Home»National»آفة التواطؤ على الفساد والإفساد

آفة التواطؤ على الفساد والإفساد

0
Shares
PinterestGoogle+

محمد شركي
من المعلوم أن الله عز وجل خلق الكون صالحا بما في ذلك كوكب الأرض مسكن الإنسان . ومعلوم أيضا أن الأرض الصالحة إنما اعتراها الفساد من إفساد الإنسان فيها لهذا عجبت ملائكة الرحمان من خلقه سبحانه وتعالى مخلوقا يفسد في الأرض المخلوقة صالحة ، وقد ذكر الله تعالى ذلك في قوله جل من قائل : ((قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها )) . ومصدر فساد الإنسان وإفساده في الأرض هواه لهذا قال الله تعالى : (( ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض)) . والأهواء البشرية هي التي تجعل الإله الواحد الأحد آلهة متعددة ، ومن ثمة تفسد الأرض لهذا قال الله تعالى : (( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا)). ومن حرص الله عز وجل على المحافظة على صلاح الأرض قضى و قدر سبحانه وتعالى قانون التدافع بين الناس ، لهذا قال جل من قائل : (( ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض )) . وبناء على هذا يتعين على الإنسان أن يحافظ على صلاح الأرض ، ومن المحافظة على صلاح الأرض مناهضة ومحاربة الفساد والإفساد فيها . ولقد أمر الله تعالى الأمر الصريح بذلك فقال جل من قائل: (( ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها )) وهو أمر يشمل ما قبل فساد وإفساد الإنسان فيها وما بعده .

وذكر الله تعالى نماذج من فساد البشر كنموذج الفساد السياسي لقوله تعالى : (( إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون )) فواضح من سياق هذه الآية الكريمة أن الله تعالى يشير إلى فساد الاحتلال حيث تجور ملوك الأرض على بعضها باحتلال ممالك بعضها البعض وإفسادها. وخص الله تعالى وصف بني إسرائيل بالفساد والإفساد في الحديث عنهم في قوله تعالى : (( لتفسدن في الأرض مرتين )) وواضح أن فساد بني إسرائيل الوارد في الآية الكريمة هو فساد في مطلق الأرض ، وما ذكر الله تعالى مرتي الإفساد المنسوب لبني إسرائيل إلا لجسامته . ولقد ميز الله عز وجل بين الفساد والإفساد والصلاح والإصلاح في قوله تعالى : (( أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض )) . وبموجب هذا التمييز لا بد أن يظل الصراع قائما بين الفساد والإفساد من جهة وبين الصلاح والإصلاح من جهة أخرى ، وهو ما يعرف في العقيدة الإسلامية بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو واجب ديني ككل الواجبات الدينية . والمعروف إنما هو الخير الذي فيه صلاح الأرض بينما المنكر هو الشر الذي فيه فساد الأرض . والخير والشر يتصارعان فوق سطح هذا الكوكب منذ وجد الإنسان . ولكل من الخير والشر أنصار في الأرض. واجتماع أنصار الخير يعتبر تعاونا بينما اجتماع أنصار الشر يعد تواطؤا . والخير والشر يوجدان في كل مجالات الحياة . وقد يعتري الشر حتى الدين فيبتدع بعض الناس ما لم يأذن به الله عز وجل فيكون في بدعهم فساد الدين. وشر الفساد والإفساد البخس وهو النقص ، لهذا قرن الله تعالى بين البخس والفساد في قوله جل من قائل : (( ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين ))فبخس الأشياء سواء كانت مادية أم معنوية هو نقصها ، وهو وضع الأشياء في غير ما خلقت له أو وضعت له وهو ما يعرف بالظلم وهو فساد .

وهذا النوع من الفساد يسود جل المجالات ، والمعاملات . وأشهر بخس أو فساد هو إسناد المسؤوليات والمهام لغير أهلها. فما من وزارة أو إدارة أو قطاع إلا ونجد فيها ظاهرة البخس حيث يتولى تدبير شؤونها من ليس أهلا لذلك فتكون النتيجة هي الفساد المترتب عن إفساد . فمن أوكل أمر مجال من المجالات إلى من لا علم ولا خبرة ولاكفاءة له فقد أفسده وجر عليه الفساد . وقد لا تظهر نتائج الفساد والإفساد إلا بعد حين في بعض المجالات ، في حين تظهر بسرعة في مجالات أخرى .فعلى سبيل المثال لو أوكل قيادة طائرة لمن لا خبرة له لانفجرت في حينها ، في حين قد لا تنهار وزارة أو إدارة أو قطاع إلا بعد مرور وقت. وخطورة الفساد والإفساد تكمن في تواطؤ الفاسدين المفسدين على الفساد والإفساد ، وهي آفة خطيرة . فقد يقع التواطؤ على الفساد والإفساد من هيئات وجماعات ، ويتم التمويه على فسادها وإفسادها عن طريق ركوب الشرعية عن طريق قوانين إنشاء الهيئات والجماعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية والثقافية حيث لا يشك أحد في مصداقيتها بعد حصولها على شرعية الوجود ، ويتم الخلط بين شرعية الوجود وحقيقة ممارسة الفساد الإفساد . وهكذا تصير ممارسة الفساد والإفساد ممنهجة تتخذ من شرعية الوجود غطاء لها. ولنا أمثلة ناطقة جلية غير خفية في كل الوزارات والإدارات والقطاعات حيث يستغل بعض الفسدى انتماءهم لهيئات وجماعات ويتسلقون للوصول إلى مناصب تتبرأ منه بحكم ضحالة مؤهلاتهم فيكون ذلك أول فساد يعتري هذه المناصب ، وهو وجود أمثال هؤلاء المتسلقين فيها ، فيطمعون كل فسيد فيها . ومن عادة ودأب الفسدى أنهم يبهرجون فسادهم وإفسادهم فيصورونه للناس في شكل منجزات ويوظفون لذلك كل وسائل الدعاية المتوفرة . وما ذلك إلا تمويه على أصل الفساد والإفساد وهو وجودهم على رأس مناصب فوق أقدارهم وقدراتهم . وهؤلاء الفسدى إنما يعتمدون على من هم على شاكلتهم من صغار الفاسدين والمفسدين صغارا في المؤهلات والأخلاق .

ويتخذ المسؤول الفسيد بطانة فاسدة يموه بها على فساده ويبرره لأن وجود البطانة الصالحة تعتبر مصدر تهديد للفسيد لهذا يوفر هذا الأخير لنفسه الحماية فتكون النتيجة حصول آفة التواطؤ على الفساد والإفساد . وكثيرة هي قصص وحكايات وغرائب الفساد والإفساد الماديين وخصوصا المالي حيث لا يمر يوم دون أن تطلع علينا وسائل الإعلام بمثل هذه القصص والحكايات التي ينهب فيها المال العام من طرف الفسدى سواء تعلق الأمر بالرشى أم بأنواع الاختلاسات المتنوعة حيث تستغل قوانين صرف المال العام ويتم التحايل عليها بأشكال مخزية ليصير المال إلى جيوب الفسدى دون الإبقاء على أثر الاختلاسات . وإن الإنسان ليذهل أمام الفسدى وهم يلوون بأعناق النصوص القانونية للتمويه على اختلاساتهم ، ويظنون بغيرهم الغباء ، وغباؤهم واضح فاضح ورائحة اختلاسهم تلاحقهم حيثما خلوا وارتحلوا ، وآثار الاختلاس بادية في مساكنهم ومراكبهم وملابسهم ومطاعمهم . ومن بلادة بعضهم على سبيل المثال لا الحصر أن يكشف النقاب عن مديونية فرد واحد بما مقداره 20 ألف درهم لدى مطعم من المطاعم على حساب القطاع الذي يشغله ، وهو الذي عرف في قومه بالمسغبة سنين عددا ، ومع ذلك يظن أن القضية طي الكتمان وعارها وشنارها يلاحقانه حيثما حل وارتحل ، ولكنه لبلادته يتوهم خفاءها ولا يدري أنه مهما تكن عنده من خليقة فإن خالها تخفى على الناس تعلم . وهذا الفسيد يتخذ من الفسدى الذين تغمرهم الوضاعة والسخف وكل وصف مشين أمثاله بطانة يلوذ بهم ، ويتواطؤ الجميع على الفساد والإفساد ويكونون حلفا يموه على فساده وإفساده باختلاق مشاكل ونزاعات مع كل من يفضح أو يكشف فساهم وإفسادهم .

ومن المضحك أن هؤلاء الفسدى يكذبون على أنفسهم ويصدقون كذبهم ، وتجدهم في اللقاءات والاجتماعات والمحافل أهل فصاحة وبلاغة وعلم ومعرفة وتبحر فيهما ، وفقهاء ومشرعين يولدون القانون كما تولد القابلة المولود ، ويرضعونه كما ترضعه الظئر، ويحيونه ويميتونه ويقبرونه حتى يخيل لمن لا يعرف أصلهم وفصلهم وحقيقة وضاعتهم وخستهم أنهم أهل علم وخبرة وهم يخبطون خبط عشواء، وكل همهم أن يجدوا ما يموهون به على فسادهم وإفسادهم . وقد يتزلف ضعاف الفسدى بمن يفوقهم فسادا وإفسادا ويستعينون به لتوفير الحماية لهم . وفضيحة هؤلاء عندما يعم الفساد القطاع الذي يعملون فيه معاول إفسادهم فينهار فجاة ، ويتبرأ حثالات الفساد والإفساد من بعضهم ويكشف الله تعالى أسرارهم للناس فيحوزون اللعنة في الدارين لأنهم كانوا يفسدون في الأرض ولا يصلحون .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *