Home»National»البرنامج الاستعجالي و رهانات المنظومة

البرنامج الاستعجالي و رهانات المنظومة

0
Shares
PinterestGoogle+

البرنامج الاستعجالي و رهانات المنظومة

لا أحد يجادل في أن التخلف ينبع باستمرار من الفقر التربوي وغياب مخطط بناء مجتمعات المعرفة.  فالتعليم في بلادنا يعاني من التخلف البنيوي والكساح المنهجي لتحديث الركيزة التربوية وربطها بالعصر ومشروع التنمية الفكرية والفنية، والاقتصادية، والاجتماعية، والعلمية. وفي هذا السياق ينبغي التمييز بين التعليم البسيط في مفهومه الضيق وبين التعليم في مفهومه التربوي الشامل. فالأول هو مجرد عملية تدريس المعارف وتعلم القراءة والكتابة وبعض مبادئ الحساب في حدودها الدنيا ، أما الثاني التربوي فيتضمن التعليم وتكوين العقل النظري والعملي، وغرس في النفوس منظومة أخلاق تتناسب مع معتقداتنا وتاريخنا ومدنيتنا وطموحاتنا المستقبلية ، وتأسيس أسلوب جديد للحياة المعاصرة . فمن المفضل إذن أن نتحدث عن التعليم التربوي، وكيف يمكن أن يؤسس ويطور ويحول إلى مشروع لبناء مجتمعنا الذي يطمح إلى تجاوز عقبة التخلف وإنجاز القفزة النوعية في مجالات العصرنة والتحديث لتجاوز ما يشبه العطالة التي أصابت ولا تزال تصيب المنظومة التعليمية في هيكلها وصيرورة اشتغالها  و ذلك
في غياب المنهج والآليات والطاقة الإبداعية لتأسيس النموذج الحضاري الخاص بنا وهندسة الإنسان الجديد بكل ما تعنيه هذه الكلمة من دلالات وأبعاد.
فمنذ الاستقلال طرحت مشكلة المنظومة التربوية كموروث استعماري متعدد الأوجه. حيث كانت الأمية المستشرية في البوادي والمدن، وندرة الإطارات القادرة على تسيير المؤسسات السياسية والمدنية          والتربوية. كما برزت تحديات مركزية تتمثل في قهر التشويه الثقافي والتاريخي والتربوي للمكونات الجوهرية للهوية الوطنية.
هكذا وجدنا مجتمعنا ما بعد الاستعمار يعاني من مختلف أشكال التمزق. فضلا عن ذلك فإن الإدارة الموروثة عن الاستعمار لم تستبدل عناصرها الأخلاقية، بل بقيت واقعا مفروضا تحتكره النخبة أو السلطة. مما حال دون تطور المنظومة التربوية– التعليمية جذريا. ومن هنا فإن الذي حصل هو الاكتفاء بالجانب الشكلي من دور هذه المنظومة، ألا وهو تعليم القراءة والكتابة، وليس التحول الكيفي المتمثل في التحويل الذهني والأخلاقي والفكري والفني والعلمي…
فطوال سنين الإصلاحات السابقة انصب الاهتمام على الكم دون الكيف سواء فيما يتعلق ببناء المؤسسات التعليمية أو بالبرامج والمناهج، كان من المفروض أن يكون مشروع بناء الإنسان الحديث هو الهدف المركزي وليس الإبقاء على المنظومة الذهنية والفكرية المتخلفة والتكوين النفسي التقليدي المغرق في التعقيد والتشتت. وبعبارة أكثر دقة، فإن التخطيط لمنظومة تعليمية– تربوية جديدة وحديثة كان ولا يزال في حكم الغياب في بلدنا.

المشروع الاستعجالي
يبدو أن المسؤولين على المنظومة التعليمية ببلدنا كانوا في عطلة ، وانسحاب كامل عن رهانات العصر الحديث، فاستفاقوا على واقع جسده الغرب في أدنى تجلياته من خلال تقريره الكاشف والذي جعل المغرب في الحضيض الأسفل كما ورد على لسان الشاعر.فأمام هذا المأزق ظهر المشروع ليضفي لثاما كاشفا على واقع جسدته سنين السبات والتبعية لإملاءات التجارب المستوردة بإيجابياتها وسلبياتها . فجاء مضمون المشروع التعليمي– التربوي للإجابة العملية عن سؤال: ما ذا نريد؟ وكيف نفكر ؟بعقولنا أم بعقول غيرنا؟ هذه الأسئلة طرحتها أوروبا على نفسها في القرن الثامن عشر بقوة وحرارة لكي تجد جوابا لها وتخرج من الظلمات إلى النور. الذي عرفه كانط كالتالي » الأنوار هي خروج الإنسان من حالة القصور التي هو عليها، بخطإ منه، وبسبب انعدام القدرة لديه على استعمال عقله دون توجيه من الغير، ولا يرجع القصور إلى عيب في العقل، ولكن إلى الافتقار في التصميم وإلى الشجاعة في استغلاله دون توجيه ما، ودون وصاية ».

أليس حريا بمنظومتنا التعليمية– التربوية أن تحقق هذا التوجه؟ فأين هذا المشروع من هذه المنظومة؟ وهل سيتحقق شيء منه حقا؟ أسئلة تقتضي تحقيق الذات قبل المجازفة في مشروع قد يكلف الكثير بدون نتائج. فكانط  يركز على استخدام العقل استخداما حرا، فهل تمكنت منظوماتنا التربوية- التعليمية من تشييد أجيال تفكر بعقلها دون وصاية من أحد؟ أليس عمودية السلطة المستشرية في المؤسسات الإدارية  والتنظيمات السياسية والمجتمعية  والعائلية وفي البنيات والتجليات والممارسات هي نتاج لعدم تربية العقل المغربي لكي يمارس الشجاعة لاستعمال العقل النقدي؟
ونتساءل مرات أخرى: ما هي الأهداف الكبرى لمنظوماتنا التربوية؟ وهل أهلنا الإنسان الديمقراطي؟ وأعددنا الإنسان العادل؟ هل أسسنا لتطور معقلن؟ هل ميزنا بين المعقول واللامعقول في تربيتنا التي نريد انتاجها بوعي؟

 أوجه القصور:
مما لا شك فيه أن التعليم ببلدنا يتأثر بهذا الواقع القاعدي الاجتماعي، والاقتصادي والإداري والنفسي. لذلك فإن الخلل عميق، ومن أوجهه ندرج ما يلي:
1- عدم الربط بين التنمية في نماذجها الأكثر حداثة وبين المضامين التي تدرس في المؤسسات.
2- الإبقاء على المعارف والطرق والمناهج التقليدية رغم ما تحمله مقاربة التدريس بالكفايات.
3- تغييب حرية البحث عن النماذج الملائمة لواقع له خصوصياته الفكرية والتاريخية.
4- عدم بناء هرمية المنظومة على فلسفة تربوية تتعاطى بشكل ايجابي مع رهانات المعرفة الفكرية والعلمية والفنية والمهنية.
5- عدم انفتاح منظومتنا على المنظومات التعليمية المتطورة في العالم، ليس لتقليدها تقليدا أو نسخها نسخا، وإنما لخلق حوار خصب وفاعل بينها وبين المصادر والروح الإبداعية لهذه المنظومات.
           6- تكريس هيمنة جيل من ذوي القرار على رأس المنظومة رغم استنفاد كل طاقاتهم في العطاء ومحاربة روح الإبداع والابتكار وإهمال المواهب وتوجيهها توجيها تعسفيا إلى ما لا يتوافق معها.

7- حشد ركام من المشاريع يقارب الثلاثين دون استقراء واقع التنفيذ بعلمية وتروي.

8- عدم بناء آليات ضابطة لتقويم وتتبع كشاف وزاجر لكل الانزلاقات والتلاعبات.

9- غياب آليات حكومية دستورية مؤهلة لممارسة التقويم الخارجي لأداء المنظومة التربوية بشكل عام والإصلاح بشكل خاص، ما عدا المجلس الأعلى لكن قراراته استشارية فقط والتصور الرسمي لعمل هيئة التفتيش ضيق مما لا يسمح لها بأداء هذا الدور.

10- تراكم التعثرات على مستوى البنيات المادية والبشرية والذهنية يتطلب إصلاحات عميقة مما لا يتوافق والانخراط الفعلي في مختلف المشاريع.

11- عدم استيعاب مفهوم المشروع لدى مختلف الشركاء الذين ارتكز عليهم البرنامج في الأجرأة والتنفيذ

12- التركيز على المعطيات الكمية ( الزيادة في كل الميزانيات وفي حشد الأطر الإدارية والتربوية) لكن دون ضمانات متوقعة لتطور كيفي مما يفسح المجال للمجازفة.

13- انزال زخم من التوجيهات ضمن مذكرات ومراسلات دون قراءة واقع التقبل والتنفيذ.
إن هذه الأوجه من القصور تحول دون تفتح التعليم عندنا على معطيات العصر ورهاناته الكبرى، فما العمل؟ إنه من الضروري تجاوز هذه الجدران الصلبة حتى نقهر الجمود وواقح الحال، فنبدأ في السير على طريق التحرير الشامل باستيعاب التجارب الناجحة في العالم وربط التعليم بالتنمية الوطنية من حيث التخطيط، والتوقع والتوجيه والممارسة الحذرة والتتبع الصارم والنقد الموضوعي .

المراوحة في الزمن

فرغم كل محاولات الهروب إلى الأمام من خلال التباهي والتشدق بما أنجز على مستوى المنظومة بالنظر إلى الإصلاحات الجارية  في إطار المخطط الاستعجالي ، فإن واقع قطاع التربية والتعليم بهذه الحالة التي عليها اليوم لا يبشر بخير. وما يقوله المشرفون على هذا القطاع ، ما هو إلا للاستهلاك والتسويق ليس إلا، لأن الأمر ببساطة هو محاولة تقديم العربة على الحصان وإلا كيف نفسر الغوغائية والارتجالية التي يسير بها قطاع بهذا الحجم هو أساس نبض الأمة وحياتها ، ما نشاهده كل يوم من محاولة تبرير ما لا يبرر، هو أمر مخجل ويدمي القلب بمعنى أننا أصبحنا اليوم أمام مسؤولين يشجعون الرداءة بما تحمل هذه الصفة من معنى على حساب دور المدرسة المغربية الحقيقية.

على العكس من ذلك تماما وما نلاحظه اليوم فالإصلاح الذي بدأ منذ بداية الموسم 2000/2001 والذي يؤطره ميثاق التربية والتكوين، أدى إلى انحدار المستوى التعليمي والأخلاقي في ظل البيداغوجيات الجديدة القديمة والتي لم تنسجم بعد مع المردودية الفعلية للتحصيل الدراسي، ولا مع البرامج والمناهج المعتمدة في مؤسساتنا والتي هي في حاجة ملحة لإعادة الإنتاج، وتزايد هشاشة البنيات القاعدية للمنظومة، والنقص المهول للأطر التعليمية وشيخوخة تكوينها، ونذرة الوسائل التعليمية ، زد على ذلك ظهور العنف المدرسي واستفحال ظاهرة المخدرات داخل المؤسسات التربوية حتى أضحى الجميع يخشى على أبنائه من الذهاب إلى هذا المكان الذي كان إلى وقت قريب من أقدس الأماكن، إضافة إلى  حالات الغش الجماعي التي شهدتها وتشهدها أغلب المسابقات والامتحانات، ولا أدل على ذلك إلا ما يسمى » الكتمان « في أبجديات التلاميذ دون أن تتدخل الوزارة الوصية بحزم لردع أي ممارسة قد تقوض مصداقيتها التي نزلت إلى الحضيض. وإذا كان هذا حال من يفترض فيهم أنهم قادة لسفينة الإصلاح وأدواتها فكيف يكون حال التلاميذ حقل التجارب أنفسهم يا ترى ؟.

نحن هنا لسنا ضد أي إصلاح حقيقي من شأنه أن يمس مكمن الداء بصدق وموضوعية بعيدا عن التهجم على الثوابت والمبادئ والقيم ، بل نريد إصلاحا مبنيا على دراسة مستفيضة متبصرة، وبإشراك أهل الكفاءة والتمحيص لا إصلاحا مستنسخا هجينا ومتسرعا أعمى غير محمود العواقب ، لأن التربية هي أساس الأمة وعمادها كونها تتعلق بمستقبل ومصير أجيال بأكملها، فالمطلوب إعطاء قيمة حقيقية وتصور شامل للبنيات الإدارية في إطار نسقي  يخدم إصلاح الإدارة أولا كونها أساس كل إصلاح، لأن التفكير في خلق أكاديميات اعتبروها وزارات مصغرة لدعم اللامركزية، على ما يبدو غير شمولي ويحتاج إلى كثير من مقومات الانسجام اللامركزي. حيث أصبحت هذه الأخيرة غير مؤهلة لتلعب دورها، لا من حيث المساهمة في الإصلاحات البنيوية، ولا في الجمع بين مختلف فروع التعليم عبر مختلف المؤسسات التعليمية. ففصل الهياكل الإدارية للتعليم الأولي- الابتدائي والثانوي الإعدادي والثانوي التأهيلي عن التعليم الجامعي، وفصل هاذين الاثنين عن البحث العلمي وعن التكوين المهني التقني جعل الأكاديميات منفصلة عن التعليم العالي والجامعي، وليس لها الحق في الاهتمام بمستقبل مصير خريجيها الحاملين للباكالوريا، بينما يبقى المكون الجامعي ضروري لسياسة اللامركزية، وبدونه تبقى مستويات التعليم الأخرى خصوصا الثانوية التأهيلية قنوات تصب في إناء غير محدد المعالم. هذا من جهة ومن جهة أخرى نجد  ما شاهدناه مؤخرا في مستهل هذا الموسم الدراسي من إنزال غير معهود لمجموعة من المذكرات والقرارات العمودية  والدلائل والمشاريع التي  تؤطرها الوزارة نفسها، جعلنا نعتقد أننا بصدد المراوحة في الزمن والرجوع إلى المركزية والتركيز، أهوتراجع أم أزمة اختيار؟ أم ارتجالية الإصلاحات؟

فنعتقد أنه بات من الضروري العودة إلى التفكير بعمق في وضع الثقة في العنصر البشري، والاهتمام بحاجاته التكوينية، والفكرية والمهنية والنفسية،   لتأهيله  للعطاء والإبداع والمساهمة الفعالة، في إطار إصلاح شمولي يتبوأ صدارته الإنسان المغربي أينما كان موقعه في المنظومة، والمعتز بتاريخه وفكره المنفتح  ووطنيته وانتمائه العربي والإسلامي والإفريقي . ودون ذلك لا يمكن إلا أن نصلي أربعا بلا ركوع على عصب المنظومة وعورتها الحقيقية التي بدت في التكشف بسبب قصور من وضعوا رؤوسهم في الرمال لكي لا يدركوا جلل المصيبة برمتها وإبقاء عملة الابتسامة المفعومة بالأمل المغلوط. فلهذه الدواعي والأسباب بات من الضروري التفكير في آليات الخلاص من العقم والهجانة بالتركيز على التقط التالية:

·      ضرورة تأهيل المنظومة التربوية ماديا وبشريا وتخطيطا لاستيعاب شروط الإصلاح

·      تفعيل الاستقلالية المالية والإدارية لبنيات المنظومة ( أكاديمية ، نيابة ، مؤسسة)انسجاما مع اختيار    اللامركزية واللاتمركز.

·      العمل على إعادة النظر في بناء البرامج والمناهج بالموازاة مع الإصلاح.

·      وضع استراتيجية للتكوين المستمر  بالموازاة مع المتغيرات التربوية والبيداغوجية  المعتمدة

·      العمل على ربط التعليم بالتربية لتخليق المنظومة من الاختلالات السلوكية داخل حرم المؤسسات التعليمية، والعمل على الإسهام في تجديد منظومة قيم أساسها النزاهة والعدل والمساواة وتكافئ الفرص والمواطنة الحقة.

·      وضع ضوابط علمية للتأليف ومراقبة تربوية موسعة وصارمة على المنتوجات حسب التخصصات.

·      إشراك مختلف الفاعلين التربويين من ذوي الكفاءات والنزاهة في لجان انتقاء المؤلفات المدرسية المناسبة

·      العمل على الحسم في موضوع اللغات كخيار استراتيجي.

·      العمل على إعادة الاعتبار للامتحانات الإشهادية بما يضمن النزاهة والجودة لمستوى التعليم

·      إعادة الاعتبار لجهاز التفتيش وتمكينه من الوسائل والاستقلالية الوظيفية كآلية للتقويم الداخلي  والخارجي للمنظومة التربوية.

·      الاعتراف بدوره ألاستشرافي والقيادي والتأطيري في مختلف مشاريع الإصلاح.

·      الاعتراف بدوره كقوة اقتراحيه ومحاورة انسجاما مع نتائج صناديق اللجان الثنائية.

                                                                                                        محمد هندوف

و رهانات المنظومة

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *