Home»National»مؤسساتنا التربوية ماذا تنتج؟ والى أين تسير؟ التقويم المؤسستي: محاولة للاستدراك

مؤسساتنا التربوية ماذا تنتج؟ والى أين تسير؟ التقويم المؤسستي: محاولة للاستدراك

14
Shares
PinterestGoogle+

{{لا تنمية بدون تعليم}}
PNUD, 2003                                                                

I.    مقدمة: تساؤلات بديهية

على ضوء صدور التقرير الأول للمجلس الأعلى للتعليم (2008)، الذي تناول بقدر من التقويم والتمحيص حالة نسقنا التعليمي؛ وإشارة إلى تقرير جمعية (AMAQUEN) الذي كانت لهجته مرتفعة ومقنعة في كثير من جوانبها؛ هذا مع الإشارة إلى تقارير الدراسات الدولية (TIMSS ;PIRLS)، التي صدرت بهذا الخصوص من طرف الجمعية الدولية لتقويم التحصيل التربوي (IEA)، والتي شارك المغرب في بعضها إلى جانب دول أخرى، كانت نتائجها صادمة للبعض ومتوقعة من طرف البعض الآخر، (على قاعدة لا نحصد إلا ما زرعت « أيدينا »)؛ فضلا على أننا ولحد اللحظة لا نعرف على وجه التدقيق ما الذي تنتجه مؤسساتنا التعليمية (مستوى تحقق الأهداف والمكتسبات) وما هي مردوديتها والى أين تسير؟ أتتصاعد مؤشراتها إلى أعلى أم تنتكس إلى أسفل؟ وما هي القيمة التربوية المضافة (la valeur éducative ajouté) لهذه المؤسسات (عمومية بالدرجة الأولى وخصوصية أيضا)؛ ولكي نوضح الصورة أكثر نضرب المثال التالي وهو قريب من الواقع في بعض جوانبه: تجد مؤسسة تعليمية ابتدائية تنتمي للوسط الحضري، (الابتدائي على سبيل المثال لا الحصر؛ حيث أن المؤسسات الإعدادية والتأهيلية غير مستثنيات وقد تكون حالتها أسوأ).

فضاءها رحب حديقتها غناء؛ بنيتها التحتية لا بأس بها معظم أطرها لهم (نظريا) تجربة وتكوين يؤهلهم للقيام بمهامهم في حدودها المعقولة؛ معظمهم في وضعية مريحة نسبيا والمؤسسة قريبة من مقرات سكناهم؛ وحجراتها فسيحة؛ معظم أقسامها لا يتجاوز عدد التلاميذ فيها الثلاثين إلا ناذرا؛ في عدد من مستوياتها خاصة المستوى الأول، لا يتجاوز عدد التلاميذ العشرين تلميذا إلا باثنين أو ثلاثة (وقد يقل على ذالك)؛ وذالك أمام ما يلاحظ من اضطرار عدد كبير من الأهالي – رغم عسرهم المادي-  تسجيل أبناءهم بالخصوصي اعتقادا منهم انه الأفضل مطلقا؛ أو يمثل الحل في غياب البديل. ماذا تجد؟ خاصة لدى تلاميذ المستوى الأول الذي ضربناه مثلا وعددهم القليل في القسم الواحد، يرفع شبهة الاكتضاض؛ دون تعميم تجد أن النتائج هزيلة ومخيفة: التلاميذ لا يكتسبون مهارات وكفايات جديدة؛ لا تصقل مواهبهم ولا تُرعى قدراتهم الموروثة؛ يفقد بعضهم أو جلهم ما اكتسبوه خلال مرحلة الروض إن هم مروا بها؛ (وهنا لابد من الإشارة إلى إن المدرس لا  يتحمل المسؤولية لوحده فالمشكل نسقي حيث يتدخل غياب التأطير من حيث النوعية والكثافة والتتبع، كما تتدخل سلبية المجتمع وعدم اكتراثه بالمؤسسة، وتدبدب إرادة الإصلاح وعدم أخد المستوى النفسي- الاجتماعي لدى كل المتدخلين في العملية التربوية بعين الاعتبار لحشد التعبئة وشحذ الحافزية حول مشاريع الإصلاح، والناتج بدوره عن غياب أو غموض الرؤية والمشروع المجتمعي في خطابنا الإصلاحي)؛ والسؤال المطروح هنا من يتحمل المسؤولية؟ بدون شك الكل، الكل مشارك في صنع هذا التردي والتراجع « للمدرسة المغربية » أول ملاحظة يمكن تسجيلها في الآونة الأخيرة في هذا الصدد هي غياب أو تغييب، وعطالة أو تعطيل منظومة التأطير وآليات التتبع والإشراف سواء من داخل المؤسسة أو من خارجها، أو هما معا. إن مؤسساتنا التربوية العمومية تسير بغير هدى. فرافعة التأطير والتتبع والتقويم المؤسستي تمثل بوصلة المسير، عند فقدانها تضل القافلة الطريق.
إن بعض الظواهر والممارسات الرديئة التي أصبحت تعج بها المؤسسة التعليمية كظاهرة « السوايع الإضافية » خارج المؤسسة واهتزاز تكافؤ الفرص المترتب عن ذالك، والسطو الملاحظ على مكانة المدرس وصورته الاجتماعية، وضياع حق المتعلم في التلقي والتلقين الكاملين والوافيين في الحصة الرسمية داخل الفصول الدراسية، وظاهرة المحاباة في إسناد النقط، المرافقة لذالك، والهوة السحيقة الملاحظة بين معدلات المراقبة المستمرة من جهة ومعدلات الامتحانات الجهوية والوطنية من جهة أخرى، واختلال معادلة الحق/الواجب، إن على مستوى الأستاذية أو على مستوى التلمذة، وتراجع التأثير البيداغوجي للمدرس في المجتمع المدرسي أو خارجه وطيش بعض المتعلمين والمتعلمات وتراجع منسوب قيم الاحترام واللباقة داخل المؤسسة وفي محيطها القريب (دون تعميم)… إلى غير ذالك؛  لا ترجع هذه الممارسات الرديئة فقط إلى عوامل موضوعية بل يرتبط جزء هام منها ودون شك، بالقابلية لتبنى واحتضان وتكريس واستنبات هذه الرداءة من حيث نشعر أو لا نشعر (على قياس نظرية القابلية للاستعمار لصاحبها المفكر الجزائري الراحل مالك بن نبي)، كل هذا وغيره من أعطاب هيكلية وتجليات للتراجع في الأداء والفعل التربوي البناء والتنموي، يفرض علينا إعادة اكتشاف وتأسيس المدرسة الوطنية المغربية المولدة لقيم البناء والارتقاء والجدارة والنجاعة، والإشراك والحوار والندية وتكافؤ الفرص مؤطرة بتعاقد وهمّة جديدين وشاملين لكل الميادين وبتطلع عازم للمستقبل، وموسومان بنفس الشحنة والتوثب اللذان تولدا غداة الاستقلال منتصف القرن السابق.     
تقرير « الجمعية المغربية لتحسين جودة التعليم » AMAQUEN

لسنة 2008 الذي شمل 51 مؤشرا مؤطرة بتسعة معايير ضابطة، هو الآخر، وقف على مجموعة من الاختلالات بنسقنا التربوي، تمثل أبرزها في «الغياب المثير لسياسة تقويمية تطال جميع مكونات المنظومة، تهدف لمقارنة النتائج المسجلة والممارسات المتبعة بمرجع معياري للجودة يتألف من مجموعة من المعايير الواضحة والمؤشرات القابلة للقياس، إن إرساء منظومة ناجعة للتقويم تكون متمركزة حول مكتسبات المتعلمين، جدير بتجنيبنا أسباب الفشل والخيبة عقب كل مشروع من مشاريع الإصلاح، مما يمكننا من وضع الأصبع على الاختلالات الحقيقية للقطاع لمعالجتها، ويساعد على اتخاذ القرارات المؤسّسة على المعطيات الفعلية لا على الانطباعات والافتراضات؛ لكن واقع الحال يشير إلى عدم توفرنا على منظومة للمعلومات كفيلة بتوفير المعطيات اللازمة لتدبير وريادة نسقنا التعليمي» كما أشار التقرير إلى أن النتائج التي حصّلها المغرب بمشاركته في بعض الدراسات التقويمية الدولية (PIRLS ,2006 – TIMSS, 2003 – TIMSS,2007) مثلا، حول مكتسبات المتعلمين والمتعلمات، كان من المفروض أن تمثل موضوع نقاش وطني يساعد على تبني قرارات تصحيحية وتعديلية تخص المنظومة، قد وُوجهت بصمت وتكتم مستغربين إن لم نقل تغييب وإخفاء عن الرأي العام.

تقرير المجلس الأعلى للتعليم (2008) المشار إليه سابقا هو الآخر وقف على اختلالات بنيوية بالمنظومة التربوية المغربية، ومثّل إلى حد كبير نقلة نوعية وجادة، لكن إلى أي حد بإمكان البرنامج الاستعجالي (« النفس الجديد ») أن يعمل على تجاوز هذه التحديات خاصة ما تعلق منها بمكتسبات المتعلمين والمتعلمات والتي تبعث مستوياتها على القلق، في ظل غياب تقويمات مرحلية وتتبعية، وغياب الرؤية المؤسساتية في تناول قضايا التربية والتعليم بالتقويم المنتظم، وطرحها للنقاش الحر والمباشر والمكثف في وسائل الإعلام المرئي والمسموع تعزيزا للشفافية التي تعتبر مدخلا من مداخل التقويم المؤسستي؛ فالمجلس المذكور سابقا  خفت ديناميكيته بعد سنة 2008 مما يجعلنا نتساءل عن المقاربة المؤسساتية في هكذا هيئات، حيث أن نشاطها عادة ما يرتبط بالأشخاص المشرفين عليها أكثر من ارتباطه بالرؤية والرسالة الموكولة إليها كضمان للاستمرارية بشحنة الانطلاقة الأولى. (المقاربة المؤسساتية تقتضي أن لا ينقطع نشاط المؤسسة آو تتراجع حيويته بسبب ظروف تطرأ عليها أو رحيل أفراد عنها). على ضوء هذه المقدمة المقتضبة ننتقل إلى التعريف بأهم المفاهيم التي سنتطرق إليها، قبل الانتقال إلى الجانب النظري من هذه المقالة والذي سنسلط الضوء فيه بقدر من التفصيل على بعض المقاربات المؤطرة لمفهوم التقويم المؤسستي  في مجال التربية والتعليم، مع التعريج على بعض النماذج التقويمية التربوية لمجموعة من البلدان بغية الاستئناس النظري بها تم نختم بإبراز التقاطعات الممكنة بين كل من التقويم الداخلي والخارجي للمؤسسة التربوية، وببعض الاقتراحات والتوصيات للمساهمة في تأهيل وترقية الوضع القائم.

 

1.    المؤشرات

المؤشرات هي أدوات ضرورية لتقويم الأداء في نشاط معين أو قياس نمو وتطور ظاهرة ما. وتصنف المؤشرات حسب مجالات استعمالها فهناك مؤشرات اقتصادية؛ اجتماعية؛ ديموغرافية؛ أو تربوية… وتتميز المؤشرات بخاصية قياس درجة تحقق الأهداف التي وضعت في البداية أو النتائج التي تمخض عنها المشروع؛ وهذا يقتضي وضع أهداف قابلة للقياس. والمؤشرات تعتبر أدوات هامة لتقييم مشروعا ما، تم تطبيقه، أو يجري إرساءه وتنزيله على أرض الواقع. في ميدان التربية والتعليم، يُعتمد عادة النموذج التقليدي المتعارف عليه دوليا، والمعروف اختصارا ب:CIPOO.
2.    النموذج: CIPOO

هو مجموعة من المؤشرات الكمية  والنوعية  التي يتم انجازها أو حسابها من اجل الوقوف على المردودية الداخلية والخارجية للمنظومة. وهو يمكّننا من وصف مستوى تسيير وتدبير المنظومة التربوية والحكم عليها من خلال حزمة من المؤشرات التي تُرتب كما يلي:
Ø    حزمة مؤشرات تتعلق بالسياق؛ ((contexte؛
Ø    حزمة مؤشرات تتعلق بالمدخلات  (input)؛
Ø    حزمة مؤشرات تتعلق بالسيرورة ) (processus  ؛
Ø     حزمة مؤشرات تتعلق بالمخرجات (output)؛
Ø    حزمة مؤشرات تتعلق بالحصيلة والآثار البعيدة المدى (outcome) ؛
3.    مفهوم التقويم الداخلي أو الذاتي للمؤسسة
هي عملية تقويم لمدى تحقق معايير الجودة بالمؤسسة وتتم على يد فريق منها وفق سيرورة ومنهجية محددتين سلفا ويعرفه جلبير دولانتشير (1979): بأنه «التقويم الذي يتولاه أشخاص ينتمون إلى الفريق التربوي المكلف بتنفيذ برنامج معين، وهو عكس التقويم الخارجي الذي يتولاه أشخاص من خارج هذا الفريق»
4.    مفهوم التقويم الخارجي للمؤسسة
عكس التقويم الداخلي، التقويم الخارجي: يتولاه فريق من جهة خارجية مستقلة عن المؤسسة ويعتبر سيرورة لافتحاص وتقييم مدى تحقق معايير الجودة والأهداف المرسومة في مشروع المؤسسة .
5.    التقويم المؤسستي
هو «السيرورة، التي من خلالها نعمل على: تحديد، وحيازة، وإعداد: المعلومات الناجعة والتي تمّكننا من الحكم والترجيح بين مجموعة من الخيارات العلاجية المتاحة، القابلة للإنجاز،  قصد تسهيل عملية اتخاذ القرار». إذن فهو مجموعة عمليات تقويمية ممنهجة هدفها تحديد نقاط الضعف ونقاط القوة في تدبير وتسيير مؤسسة ما، بغية تعزيز نقاط القوة وعلاج نقاط الضعف، وتتم هذه العملية على ضوء معايير محددة، وترتبط برؤية ومشروع المؤسسة المنبثق من رؤية السلطة الوصية على التربية والتكوين بهدف تحسين الأداء.

II.    على سبيل العرض والتفصيل: أهم مقاربات التقويم المؤسستي

إن تحسين أداء ومردودية منظومة التربية والتعليم يمثل بالنسبة للسلطات الوصية انشغال دائما، والتقويم المؤسستي يعتبر أهم الوسائل لتحقيق هذا الهدف؛ يتخذ أشكالا متعددة حسب الموضوع المعروض للرصد والتحليل، حيث أن «التقويم التربوي لم يعد منصباً على التلاميذ فحسب بل أصبح شاملاً في منهجيته يتناول العملية التعليمية بكافة جوانبها ومتغيراتها من طلاب ومعلمين ومشرفين ونظم إدارية ومناهج … لقد أثبتت التجربة أن إقامة نظام تقويمي دون اتصاله ببرامج تطويرية يولد كماً هائلاً من الرفض والمعارضة، ولتحقيق الفعالية فإنه على كلٍ من النظامين، نظام التقويم ونظام التطوير أن يعملا سوياً، لذا فإن هدف التقويم التربوي يجب ألا يقتصر على عمليات القياس والمقارنة على أساس معايير محددة مسبقاً، بل يتعداه إلى اتخاذ قرارات التطوير والتجديد»  لكن ما هي أهم المقاربات النظرية لتقويم المؤسسة التعليمية؟
1

.    مقاربات التقويم المؤسستي
 حسب مشيل ليكوانت يمكن تحديد أربع مقاربات لتقويم وحدات التربية والتكوين وهي:
أ‌.    مقاربة تستحضر البعد الاقتصادي بمعناه العام في التقويم: وتنطلق من سؤال: ما هي النتائج المحققة على ضوء الاستثمارات والنفقات التي تم صرفها على المؤسسة التربوية؟ والهدف يتجلى في تشخيص وجرد هذه النتائج المحققة من خلال العمل على إثبات أن أهدافا ملموسة قد تم تحقيقها بأموال المشاركين في الإنفاق على المؤسسة.
ب‌.    مقاربة ذات بعد « تقنوي » أو تقني، تستحضر المعادلة: وسائل/أهداف أي العمل على تحقيق الأهداف على ضوء ما رصد من وسائل مع التركيز على قياس وتكميم مستوى الأداء والاستثمار الأمثل للوسائل والزمن من خلال توزيع المهام وتنظيم العمل  (taylorisme)واستحضار الجوانب التقنية في الفعل التربوي لضمان الجودة المطلوبة.
ت‌.    مقاربة تعتمد تقويم السوق: أي أن تقويم نواتج التربية ومخرجاتها متروك، « لزبناء » المؤسسة؛ و »المستهلكون » لمنتجاتها من سوق شغل ومجتمع، بناء على المعادلة: جودة المنتج/ كلفته، بحيث يتم تقويم المؤسسة التربوية على ضوء قدرتها على تكوين اطر قادرة على الاندماج بسرعة في سوق الشغل.
ث‌.    مقاربة تقويمية تنبني على ضمان الامتثال (conformité) للقوانين الجاري بها العمل، من خلال تتبع ومراقبة مدى احترام المؤسسة لهذه القوانين والتشريعات، ومدى التطابق مع القيم والأعراف السائدة، ويعطي هذا النمط من التقويم أهمية كبرى للدوريات والقوانين والتشريعات المنظمة للعمل.

2.    منهجية التقويم المؤسستي: المؤسسة التعليمية كوحدة

حسب فيفيان ريدينك Viviane Reding

فإن تحديد موضوع التقويم وأهدافه، يمكّن من التمييز بين تقويم أداء المؤسسة ككل أو كوحدة، وبين تقويم مكوناتها، حيث يكون الهدف في الحالة الأولى هو مراقبة أداء المؤسسة كمنظومة دون النظر إلى أداء كل فرد فيها، قصد تنميتها وتطويرها ككل؛ أما في حالة تقويم أداء المدرسين وغيرهم من العاملين بها، فان التقويم يجري على المستوى الفردي، ويكون الهدف هو التتبع والمراقبة والمساعدة على تحسين الكفاءة المهنية لكن لكل فرد على حدة. عمليا عندما يجري التقويم على مستوى المؤسسة كوحدة، تُقدم نتائج تقريره في إطار شمولي دون تفصيل، في حين عند يتم تقويم الفاعلين بالمؤسسة كأفراد فكل واحد منهم يتلقى تغذية راجعة تقويمية تخص أداءه وتكون كتابية أو شفوية. ويمكن الجمع بين المنهجيتين بحيث يُستثمر تقويم المؤسسة كوحدة لإصدار أحكام شمولية مصحوبة بالحلول والمقترحات الضرورية، وأخرى تخص أداء كل فرد فيها. في السياق ذاته، وبهدف تتبع وتقييم أداء المنظومة التربوية ككل يتم على سبيل المثال، إخضاع جميع التلاميذ أو عيينات تمثيلية منهم لروائز مقننة؛ أو يقتصر الأمر على استثمار نتائج الامتحانات الإشهادية، بتحليل معطياتها، قصد تشخيص حالة النظام التربوي ككل، فيتحقق التقويم الشامل للمنظومة بكاملها أما عندما يتم تناول هذه النتائج على مستوى كل مؤسسة على حدة فان التقويم يكون أيضا على مستوى المؤسسة كوحدة محلية. وتُعرف منهجية تقويم المؤسسة التربوية على أنها «التركيبة التي تجمع بين كل من الجهة التي تتولى عملية التقويم (فرد أو جماعة)؛ موضوع التقويم أو أهدافه؛ معاييره؛ إجراءاته؛ بالإضافة إلى كيفية استثمار وتوظيف نتائج هذا التقويم»
ü     

فعندما تكون الجهة التي تتولى التقويم تابعة للسلطة الوصية على التربية جهويا أو إقليميا أو وطنيا، نكون بصدد تقييم خارجي يتولاه أفراد غير معنيين مباشرة بأنشطة المؤسسة التربوية. أما إذا كانت الفِرَق أو الأفراد الذين يتولون عملية التقويم المؤسستي معنيين مباشرة بأنشطة المؤسسة، كرئيس المؤسسة أو الأساتذة أو التلاميذ أو أبائهم أو الشركاء، في هذه الحالة نكون بصدد تقويم داخلي للمؤسسة.
ü    أما موضوع التقويم فيمثل في حالة التقويم المؤسستي: الوظائف والمهام المطلوبة من المؤسسة وهي إما أن تكون:
·    وظائف تربوية وتشمل: تقييم مهام التدريس والتعلم المتمثلة في تلقين المهارات والمعارف؛ والتنشئة الاجتماعية والمهنية.
·    وظائف إدارية وتضم: تقييم مستوى إدارة وتدبير الموارد البشرية والمادية؛ تقييم مستوى انفتاح المؤسسة وتواصلها مع محيطها.
ü    أما فيما يخص معايير التقويم فتحددها عادة السلطة الوصية، ووظيفتها توفير إطار مرجعي دقيق لعملية التقويم،  كما ترسم حدوده،  وتحدد العناصر الإجرائية لما نريد تقييمه.
ü    أما الإجراءات فتشمل مختلف مراحل عملية التقويم، وتشمل: عملية جمع المعطيات وطريقة تحليلها، وإعداد التقرير، وكذا تتبع عملية التقويم نفسها، أي تقييم الإجراءات المتبعة للتأكد من مدى احترامها للمعايير؛

ü 

   أما استثمار نتائج تقرير التقويم فتشمل اتخاذ القرارات التعديلية وتؤول للمسئولين سواء كانوا محليين أو مركزيين.
3.    التقويم المؤسستي و نماذج التغيير

 حسب ستافلبيم، هناك أربعة أصناف  لقرارت التغير التي تتخذها الجهات الوصية، وتعقب سيرورة التقويم المؤسستي وهي:
·    صنف1، قرارات التخطيط: نوع من القرارات التي تُتخذ على اثري تقويم السياق الذي تتم فيه العملية التعليمية وهو يحدد الأهداف المرجوة على مستوى المنظومة ككل.
·    صنف2، قرارات بنيوية: تتخذ عقب تقويم المدخلات، غايتها تحديد الوسائل الكفيلة بتحقيق الأهداف التي وضعت إبان عملية التخطيط؛
·    صنف3، قرارات المراجعة: نوع من القرارات التي تُتخذ على اثري تقويم مخرجات العملية التعليمية، وتهدف إلى مباركة الوضع القائم، أو توقيف المشروع، أو الاكتفاء بإدخال بعض التعديلات عليه، أو تغييره جذريا؛
·    صنف4، قرارات من اجل التطبيق: نوع من القرارات التي على ضوئها يتم تقويم السيرورة  (processus) وتهدف إلى انتقاء أنجع السبل والخيارات التي يتمخض عنها التكييف والتحيين المستمر لخطط العمل التي وُضعت على اثري اتخاذ  القرارات البنيوية.
  وقصد استثمار المعلومات التي توفرها عملية التقويم المؤسستي يحدد دولانتشير أيضا ثلاثة نماذج أساسية لاتخاذ المبادرة وصنع القرارات هي:
أولا، نموذج تتميز خطواته بالحذر والتعقل (rationnel)،

حيث يُؤخذ واقع الممارسة بعين الاعتبار، هذا النموذج لا يعول حصرا على المعلومات الكمية لكن يستحضر المعطيات النوعية والتي رغم ذاتيتها توفر أحيانا حلولا هامة مرجعيتها «معلومات آنية وطارئة، غير مبنية على أسس نظرية وعلمية، موسومة بالعفوية ومستقاة من الممارسة اليومية»؛
ثانيا، نموذج تنظيماتي (organisationnel) يغدو فيه التقويم عملية روتينية تساعد على توفير المعلومات اللازمة لتدبير وريادة المؤسسة التعليمية أو المنظومة ككل؛
ثالثا، نموذج سياسي-بيروقراطي (politico-bureaucratique): يمثل فيه التقويم أداة قد تُستثمر نتائجه أو لا تُُستثمر، وذالك تبعا لدوافع وحاجات توظيفية محددة، تمليها ظرفية سياسية معينة.
بقي أن نشير إلى أن هذه النماذج الثلاثة تتعايش وتتكامل فيما بينها لكن بنسب حضور تختلف من نموذج إلى آخر.
 في حين يحدد ستافلبيم ثلاثة نماذج للتغيير بغية تطوير وتنمية العملية التعليمية إن على مستوى المحلي أو المركزي وهي:
·    نموذج التغييرات المبرمجة أو المخطط لها: ويتناسب مع الوضعيات التي تتطلب تغييرا واسع النطاق، لكن تكون المعلومات المتوفرة لإحداثه غير كافية، هذا النموذج يتطلب انخراط العديد من الأطراف ويتم على مراحل ممتدة في الزمان؛
·    نموذج يقتضي إحداث تغييرات وتعديلات جزئية وطفيفة: بموجبه تكون الجهات الوصية غير متوفرة على معلومات كافية حول طبيعة ومستوى التغيير المطلوب، لذا تقدم على إحداث تغييرات طفيفة لا تختلف عن الوضع القائم إلا قليلا، حيث يتم التركيز على الحاجات الآنية والمشاكل الطارئة أكثر من التركيز على الاستراتجيات والأهداف البعيدة المدى؛
·    نموذج مثالي: حيث يكون التغيير المزمع إحداثه موسوما بالطموح والشمولية، مع توفر المعلومات الكافية لإنجازه، ويبقى هذا النموذج مثاليا لطابعه الجذري وندرة حدوثه. 
كخلاصة: في حالة التقويم الخارجي للمؤسسة التعليمية تختلف منهجية التقويم باختلاف الجهة المشرفة عليه؛ أما في حالة التقويم الداخلي للمؤسسة فعادة ما يتخذ التقويم شكلا قارا لأننا نكون أمام نفس الجهة (المؤسسة) والتي تعد مسئولا وحيدا على التقويم رغما تنوع المتدخلين.

 

4.     نماذج التقويم المؤسستي

 

لتدبير وريادة المؤسسات التربوية، حسب جيلبير دولانتشير لابد من سن نموذج منسجم يرسم كيفية اشتغال المنظومة التربوية، قصد تحديد عدد ونوع المؤشرات التي ستوظف للتقويم المؤسساتي، فاختيار النموذج يحدد والى حد كبير طبيعة وحجم المعلومات التي ستوفرها هذه المؤشرات. في هذا الصدد يمكن رصد عدة نماذج أشهرها النموذج: سياق؛ مدخلات؛ سيرورة، مخرجات؛ الذي يشابه النموذج المعتمد لتقويم منظومات التربية لدى بلدان منظمة التجارة والتنمية الاقتصادية ال:(OCDE). هذه المؤشرات التي يجب ترجمتها إلى متغيرات قابلة للقياس والتوصيف الدقيق، وتستند إلى معايير مرجعية، تؤدي عدة وظائف حسب الأستاذ محمد فاتحي: حيث «تمكن من إصدار أحكام موضوعية وصادقة، تهدف أساسا إلى تقييم الجودة في التربية والتكوين، كما تمثل أدوات وآليات تساعد الفاعلين وصناع القرار على ترشيد تدخلاتهم وتفعيلها، وتصلح لتوظيفها في التقويم الذاتي أو الخارجي للمؤسسة: إما عن طريق تقويم المؤسسات-الأقران؛ أو بواسطة لجان خارجية من المفتشين، كما تساعد على إعداد تقارير حول واقع وآفاق المؤسسات التعليمية، أو لإثارة نقاشات عامة حول التربية، كما توظف في البحث التربوي».

«فمن اجل ريادة منظومة التربية وعرض نتائجها على الرأي العام ولفت الانتباه إلى مستوى أدائها، تحتل عملية جمع المعطيات، وحساب المؤشرات، إن على المستوى المحلي، الجهوي أو الوطني أهمية قصوى، هذه الإحصائيات التي لا يجب أن تقتصر فقط على الموارد أو مدخلات المنظومة فقط، بل تتعدى ذالك فتتناول الكيفية والطريقة التي تُوظف بها هذه الموارد (السيرورة) وكذا ما تنتج المؤسسة نوعا وكما»  لهذه الأسباب تكتسي المؤشرات ولوحات القيادة أهمية قصوى في المساعدة على تدبير وريادة وتتبع وتقويم منظومة التربية والتكوين، كما تمكن المسئولين من اتخاذ قرارات التطوير والتعديل والإصلاح الضرورية. لهذا وجب أن يتم التقويم المؤسستي وفق نموذج يتميز بالشمول والدقة حسب R.R.Herriott(1979) يتناول كل هذه العناصر المتداخلة، وكمثال للمؤشرات التي تشمل هذه المجالات نتطرق فيما يلي للنموذج الذي تتبناه منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OCDE)  والتي تصدر تقريرا سنويا حول منظومات التربية والتعليم للدول المنضوية تحتها، ما يساعدها في وضع مخططات التعديل والتدبير والريادة الجيدة للمنظومة. نورد فيما تلك التي تم التطرق إليها في تقرير(2009) تحث عنوان « نظرة على التربية »: ويتضمن مجموعة من المؤشرات وردت على شكل أسئلة يجيب محتوى التقرير عليها من خلال الإحصائيات والمقارنات، تتوزع على خمس فقرات هي:
v   

الفقرة1، مستويات التكوين ونسب التمدرس وتشمل المؤشرات التالية: 1) ما هي مستويات التكوين لدى الكبار؟ وما نسبة دوي الشهادات منهم؟ 2) كيف يتم تطوير مستويات التعلم والتكوين؟ 3) ما هي نسب التمدرس حسب الفئات في المجتمع؟ 4) ما هي نسب وأعداد تلاميذ الثانوي الملتحقين بالتعليم العالي؛ 5) ما هي نسب وأعداد الحاصلين على شواهد عليا؟ 6) هل يستجيب التعليم العالي لحاجيات سوق الشغل؛ 7) ما هي الفرص المتاحة أمام الطلبة للاندماج في سوق الشغل وما مدى توفقهم في الانتقال من مرحلة التكوين إلى مرحلة الشغل؟ 8) ما هي نسب وأعداد الطلبة المغادرين لمتابعة تكوينهم بالخارج؛ 9) ما هي الدول التي يلجأ إليها هؤلاء الطلبة لاستكمال تكوينهم؟ 10) ما هي نسب وأعداد التلاميذ الذين يحققون أفضل النتائج والكفايات حسب روائز (PISA)؟ 11) ما هي الانتماءات السوسيو-اقتصادي لأسر التلاميذ الذين يحققون أفضل النتائج والكفايات حسب روائز (PISA)؟ 12) ما هي اتجاهات ومواقف وحوافز التلاميذ الذين يحققون أفضل النتائج والكفايات حسب روائز (PISA)؟
v   

الفقرة2، المنافع الاقتصادية والاجتماعية للتربية: تشمل المؤشرات التالية: 1) ما هي المنافع المادية والمهنية (الراتب…) التي تخولها الشهادات العليا الممنوحة لحامليها؟ 2) ما هي العلاقة بين مستويات التكوين لدى الأفراد وفرص حصولهم على شغل؟ 3) ما هي دوافع الأفراد للاستثمار في التربية؟ 4) ما طبيعة العوامل التي تدفع المجتمع ليستثمر في التربية؟ 5) ما هي الفوائد الاجتماعية للتربية والتعليم؟
v   

الفقرة3، الاستثمار في التربية والإنفاق عليها: وتشمل المؤشرات التالية: 1)  ما هي كلفة التمدرس للتلميذ/الطالب الواحد؟ 2) هل كلفة تمدرس التلميذ/الطالب الواحد في تصاعد؟ 3) ما هي نسبة النفقات المخصصة للتربية من الناتج الخام الداخلي؟ 4) ما هي نسبة النفقات على التربية والتكوين من مجموع النفقات العامة للدولة؛ 5) ما هو دور الاستثمارات والنفقات في التعليم الخصوصي؟  (مجالاتها، ونسبتها من الإنفاق العمومي على التربية)؛ 6) ما كلفة الرسوم الدراسية على الطلبة في التعليم العالي؟ 7) ما هي مجالات التي تتوزع عليها النفقات المخصصة للتربية والتكوين وما نسبة كل منها؟ 8) ماذا تمثل التباينات في كثل أجور موظفي التربية والتكوين؟
v   

الفقرة4، البيئة المدرسية وتشمل: 1) ما عدد الساعات التي يقضيها التلاميذ في أقسامهم؟ 2) ما هو متوسط عدد التلاميذ في القسم الواحد؟ 3) ما هي أجور وأرباح المدرسين؟ 4) ما عدد ساعات عمل المدرسين؟ ما هي بنية المدرسين؟
v    فقرة خاصة: (TALIS) حول ظروف اشتغال رجال التعليم وحول بيئة التعليم والتلقين تمثل جديد تقرير ال:(OCDE)

لسنة 2009 وشملت المتغيرات التالية: 1) تعريف بالرائز  TALIS ؛ 2) إلى أي حد يتم تقييم وتقويم أداء المدرسين؟ 3) كم من الوقت يتسبب في هدره عدم الانضباط داخل الأقسام؟ 4) ما هي الطرق التعليمية والبيداغوجية المتبعة من طرف المدرسين وما هي إستراتجياتهم في العمل والمواقف السائدة في أوساطهم حول المهنة والمبادئ التي يعتنقون في هذا الصدد؟ 5) ما هو مستوى رضا رجال ونساء التعليم على مهنتهم كمدرسين؟

للإجابة على هذه الأسئلة اعتمد التقرير مجموعة من المؤشرات الكمية والنوعية الخاصة بمنظومة كل دولة على حدة، وتم تصنيف وترتيب هذه البلدان حسب كل مؤشر من هذه المؤشرات مع الاحتكام إلى قيمة معيارية تمثل القيمة المتوسطية للمؤشر المعني. أيضا، حسب J.Magy تكمن أهمية المؤشرات المستعملة لتقييم أداء منظومة التربية والتكوين في كونها أضحت «مكسبا سيحتل مكانته إلى جانب المؤشرات المعتمدة في الميدان الاقتصادي، فتمثل بذلك أساسا لتحليل وتقييم السياسات الوطنية في مجال التربية والتعليم[…]  كما تساعد على إحداث وتطوير هيئات متخصصة في التقويم والإحصاء ومعالجة المعطيات، وتطوير مؤسسات وهيئات وطنية لتدبير وريادة قطاع التربية والتعليم في البلدان التي لا تتوفر على ذالك» وللاستفادة من تجارب بعض البلدان على مستوى تقييم المؤسسات التعليمية نورد فيما يلي بعضا منها مع عقد مقارنات تحليلية نخلص من خلالها إلى استنتاجات نعتقد إمكانية الاستفادة منها على المستوى المنهجي، فيما يخص إرساء وتطوير سيرورة وطنية لتقويم منظومة التربية والتكوين. مع ملاحظة أننا لا ندعي الإحاطة بجميع خصائص هذه النماذج والتجارب بل نكتفي منها بما تتيحه ظروف إعداد هذه المقالة وبما يتقاطع معها

.

5.    نموذج: سياق – مدخلات – سيرورة – نواتج أو مخرجات

يمكن تحديد أربع مجالات لتقويم المؤسسات التعليمية يتضمن كل منها عددا من المؤشرات حسب ما يلي:
·    مؤشرات السياق-مدخلات وتشمل المتغيرات التالية: 1) خصائص البيئة المحيطة بالمؤسسة: الوسط حضري أم قروي، المستوى السوسيو-اقتصادي للساكنة، الفرص المتاحة في ميدان التربية والتعليم؛ 2) خصائص التلاميذ: التي تشمل متغيرات التغذية والصحة، ومستوياتهم المعيشية، واللغة الأم، ومستوى الدعم الأسري للتلميذ، القيم والمواقف السائدة حول التعلم، والنتائج الدراسية السابقة للمتعلم؛ 3) البنية التحتية: من قبيل المبنى المدرسي، والفضاءات المتوفرة، ميزانية المؤسسة ووضعيتها المادية، مستوى تجهيز المختبرات، الوسائل التعليمية، ومستوى إدماج التكنولوجيات الحديثة؛ 4) خصائص الموارد البشرية العاملة بالمؤسسة: مستوى التأطير، القدرات التدبيرية والإدارية، مستويات التكوين لدى الموارد البشرية، القيم والقناعات السائدة في أوساطهم، مدى جودة التعلمات المعروضة، ومستوى التواصل مع الساكنة، ومحيط المؤسسة؛ 5) مستوى تكافؤ الفرص والتجانس لدى التلاميذ: من حيث النوع والانتماء الثقافي والعرقي، والقدرات التواصلية واللغوية، ومن حيث حاجاتهم التعليمية والتربوية.
·   

مؤشرات متعلقة بسيرورة التلقين والتعلم ونجد فيها المتغيرات التالية: 1) المنهاج والمقررات الدراسية التي تطبقها المؤسسة، من حيث المرامي والأهداف، ومن حيث التجانس الداخلي والخارجي، والطرائق البيداغوجية المستعملة لتلقين هذه المقررات؛ 2) نوعية العرض التربوي والتعليمي من حيث المنهجية، والوضوح ونوعية الأهداف، والإستراتجية المستعملة لتحقيقها، والتقويم الدراسي، والموارد، ومدى تفريد التعلمات والنجاعة في الأداء؛ 3) محتويات المقرارات: من حيث الأهمية والجدوى، وتحيينها باستمرار، ومن حيث التسلسل والتكامل فيما يخص وحداتها وفقراتها؛ 4) المناخ التربوي السائد: متمثلا في القيم والثقافة السائدة بالمؤسسة، مستوى التواصل والتفاعل بين العاملين، ومستوى الأمن، والتحديات الواجب تجاوزها، 5) التلقين: الذي يشمل مستوى الالتزام والمسؤولية، التخطيط، التغذية الراجعة، الاستراتجيات المتبعة، المهارات،  تدبير الزمن، التعاون؛ 6) مستوى التنظيم التربوي للفصول الدراسية.
·  

  مؤشرات متعلقة بمستوى التدبير والريادة:  وتتضمن المتغيرات التالية: 1) السياسة المتبعة لتحقيق الجودة؛ 2) القيادة والقدرات التدبيرية والإدارية؛ 3) مشروع المؤسسة ومدى شموليته؛ 4) مستوى التواصل الداخلي؛ 5) مستوى التنظيم التربوي والإداري، 6) مستوى تدبير الموارد البشرية؛ 7) مستوى التواصل مع الساكنة ومحيط المؤسسة.
·    مؤشرات النواتج أو المخرجات: وتتضمن المتغيرات التالية: 1) مستويات الأداء والانجاز في الامتحانات، نسب النجاح والانتقال، تقارير التقويم، ترتيب المؤسسة؛ 2) القيمة التربوية المضافة للمؤسسة؛ 3) قدرة المؤسسة على توظيف وإدماج طرائق وكفايات حديثة في التلقين؛ 4) القدرة على توظيف المهارات الاجتماعية، المستقاة من الحياة العادية؛ 5) مستوى رضا التلاميذ وأوليائهم والمؤسسات المستقبلة على أداء المؤسسة؛ 6) الوجْهات والمسارات التكوينية أو المهنية التي يقصدها التلاميذ المغادرون للمؤسسة؛ 7) مستويات الارتياد، والمشاركة.
6.    التقويم المؤسستي: نماذج وتجارب بعض البلدان  

 

v    النموذج الفرنسي (ثلاث مؤشرات للنتائج)

سنة 1974 تم إحداث مصلحة على مستوى الوزارة في هذا البلد، تعنى بتقويم مستويات التحصيل، وريادة المنظومة التربوية، وفي سنة 1987 تحولت إلى مديرية للتقويم والتوقعات(DEP)، حسب M.Le Guen (1991)، يمكن تلخيص مهامها في:
·    المساعدة على ريادة المؤسسات التعليمية، حيث تنجز المديرية افتحاصات ومساءلات مقننة تتم على المستوى الوطني، تكون شاملة وتطال جميع المنتمين للمنظومة؛
·    إنتاج وبلورة روائز واختبارات مقننة ومتنوعة وبالقدر الكافي تساعد على بلوغ الأهداف التقويمية؛
·    اختيار عيينات تمثيلية من التلاميذ بشكل عشوائي تراعي الوسط وحجم المؤسسة، والسهر على تمرير الروائز لهؤلاء التلاميذ.

بمشاركة الأساتذة الواسعة في العملية، حصل تعميم وانتشار تلقائي لمنهجية العمل وتقنياته من المركز إلى الجهات والأقاليم مما نتج عنه استنساخ للتجربة على المستوى المحلي، وتتم عملية التقويم هذه وفق ثلاثة اتجاهات: هي: تقييم المكتسبات؛ تقييم السياسة التعليمية؛ إنتاج وتوزيع أدوات التقويم. كما يدل عدد التقارير السنوية التي تنجزها ال (DEP) على كثافة أنشطتها، حيث تتجاوز الخمسة تقارير رئيسية، تتناول بالتفصيل حالة منظومة التربية والتكوين؛ بالإضافة إلى منشورات حول التقويم المؤسستي، تستهدف إلى الرأي العام، فضلا عن إنتاج أدوات وآليات مقننة للتقويم.
في السياق نفسه جاء مقترح Peretti (1986)

بمجموعة من 125 مؤشرا، وُضعت رهن إشارة المؤسسات التعليمية قصد مساعدة رؤساءها على حسن تدبيرها وريادتها. تتوزع هذا المؤشرات على خمس فئات هي: مؤشرات التنظيم؛  مؤشرات السيرورة أو التسيير مؤشرات الأنشطة؛ مؤشرات التواصل مع المحيط؛ وأخيرا مؤشرات الاتساق أو الانسجام الداخلي؛ ويطابق كل فئة من هذه المؤشرات خمس مجالات يتم تقييمها؛ وابتداء من سنة 1986 أُدرجت هذه المجموعة من المؤشرات ضمن دورات لتكوين رؤساء المؤسسات؛ كما مثلث منطلقا لإثارة نقاشات بين هؤلاء الفاعلين وعقد مقارنات بين المؤسسات من حيث مردودها الداخلي والخارجي؛ أيضا حسب بيريتي يُفترض في هذه القائمة من المؤشرات أن «تمكن رؤساء المؤسسات والعاملين بها وبالتنسيق مع الآباء والتلاميذ من اختيار تلك التي تتلاءم وخصوصية المؤسسة، مع تحديد الموارد والجهود اللازمة لتحسين الوضعية» ، كما يقترح تقديم قدر من الخبرة والتكوين لمساعدة هذه المؤسسات على تقييم أدائها؛ في الأخير تُرسل تقارير تركيبية للجهات الوصية.
 ويوظف النموذج الفرنسي لتقييم أداء مؤسسات التعليم الثانوي ثلاثة مؤشرات رئيسية للنتائج هي:

1) نسبة الحاصلين على شهادة البكالوريا؛

2) نسبة الولوج إلى مستوى البكالوريا؛

3) نسبة الحاصلين على البكالوريا من المغادرين للمؤسسة؛ يتم حساب هذه المؤشرات على مستوى كل مؤسسة على حدة، مع عقد مقارنة بينها وبين مثيلاتها على صعيد كل أكاديمية وعلى المستوى الوطني وحسب الشعبة، ومن مستجدات حساب هذه المؤشرات للموسم الدراسي 2008/2009، نجد أن خصائص التلاميذ التي تؤخذ في الحسبان عادة تم التدقيق فيه أكثر، مع إثراء مؤشراتها التفسيرية، خاصة تحديد مستوياتهم الدراسية السابقة لولوج السلك الثانوي، وبما أن المسار الدراسي للتلميذ يتأثر بالوسط الذي ينتمي إليه، تم كذالك تعزيز وتدقيق المعطيات السوسيو-ديمغرافية لكل مؤسسة على حدة. هذه المؤشرات تحاول ما أمكن تقدير وقياس ولو بشكل تقريبي القيمة التربوية المضافة الخاصة بكل مؤسسة على حدة، قصد التركيز على المؤسسات التي تشكو نقصا في هذا المجال، للرفع من مستويات تدبيرها وريادتها، وتهدف الوزارة الوصية من خلال  نشر هذه المؤشرات على الرأي العام سنويا، إلى عرض وتقديم حصيلة النتائج المتوصل إليها من طرف المؤسسات التربوية العمومية وتوفير مجموعة من الآليات للمشرفين عليها وكذا الأساتذة تساعدهم على تحسين ممارستهم والرفع من فعالية تدخلاتهم، مع تمكين هذه المؤسسات من تحديد موقعها وترتيبها ضمن المؤسسات الأخرى جهويا ووطنيا، وعقد المقارنات المفيدة في هذا السياق. في نفس السياق تؤكد جوليت فيرديير على دور التقييم المؤسستي في تحديد ما تسميه « المناطق ذات الأولوية التربوية » بغية التدخل لمعالجة اختلالاتها ونقاط الضعف بها «وفق مقاربة التمييز الايجابي (la discrimination positive)قصد الرفع من مؤشرات التمدرس لدى الشرائح الاجتماعية الأضعف[…] من خلال تعزيز وتوجيه الدعم التربوي إلى المناطق والأوساط المجتمعية التي تحتضن أعلى نسب الهذر والتعثر الدراسيين»

v    تجربة المملكة المتحدة          

في هذا البلد، يتم اللجوء إلى معايير ومؤشرات وضوابط مرجعية لتقييم الجودة في مجال التربية والتكوين. حيث أن أول خطوة في هذا السياق كانت سنة 1976 وهدفت إلى «جعل المدرسة تحث الفحص والتدقيق والتقييم الدائم» فيعتمد المفتشون على لائحة تتألف من عدد كبير من الأسئلة التي تساعد المؤسسات على التساؤل حول مستوى تنظيمها ومواردها وأداءها وكفاءتها والعلاقات التي تربطها مع محيطها. جميع الأساتذة مدعوون للتساؤل حول طرق التدريس، ومستويات التحصيل لدى التلاميذ، كما أن رؤساء المؤسسات يتساءلون حول مدى احترام المدرسين لأوقات العمل وكيفية تسيير المؤسسة وتنظيمها ومستوى تحقق الأهداف المرسومة. يمكن لكل مؤسسة أن تباشر تقييم أداءها بنفسها، مع خضوعها لتقييمات خارجية من حين إلى أخر. أشار ( (Nattall.1993إلى مجالات التقييم التي تتضمنها هذه اللوائح بالنسبة لمؤسسات التعليم الثانوي، نذكر منها على سبيل المثال:

·    التلاميذ؛ مجلس تدبير المؤسسة؛ الآباء؛ المحيط الاجتماعي والاقتصادي للمؤسسة؛ العاملين بالمؤسسة.
·    المقررات: كيفي يتم إعدادها؟ المراجع المساعدة على انجاز المقررات؛ منهجية التنفيذ؛ التقويم الدراسي؛ مدى تكافؤ الفرص بين الجنسين؛ التسهيلات المتخذة لفائدة دوي الاحتياجات الخاصة.
·    التقييم الذاتي للأساتذة، وتكوينهم المستمر.
·    أشكال اتخاذ المبادرة والتواصل داخل المؤسسة.
·    البيئة الاجتماعية والاقتصادية المحيطة بالمؤسسة
·    الموارد- الإحصائيات …

مقابل كل مجال من هذه المجالات تبنى مجموعة من الأسئلة، التي تهدف إلى تقييم الأداء والانجاز والتطبيقات المتعلقة بهذا المجال. وأشار  Nattall إلى انه ومنذ أواخر السبعينات تم  نشر 45 نسخة من هذه اللوائح، كما أن طرق ومستويات استفادة المؤسسات التعليمية من هذا التقييم الذاتي تختلف من مؤسسة إلى أخرى. لكن مشروع الشبكة (GRIDS) لتقييم أداء المؤسسات التعليمية بالمملكة المتحدة، حضي باهتمام اكبر وعرف انتشار أوسع، فهو يتألف من خمسة مراحل:

مرحلة الإعداد: تتضمن خطة العمل، تقدير النفقات، اختيار المنسق. العاملون بالمؤسسة يحاطون علما بمنهجية التقييم المؤسستي، كما يتعين عليهم التعاون في هذا الصدد.

تقييم بدئي: توزع استمارة تتمحور حول أوجه القوة وأوجه الضعف في اشتغال المؤسسة، كما يراها العاملون بالمؤسسة، وتعبأ هذه الاستمارات دون ذكر الهوية. هؤلاء مدعوون لتقديم اقتراحات بالمجالات التي يجب أن تحضي بالأولوية في التقييم. وبعد نقاش يشارك فيه الجميع، حول نتائج الاستمارات يتم استخراج المجالات التي يتعين تقييمها.

التقييم الفعلي: يتم حصره في عدد قليل من المجالات حسب ترتيبها في المرحلة السابقة، فيعمل الفريق المشكل لهذا الغرض على تحديد نقاط قوة ونقاط ضعف الممارسات بهذه المجالات ويقدم رزمة من المقترحات للتغيير، وحدها المقترحات التي حظيت بالإجماع يحتفظ بها.

مرحلة التطبيق: تحدد حاجات الموظفين من التكوين المستمر، كما يشرع في تلبية تلك الحاجات بالتنسيق مع السلطات الوصية التي تقدم المساعدات اللازمة. يجب أن تحظى هذه المرحلة بعناية وحزم خاصين حيث يتعين التأكد من مدى تحسن الوضعية من عدمه بعد تطبيق الحلول المقترحة، وما إذا كانت هناك صعوبات طارئة وغير منتظرة استجدت بعد تطبيق التعديلات والحلول الجديدة.

التقويم والتبني: تقارن الوضعية الجديدة التي نشأت بعد تطبيق المقترحات المتفق عليها، بالوضعية القديمة، بكل نزاهة ممكنة.

بقي أن نشير إلى أن فلسفة المشروع هي تشجيع القائمين على المؤسسة والأساتذة، على الإحساس بالمسؤولية تجاه أدائها وتشجيعهم على التعامل بشفافية مع المستفيدين منها ومع محيطها. أيضا أسفرت تجربة الشبكة للتقييم حسب Nattall، عن: كون المؤسسات الابتدائية تهتم أكثر بالمشاكل البيداغوجية في حين تُولي الثانويات أهمية اكبر لمشاكل ترتبط بالتنظيم وتدبير المؤسسة. وقد أُدخلت تعديلات جديدة على شبكة التقييم بالمملكة المتحدة قصد جعلها أكثر توازنا وشمولية.

v    النموذج الأمريكي  (NAEP)

 المؤسسة الوطنية لتقويم الأداء التربوي (NAEP)

 

 

هيئة تُعنى بتقويم المكتسبات (المعارف والمهارات والمواقف) بهذا البلد، تأسست سنة 1969 تمثلت أهدافها في: جمع المعطيات والمعلومات حول مكتسبات ومستويات التحصيل لدى التلاميذ؛ قياس تطور هذه المكتسبات والمهارات باستمرار؛ تمرير روائز من حين لأخر؛ قياس مستويات تحصيل التلاميذ بخصوص انجازات أو سلوكيات محددة؛  تجميع المعطيات وتحليلها تم تحرير تقارير موجهة للرأي العام والسلطات التربوية؛ تشجيع البحث انطلاقا من المعطيات المجمعة؛ تأهيل وتأطير الهيئات والمصالح الجهوية والمحلية، المختصة في التقويم؛ تطوير التقنيات اللازمة لجمع وتحليل المعطيات. في سنة 1978 أصبح على رأس أهداف (NAEP): تقويم مكتسبات التلاميذ في مجالات: القراءة والرياضيات والتواصل؛ لدى فئات عمرية متنوعة؛ مع القيام بشكل دوري بانجاز تقارير حول التغيُّرات الملاحظة؛ ابتداء من سنة 1989 تم تحديد أهداف تربوية يجب تحقيقها في حدود سنة 2000 وتم تكوين لجنة لتتبع وتقويم ذالك، من خلال نشر تقارير سنوية حول التقدم المحرز من طرف المنظومة التربوية لتحقيق هذه الأهداف؛ المحاور الكبرى لهذا التقرير تتمثل في: التحصيل الدراسي والإجراءات المتخذة للتشجيع على التعلم؛ نسب التلاميذ الذين يتمكنون من إكمال تمدرسهم بالسلك الثانوي حسب السن؛ المردود الدراسي في الرياضيات والعلوم؛ مهارات القراءة؛ حياة سليمة بعيدة عن المخدرات. تقرير سنة 1992 ركز على البعد الدولي حيث قورنت مستويات التحصيل الدراسي بالولايات المتحدة مع مثيلاتها لدول أخرى.

v    نموذج كندا

في الكيبيك ومنذ 1985، يُنشر تقرير يتضمن مجموعة من المؤشرات تتناول النقاط المثيرة للانتباه في أداء المنظومة التربوية، مصحوبة بالتأويل والاستثمار اللازمين، تدور فقراته حول: مسارات التعلم؛ نتائج الاختبارات الوطنية والدولية؛ مثل اختبارات (IEA)لتقييم المردود الدراسي؛ ومؤشرات أخرى تتعلق بالتمويل والإنفاق على التربية، ونسب دوي الشهادات؛ ونسب ووتيرة إدماجهم في سوق الشغل. أما على صعيد كندا فتم تبني مشروع منذ 1988 هدفه توفير قاعدة معطيات تمكن السلطات الإقليمية من تقييم مستويات الانجاز في مقرراتها الدراسية، من خلال معايير ومرجعيات مقننة عل الصعيد الوطني؛ الفكرة الرئيسية للمشروع تتمثل في قياس مستوى تحقق الأهداف المرسومة كما ونوعا، من خلال ثلاثة قوائم من المؤشرات هي:

·    مؤشرات المشاركة: وتستهدف تقدير مستوى استفادة التلاميذ من الإمكانات المتاحة أمامهم للتعلم؛
·    مؤشرات التوقعات والانتظارات: تدور حول مستويات تحقيق أهداف المنظومة؛ وما مدى رضا الخريجين على العرض التربوي الذي تلقوه؟ ما هي متطلبات المجتمع من  دوي الشهادات؛ إلى أي حد تستجيب المنظومة التربوية لإنتظارات المجتمع فيما يخص تعلم اللغة والرياضيات؟ ما هي المستويات اللغوية وفي الرياضيات التي تمثل الحد الكافي في رأي الطلبة الذي يمكّنهم من الاندماج بسهولة في سوق الشغل بعد التخرج.
·  

  مؤشرات النتائج الدراسية: وتدور حول: تقدير مستوى التحكم لدى تلاميذ الفئة العمرية 13-16 في الأهداف الدراسية المقررة لهم؛ يتم في هذا الصدد تمرير روائز على الصعيد الوطني لتمكين كل إقليم من تحديد موقعه وطنيا، هذه الروائز تم تعميمها لتشمل قياس مستوى تحقق الأهداف في كل المعارف والمكتسبات

.

v    تجربة زيلا ندا الجديدة

في هذا البلد، تخضع المؤسسات لتقييم مؤسستي داخلي، بالموازاة مع تقييم وطني يشمل المنظومة ككل، فكل مؤسسة تعليمية مدعوة لتقييم أداءها كل ثلاثة سنوات، قبل أن يزورها مندوب من قبل الجهات الرسمية لافتحاص كيفية توظيفها للموارد التي وضعت رهن إشارتها، كما يقيِِّم مستوى تحقق الأهداف المرسومة في مشروع المؤسسة. تختلف منهجية التقويم حسب الفئات العمرية للتلاميذ وحسب أعدادهم، لكن في كل الأحوال تبدأ العملية بوضع المؤشرات التي تدور حول الجودة المطلوبة؛ انطلاقا من سؤال محوري: ما هي الآثار والمفاعيل والمكتسبات التي خلفتها السياسة التربوية المتبعة من طرف المؤسسة فيما يخص مستويات التحصيل والتعلم لدى التلاميذ؟ تعمل السلطات التربوية المحلية على أجرأة هذه المؤشرات بالتعاون مع الأساتذة وغيرهم من المتخصصين في التقييم المؤسستي؛ يُعفى الأساتذة المشاركون في التقويم جزئيا أو كليا من مهامهم خلال الفترة اللازمة له، كما يتم تكوين المشاركين ضمن فريق التقويم، مسبقا حول المهام المنتظرة منهم.

في النهاية يتم تحرير تقرير يتضمن وصفا للمنهجية المتبعة في التقويم المؤسستي، والمؤشرات التي وقع عليها الاختيار بالإضافة إلى نتائج التقويم. يخلص إلى مجموعة من التوصيات الكفيلة بمعالجة مواطن الخلل إن وُجدت. مع تحديد الموارد اللازمة لتنفيذها، كما يوصي بالتغييرات اللازمِ إدخالها على مستوى السياسة المتبعة في تدبير المؤسسة. يُبعث بنسخة من التقرير إلى الجهات المسئولة، التي تدقق في طريقة جمع المعطيات والمعلومات والتوصيات المقترحة، كما يمكنها إضافة مقترحات أخرى إلى التقرير.

إن التقييم الذاتي للمؤسسة لا يعفي من المراقبة والتقييم الخارجي لها، فهذا الأخير يجعل من عملية التتبع والمراقبة عملية متكاملة، بسده الثغرات والنقائص التي يمكن أن يسقط فيها التقييم الداخلي للمؤسسة كما يجعل التقويم والتدبير الذاتي للمؤسسة يجنح نحو الموضوعية والتوازن والشمولية.

بناء على ما سبق فان من أهم شروط إرساء التقييم المؤسستي يكمن في تهيئ المدرسين لهذه المهمة الجديدة نسبيا، على واقع مؤسساتنا التعليمية. «فمفهوم المؤشرات يبقى عموما من المفاهيم الجديدة والغريبة عن المؤسسات التعليمية، والتعود على استعمالها يتطلب ليس فقط التزود بمعارف ومهارات إضافية تخص إجراءات التقويم، بل أيضا تغييرا في العقليات والثقافة التي تشتغل في إطارها المدرسة، فالأساتذة عموما لم يتعودوا على المراقبة والتقويم المنتظم والمنهجي لأدائهم وأداء مؤسستهم.[…] فضلا عن هذا فهم عادة ما يعتبرون أن مهاما من قبيل: جمع المعطيات وحساب المؤشرات وتحليلها لتقييم أداء المؤسسة من الأعباء الزائدة والتي لا طائل من ورائها […] مع الإشارة إلى أن التركيز يجب أن ينصب على نتائج تقرير التقويم، بدل التدقيق في تفسير هذه النتائج؛ فالتجارب تؤكد على أن الأساتذة، يكونون مرتاحين أكثر، عندما يُخلق لديهم إحساس بأنهم يتوفرون على القدرات الكافية والكامنة لتطوير أداءهم المهني أكثر مما هو حاصل، بدل التركيز الزائد على نقائص هذا الأداء، وجوانبه السلبية وتجاهل جوانبه الايجابية».   

 

v    بلدان الاتحاد الأوروبي: التقويم الخارجي والداخلي للمؤسسة، أية تقاطعات؟

 نعرض فيما يلي لبعض نماذج التقويم المؤسستي للمدرسة العمومية لعدد من البلدان الأوروبية وفق مقاربة تعتمد التحليل المقارن، مع استخلاص الاستنتاجات الممكنة، حيث يمكن حسب دراسة بعنوان: « تقويم مؤسسات التعليم العمومي » رصد فئتين من هذه البلدان تختلف من حيث المقاربة المستعملة والجوانب المستهدفة في التقويم حسب نموذجين هما:
ü   

نموذج أول، سائد لدى فئة تضم مجموعتين من هذه البلدان يتناول المؤسسة التعليمية ككل أو كوحدة، يتم تقويم أداءها من طرف لجنة من المفتشين، حيث يكون التقويم خارجيا يصاحبه تقويم داخلي إجباري في اغلب الحالات، التقويم الخارجي يحتل أهمية قصوى في هذا النموذج. معظم بلدان هذه المجموعة، طورت لوائح من معايير مرجعية وطنية كأداة للتقويم الخارجي، في حين نجد بعضها يعتمد على النتائج المدرسية للتلاميذ كأساس للتقويم، الفرق الحاصل بين المجموعة الأولى والثانية من هذه الفئة، يكمن في وجود تقييم لأداء المدرسين كأفراد، بالنسبة للمجموعة الأول، ويتولاه رؤساء المؤسسات في اغلب الحالات، بينما في المجموعة الثانية يتم تقويم المؤسسة كوحدة، دون النظر إلى أداء كل فرد على حدة، نجد هذا النموذج سائدا في كل من: ألمانيا؛ ايرلندا، الدول المنخفضة؛ النمسا؛ البرتغال؛ المملكة المتحدة؛ لتوانيا؛ بولونيا؛ جمهورية التشيك؛ استونيا؛ أسلوفاكيا؛ ليختنشتاين، مع الإشارة إلى أن الأساتذة في البلدان الأربعة الأخيرة يخضعون لتقويم أخر خارجي. أما في هنغاريا فالوضع مشابه لكن المؤسسات تُقيم من طرف السلطات التربوية المحلية وليس من طرف المركز. نجد نفس النموذج تقريبا في فرنسا(سلك التعليم الثانوي)؛ حيث يتلازم تقويم أداء الأساتذة الذي يتولاه رؤساء المؤسسات، مع تقويم آخر خارجي لهم، أما في المملكة المتحدة وليتوانيا، فنجد أيضا نموذجا مشابها، مضاف إليه تقويم مؤسستي تتولاه السلطات التربوية المحلية، التي بدورها تخضع لتقويم من طرف المركز؛ في ليتوانيا، يتم أيضا تقييم أداء المدرسين كأفراد، لكن من طرف لجنة متخصصة تتشكل من داخل المؤسسة. أما بالنسبة لقبرص التي تنتمي لنفس النموذج فنجد كخصوصية لديها تميزها عن باقي البلدان، أن تقييم أداء المدرسين يتم على المستوى الداخلي والخارجي على السواء، بينما يكون تقويم المؤسسات خارجيا فقط.

في المجموعة الثانية من بلدان هذه الفئة، يتم تقويم المؤسسات فقط، أما المدرسون فلا يخضعون للتقويم كأفراد بصورة منتظمة، لكن يتم تقييم أداءهم من حين إلى أخر خاصة لحظة ترقيتهم. ونجد في هذه المجموعة: كل من بلجيكا الفلامنية؛ اسبانيا؛ آيسلاندا؛ رومانيا؛ سلوفينيا؛ أما في ايطاليا فالوضع مشابه لكن، لا وجود للتقييم الخارجي للمؤسسات، وجهاز التقويم فيها ينبني أساسا على التقويم الداخلي للمؤسسة كوحدة. أما في مالتا فالوضع أيضا مشابه حيث التقويم الداخلي للمؤسسة كوحدة يكون إجباريا، بينما التقويم الخارجي الذي يتم بشكل غير منتظم فيقتصر أساسا على تقويم أداء المدرسين كأفراد.
ü   

النموذج الثاني، السائد أيضا لدى فئة تضم مجموعتين من هذه البلدان، يتميز بعدم تواجد المؤسسة التعليمية كوحدة في قلب عملية التقويم بخلاف النموذج الأول. حيث يسود عموما التقويم الخارجي في المجموعة الأولى لهذه الفئة ويتركز حول تقويم أداء الأساتذة، مصحوبا بتقييم خارجي للمؤسسة لكن يقتصر على جوانب محددة، يتولاه متخصصون، أما التقويم الداخلي للمؤسسة ككل، فغير جاري به العمل أو منعدم. ونجد في هذه المجوعة كل من بلجيكا الفرنكوفونية والجرمانوفونية؛ اليونان؛ فرنسا، واليكسمبورك (فرنسا واليكسمبورك:التعليم الابتدائي فقط)؛ أما أساتذة الثانوي في هذا البلد الأخير فيتم تقويم أدائهم من طرف رئيس المؤسسة؛ معظم هذه البلدان تتجه تدريجيا نحو تطوير نموذج لتقويم المؤسسات التعليمية ككل، لكن يلاحظ تأخر في تبني هذا النموذج، إما لأن مسار استقلالية المؤسسة مازال مشوبا بالضعف والتردد، أو لأن تقويم المؤسسات التعليمية في هذه البلدان يعتبر مسألة حساسة من الناحية السياسية. في المجموعة الثانية والأخيرة من هذه الفئة يتركز التقويم على السلطات التربوية المحلية، التي تعتبر مسئولة بدورها على تقويم العرض التربوي المقدم من طرف المؤسسات التابعة لها، ويشرف على هذا التقويم الذي يكون مركزيا، هيئات وطنية؛ فتطور اللامركزية في هذه البلدان قطع أشواطا، ومكّن البلديات من الاضطلاع بقدر كبير من السلطات بما فيه الإشراف على تقويم المؤسسات التعليمية التابعة لها؛ عموما الأساتذة في هذا النموذج لا يخضعون للتقويم كأفراد، لكن نتائج التلاميذ تستثمر على نطاق واسع لأهداف تقويمية. هذا الوضع نجده في كل من: دول الشمال؛ باستثناء ايسلاندا، حيث تشرف البلديات على تقويم المؤسسات التعليمية، التي بدورها ترسل نتيجة هذا التقويم إلى المركز. التقويم الذاتي نجده حاضرا لدى هذه الدول على نطاق واسع، لكن غير إجباري، تقييم المؤسسة التعليمية كوحدة من طرف المصالح المركزية متواجد في الدانمرك لكن يضل هامشيا أو غير منتظم. ويتم إما من طرف مصالح متخصصة، أو من طرف المعهد الدانمركي للتقويم (EVA)، أما في السويد فالتقويم يتم من طرف الوكالة الوطنية للتربية

(NAE) التي تشرف على تقويم المؤسسات التعليمية وتتبع أداءها.    

 

7.      تقويم المؤسسة التعليمية وهامش الاستقلالية: أية علاقة

حسب النماذج التقويمية المعروضة سلفا، يمكن ملاحظة أن هناك ترابطا بين استهداف المؤسسة كوحدة في عملية التقويم لبلد معين، وهامش الاستقلالية الذي تتمتع به في تدبير مواردها المادية والبشرية واختيار طرقها في التدريس، وانتقاء المحتويات التعليمية، حيث نجد في البلدان التي لا تتمتع فيه المؤسسة التعليمية إلا بقدر محدود من الاستقلالية في التدبير لا يتم تناولها كوحدة في عملية التقويم بل يتم اللجوء إلى تقويم أداء المدرسين فرادى أو تقويم السلطات المحلية المشرفة على الشأن التربوي بهذه المؤسسات. كما أن عملية تقويم العرض التربوي توسعت لتشمل أبعادا أخرى، فبالإضافة لمراقبة مدى استفاء مكتسبات التلاميذ لمجموعة من المعايير/الأهداف، يتم أيضا تقييم مدى كفاءة وجودة الموارد والوسائل الموظفة لبلوغ هذه الأهداف، بما في ذالك كل الأطراف المعنية بالعملية التعليمية من رؤساء مؤسسات وأساتذة، وكذالك السلطات التربوية المحلية. يلاحظ أيضا أن شيوع « ثقافة التقويم المؤسستي » في كثير من البلدان ارتبط بالتقدم على مستوى اللامركزية في تدبير الشأن التربوي متمثلا في منح المؤسسات التعليمية هامشا اكبر في تدبير مواردها وتنظيم بنيتها التربوية بنفسها، (استعمال الزمن، اختيار المحتويات التعليمية، تقسيم وتفويج التلاميذ…)؛ أيضا يبدو أن كل من التقويم الخارجي والداخلي للمؤسسة لا يغني احدهما عن الآخر؛ فالأول يهدف لإصدار الأحكام من خلال التأكد من مدى تحقق مستويات الجودة المرسومة، إن على مستوى المؤسسة أو على مستوى المنظومة ككل، بينما وفي حال اتخاذ قرارات للتعديل والتغيير فلا يمكن ضمان إرسائها دون اللجوء للتقويم الداخلي الذي يتكامل في هذه الحالة مع الخارجي قصد دفع المؤسسة لابتكار وتطوير وتنمية وسائلها الذاتية لتجاوز بعض التحديات التي تعترض العمل في عين المكان. التقويم الخارجي يركز أساسا على إصدار أحكام تقويمية؛ بينما التقويم الداخلي للمؤسسة التعليمية ينصب اهتمامه أكثر على إحداث التغيير في أفق تطوير وتنمية الممارسة التربوية.
III.   

خلاصة عامة وتوصيات

في هذه الخلاصة ومن خلال هذه التجارب التقويمية نحاول رصد التقاطعات الممكنة بين كل من المقاربتين: التقويم الداخلي والخارجي للمؤسسة، حيث يمكن تسطير الملاحظات التالية:
v   

عموما معايير التقويم الخارجي يتم وضعها على المستوى المركزي لضمان اكبر قدر ممكن من الموضوعية؛ ليكون التقويم شاملا ما أمكن؛ يتناول نفس المواضع ويستعمل نفس الأدوات؛ ويتيح المقارنة على المستوى الوطني والجهوي.
v   

أثناء التقويم الداخلي، المؤسسات التعليمية غير ملزمة باستعمال معايير التقويم الخارجي، لكن الاسترشاد بها يبقى ذا أهمية؛
v   

جمع المعلومات اللازمة للتقويم قد تبدو أعباء زائدة في رأي المؤسسة والعاملين بها؛ وقد تكون هناك إجراءات لصياغة تقارير تقويمية لا تعكس الواقع، أو غير شاملة؛ لذا ولضمان انخراط ايجابي من طرف جميع الفاعلين، يستحسن اعتماد المقاربة التشاركية حيث تضع المؤسسة بنفسها معايير التقويم آخذة بعين الاعتبار الأهداف الوطنية والجهوية في الحسبان؛
v   

تقويم أداء المدرسين أثناء تقويم المؤسسة كوحدة، غالبا ما يقتصر هدفه على تحسين الجودة والرفع من مردود المؤسسة ككل ويستند إلى معايير موضوعية أو أهداف يتعين تحقيقها، بدل إصدار أحكام سلبية أو ايجابية تتعلق بالممارسة المهنية للأفراد؛
v   

بالموازاة مع تقييم أداء المؤسسة كوحدة، قد تجري تقييمات تخص أداء المدرسين كأفراد قصد الترقية أو المحاسبة، لكن دون أي ارتباط بين الإجراءين؛ 
v   

تحسين وتنمية أداء ومردود المؤسسة التعليمية مرتبط بعوامل عدة منها تحسين الأداء داخل الأقسام الدراسية، لكن سؤال: متى وكيف يمكن تطوير خطة لتقييم أداء المدرسين وغيرهم من الفاعلين ووضع إستراتجية لترقية الممارسة التربوية؟ يبقى هذا من الأسئلة المفتوحة في الوقت الراهن؛ ويتطلب معالجة عاجلة؛ 
v   

المقوم الخارجي يخبر المؤسسة بنتائج تقريره من خلال مناقشته مع رئس المؤسسة، وفريق التقويم الداخلي بدوره يحرر تقريره النهائي، ويبقى للمؤسسة على ضوء التقريرين وضع خطة لتطوير الأداء وتجاوز الاختلال؛ لكن دون الاستغناء عن الإرشادات الدقيقة للمقوم الخارجي أو غيره؛ 
v   

من اجل تنفيذ خطة تطوير أداء المؤسسة، بناء على أحكام ومقترحات تقارير التقويم يبقى من الضروري تدخل السلطات التربوية الجهوية أو الوطنية لدعم واتخاذ القرارات اللازمة لإرساء التعديلات التي يتوقف عليها تنفيذ خطة تطوير أداء المؤسسة؛ مع الإشارة إلى أن تعدد المقومين قد يولد بعض الصعوبات خاصة في حالة عدم تطابق التوصيات الصادرة عنهم؛
v   

يمكن ملاحظة انه: كلما تمتعت المؤسسة التعليمية بهامش اكبر من الاستقلالية كلما تعززت إجراءات التقويم والمراقبة والتتبع لأداء هذه المؤسسات، لكن في عدد من البلدان يتم تعويض غياب هذه الاستقلالية بتشجيع المؤسسات على التقييم الذاتي المراقب خارجيا كإطار يهدف للوصول إلى هذه الاستقلالية في أحسن الظروف؛ 
بناء على ما سبق، يعتبر التقويم المؤسستي الداخلي المنتظم للمؤسسة التعليمية استنادا إلى أهداف محلية أو وطنية، بمثابة البوصلة التي توجه المؤسسة نحو تحقيق أهدافها مع تأمين التطوير الدائم للممارسة التربوية، يصاحبه بشكل دوري تقويم مؤسستي خارجي، يستند لمعايير ومرجعيات أوسع؛ ويهدف لمراقبة الجودة مع تزويد السلطات المركزية بالمعطيات التي تساعدها على اتخاذ قرارات تطوير أداء المنظومة التربوية ككل؛ ويحتل رئيس المؤسسة في هذه العملية مكانة محورية كمسئول ليس فقط على تنشيط وإدارة وتدبير موارد المؤسسة لكن كمسئول أيضا عن التقويم والتجديد التربويين. يهدف التقويم الداخلي إلى إشراك عدد أوسع من المعنيين بأداء المؤسسة التربوية خاصة المدرسين منهم لكن يبقى من اللازم توفير بعض الشروط التي تتعلق بالتكوين والتأطير والتنظيم وتحديد المهام، والقواعد التي توضح طبيعة ومستوى مشاركة هؤلاء الفاعلين في سيرورة التقويم الداخلي؛ ويتوقف مستوى التغيير والإصلاح المنشودين على فعالية التقويم الداخلي للمؤسسة فهذا الأخير هو الذي يرسم حدود التقويم الخارجي، فكلما كان الأول منتظما ومستقلا كلما تم التقويم الخارجي بسلاسة وعمق وكان تكامليا مع التقويم الذاتي، والاتجاه الراهن يدعم تطوير تقويم داخلي منتظم للمؤسسة معتمدا على رصد وكشف التحديات الملاحظة من طرف جميع الفاعلين بدل الاعتماد على معلومات خارجية من قبيل أداء المؤسسات النظيرة، إرساء مثل هذه المقاربة سيعفي المقوم الخارجي من كثير من الاكراهات المرتبطة بتوفير تقويم غير مكلف، منتظم، ومتكامل وتجعله يركز أكثر على تتبع ومراقبة سيرورة التقويم الداخلي ونتائجه.

وعلى سبيل ختم هذه المقالة نبدي مجموعة من الملاحظات والاقتراحات التي لها صلة بالموضوع والتي يمكنها أن تساهم في إعطاء شعار « مدرسة النجاح » مضمونا تنمويا للرسالة المتوخاة منه وهي:

التقويم المؤسستي فعل ديمقراطي: فكما أن التقويم التربوي يُعتبر ضرورة للإصلاح، فهو أيضا رؤية وفعل ديمقراطي، يتوخى التدبير التشاركي، والموضوعية والشفافية ما أمكن، يُشرك في ذالك كل الفاعلين ويهتم بمواقفهم؛ قصد تبيان مستوى تحقق الأهداف المرسومة للمنظومة التربوية كحق للمستفيدين من خدماتها، وفي الآن نفسه، كواجب وديْن على صانعي السياسة التعليمية ومنفذيها على السواء.

البطاقة التقويمية للمؤسسة: في إطار التقويم المؤسستي على المستوى المحلي يمكن لكل مؤسسة أن تعتمد بطاقة تقويمية تتألف من مجموعة من المؤشرات تركز على مردودها الداخلي والأهداف التعليمية والسلوكية (المكتسبات)، هذه المؤشرات يمكن أن توضع على المستوى الجهوي بمشاركة اطر التوجيه والتخطيط والتأطير التربوي مع تكوين بنوك من الإقرارات والأسئلة المقننة انطلاقا من جداول التخصيص تغطي الكفايات والمواقف والأهداف المسطرة في المقررات الدراسية، تعمل كل مؤسسة في إطار التقويم الداخلي على نشر بطاقتها التقويمية على الرأي العام وداخل المؤسسة ويتوصل بها آباء وأولياء التلاميذ، وهذه التجربة اعتمدتها بعض البلدان العربية مؤخرا في إطار انفتاح المؤسسة على محيطها.

تفعيل المجالس التقنية للمؤسسة: بما يخدم التقويم المؤسستي انطلاقا من مشروع المؤسسة أو إحداث مجلس تقني متخصص يعنى بتقويم مردود المؤسسة ويتتبع مستوى تحقق الأهداف التربوية والمعرفية، ويسهر على وضع المؤشرات التي ستتألف منها البطاقة التقويمية المشار إليها سلفا.

انفتاح المؤسسة على محيطها: لتجسيد هذا الانفتاح وإعطاءه معنى ومضمون نوعيين يتجاوز بعض الأنشطة المحدودة ذات الطابع الموسمي والاحتفالي ليس إلا، يمكن للمؤسسة التربوية أن تكشف لمحيطها الاجتماعي عن نقاط قوتها وقيمتها التربوية المضافة ومستوى مردوديتها الداخلية مقارنة مع مثيلاتها من المؤسسات الأخرى. وذالك بنشر تقريرها التقويمي على الرأي العام، وان يتميز هذا الانفتاح بالشفافية والحوار والمشاركة والدعم.

التغذية الراجعة التقويمية: لكي يكون التقويم المؤسستي تقويما تكوينيا يبتغي التعديل والمعالجة والنماء والتطوير يمكن البناء على مضامين البطاقة التقويمية المذكورة سلفا لفتح نقاش حر ووافي بين كل الفاعلين بالمؤسسة يكون منطلقا لتصحيح الأعطاب الملاحظة وتدارك الهفوات التربوية والإدارية مع تسجيل العوامل الموضوعية التي يحتمل أن يكون لها دخل في تواضع النتائج والأهداف المحققة، قصد لفت انتباه الأطراف المعنية من مجتمع مدني وسلطة وصية.
تعبئة محيط المؤسسة: من شأن البطاقة التقويمية عند نشرها على الرأي العام أن تدفع شركاء المؤسسة (أباء وأمهات التلاميذ، مجتمع مدني، جماعات محلية…) للانخراط أكثر في الشأن التربوي، بما يعزز من احتضان المجتمع للمؤسسة التعليمية، واستحضار المجتمع إلى قلب هذه الأخيرة.
مدخل الشمولية: التركيز على تناول أداء المدرس دون غيره، غالبا ما يلاق تعثرات في سبيل إرسائه لكن اعتماد مدخل الشمولية في تطبيق التقويم المؤسستي بحيث تؤخد بعين الاعتبار جميع العناصر والعوامل التي يحتمل أن تتدخل في صناعة هذا الأداء كفيل بتمهيد الطريق أمام إخضاع أداء المؤسسة التعليمية للتقويم المؤسستي، حينها لا يكون أمام كل الفاعلين إلا الاقتناع وقبول نسبة المسؤولية التي يحتمل أن تكون من نصيب كل طرف على حدة.

إن مسألة المدرسة « العمومية الوطنية » قضية مبدأ، والوظيفة العمومية هي الأخرى ترتقي إلى مستوى المبدأ، كما برهنت على ذالك الأزمة المالية والاقتصادية العالمية الراهنة والتي نشأت في قلب الرأسمالية المتوحشة والليبرالية الجديدة، لدا كان وما يزال من الرسائل النبيلة التي على عاتق « الفاعلين الاجتماعيين » في مجال التربية والتعليم تأديتُها، هي عدم اختزال مطالبهم في الشق المادي الصرف على أهميته، بل فمن الأولويات الآن، تضافر الجهود من اجل إعادة اكتشاف وبناء وتأسيس مدرسة وطنية مغربية قادرة على تأمين مستقبل أبناء هذا الوطن البررة، كما تجدر الإشارة إلى أن استنزاف ما بقي من المؤسسة العمومية بغية الوصول إلى نسبة « 20% » من التعليم الخصوصي بأي ثمن، على حساب 80% الأخرى المختلف أصلا حول مدى مجانيتها، يعتبر حماقة تربوية يشارك الجميع في تأليف وتأثيث أجزائها من حيث ندري أو لا ندري.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *