Home»National»وقفة نقدية مع مؤلف ظاهرة الشعر الحديث لأحمد المجاطي

وقفة نقدية مع مؤلف ظاهرة الشعر الحديث لأحمد المجاطي

3
Shares
PinterestGoogle+

قبل أكثر من عقد من السنين كنت قد كتبت تقريرا عن مؤلف بداية ونهاية للروائي نجيب محفوظ ساءلت الوزارة من خلاله عن الأبعاد التربوية لهذا المؤلف المقرر، ولما رفض مدير الأكاديمية آنذاك إرساله إلى الوزارة تحت إشرافه لما تضمنه من نقد لم يرقه حولته إلى مقال نشرته في صحيفة مغربية. ولقد عهدنا وزارتنا الوصية حاطبة ليل فيما يخص المؤلفات المقررة للشعب الأدبية خصوصا بعد أن آلت الأمور إلى ما يسمى أحزاب اليسار المعارضة والذي أصبح تدبير الشأن التربوي تحت رحمتها ، فأباحت ما شاءت من البرامج والكتب المسايرة لإيديولوجيتها . فبعدما كانت المؤلفات كتب قيم أخلاقية ودينية من قبيل عبقريات العقاد صارت قصصا ومسرحيات تقدم الواقع العربي والمغربي على أنه واقع قد تنصل من الأصالة ومن التراث ومن القيم الأخلاقية لفائدة قيم مستوردة بديلة .

لقد اقتص اليسار من التراث في الساحة التربوية وكأن التراث هو المسؤول عما لحق بهذا اليسار قبل أن تصير الأمور إليه فيذيق غيره ما ذاقه يوم كان في المعارضة . لقد ساءلت الوزارة عن مؤلف بداية ونهاية آنذاك وعن مفهوم الرقابة الأخلاقية التي تمارس عادة على أعمال فنية لا يمكن الإقدام على تقديمها لشريحة من الأحداث على غرار ما يحدث في عالم السينما التي تحدد سن الثامنة عشرة خطا أحمر للسماح بالإقبال على المنتوج المشتبه في حمولته الأخلاقية . ولا زلت أذكر أن بعضهم نعتني يومئذ بالتزمت وهي تهمة كانت ولا زالت على غرار تهمة الإرهاب التي يسهل بواسطتها تصفية الحساب مع كل نوع من أنواع المعارضة مهما كانت طبيعتها . واتهمت بداء فقدان الذوق بل حتى بانعدامه لأن الروائي نجيب محفوظ صاحب جائزة نوبل إنما كتب لنقل الواقع كما هو ، ولم يكتب روايته من أجل ترسيخ القيم وتعليم الدين ، إذ لو كان كذلك لما حاز جائزة مخترع الديناميت .

لقد كنت متزمتا في نقدي مريض الذوق في نظر عشاق نجيب محفوظ ولم تقبل وجهة نظري إلا عند القلة ومن حسن حظي أن بعضهم كان في طليعة أهل الفكر مما واساني وقد أوسعني غيرهم نقدا عاطفيا مجانيا غير مبرر سامحهم الله . وأذكر أن الذي حذا بي لتنبيه الوزارة إلى إشكالية القيم في رواية نجيب محفوظ هو أنني كنت في زيارة ميدانية لأحد الفصول الدراسية وصادف وجودي أحد المدرسين وهو يعالج شخصية أحد أبطال الرواية فيقول لهم : « انظروا كيف استطاع البطل حسنين التوفيق بين النجاح والتميز في الدراسة وبين مغامراته العاطفية مع بنت الجيران  » وقلت له ساعتئذ غفر الله لك ألا تخشى على الناشئة من ترغيبهم بكلامك هذا في أبشع معصية ؟وهي زنا الجيرة الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم :  » لئن يزني الرجل بعشر نسوة خير له من أن يزني بحليلة جاره  » أو كما قال عليه السلام. وكانت هذه النازلة هي الدافع لمحاولة مراسلة الوزارة والتي تحولت إلى مقال موجه للرأي العام كأضعف الإيمان بالنسبة لمراقب تربوي مسؤوليته جسيمة أمام الله وأمام الأمة وأمام التاريخ . وواصلت الوزارة بعد ذلك فرض المؤلفات على المتعلمين دونما التفات إلى ما يمكن أن تكون لها من انعكاسات سلبية على أخلاق وقيم الناشئة ، ودون رقابة أخلاقية إن جاز القول . وكررت نفس الملاحظة عبر وسائل الإعلام وقيل عني ما قيل من قبل ولله الأمر من قبل ومن بعد . وفي حين يواجه كل نقد يدافع عن الأخلاق بالتجريح والاتهام عندنا نجد الأمم التي نقتدي بها في مسارها الحضاري تتدخل في انتقاء ما تقرأ ناشئتها ، وربما فرضت قيمها على من يهاجر إليها فرضا فلا يسمح له بهندامه ولا بطقوسه خوفا على مواطنيها ولكن دارنا  » دار خالي موح غي كول وروح  » كما يقول المثل العامي .

لقد رفض الصينيون كتب التاريخ اليابانية المتدولة في اليابان لأنها تمجد تاريخا معاديا لهم ، ورفض الصهاينة كثيرا من الكتب العربية خصوصا ذات القيم الدينية ، ورفضنا معهم عبقريات الصديق للعقاد على سبيل المثال لأن عباقرته نماذج سيئة لترويج الثقافة الإرهابية بالمفهوم الرائج في وقتنا الحالي . هذا وقبل الوقوف وقفة نقدية مع مؤلف ظاهرة الشعر الحديث للمجاطي المعداوي على غرار الوقفة مع مؤلف بداية ونهاية من قبل أود التذكير بأن هذا المؤلف قرر ليواكب مقرر النصوص القرائية في السنة الثانية باكلوريا في الشعب الأدبية ، وهو مقرر تدور مجزوءاته حول التعريف بالشعر العربي إبان نهضته من خلال الوقوف على تيار الإحياء والتيار الرومانسي والتيار الحداثي الثائر على نموذج الإحياء بصفة خاصة لحاجة في نفس يعقوب كما سنرى . وأود التذكير أيضا أن كتيب التوجيهات التربوية الخاص بتدريس مكونات درس اللغة العربية في التعليم التأهيلي الصادر سنة 2007 عن مديرية المناهج ينص في الصفحة 21 على ضرورة تحديد الأهداف من اختيار بعض المؤلفات لتدريسها خصوصا في مرحلة القراءة التوجيهية للمؤلفات . ولا نشك أن قسم البرامج توخى إطلاع تلاميذ الباكلوريا على نموذج النقد الحداثي أو المنتصر للشعر الحداثي. والسؤال المطروح هل يمكن تحقيق هذا الهدف دون أن تمر عبره أهداف أخرى قد تؤثر سلبا على قيم ناشئتنا الأخلاقية والدينية ؟ فأنا أنتظر نفس النقد الذي نالني يوم ساءلت الوزارة عن مؤلف نجيب محفوظ وما يمكن أن يكون له من آثار سلبية على ناشئتنا بغض النظر عن طبيعته كعمل إبداعي .

وقبل الوقفة النقدية المتواضعة بطبيعة الحال و حتى أفوت على المتربصين بي فرصة نقد لا طائل من ورائه أذكر أن الناقد المجاطي جعل مؤلفه أربعة فصول خصص الأول منها للحديث عن تطور الشعر العربي ما بين شعراء البعث والإحياء وشعراء الرومانسية العربية تمهيدا للفصل الثاني الذي خصصه للشعر الحداثي المتجاوز لشعر حركة البعث والإحياء وحركة التجديد الرومانسية مركزا على دور النكبتين سنة 1948 وسنة 1967 في خلق هذا الشعر الحداثي المصاب أصحابه بالاغتراب كردة فعل على الهزيمة ، وهو اغتراب جعل من الهوية والتراث كبش فداء حيث تمت القطيعة مع مضامين الأصالة وأشكالها وكأنها المسؤولة عن الهزيمة بشكل مباشر. وتم التركيز في الفصل الثالث على قضايا شعر الحداثة متمثلة فيما يسمى الغربة أو الاغتراب والموت . وخصص الفصل الرابع للأشكال الفنية الحاملة لهذه المضامين من لغة وصور وإيقاع متمرد على الموروث كتمرد المضامين على مضامين التراث أيضا . وهذا الطرح يساير مجزوءات مقرر النصوص القرائية كما مر بنا . والإشكال يكمن في كيفية تعامل المتعلمين مع وجهة نظر نقدية تنتصر للشعر الحداثي على حساب غيره ، ومن ثم تنتصر لقيم الحداثة على حساب الأصالة، وهي قيم متعارضة لا يزعم القدرة على الجمع بينها إلا معتوه أو حالم أو مرتزق وكل ذلك ممكن في زمن زوال القيم . فهل سيتحقق الهدف الذي سطره الميثاق الوطني من خلال معاشرة المتعلمين لهذا المؤلف أم أن أهدافا أخرى ستكون أيضا محتملة وحتى ممكنة ؟ هل نستطيع أن نقنع الناشئة وجيل الشباب اليوم بنكستي 1948 و1967 كشماعة لتبرير التمرد على تراثنا وقيمنا خصوصا وقد عاصرت هذه الناشئة المقاومة في فلسطين وجنوب لبنان والعراق وأفغانستان وهي مقاومة غسلت خطيئة النكستين وهي تبشر بشيء آخر غير اغتراب وموت الشعراء الحداثيين ؟ ألا يمكن أن تسخر الناشئة من شعراء الحداثة الذين مجدهم المجاطي واعتبر مواقفهم النتيجة الصحيحة والسليمة والمثالية لمواجهة النكستين ؟ أليست مواقف ما ينعتون بالأصوليين والأصالة هي البديل الذي بشرت به المقاومة بعد هزيمة الجيوش والأنظمة العربية؟ .

فإذا كان القصد من إدراج هذا المؤلف هو التعريف بفترة تاريخية مضت فلا إشكال، أما أن يكون القصد هو تلقين المتعلمين قيم الهزيمة ، والتسويق لبطولات الشعر الحداثي الدونكيشوتية فهذا شأن آخر . أليس العدو الصهيوني يخشى الأصالة والأصولية التي هي مصدر تهديه والتي أدانها الحداثيون واعتبروها مصدر الهزيمة والانتكاس؟ من سنصدق العدو أم الحداثيين الذين لا يرى بعضهم غضاضة في التعامل مع ثقافة العدو والتعايش والتساكن ؟ لقد صور المجاطي شعراء الإحياء على أنهم جمدوا على قوالب شعرية بائدة لم تعد مسايرة للواقع ، وفضل عليهم المجددين من الرومانسيين أولا في استحياء لينال منهم بعد ذلك لصالح الحداثيين الثائرين القاطعين مع الماضي قطيعة على مستوى المضامين والأشكال ليقع بعد ذلك في التناقض ويسمح للحداثيين بالتصرف في التراث الذي يدينونه ولكن وفق أمزجتهم ، وهو تناقض لست أدري كيف يمكن إقناع المتعلمين به ؟ لقد ولدت النكستان في نظر المجاطي الشك في النفس العربية بما في ذلك الشك في الخالق سبحانه وهي إشارة صريحة لقيم الإلحاد في الحداثة على حد قوله في الصفحة 56 . ويزكي المجاطي شعراء الحداثة وهو واحد منهم بقوله في الصفحة 61 :  » إن تجربة الشاعر الحديث تجربة ممتازة بتفردها وبخصوبتها الفكرية والشعورية وباحتكاكها بواقع الهزيمة الأسود  » ولست أدري كيف تكون الخصوبة والتفرد في فكر وشعور يشك في الخالق سبحانه ؟ ولقد سمى المجاطي ما فعله الحداثيون بأشكال الشعر العربي تفجيرا لفائدة أشكالهم ، وكأن هذا التفجير سيجعل حدا للهزائم والانتكاسات ، ولم يخطر بباله أن يخامر المتعلمين الشك في أن الأشكال الحداثية قد تكون خطة العدو لتدمير هوية الأمة التي لا هوية لها بلا قرآن وهو نص لا يمكن الاحتكاك به دون الأشكال التقليدية التي حاول الحداثيون تدميرها لفائدة أشكالهم التي قد تحفر خندقا عميقا بين الأمة وقرآنها في غياب أو تغييب وسائل الاحتكاك به لإثبات الذات والهوية .

فمواجهة الهزيمة في نظر المجاطي هي تعبير الشعر الحداثي عن الغربة في كل شيء ، وعن الموت الذي ذهب الحداثيون في تأويله المذاهب وكلها تنتهي إلى اليأس قصد التخلص من آثار الهزيمة . هذا الموقف الحداثي يشيد به الناقد الشاعر المجاطي في الصفحة 65 بقوله :  » لا أحد ينكر اليوم إقبال الشاعر الحديث على الثقافة ولا ينكر أن تصطدم الأفكار المثالية بصلابة الواقع  » وهل المثالية غير التراث بما فيه الديني عند الحداثيين ؟ والملاحظ في المقاطع الشعرية الحداثية التي يسوقها المجاطي بين يدي حديثه عن تجربة أو ظاهرة الشعر الحداثي أنها دون رقابة أخلاقية قد تأتي بنتائج عكسية عندما يتداولها المتعلمون ومعدل أعمارهم اليوم يقل أو يعادل ولا يزيد إلا قليل عن سن الرقابة كالسن المفروضة على رقابة تعاطي السينما . فعلى سبيل المثال ماذا سيكون موقف المتعلمين من مثل قول الشاعر الحداثي :  » خريطتي أرض بلا خالق  » أو قوله :  » أ إلى المأتم في الغابة والميت إله ؟  » أو قوله :  » في العرس خمر ومسيح  » أو قوله : يا بلاد الخليفة والتابعين  » أو قوله :  » الرؤى السوداء ربي صرعته خلفته باردا مرا مقيت : أو قوله :  » أنتم يا نسل إله  » أو قوله :  » رب ماذا هل تعود المعجزات ؟  » أو قوله عن المسيح عليه السلام :  » والصليب الذي سمروني عليه طوال الأصيل  » . ولست أدري كيف سيوفق المتعلمون بين قول الشاعر الحداثي وقوله تعالى : (( وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم )) ؟ ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل يعقب المجاطي على هذه الأسطر الشعرية بمثل قوله :  » ويبلغ إحساس الشاعر بفظاعة الموت أوجه حين يقرر أن الله نفسه مات  » تعالى الله عما قال الحداثيون .

ولست أدري بماذا سيعقب المتعلمون ؟ وبمثل قوله :  » فالأمة العربية تعيش بعقلية الآباء وإنها تعيش على التواكل والخرافات في عصر أصبح العلم وسيلته وقانونه وسلطانه والشاعر يرفض الهروب والتواكل رفضه للذل والمهانة  » ولست أدري كيف سنحمي المتعلمين من خطر الخلط بين التخلف والذل والهوان وعقلية الآباء ، ونحن أمة تسمي الآباء سلفا صالحا وتتخذهم قدوة؟ وبمثل قوله  » والشاعر يعرف أن أمته ميتة ولكنه يعرف أن الله لن يبعثها لأن إرادة الله من إرادة الناس  » ولست أدري كيف سيوفق المتعلمون بين هذا الكلام وبين قوله تعالى : (( وما تشاءون إلا أن يشاء الله )) ؟ وبمثل قوله تعقيبا على قول أحد الشعراء :  » آه لا أدري ولكنني أصلي  » :  » هل نفهم من صلاة الشاعر أنه سلم أخيرا بجدوى الميتافيزيقا …. لا سيما بعد أن أعلن أن الله قد مات وأن المسيح المخلص وخمرته المباركة لا وجود لهما على هذه الأرض  » ويا ليت شعري ماذا نقول للمتعلمين عن صلاة لا تعدو الميتافيزيقا ؟ ولا يختلف التراث الإسلامي عند المجاطي عن أساطير يونان وبابل والفنيقيين وعرب الجاهلية وكلها مصادر الشعراء الحداثيين . وماذا يمكن أن نقول للمتعلمين عندما يصير التراث الإسلامي مجرد ضرب من الميثولوجيا ؟ ويقول المجاطي بعد قول أحد الشعراء  » يا بلاد الخليفة والتابعين  » :  » أما سائر أبيات القصيدة فهي تفسير للطريقة التي اختارها الشاعر لتحقيق هدفه ينقل الواقع الحضاري للأمة العربية من عصر الخليفة والتابعين إلى القرن العشرين  » ويا ليت شعري كيف ستقع المقارنة بين القرن العشرين وزمن الخليفة والتابعين في أذهان المتعلمين ؟ ولا يستنكف المجاطي أن يجعل الفشل في الجنس قيمة مضافة في الشعر الحداثي إذ يقول :  » …فشل الشاعر في أن يصل إلى كنه المرأة وأن يحقق ذاته بهذا الوصول فحتى حين يتوحدان في جسد على سرير…. » ولست أدري كيف سنفسر للمتعلمين تحقيق الذات في الجنس على سرير ؟ وكيف نشرح لهم صورة الشاعر الحداثي :  » امرأة تغتسل من دمها يشتم ساقيها وما يطيق  » . ويصل المجاطي إلى لب الإشكال القائم بين الحداثة والأصالة وهو يبرر إعراض الجماهير العربية على تعاطي الشعر الحداثي ، ويرد السبب في ذلك إلى الخوف من أن يكون تيار الشعر الحداثي محاولة لتشويه الشخصية الدينية والقومية بالاجتراء على التراث . والحقيقة أن هذا الشعر بالفعل يتجاسر على التراث بما فيه الديني ، والقضية معروفة منذ جند المستشرقون كل ما في وسعهم لفصل التراث الشعري عن الظاهرة الدينية القرآنية من أجل نزع القداسة عنه. فمن المعلوم أن الحديث عن إعجاز القرآن يمر عبر التراث الشعري العربي كشاهد يراد إسقاط شهادته بإقصائه لتلفيق التهمة للنص المقدس .

ولست أدري هل سيقيض الله المدرس الذي يجنب المتعلمين التنويم المغناطيسي لمؤلف المجاطي أم أنه سينام هو الآخر مغناطيسيا أو حداثيا ؟ إن القول بأن الخلاص من آثار الهزيمتين أو النكستين هو التمرد على التراث مغالطة وخداع في حق أبنائنا ، وأنا لا ألوم الناقد الحداثي بل ألوم من آل إليهم أمر تدبير الشأن التربوي فجعلوه حقلا لتمرير المؤلفات المسايرة لأيديولوجيتهم على حساب الناشئة والقيم والهوية ، واقتراح المؤلفات لا يخفى ما في مساطره الزبونية الفاضحة عندنا . وعندما يتناول الناقد الحداثي تفجير الشعراء الحداثيين للأشكال التقليدية لا يعدو ما سماه تفجيرا مجرد تصرف بسيط ساذج في التراث العروضي العربي من خلال استعمال بعض البحور الصافية دون كوابح بدعوى تداعي الدفقات الشعورية لتبرير العجز عن مقارعة كوابح القدماء التي مارسوها ببراعة مذهلة في البيت الشعري . ولم يستطع الشعراء الحداثيون الخروج عن التصريع ولا عن التدوير والقافية وكلها بضاعة القدماء ولكن الناقد جعلها تفجيرا للأشكال القديمة ولست أدري ما طبيعة تفجير يحتاج الحاجة الماسة إلى ما يريد تفجيره ؟ أما تفجير اللغة فمحض ابتذال لها في زمن فساد الألسنة ولكن الناقد جعلها تفجيرا لا عجزا وعيا . وأما جديد الشعر الحداثي فالتوظيف الأسطوري والرمزي افتتانا بصاحب قصيدة الأرض اليباب . وأنا أتساءل أي ناشئة نواجه بها الواقع والهزيمة إذا كانت الأساطير هي المراجع ؟ لقد حذفت الشخصيات الحقيقية الأسوة والأحداث الحقيقية من درس المؤلفات في حجم عباقرة العقاد من رسول كريم عليه السلام وصحابة لتحل محلهم عشتار وسيزيف وجلجامش من أساطير الأولين . فهل الغاية من تكوين الناشئة هي ربطهم بالواقع أم ربطهم بالأساطير والأحاجي وهدر الزمن في فك ألغاز هذه الأساطير ؟ كنا نود لو أن الوزارة فكرت في برمجة مؤلفات تتناول شعر المقاومة الفلسطينية ما بعد انتفاضة الأقصى وشعر المقاومة العربية والإسلامية في العراق وأفغانستان دون ركوب الأساطير ودون اغتراب وهروب ونكوص وبحث عن الموت بشتى أنواعه . وودت لو أن الوزارة تفكر في مؤلف من وثائق ويكيليكس الفاضحة للنزول بالمتعلمين من عالم الأساطير والخرافات إلى عالم الواقع بأمواجه المضطرمة في خضم الصراع الحضاري مع عدو شرس .

لقد تحول الشعر الحداثي إلى ألف ليلة وليلة جديدة ترويها شهرزاد التي لم تعد تخشى بأس شهريار الذي تحول من أسد إلى نعجة . لقد غلبت الهجنة على ألسنة أبنائنا في الفصول باللسان العربي واللغة الأم ، وقد ناولناهم من اللغة المتفجرة في الشعر الحداثي ، وصار الفعل لا يرفع فاعلا ولا ينصب مفعولا ، هو الآخر أصابه ما أصاب شهريار، ومع ذلك يتشدق الشعر الحداثي بأنه نقلنا من عصر الصحابة والتابعين إلى القرن العشرين والواحد والعشرين عصر العلم ولكن الشعر الحداثي لا يبارح الأساطير والخرافات مع وجوده في عصر العلم والتكنولوجيا . أسفي الشديد على ناشئة يتعلم فيها واضعو البرامج كما يتعلم الحجامة من يتعلمها في رؤوس الأيتام .ولي عودة إلى هذا الموضوع لتقديم عون لهذه الناشئة لمواجهة الامتحان إن شاء الله تعالى .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

7 Comments

  1. مدرس
    20/12/2010 at 12:49

    المشكلة يا أخي ليست هذه الأفكار التي نخشى على ناشئتنا منها ، ولكن الموضوع أخطر هو أن أبناءنا لا يفقهون في القراءة شيئا فأنى ان يتأثروا و الوزارة التي برمجت هذا الكتاب برمجته لأهداف اقتصادية و تجارية و لا علاقة له بالعلم ، و لو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة فالعلم معركة بجب على الذي يخوضها ان يستعد لها منذ البدء ، ومن الوسائل المهمة الكتاب و وزارتنا تعاملها مع الكتاب تعامل تجاري محض إذ لا يقل ثمن أي كتاب عن 30 درهم وهو باهض بالنسبة لشريحة اجتماعية كبرى ، وعوض أن يهتم المدرس بتدريس الكتاب فهو مهتم إحضاره

  2. أبو أحمد
    20/12/2010 at 12:49

    لقد فسحت »الحداثة » المجال للرداءة كي تنتشر كما يحلو لها.كثر الشعراء ولا شعر،كثر الفنانون والمبدعون ولافن ولا ابداع الا بالكم اليسير .ان ايديولوجية اليسار ورؤاه ومفاهيمه خلال حقبة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي قد فشلت في الاستمرار وصارت تاريخا ولا يمكن تناوله خارج سياقاته التاريخية والاجتماعية أما هدف المؤلفات المقررة في تعليمنا الثانوي التأهيلي فانها -على ما يبدو- تريد اعادة تكريس وترسيخ تلك الحمولات الفكرية والنقدية المتجاوزة لغايات محدودة،والغريب في الأمر انها تقرر لناشئة ما كان لها ان تتعامل معها برؤية نقدية فاحصة لكونها حديثة العهد بالدراسة الأدبية وهي تحتاج الى تكوين أرضية صلبة لتقف عليها في معانقتها لمختلف المذاهب والتيارات عوض ان تصبح قوارير فارغة جاهزة للتقبل الببغائي الرديئ

  3. أم بثينة / مريم لحلو
    20/12/2010 at 12:49

    حفظك الله يا فارس القصيدة العمودية .

  4. Pitchou
    20/12/2010 at 19:07

    الاستاذ احمد المجاطي توفي منذ سنوات و كتابه رهين سياق موضوعي محدد.و لو كان هناك حرج كبير في تداول اراء الاستاذ المجاطي لما خصته مجلة المشكاة التي يصدرها من وجدة الاستاذ حسن الامراني بعدد خاص.

  5. نعيمة.س
    22/12/2010 at 10:34

    أغراني العنوان فخلت فيه إفادة لمدرس اللغة العربية في التأهيلي لكنني لم اجد ذلك بل وجدت مجرد
    احكام جاهزة لا تمت للنقد بصلة
    إن المؤلفات ليست مقصودة لذاتها بل إنها وسيلة لتعويد المتعلم القراءة الممنهجة و إكسابه مهارات الفهم و التحليل و التركيب
    و سيصدمني موقف صاحب الموقع غن هو حجب تعليقي خوفا من كاتنب المقال كالعادة

  6. متتبع
    22/12/2010 at 10:34

    عن اية ناشئة تتحدت يا سي شركي

  7. LAILA KHALIFI
    04/01/2012 at 23:50

    HADA LKITAB JAIED WA ANA MEN LMO3JABINB

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *