في تصوري على الأقل ، مرهونا بدور الطلبة  -الذين هم عماد المجتمع – ورغبتهم  في إحداث التغير، فهم  الجماعة  والقوة الشابة المتميزة على صعيد الفكر والوعي، وهم الفئة والطاقة  المتحمسة لكل جديد ، الممتلئة طموحا وراغبة في الثورة على الحاضر، والمستعدة بل المتحمسة  أكثر من غيرها للتضحية ، لإيمانها بجدوى التغيير. { نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم  هدى وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا …} (سورة الكهف آية 13 و 14 )

إن التاريخ يحدثنا عن مساهمة  الطلبة في التغير الاجتماعي ، فثورة الطلبة الفرنسيين في ماي 1968 هزت النظام الديغولي وكادت أن تسقطه ، كما غيرت حياة المجتمع الفرنسي على جميع الأصعدة ( الثقافية – الفلسفية – الاقتصادية – السياسية – الفلسفية – الجنسية …) . وطلبة المدارس الدينية المعروفة باسم طالبان الذين بايعوا الملا محمد عمر سنة 1994 ، ثاروا على مظاهر الفساد الأخلاقي ، وحاولوا القضاء على الحروب الأهلية  وإعادة أجواء الأمن والاستقرار إلى وطنهم أفغانستان . كما أن ثورة طلبة المسجد الأحمر في باكستان  ضد الفساد الأخلاقي والسياسي ، والتي قمعت على يد برفيز مشرف و راح ضحيتها أزيد من ألف طالب (1000) على حسب تصريح رئيس المعارضة الإسلامية الباكستانية الممثلة في البرلمان  ،قاضي حسين أحمد ، كان لها  الأثر البالغ على شعبية ومستقبل الرئيس الباكستاني السياسي برفيز مشرف ، وقد اعترف بنفسه قائلا : [ إن سبب فقداني السلطة يعود إلى إعطائي الأوامر باقتحام المسجد الأحمر في إسلام أباد يوم الثلاثاء 10 يوليو 2007 ، وأضاف إن تلك العملية حولتني من بطل إلى صفر ‘على الشمال ]  .

لقد أدرك المولى رشيد (1666- 1672 ) بعقله النافذ ، أهمية دور الطلبة في إحداث  التغيير ، فشملهم بعطفه وكرمه ، وراح يكونهم ويدربهم على تحمل أعباء الحكم ، وما يترتب عنه من مسؤوليات عظام ، عن طريق ما يعرف ب « سلطان الطلبة  » وهي ظاهرة فريدة في التاريخ ابتكرتها العقلية المغربية  – ( مع الأسف لم تنل حقها من الدراسة ) –  فسلطان الطلبة يتقمص شخصية السلطان فيلبس تاج الحكم ، ويشكل قوة المخزن والحاشية ، ثم يشكل الحكومة وينصب الصدر الأعظم والوزير  والحاجب وقائد المشور … وأثناء الإقامة للاستجمام لمدة أسبوع  في ضواحي فاس ، يحرر سلطان الطلبة  وحكومته الظهائر والمراسيم السلطانية الخيالية ذات موضوعات هزلية … وبعد أسبوع كان الملك المولى رشيد رحمه الله ، يستقبل سلطان الطلبة ويحقق له طلباته ، اعترافا منه بقدرة الطالب على إحداث التغيير، وحمل مشعل المسؤولية إن هو أعد لها  . ولكن الطالب اليوم ، أصبح عاجزا عن فعل أي تغيير،  فهو مشغول دائما ، إما بالمنحة ، أو السكن ، أو تأجيل الامتحانات ، أو الوقفة الاحتجاجية ضد هذا أو ذاك ، أو الاعتصام ، أو حتى التهديد بالانتحار…  فهو انتهازي ، أناني ،وصولي ، يبحث عن الوظيفة ،والمهنة، والنجاح ،ولو بالغش . وإن فكر في أي نشاط سياسي أو اجتماعي ، فمن خلال حزب أو تنظيم معين ، وليس من تلقاء نفسه . ينقصه الوعي الثقافي  ، والتكوين العلمي والسياسي . لا تهمه مصلحة من هم في حاجة إليه من بني مجتمعه ، بقدر ما تهمه مصلحته الشخصية…. بقلم عمر حيمري

 

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *