Home»National»أروع البرامج التربوية في تاريخ الحركة الإسلامية 5/8

أروع البرامج التربوية في تاريخ الحركة الإسلامية 5/8

0
Shares
PinterestGoogle+

المرحلة الثانية:
ينتقل البرنامج التربوي بالفرد من المرحلة الأولى مرحلة تصحيح التصور إلى مرحلة ثانية وهي مرحلة تصحيح السلوك. وبترتيب منسجم على غرار الترتيب الذي سبق الحديث عنه في المرحلة الأولى نجد أو درس في تصحيح السلوك هو  » الدين خلق » ثم خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم الخلق النقيض وهو خلق المكذبين والمفسدين، ثم من بين جميع الناس نجد الإنسان المسلم مميزا بخلقه الحسن. ثم تتوالى الدروس في ترتيب محكم تراعي فيه الأولويات على مر المرحلة كلها لتصحح السلوك وتحث على خصال وسلوك المومنين. ونلاحظ وبعد ذكر الخلق في الدين وتحديد النموذج الأعلى الذي يقتدى به في خلقه، وتماشيا مع كون خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن، يأتي الدرس الثاني منسجما تماما ومكملا للدرس الأول وهو الآيات الأربع من سورة الأنفال التي تحث على ما يصقل خلق المسلم وهو طاعة الله ورسوله ( وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مومنين) ثم قوله تعالى ( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولائك هم المومنون حقا…)
لأن الخلق الذي يطبع المؤمن هو نتيجة لطاعته لربه وباقتدائه بنبيه ولأن حسن الخلق أولا يكون مع الله تعالى.

ثم الدرس الثالث في ترتيب محكم يتناول أوائل سورة المؤمنون وقد تناولت الحديث عن صفات المومنين وما لها من انعكاسات وصقل لسلوك المسلم من خشوع في الصلاة وإعراض عن اللغو وحفظ الفرج ورعاية الأمانة والعهد وحفاظ على الصلاة.
وبما أن أهم خطوة في السلوك هي ربط العلاقة مع الله ومن لم يحسن الأدب مع الله لم يحسنه مع غيره كان التركيز على الصلاة في جلسات متتالية لكونها الرابط الأساسي بين الفرد وربه. فنجد آيات المؤمنون قد ابتدأت بالصلاة وانتهت بها لمكانتها العظيمة في الدين ود ورها الريادي في تقويم السلوك وتهذيبه.

وفي الدرس الثاني سورة الماعون التي اعتبرت سوء معاملة الضعاف مظهرا من مظاهر التكذيب بالدين، وسد حاجات الضعاف والمعوزين من مظاهر تكريم الإنسان وإقرار حقوقه الأساسية، إذ أن جريمة التهاون عن الصلاة كجريمة منع الماعون. ( أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحظ على طعام المسكين فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراؤون ويمنعون الماعون) ونلاحظ الربط والعلاقة الخطيرة بين الصلاة والسلوك. ففي آيات المؤمنون عندما وقع الخشوع في الصلاة وقع إعطاء الزكاة ( الذين هم في صلاتهم خاشعون) ( الذين هم للزكاة فاعلون) وسلوكات أخرى تغيرت مع الخشوع في الصلاة كالإعراض عن اللغو، وحفظ الفرج ومراعاة الأمانة. وسورة الماعون تحدثت عن السهو عن الصلاة فكانت النتيجة هي صد اليتيم ودفعه بعنف ومنع الماعون عن المسكين.
وتتاولى الدروس مراعية نفس الترتيب تحث الفرد على التحلي بسلوك المومنين من أمانة وإنفاق وترك المراء وترك الكذب واجتناب الموبقات والحث على قيام الليل كمظهر من مظاهر الشكر لله، والحث على التقرب بالفرائض قبل النوافل، وإحقاق الحقوق من السلوك كحق ذوي القربى وبر الوالدين، وصلة الرحم وفي كلمة جامعة  » بذل قصارى الجهد للتحلي بالفضائل واجتناب الرذائل » فيفهم الفرد من خلال تحليه بهذه الخصال أنه يمارس الشهادة على الناس لأنه يقدم نفسه نموذجا في التصور والسلوك على الشاكلة التي أرادها الإسلام فيكون قدوة وحجة إسلامية لما يمكن أن يفعله الإسلام القيم بسلوك الناس.

فهذه الأمور من فضائل تؤتى ورذائل ومعاصي تجتنب تطبع السلوك بالاستقامة ولكنها تحتاج إلى مجاهدة وتمرس وصبر. إلا أن الإنسان أحيانا يصيبه ما يحول ينه وبين فعل الأمر أو اجتناب المنهي عنه. ولهذا ختمت هذه المرحلة بقوله تعالى : ( وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير)
لقد ركزت هذه المرحلة على تصحيح السلوك لإزالة ما علق بالفرد من الترسبات الجاهلية (1) وتنمية خير وجد فيه اكتسبه عن طريق الفطرة، ومحاولة النقص الموجود فيه، إذن هي إزالة + تنمية + تكميل نقص في سلوكه مع الله مع نفسه ومع الناس. مع إيجاد خير لم يكن فيه فيتهذب سلوكه ويرجع إلى وضعه الشرعي انطلاقا من الآية: ( فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق للخيرات بإذن الله).
بعد الانتهاء من الحديث عن هذه المرحلة يمكن أن نسجل مجموعة ملاحظات وهي:

الملاحظة الأولى: إن طرق التربية كثيرا ما تعتمد التأثير والتقليد. فالمحتوى التربوي يكرس الانعكاس في الوعي والسلوك، وتمثل القيم الإسلامية والسلوك في حياة الفرد لم يرتقي إلى مستوى الاقتناع والتصور الذهني والوضوح النظري فيغيب الوعي وهو الإدراك المكتشف لأهمية القيمة والموقف السلوكي المترتب على أساس هذا الفهم. أما الانعكاس فهو تمثل للقيم والسلوك دون فهم أو وضوح نظري فيتأسس السلوك على مفاهيم غير واضحة فيحصل اضطراب وهشاشة في شخصية الفرد ولا تساهم هذه الطريقة في تفجير طاقاته وإطلاق قدراته. وإن تحدثنا عن الوعي والوضوح النظري ليس معناه أننا نهمل قيمة العمل ودوره إذ الكثير من المعاني والقيم لا يغني الحديث عنها إلا إذا تفاعلت تفاعلا حيا مع الواقع. فلا نغفل في نقدنا لهذه الطريقة ضرورة الارتباط والمزاوجة بين الإيمان والعمل إلا أننا نؤكد على خطورة إغفال الوضوح والفهم في السلوك لأن العلم والوعي ضمانة لعدم انحراف التصور. وأي خلل في التصور الإسلامي الواضح الصافي يمكن أن يجعل الحركة الإسلامية تدفع الثمن باهضا حيث لا مناص في أنها ستتصرف أو على الأقل يتصرف بعض أفرادها تصرفات فردية يمكن أن تكون قاتلة تحت مبرر الفهم الصحيح للإسلام .

في حين يصدق عليها قول الله تعالى ( الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا)
الملاحظة الثانية: إن المضامين التربوية التي أنيط بالمربي والأفراد استخراجها واستخلاصها لا تؤتي أكلها إلا إذا اعتمدت على الاقتراب من واقع الأفراد واستحضرت ا لمرحلة التاريخية التي تمر منها الأمة الإسلامية. حتى لا تعزل القيم الإسلامية عن حركة المجتمع والتاريخ وتقدم في صيغة مجردة والتي كثيرا ما ترتبط بالفرد والذات ولا ترتبط بالواقع والموضوع. فتقدم القيم الإسلامية باختزال في بعدها الفردي وتعالج الظواهر بمعزل عن الأرضية الاجتماعية والقيمية التي أنتجتها فيصبح الحديث عن الصدق والتقوى والأمانة وغيرها من القيم صيغا مجردة معزولة عن الواقع والناس ومطالبهم. لأنها قدمت في صور تحققها في الماضي فصارت شبيهة بالثقافة الأثرية لا الواقعية. وهذا يفضي بنا للحديث عن ضرورة وجود مربين وموجهين أكفاء يعون ماهية الفعل التربوي وما يتطلبه من وعي وتبصرة بالمحيط والأفراد والزمن وسبل صياغة خطاب مؤثر ومتفاعل مع الواقع ويعتمد عليهم في التبصير بخطورة هذه الانفلاتات. ولهذا قيل: »إذا لم يكن المربي ذا كفاءة فلن يكون البرنامج ذا جدوى ».

1- مصطلح الجاهلية تطلقه الحركة الإسلامية على المرحلة التي يعيشها الفرد قبل توبته وإقلاعه عن نمط الحياة التي كان يعيشها قبل التزامه. وهي ليست صفة تطلقها الحركة الإسلامية على المجتمع وإنما هي مجرد تشبيه يتعلق بسلوكات الفرد التي كانت دون ضوابط أي أشبه بما كان يفعله الإنسان في الجاهلية الذي لم يكن يخضع لقانون إلاهي ولا ضوابط دينية مرشدة وموجهة. وأما عن نظرة الحركة الإسلامية للمجتمع فإن الحركة الإسلامية في المغرب تتميز عن باقي الحركات الإسلامية في العالم بموقف خاص من خلاله تنظر إلى المجتمع على أنه مجتمع مسلم وما فيه من خلل أي تعاطي للكثير من الناس للحرام فإنما هو طبيعي نظرا لضعف الإنسان تجاه مغريات الحياة. وهي تعتبر نفسها مسؤولة بشكل كبير لكونها تعتبر الدعوة إلى الخير واجبا دينيا. وبعض الحركات الإسلامية في المغرب تأخذ على عاتقها حل تنظيمها نهائيا إذا ما استقامت الحياة الاجتماعية ورجع الناس إلى خالقهم وتفشت القيم والمعاملات الإسلامية بينهم. لأنها ترى لا جدوى من وجودها ولا جدوى من وجود عملها الدعوي في مجتمع الخير والفضيلة ناسه يحكمون شرع الله بينهم بشكل طبيعي وعادي. وليس هذا معناه أن العمل الدعوي سيتوقف بل فقط سيتحول إلى سلوك يومي يقوم به أي إنسان رأى خطأ أو منكرا وفق ضوابط الشرع درأ للفتنة وجلبا للوحدة الوطنية ووحدة الأمة التي تعد من الأسس التي تقويها في مواجهة أعدائها.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *