أيها الأستاذ الكريم, عرفناك و لم تعرفنا, و تعرفنا عليك من خلال كتاباتك في مجالات متعددة, و كأنك كنت تجسد المقولة المعروفة: الفلسفة هي أم العلوم. أو بذلك التشبيه الذي ساقه ديكارت حيث شبه الفلسفة بشجرة جذورها الميتافيزيقا…فأنت دائرة معارف متنقلة ,و مجالات اهتمامك متعددة و كان لنا أول لقاء معك في قسم الباكلوريا ,ونحن تلاميذ مراهقون ,ندرس لأول مرة الفلسفة من خلال الكتاب المدرسي  »دروس في الفلسفة  » و لا أنكر أني و كثير معي من التلاميذ اندفعوا إلى التسجيل في شعبة الفلسفة إعجابا بفكرك و عقاك المتميز و هو يتنزه في حقول المعرفة , بداية من تعريف الفلسفة تعريفا يستوعبه عقل تلميذ أول مرة يصطدم بفكر مختلف,و تتجول به في أنواع الفكر البشري, و ما ينتجه الفكر في ميادين السياسة و الأخلاق و المنطق و الرياضيات و الفيزياء و البيولوجيا …والدين والميتافيزيقا و الوجود و… دراسة ابستمولوجية.

واستطعت بجهد المفكر الذي يستعمل منهجا في التفكير أن تجمع شتات ما ينتجه العقل منذ المرحلة الجنينية إلى مرحلة النضج إلى مرحلة الشيخوخة )عصر الانحطاط(. إنها مغامرة فكرية التزمت السير فيها لتبرز تطور العقل و العوامل المختلفة الداخلية والخارجية والقريبة و البعيدة التي أثرت فيه, والعقبات و العراقيل التي اعترضته ليكون على هذا الشكل و ليس على شكل آخر.
إن أصعب و أرهق مهمة يمكن أن يتصدى لها باحث كبير هي تحليل العقل,و إبراز أدواته و مواضيعه, و العلاقات المتداخلة بين العقل و المحيط الذي يؤثر فيه و يتأثر به.بين الفكر و الواقع الذي يوجد فيه. ماهي المشاكل التي عالجها الفكر.وماهي المناهج التي استخدمها في التعرف و التحليل و إيجاد الحلول الخ…. انك تتبعت مسيرة العقل عند الفلاسفة العرب و المسلمين , و عند أمم أخرى قديما و حديثا , بمنهج و أدوات معقدة لرصد اتجاهات الفكر و ربطه بواقعه الذي افرزه .

علمتنا أن نحب الفلسفة في وقت كانت وزارة التربية الوطنية تلاحق كل مهتم بالفلسفة , ونعتته بالشيوعي و الملحد و الاشتراكي و المركسي … و تحاربه بوسائل مختلفة …
أيها الأستاذ الجليل بفضلك و بفضل علمك ومنهجك في التفكير ومكانتك العلمية خارج المغرب كمفكر عالمي لا يسعنا إلا أن نعزي أنفسنا بفقدانك حتى لو كنا تلامذتك من خلال كتابتك .
رحمك الله رحمة واسعة و إنا لله و إنا إليه راجعون.