لعل إسبانيا يراودها من جديد حلم الحنين إلى تاريخها الاستعماري لأنها ترى وجه العالم يتغير بعد تبخر فكرة العولمة ، واتجاه العالم نحو وضع جديد قوامه سياسة فرض القرارات بالقوة العسكرية بأسلوب القرن التاسع عشر والقرون التي سبقته من أجل توفير الموارد والأسواق بعدما انهارت الرفاهية الغربية بين عشية وضحاها واستهلكت ما وفرته لها فترات الاستعمار السابقة . وما قضية البوليساريو سوى ذريعة لجر المغرب إلى صراع مسلح من أجل تبرير احتلال جديد لصحرائه على غرار النموذج السوداني .

ومشكلة الدول الغربية التي تحن إلى فترات الاحتلال أنه لم يعد من السهل بسط النفوذ بالقوة ذلك أن العالم تعلم من الفلسطينيين في قطاع غزة والعراقيين والأفغان كيف يهزم المحتل مهما كانت قوته العسكرية . لن تجد إسبانيا أمامها إذا ما تهورت وفكرت في اجتياح أرض مغربية في شمال أو جنوب المغرب سوى نموذج المقاومة الفلسطينية في غزة والأفغانية والعراقية . ولا زال المغاربة لم ينسوا جهاد الآباء والأجداد . وإذا كان البرلمان الإسباني ونحن نعلم تركيبته السياسية ، واللوبي الضاغط من داخله لاستفزاز المغرب يريد تعميق العلاقة مع عصابة البوليساريو الإجرامية فالبرلمان المغربي لن يستجيب للاستفزاز بنفس الأسلوب فيدعو إلى تعميق العلاقة مع انفصاليي الباسك . ولو افترضنا أن البرلمان المغربي طاوع البرلمان الإسباني في استفزازه فساند الباسكيين لوفر الفرصة السانحة والمترقبة لاتهام المغرب بمساندة الإرهاب. فالبرلمان المغربي برلمان ناضج ومتعقل لن يحشر أنفه في قضايا الشعب الإسباني الداخلية كما يفعل البرلمان الإسباني المراهق والمتهور . البرلمان المغربي سيرد على الشرذمة المتهورة داخل البرلمان الإسباني بالمطالبة بجلاء إسبانيا عن سبتة ومليلية والجزر الجعفرية دون قيد أو شرط مع المطالبة بالتعويض عن قرون الاحتلال البغيض للمدينتين وللجزر. هذا هو الرد الأنسب لبرلمان المغرب .

فالمغرب بلد حضاري عريق يمارس السياسة وفق الأعراف الدولية ، ويحترم الشرعية الدولية . والمغرب بلد مستقل وذو سيادة ولن يقبل من بلد مجاور لا زال لا يستحيي من الاحتفاظ بمناطق نفوذ فوق أراضيه أن يحاول فرض الوصاية عليه بأي شكل من الأشكال . فمن حق المغرب أن يقرر متى شاء وكيفما شاء من يمكنه الدخول إلى مدنه سواء كانت في الشمال أو في الجنوب. فالصحافة الإسبانية ليست آلهة مقدسة خصوصا بعدما افتضح أمرها أمام أنظار العالم ، وتورطت في توظيف صور المجازر الصهيونية و استغلالها من أجل الإساءة إلى سمعة المغرب . ومن يضمن أن هذه الصحافة الكاذبة لن تتورط من جديد في أكاذيب جديدة ، وتختلق ما لا يمت للحقيقة بصلة من أجل نفس الهدف وهو تلطيخ سمعة المغرب بين دول العالم . إن البرلمان الإسباني يحلم بلعب دور الولايات المتحدة وإسرائيل في السودان من أجل تفتيته للوصول إلى ثرواته الطبيعية عن طريق ركوب الطابور الخامس الصليبي السوداني الخائن والعميل في الجنوب . فكأني بإسبانيا تسارع إلى إعادة نفس الدور الذي كان لها في عصر الاستعمار، فهي تحاول استباق غيرها من الدول الاستعمارية لبسط نفوذها من جديد في جنوب المغرب عن طريق ركوب الطابور الخامس الخائن والعميل والذي لا دين له ولا ملة بل هوأخلاط المرتزقة الذين لفظتهم صحارى إفريقيا وأمريكا اللاتينية وكونوا عصابات إجرامية تحتمي بدروع بشرية مغربية من الشيوخ والنساء والأطفال المستضعفين والذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا في مخيمات تندوف المحاصرة من طرف القوات الجزائرية الضالعة في المخطط الاستعماري الإسباني.

لن يقع المغرب أبدا فيما وقع فيه السودان ، ولن تتاح فرصة الاستفتاء على انفصال جنوب المغرب عن شماله كما حصل في السودان . ولن يتحقق حلم إسبانيا في المغرب أبدا ، ولن يساير المغرب استفزازات إسبانيا . وإذا ما فكر الإسبان في حماقة فالمغرب يتوفر على أساليب شتى لمعالجة كل أنواع الحمق ، والتاريخ خير شاهد على معالجة أسد الريف محمد بن عبد الكريم الخطابي ، ومعالجة أسد الصحراء الشيخ ماء العينين لحمق الإسبان . وقد استفاد المغاربة الشيء الكثير من المقاومة الفلسطينية الباسلة في غزة وفي العراق وفي أفغانستان وهو ما يزيدهم خبرة بمعالجة كل حماقة إسبانية محتملة ، أما النظام الجزائري فحسبه قول القائل : لا يستنجى من ريح وطز على هذا النظام الذي لا تستطيع قواته بسط نفوذها على ما يجاور العاصمة بسبب جماعات مسلحة منذ ما يقارب العقدين بله تخوض حربا مع أسود الأطلس الذين ساقوها سوق الخراف بالأمس القريب ، ولعلها تحن إلى ذات السوق فلا زالت البذلات الرياضية التي سيق فيها خراف الأمس موجودة ولعلها تكون كساءهم مرة أخرى.