أروع البرامج التربوية في تاريخ الحركة الإسلامية في المغرب 2/5
بين يدي البرنامج
إذا كانت أهمية أي برنامج تكمن في مدى قدرته على الإسهام في بناء النفوس وتشكيلها للفعل والحركة أو ما يسمى بالأقوياء الأمناء، فإنه (أي البرنامج) يبقى في أصله عبارة عن مادة ميتة (ورق) ما لم يتعاطى معه الأعضاء بوعي دقيق، في إطار المنظومة التربوية، وفهم متكامل لجميع مكوناته العمودية منها والأفقية، وخصائصه وأبعاده وفلسفته ومنهجيته العلمية التي صيغ عليها، فحينها يمكن للأعضاء أن تكون لهم القدرة على نفخ الروح فيه لتتحول مادته الميتة إلى نبضات وعي وتبصرة حية تكون في المستوى لتصحيح التصور، وتصحيح السلوك، وتصحيح الإلتزام وتكوين الفرد دعويا من أجل الممارسة والتنزيل في الواقع.
وفي هذا الإطار تأتي هذه القراءة في هذا البرنامج وهي قراءة اجتهادية توضح أهم ما لدى الحركة الإسلامية من قوة وتبعث بإشارات تنويرية حتى يعلم الناس أن العقول المتطرفة التي تدعي الدين والتدين تتشكل من خلال ما لدى تنظيماتها من تصورات وبرامج تربوية. كما تتشكل العقول المتنورة المنفتحة العاقلة، كذلك، من خلال تصورات وبرامج تنظيماتها.
ومن خلال هذه القراءة سيتضح إلى أي مدى يمكن أن تتشكل عقول الذين خضعوا لهذا البرنامج من حيث تمثل قيم الإسلام الحقة التي تبعدهم كل البعد عن أي تطرف أو تعصب أو اعتبار الذات محتكرة للحقيقة والصواب وأن الآخر ما هو إلا عربيد منافق إن لم نقل ضال وكافر.
إن هذه القراءة لن تكون قراءة عادية سطحية كما يقرأ الكتاب أو المطبوع. وإنما هي قراءة متحركة لامسته عن قرب في حركيته وهو يجري بالجلسات والمدارسات نحو التخريج مع مراعاة أن أي برنامج لا يمكن على الإطلاق أن يتجاوز الظرف الموضوعي ( الواقع) ولا الفترة الزمنية التي يتنزل فيها، ولا الأفراد الذين يتوجه إليهم، ونعني بالأفراد المكونات والعوامل السياسية والثقافية والاجتماعية البيئية التي لها دور في التشكيلة العقلية والتربوية والنفسية لهم. لأن العملية التربوية هي محاولة لتكوين الفرد ليتحرك في واقع محلي في فترة زمنية من التاريخ. وهذا يتطلب قبل إنزال البرنامج قراءة في الواقع الذي يراد للفرد أن يتحرك فيه ومعرفة خصائص ومميزات الفترة الزمنية التي يمر بها هذا الواقع. وإننا لسنا في حاجة لنعرف إن كان الذين بدلوا جهودهم في صياغة هذا البرنامج قد اعتمدوا على الواقع والظرف الزمني وبحثوا خصائصه وعرفوا متطلباته أم لا. لأن البرنامج المعني حتى من خلال قراءته قراءة سطحية يتضح أنه مطاطي إلى حد كبير ومنسجم مع الزمان والمكان ومع مختلف القطاعات والمستويات.
وبذلك فإن توظيفه بالشكل اللائق المطلوب يجعل شرطي الواقعية ومراعاة المرحلة التاريخية من مرتكزاته. فقط، يبقى هذا التوظيف رهينا بكيفية التنزيل والتطبيق. وهنا يأتي دور الشروح والقراءات والتوضيحات كسابقة تسبق العمل والتطبيق للبرنامج كوقفة أساس يضعها المشرفون بين يدي المربين لعلهم يجدون فيها ما يعينهم على فهم البرنامج وإنزاله بالشكل الذي أريد له فيتعاطون معه في كل جزء من أجزائه بالشكل الذي ينفخ فيه الروح الرسالية التربوية المطلوبة والتي وحدها من تكون الكفيلة بتشخيصه كفرد عبارة عن طاقة ملمة وموجهة ومعطاءه .
وقبل الشروع في الحديث عن البرنامج في عمق وحداته وأجزائه، لابد من ذكر إضاءات توطئ لاستيعاب الأرضية والمؤشرات التي تجعلنا نستوعب هذا البرنامج في موقعه الموضوعي ومع مراعاة الخاصية الإنسانية التي يمتاز بها الأفراد مناط التربية. وهذا ما سنتحدث عنه في الحلقة المقبلة بحول الله.




Aucun commentaire