Home»National»أروع البرامج التربوية في تاريخ الحركة الإسلامية 8/8

أروع البرامج التربوية في تاريخ الحركة الإسلامية 8/8

0
Shares
PinterestGoogle+

بعدما أنهينا الحديث عن البرنامج التربوي الذي اعتبرناه أروع برنامج تربوي عرفته الحركة الإسلامية في المغرب، بقي لنا أن نعطي نظرة عن الأهداف التي يتوخاها هذا البرنامج وفق الرؤية التربوية التي تؤطره. وقبل الخوض بالتعريف والشرح لهذه الأهداف لابد أن نحدد معنى الهدف التربوي الذي تراه الحركة الإسلامية، ونحدد مدى أهمية أن تكون هناك أهداف مضبوطة للفعل التربوي الذي يميز حركة إسلامية ما عن باقي الحركات.

أ‌-معنى الهدف:
الهدف هو الغاية التي يتصورها المربي، ويضعها نصب عينيه، وينظم
سلوكه وأفعاله وتحركاته من أجل تحقيقها.

ب- أهمية تعيين الهدف:
لو أمر إنسان أن يمشي في طريق معينة دون بيان أي سبب لهذا السير، أو اختيار هذه الطريق دون غيرها لسار مترددا. ولكان اندفاعه ضعيفا ولراوده التساؤل والتقاعس. ولكن لو قيل لهذا الإنسان مرة أخرى: اسلك هذه الطريق وستجد في آخرها بستانا جميلا، له أصحاب كرام يدعون جميع الوافدين للغذاء عندهم على ضفاف الأنهار والشلالات، وكان هذا الإنسان جائعا مستعدا للطعام لاندفع مسرورا مرتاح النفس راغبا، ولقطع الطريق بقوة وعزم وبأقل وقت وجهد.

فالهدف يوجه النشاط، ويدفع إلى الإنجاز، ويساعد على الوصول. والمغاربة الذين يعملون في الخارج في كل أنحاء العالم..يقطعون المسافات الطوال التي تعد بآلاف الكيلومترات. ولو افترضنا أن أحدهم يسير دون أن يحدد له هدفا يسير إليه لأصابه الملل والكلل لمجرد قطع مسافة لا تتعدى المائة كلم. في حين أن هؤلاء يظلون الليالي الطوال في سير مستمر دون سأم أو تراجع أو تقاعس لأنهم يدركون أنهم في سير نحو مكان محدد سيصلون إليه حتما..ولهذا تراهم يقطعون تلك المسافة البعيدة بكل عزم وتأكيد.
ومن هذين المثلين يتبين لنا أن لتعيين الهدف أهمية تجعله ضروريا لكل ضروب السلوك الواعي، فكيف بالنسبة لعملية تربوية يراد منها توجيه الأفراد وبناء أقوياء أمناء هم صرح الأمة ودعاة الناس إلى الخير والصلاح.

ج- أهداف التربية عموما:
إن أهداف العمل التربوي هي بدرجة أولى الأهداف العليا التي وردت في كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. وكانت مهمة الأنبياء والمجاهدين والمجددين على امتداد التاريخ.
فالهدف الأعلى من العملية التربوية هو تحقيق عبادة الله تعالى باعتبارها وظيفة الإنسان الأولى في الوجود ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) فكانت دعوة الأنبياء للناس: ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا لله واجتنبوا الطاغوت) ( ومن يستنكف عن عبادة ربه فسيحشرهم إليه جميعا) والعبادة هي الالتزام بما شرعه الله ودعا إليه رسله أمرا ونهيا، وتحليلا وتحريما، فهي انقياد لمنهج الله وشرعه.
وتنزيلا لهذا الهدف العام، وتجسيدا له تحدد الرؤية التربوية التي تؤطر البرنامج التربوي الذي سبق الحديث عنه في الحلقات السبع الماضية هدف العملية التربوية في تكوين الفرد حتى تترسخ فيه معاني العبودية الخالصة لله تعالى على مستوى ذاته. وحتى يعيش قضية الإسلام والمسلمين.و يدعو ويجاهد من أجل تغيير الاختلالات في المجتمع، وطبع كل مظاهر الحياة بقيم الإسلام. ولذلك يمكن إجمال أهداف التربية التي يرومها البرنامج التربوي فيما يلي:

1-تكوين الفرد الرباني:
جاء في  » الرباني » معاني كثيرة، وسأوليها اهتماما خاصا لكثرة ما يتحدث عنها:
قال سيبويه في معنى الرباني: « المنسوب إلى الرب، بمعنى كونه عالما به، ومواظبا على طاعته ».
وقال المبرد: « الربانيون » هم أرباب العلم وأحدهم « رباني » وهو الذي يرب- بضم الراء وضم الباء- العلم ويرب الناس: أي يعلمهم ويصلحهم ويقوم بأمرهم.
قال الواحدي:  » الرباني: منسوب إلى الرب على معنى التخصيص بمعرفة الرب وبطاعته. ويقول معلقا على قول المبرد:  » الرباني مأخوذ من التربية »
قال أبو عبيدة:  » أحسب أن هذه الكلمة تدل على الإنسان الذي علم وعمل بما علم، واشتغل بتعليم طرق الخير ».
وقال الطبري: « الربانيون جمع رباني وهم العلماء الحكماء البصراء بسياسة الناس، وتدبير أمورهم، والقيام بمصالحهم ».
وقال بعضهم:  » هم ولاة الناس وقادتهم ».

قال ابن زيد: » هم الذين يربون الناس »
قال أبو جعفر: » أولى الأقوال عندي بالصواب في الربانيين أنهم جمع رباني، وأن الرباني المنسوب إلى الربان: الذي يرب الناس وهو الذي يصلح أمورهم ويربها ويقوم بها. »
وقال ابن عباس: »…والرباني الذي يعلم الناس بصغار العلم قبل كباره »
قال عبد لرحمن النحلاوي في قوله تعالى : ( ولكن كونوا ربانيين): أي تنتسبون إلى الرب جل جلاله بطاعتكم إياه، وعبوديتكم له، واتباعكم لشريعته، ومعرفتكم لصفاته، وإذا كان المربي ربانيا استهدف من كل أعماله التربوية أن يجعل الأفراد أيضا ربانيين يرون آثار عظمة الله ، ويستدلون عليها في كل ما يتلقون ويقرؤون. ويخشون الله ويشعرون بإجلاله. ومن تمام صفات الربانية أن يكون المربي مخلصا أي لا يقصد بعمله التربوي وعلمه واطلاعه إلا وجه الله ومرضاته، وإحقاق الحق ونشره في عقول الناشئين من المتربين، وجعلهم أتباعا له.
ومن خلال التعاريف السابقة كلها يتضح أن الرباني هو: العالم بالله والمواظب على طاعته، ومعلم الناس ومصلحهم والقائم على أمورهم..الخبير بأحوالهم وبما ينفعهم ويصلحهم.

2-تكوين الفرد الداعية:
جعل هذه الصفة هدفا تربويا يعني جعل العضو يوقن أن مهمة اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم هي الدعوة إلى الله سبحانه. قال تعالى : ( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني)
فلكل ميدان فن يستدعي من صاحبه أن يتدرب عليه ليتقنه. وكذلك الدعوة إلى الله واجب وفن وصنعة تحتاج إلى التدريب العملي والواقعي الميداني لتخريج دعاة الواقع لا دعاة الانكماش بين الأوراق ودفات الكتب.

3-تكوين الفرد المجاهد:
لا يمكن أن نتوقع في الداعية الرباني صاحب التكليف والرسالة أن يخلو من التضحية والبدل والعطاء من أجل رسالته ودعوته، والصبر على مكاره الطريق وعقباته، والثباة أمام المغريات، وعدم الانجذاب لعوامل الشد والإخلاد إلى الأرض والواقع وما لذ من الحياة وطاب من زينة( إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوكم أيكم أحسن عملا) فالداعية الرباني الذي يرمه البرنامج مطالب بأن يضحي بكل شيء من أجل دينه ورسالته – عندما يقتضي ذلك – وألا يضحي بدينه لأجل أي شيء مهما كان هذا الشيء ( إن الله اشترى من المومنين أنفسهم وأموالهم …)
وتدريب الفرد على الجهاد( ) والتضحية يبدأ انطلاقا مما وسعه وفي يديه..كتسخير منزله للعمل لله تعالى وتسخير دابته / سيارته ومن مساهماته المالية التي تعتمد عليها الحركة الإسلامية في إنجاز مشاريعها التربوية والثقافية والاجتماعية .

4-تكوين الفرد الحكيم:
الحكيم هو الذي يعلم أولويات الأمور ومراتبها، ويحسن النظر في الأشياء. فإذا قام بشيء قام به بالكيفية المناسبة، وإذا اختار الوسيلة اختار الوسيلة الأنسب، وإذا اختار الرجل اختار الرجل الأنسب، وإذا تكلم باسم الإسلام جنب كلامه الخلل، واستدل بأقوى الأدلة والحجج قال تعالى: ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة…). جاء في كتاب فقهيات التعامل الحركي:  » إن من أهم ما ينبغي فهمه في هذا الدين هو فقه الأولويات. وعدم فهمها يوقع الإنسان في أخطاء فاحشة لا يحمد عقباها. ومن الأخطاء الشائعة في فقه الأولويات مثل تقديم الفرع على الأصل أو تقديم المندوب على الواجب، أو تقديم التحسينيات على الحاجيات، أو الحاجيات على الضرورات. »
وفقه الأولويات لا يقتصر على الأمور التعبدية فحسب بل يشمل سير الإنسان حتى في حياته الخاصة. وعلى المستوى التربوي كثيرا ما نجد عدم حسن إعطاء الجلسة التربوية مكانها من سلم الأولويات.
إن الحكمة تكتسب عن طريق التجربة إلى درجة أن في القديم ارتبطت الحكمة بالخبرة وطول التجربة فيقال: رجل حكيم مجرب.
ولنا في القرآن دروس تربي في الإنسان الحكمة والنباهة ووضع الأشياء في مكانها المناسب. حتى المصطلح وظف في القرآن حسب الحادثة أو الفكرة أو سياق الآية بحكمة بالغة إذ يستحيل إيجاد مصطلح بديل أبلغ وأليق من المصطلح الذي وضعه الله تعالى بحكمته وعلمه. فهذا أعرابي لم يسبق له أن سمع القرآن الكريم – والعرب أصحاب صنعة في اللغة والبيان- سمع رجلا يتلو آية هكذا ( والسارق والسارقة فقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله غفور رحيم) فقال له أخطأت إن المغفرة والرحمة لا تناسبان قطع يد السارق، فتذكر الرجل الآية وقال: ( والله عزيز حكيم) فقال الأعرابي: نعم بعزته أخدها وبحكمته قطعها.
وكم نحتاج إلى الحكمة عند الحوار مع خصم فكري أو عقدي قصد تقريبه وضمه. وليس من الحكمة في شيء أن أصطدم مع الخصم المحاور لأول كلمة أو لأول وهلة بل من الحكمة التركيز على نقاط الالتقاء لإعطاء الفرصة للأرواح كي تتآلف لأن ما تنافر منها اختلف وما تعارف منها إأتلف. لأن التركيز على نقط الاختلاف والتباعد كثيرا ما ضيع على الحركة الإسلامية فرصا لتعزيز صفها بقياديين أو على الأقل بدوي النباهة ورجاحة العقل.

5-ذو عقلية تأصيلية نقدية:
*-امتلاك العقلية التأصيلية معناه امتلاك القدرة على تحليل الواقع تحليلا إسلاميا. وإرجاع أسباب الظواهر الكونية والاجتماعية إلى سنن الله التي تتحكم فيها. والتي هي مبثوثة في أصلي هذا الدين: القرآن والسنة الذين يعتبران أهم ركيزة أساسية يعتمد عليها البرنامج التربوي..
وصاحب هذه العقلية هو أيضا الذي يضبط حركته من أجل إصلاح أوضاع الناس بأصول الشريعة. بحيث يسعى دائما إلى البحث عن الحكم الشرعي لما يريد فعله أو قوله. فإذا علم بمشروعيته استدل بأصلها وبينه، وفي ذلك تربية لغيره من المتربين على التأصيل. وتمييزا لكلامه وتحليله عن كلام وتحليل الذين لا يقيمون لأصول الدين اعتبارا.

*- أما امتلاك العقلية النقدية فمعناه ألا يكون إمعة يقول إذا أحسن الناس أحسنت، وإذا أساؤوا أسأت. بل يوطن نفسه. ويعمل على أن يكون من ( الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولائك الذين هداهم الله و أولائك هم أولي الألباب.) فصاحب العقل هو الذي لا يقبل إلا بدليل. ولا يرفض إلا بدليل ويتأمل فيما يقرأ أو يسمع، أو يرى من أقوال وأفعال ولو صدرت من الفضلاء و المشايخ ليطمئن إلى سلامتها من العيب والخلل والانحراف.. كما أن ذا العقلية النقدية يشارك برأيه متى بدا له ويشغل عقله فيما ينفع دعوته وأمته ووطنه. فيما يجنب دعوته الخطأ ويوفقها للصواب، ويفتح لها الآفاق، ويجتهد من أجل إحسان تطبيق ما يؤمر به، ويبادر بالاجتهاد فيم لم يؤمر به، ولا ينتظر نزول الحل أو الأمر. فالعقلية التي تنتظر ولا تتحرك من تلقاء ذاتها وتجتهد عقلية ميتة.. لن تكون فعالة أبدا.

خاتمة:
وكخلاصة نختم بها الحديث عن الأهداف التربوية التي يرومها البرنامج التربوي وباقي الوسائل الداعمة له، هي الإشارة إلى ضرورة وعي الهداف التربوية ومعرفتها، والعمل على السير في اتجاهها بترقب استشرافا لها، وشغفا إليها قصد تحقيقها أو على الأقل تحقيق ما يمكن تحقيقه منها. ومن مسؤولية المربين داخل الحركة الإسلامية أن يطمئنوا- بعد ذلك – إلى صدق هذه الأهداف حتى لا تكون كما يحدد رضا النحوي:  » شعارا يملأ الحناجر والساحات ولا يملأ النهج والدرب، والجهد والوعي، وحتى لا تكون الأهداف في ناحية، والدرب في ناحية أخرى، تزداد المسافة بينهما كلما اشتد السير، فلا يفيق الناس إلا وهم بعيدون عن الأهداف، غارقون في المصائب والنكبات يتلاومون ويتلمسون الأعذار. » فلا بد من وعي هذا حتى لا تباغث الحركة الإسلامية فتقول حينها: ها نحن انتهينا من تطبيق البرامج التربوية كلها لكن أين هو الرباني الداعية المجاهد الحكيم ذو العقلية التأصيلية والنقدية؟!

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *