هل يمتلك المغرب بورجوازية حقيقية؟
البرجوازية مفهوم كان يطلق في العصور الوسطى بفرنسا على طبقة اجتماعية كانت تتعاطى للتجارة و المال و الصناعة التقليدية،و هي طبقة وسيطة بين النبلاء و الطبقة العاملة(البروليتاريا)،وهي مكونة من رجال لهم حقوق،و ملكية فردية.و مع عصر التصنيع،ستتطور هذه الطبقة،و ستتولى السلطة بعد الثورة الفرنسية،وقد حملت في نضالاتها ضد النبلاء، قيما ليبرالية و حداثية و ديمقراطية.
وفي المفهوم الماركسي،تعتبر البورجوازية ، في ظل دولة رأسمالية، هي الطبقة الإجتماعية المهيمنة على وسائل الإنتاج،وتحاول – حسب هذه النظرية – استغلال البروليتاريا،التي تبيع قوة عملها،مع فائض قمة تستغله البورجوازية.
هكذا تهيمن البورجوازية على المجتمع نظرا لتكوينها الثقافي،و تأثيرها السياسي المرتبط بوزنها الإقتصادي.
و يمكن تقسيم أنواع البورجوازية على الشكل التالي:
1. البرجوازية العليا : وهي بورجوازية تمتلك وسائل الإنتاج الكبرى،و مكونة من طبقة الأغنياء الكبار.
2. البورجوازية الوسطى:المكونة من الأطر العليا،و أصحاب المهن الحرة،وذوي ملكيات و مداخيل مهمة.
3. البورجوازية الصغرى:مكونة من الأطر الصغرى و المتوسطة،و التجار الصغار،و الفلاحين الصغار.و للإشارة فإن البورجوازية الوسطى و البورجوازية الصغرى،يشكلان ما يمكن أن نسميه بالطبقة الوسطى، التي أضحت من مشاغل الدولة لدعمها لما تشكله من استقرار اجتماعي و سياسي.
انطلاقا من هذا المفهوم، لنا أن نتساءل: هل يمتلك المغرب بورجوازية بكل حمولاتها التاريخية و النضالية،أم لا نعدو أم نجد « بدوا أغنياء » كما قال ذات يوم الراحل محمد زفزاف؟ و أي وضع تعيشه الطبقة الوسطى ، العمود الفقري لكل استقرار؟
عرف المغرب منذ عدة قرون طبقة من البيروقراطية التجارية داخل المدن الكبرى كفاس و مراكش،وبعد استعمار المغرب في القرن العشرين ، تضررت مصالحها بسبب قطع طرق الإمدادات من المشرق، مما أثر عليها،وجعلها تنخرط في دينامية العمل الوطني و المطالبة بإجلاء الإستعمار، وقد كانت هذه البيروقراطية التجارية تحمل قيما سلفية، ولم تكن حاملة للقيم الحداثية، لهذا طالبت بالإستقلال نظرا لتضرر مصالحها ، لكنها لم تطالب بنظام ديمقراطي، وفصل السلطات.كما تشكلت إبان الإستعمار طبقة من أبناء الفلاحين غادرت البادية و ترقت اجتماعيا من خلال النظام التعليمي.
بعد الإستقلال ، و في ظل الصراع بين الإدارة من جهة التي تحالفت مع البادية و مع الأعيان، و بين القوى الوطنية من جهة ثانية، و نظرا لأن مصالحها تضررت، اختارت البيروقراطية التجارية الانضمام إلى قوى الحركة الوطنية. هكذا ستجد الإدارة صعوبة في إيجاد بورجوازية عليا ليبرالية يمينية، تؤمن بالعمل الحر، و تقدم خدمات من خلال المقاولة، و تكن للإدارة كل الولاء و تشكل ميزان قوة في مواجهة الحركة الوطنية،لذا ستقدم على خلق هذا » اليمين » من خلال دعمه بالمقاولات التي تركها الإستعمار في إطار ما كان يعرف آنذاك بالمغربة، و هي للإشارة طبقة قريبة من دوائر اتخاذ القرار ، و تتميز بالنقط المشتركة التالية:
1. استثمارها في القطاعات السريعة الربح، كالعقار ، و المواد الغذائية، و المقاهي الكبرى، والخدمات ….إلخ.
2. ، إيمانها بقيم الليبرالية في مجال المبادلات التجارية، لكنها لا تحملها في مجال الفكر،و بالتالي فهي ليبرالية اقتصاديا،و محافظة فكريا و سياسيا،وهذا كان باديا خلال الحملة المناهضة لمدونة الأسرة الذي تبنته حكومة التناوب بقيادة عبد الرحمان اليوسفي،حيث وجدت أحزاب يمينية داخل التظاهرة المناهضة التي أقيمت بمدينة الدار البيضاء.
3. اعتمادها الغير المتناهي على الدولة في دعمها،ولا تمتلك ثقافة المغامرة.
في مقابل هذا النوع من البورجوازية الريعية،لا يمكن نسيان أن المغرب عرف أنوية رأسمالية، قادته بورجوازية ناشئة،تحمل قيما ليبرالية في الفكر و في الممارسة الإقتصادية،لكنها مع الأسف عرفت عدة عراقيل، و ما الحملة التمشيطية التي قادها وزير الداخلية الراحل ادريس البصري خلال ما يسمي ب « الحملة التطهيرية » في النصف الثاني من تسعينات القرن الماضي، و التي كانت تروم المس بمقاولين أرادوا أن يعكسوا استقلاليتهم تجاه الإدارة . و للتذكير فالكنفدرالية العامة لمقاولات المغرب لا تتجاوز 40% من تمثيلية مقاولات المغرب.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك طبقة وسطى تكونت ما بعد الاستقلال،وقد انضمت إلى المعارضة، و مكونة أساسا من أطر تعليمية،و من قطاعات إدارية أخرى، و كانت تحمل قيما حداثية و عقلانية، و كانت تدعم الأحزاب المعارضة الكبرى كالإتحاد الإشتراكي ،و قد تم ضربها في الصميم من خلال الإجهاز على مكتسباتها،خاصة في بداية الثمانينات من القرن الماضي، التي تميزت بظروف هيكيلية صعبة،و بإملاءات دولية مشروطة على المغرب. لكن سيبرز تذبذب هذه الطبقة ما بعد التناوب عندما دخلت أحزاب المعارضة التاريخية إلى الحكم من خلال التناوب التوافقي،حيث ستتخلى عن دعمها خاصة للإتحاد الإشتراكي ، و تعوضه بدعمها لحزب العدالة و التنمية ذي المرجعية الإسلامية.وقد أولى الخطاب الرسمي مؤخرا الحديث عن هذه الطبقة، و أكد على دعمها لما تشكله من استقرار مجتمعي، و لما تحمله من قيم ثقافية. و نظرا للأوراش المهيكلة التي يعرفها المغرب،فقد ظهرت فئة شابة من الطبقة الوسطى تحمل قيما استهلاكية،و وضعيتها الإجتماعية متحسنة.
من نافلة القول الحديث على أن القطاع الغير المهيكل،أفرز أغنياء جددا،يقومون بتبييض أموالهم في مشاريع عقارية،و في موانئ ترفيهية خاصة في شمال المغرب ، كما كان يقوم به » منير الرماش » و »النيني » ، وحسب تقارير غربية فإن الصادرات المغربية في القطاع المهيكل،تبلغ 15 مليار دولار، توازيها نفس النسبة من صادرات القطاع الغير المهيكل.
إذن المغرب محتاج إلى بورجوازية عليا، تتميز بالوطنية، و تسهم في خلق الثروة،في استقلالية تامة عن الدولة،التي يجب أن ترعاها، و تسن القوانين من أجل تسهيل الأمور بالنسبة إليها. فعهد الامتيازات قد ولى،نظرا لظروف فتح الأسواق و العولمة. و الطبقة الوسطى تعرف وضعا متدهورا،و نسبة كبيرة منها لامست الفقر في أكبر تجلياته،و البلد محتاج إليها لتكريس الاستقرار، لأنه يلاحظ كثرة الإضرابات القطاعية، و هذا مؤشر خطير،يجب التقاط إشاراته. و القطاع الغير المهيكل يجب أن يتوقف، لأنه ينتج أغنياء سلبيين يبحثون عن الربح السريع على المستوى الإقتصادي، و يلتجئون إلى ربح سريع على المستوى السياسي. و الأكيد أن المغرب يعرف تململا إيجابيا سيجد – لا محالة – حلولا لمشاكله
3 Comments
أهنئك أخي رشيد على هذا الحفر السوسيولوجي في التركيبة الاجتماعية والسياسية لبلدنا المغرب.. إنني ألاحظ نضجا مضطردا في مقالاتك التي تعكس قضايا وملفات جوهرية بالنسبة لراهن المغرب ومستقبله أتمنى أن تواصل العمل في تناول مثل هذه المواضيع إنها لطريقة فعالة لجعل الضفادع تتوقف عن النقيق.. تحياتي ,, ،
مقال يستحق الاشادة لتعرضه للتركيبة الاجتماعية و السياسية في المغرب تطلب من صاحبه بذل مجهود في البحث و التحري .
نشكر الاخ رشيد على هذا الجهد.
merci rachid et bon continuation