المحسوبية والزبونية تدمير للمصلحة العامة
المصلحة العامة هي المصلحة المشتركة بين كل فئات الشعب ، وهي المصلحة المناقضة لكل ما هو خاص ، ذلك أن الناس تختلف مصالحهم الخاصة وتتناقض وتتباين ، ويحكمها قانون عبر عنه الشاعر العربي بقوله : » فوائد قوم عند قوم مصائب » وهو قانون يجعل المصالح الخاصة ينقض بعضها بعضا ، ولا سبيل للتوفيق بينها إلا عن طريق مصالح عامة تحتوي اختلافها وتناقضها . وبتحقيق المصلحة العامة تزول أو تعدل المصالح الخاصة ، وبدون ذلك يستحيل تحقق المصلحة العامة . والمصلحة العامة تتعرض للتدمير بأشكال مختلفة ويكون سبب ذلك محاولة البعض تغليب المصالح الخاصة أو الشخصية على الصالح العام . ومن أساليب تدمير المصلحة العامة ما يعرف بالمحسوبية أو الزبونية وهي عبارة عن تمكين من لا يستحق من مصلحته الخاصة على حساب المصلحة العامة .
ومعلوم أن الصالح العام له دواليبه التي لا يمكن أن تتعطل إلا أن المحسوبية والزبونية تعرقل هذه الدواليب عندما تمكن من لا يستحق من التسلل إليها ليعمل عكس سير هذه الدواليب المحركة لعجلة الصالح العام الضخمة . فكم من قطاع في البلد يعرف التأخر أو التعطيل أو حتى الشلل التام ويكون سبب ذلك وجود (مسؤول ) آل إليه الأمر عن طريق المحسوبية أو الزبونية وهو غير مؤهل لتحمل المسؤولية ، وإنما وصل إليها بطريق غير مشروع إما برشوة مادية أو بجاه سواء كان جاه قرابة أو جاه حزب أو طائفة … أو حتى بعرض مباح أحيانا . و (المسؤول ) الواصل إلى المسؤولية التي تفوق كفاءته وقدره عن طريق المحسوبية والزبونية دائم التبجح بالكفاءة والأهلية لأنه يقر في قرارة نفسه أنه حصل على مسؤولية ليس أهلا لها ، وهو يعلم علم اليقين أن الرأي العام يستنكر حصوله على هذه المسؤولية ، تماما كما أنه هو نفسه غير مقتنع بأهليته لتبوأ هذه المسؤولية ، ومع ذلك يعطل ضميره ، ويحاول جهده وباستمرار إقناع الرأي العام بأنه في مكانه المستحق بطرق شتى أشهرها إلى درجة الابتذال وسائل الإشهار المختلفة حيث يعتمد على شرذمة من الوصوليين والانتهازيين من أصحاب المصالح الخاصة أمثاله ليقوموا بدور الدعاية الرخيصة له ، وتمجيده كذبا وزورا وهم الذين سماهم المصلح عبد الرحمان الكواكبي رحمه الله المتمجدين الذين يصنعون الاستبداد .
وهؤلاء الوصوليون والانتهازيون يحولون الفشل الواضح الفاضح لمسؤول الزبونية والمحسوبية بنفاقهم إلى منجزات . فالمسؤول الذي يصل إلى مركز القرار في بعض القطاعات والإدارات عن طريق المحسوبية والزبونية لا يقرأ النسب المائوية الخاصة بالفشل والتعثرات ، ويكتفي بقراءة نسب النجاح الضيئلة قراءة نفخ وتضخيم ولا تنطلي حيل قراءته المغرضة إلا على السذج والعوام .وهذا (المسؤول) المزور لا تربطه بمن يحيط به من الوصوليين والانتهازيين سوى علاقة المصلحة الشخصية الضيقة الزائلة بزوال درجة نفعها ، وهو في أعماقه يحتقرهم ويزدريهم كما أنهم يشاركونه الاحتقار والازدراء بحيث إذا ما خلوا إلى بعضهم البعض كما تختلي الشياطبن إلى بعضها ذكروه بكل سوء ، وذموه شر ذم . وكما يبطن (مسؤول ) الباطل الاحتقار لمن يحيط به من الوصوليين والانتهازيين ، ويظهر لهم التقدير الكاذب ،فإنه كذلك يبطن الحقد الأسود لمن يجاهر بانتقاده جهارا ، ويظهر له الاحترام الزائف لأنه يهدده في مصلحته الخاصة ، ومع ذلك لا يسعه إلا أن يعترف بأن هذا المنتقد الصريح أصدق من عشرات الوصوليين والانتهازيين المنافقين الكاذبين . إن منتقد( مسؤول )الباطل المزيف الصريح هو ضمير الأمة ، وهو صوت الصالح العام الذي يحرص على مصالح الأمة بما فيها مصلحة(المسؤول) المزيف نفسه ، لو أقر هذا الأخير بالحقيقة واعترف بها عوض التمويه عليها ، واعتبار المنتقد الصريح مجرد حاسد .
ومن المخزي بالنسبة لبعض من صاروا مسؤولين في بعض القطاعات عن طريق المحسوبية والزبوينية أن الرأي العام يعرف جيدا كيف صاروا مسؤولين ، وفيهم من يسخر الناس من مقايضته المسؤولية حتى بعرضه وشرفه ، ومع ذلك يقبل تجرع مرارة الهوان والذل من أجل الاحتفاظ بمنصب المهانة اليومية واللعنة الأبدية . فإذا كان أحرار الناس وشرفاؤهم يبذلون الأنفس والأرواح ثمنا مقابلا للكرامة ، فإن أراذل الناس يدفعون كرامتهم ثمنا لمناصب تافهة ،وكل همهم أن يقول عنهم الرعاع والسوقة إنهم صاروا مسؤولين ، لأن الرعاع والسوقة لا يبالون بثمن المسؤولية الباهظ الذي يدفعه طلابها من أعراضهم ومياه وجوههم. ومشكلة (مسؤولي ) المحسوبية والزبونية أن أداءهم ضعيف ، ومثير للسخرية إن لم نقل للشفقة ، وهو أداء عبارة عن لعنة تلاحقهم أينما حلوا وارتحلوا . والمؤسف حقا أن يسخر منهم الساخرون بالتلميح والتصريح أحيانا ، وهم يعلمون ولكنهم هانوا فسهل عليهم الهوان .
Aucun commentaire