هل المواطن المغربي متصالح مع مؤسسات العنف الشرعي التابعة لبلده؟

يعرف المغرب حاليا تحولات عميقة في المجالات الاقتصادية و الإجتماعية و الثقافية، و السياسية،نتيجة انخراطه في صيرورة الإصلاحات البنيوية التي انخرطت فيه المملكة الشريفة منذ عهد حكومة التناوب التوافقي التي جاءت نتاج التقاء الإرادات الحسنة بين المؤسسة الملكية و الأحزاب السياسية المنبثقة من الحركة الوطنية.ترى هل هذا التحول الذي يعرفه المغرب يواكبه تحول في ممارسات و ذهنية مؤسسات العنف الشرعي؟هل المواطن المغربي أحس بهذا التحول؟و ما هي الإجراءات التي اتخذتها هذه المؤسسات للتصالح مع المواطن المغربي؟و ما دور التنظيمات اللادولاتية و المدنية ،و الجمعيات الحقوقية في تكريس هذا التصالح؟ وهل هناك فعلا نوع من اللاثقة بين المواطن و مؤسسات العنف الشرعي؟ و ماهي الأسباب ،و هل لها جذور تاريخية؟
قبل الخوض في الموضوع ،يجب الإشارة إلى أن مؤسسات العنف الشرعي هي كل الأجهزة التي تسهر على سلامة المواطن،و تطبق القانون،في حالة إخلال المواطن به ،كاستعمال القوة العمومية في بعض الأحيان، عند القيام بالإضرابات الغير المرخصة، و التجمهر الغير المرخص ، والقبض على المجرمين…. و هذه المؤسسات تتكون من أجهزة متعددة.
عرفت الدولة المغربية تاريخيا استمراريتها منذ 13 قرنا،مما جعلها تؤسس تنظيمات أمنية تضبط الأمن،و تحاول القضاء على تمردات القبائل،و جمع الضرائب،و استتباب الأمن،لكن هذه التنظيمات كانت تقوم بتجاوزات في حق المعارضين و الخارجين عن كنف السلطة المركزية ،مما خلق انطباعا سيئا لدى الذاكرة الجمعية و التاريخية للمغاربة، الذي كانوا يتوجسون مما كانوا يسمونه قديما ب »المخزن » و يوصون بعدم الثقة فيه.
بعد استقلال المغرب و بناء الدولة الحديثة،و في جو الصراع بين القوتين الفاعلتين في الحقل السياسي المغربي ،و هما المؤسسة الملكية، و أقطاب الحركة الوطنية، حول شكل الدولة، و تقسيم السلط،و في ظل هذا الجو المكهرب ،حسمت الدولة السلطة، و أسس جهاز الأمن الوطني من طرف المغفور له الراحل محمد الخامس في الأيام الأولى للاستقلال ،و إبان هذا التجاذب و الصراع حول من يمتلك السلطة الزمنية،وقعت انزلاقات بين الدولة التي استعملت الأجهزة في صراعها، و بين المعارضين الذين كانوا يحاولون المس بطبيعة النظام السياسي .
إن المؤسسة الأمنية في عهد الدموي محمد أفقير عاثت في الأرض فسادا،فحسب أحمد البخاري ،العميل السابق لدى جهاز الاستخبارات المغربية،فإن البوليس المغربي خلق جهازا سريا سماه ب « CAB1 » في بداية السبعينات،بقيادة أحمد الدليمي، وكان يمارس الإختطافات، و للإشارة فإن الجهة الشرقية و خاصة مدينة وجدة، كانت مزودا حقيقيا بالأطر للمؤسسة الأمنية !!!!!. للتذكير أيضا فإن مرحلة أدريس البصري و الداخلية السياسية كانت صعبة من خلال القمع الذي مارسته.
هذا و قد اعترفت الدولة بأخطائها في إطار المصالحة مع الماضي و جبر الضرر.و تم تعويض المتضررين. أما الآن ،و في إطار الإنفتاح السياسي الذي يعرفه المغرب، والممارسات الجريئة لدمقرطة المؤسسات من طرف عاهل البلاد،فلابد من تسجيل عدة إيجابيات نذكر منها:
1-استعمال خطابات جديدة داخل دواليب المؤسسة الأمنية من قبيل « الحكامة الأمنية » و « سياسة أمن القرب » و مفهوم الشراكة مع المجتمع المدني.
2-وعي الدولة بأهمية الرفع من القدرات المؤسساتية لرجال الأمن عبر إدخال برامج حقوق الإنسان في التدريس،وفي هذا الإطار يجب تسجيل الإتفاقية التي قام بها المجلس الإستشاري لحقوق الإنسان،و مؤسسة الأمن الوطني في تأطير كوادرها حول حقوق الإنسان.
3-الرفع من المستوى المعيشي لرجال الأمن من خلال خلق قانون أساسي جديد للوظيفة خاص بهم،و خلق مؤسسة »محمد السادس للأعمال الإجتماعية » الخاصة برجال الأمن و التي تعنى بشؤونهم الإجتماعية.
لكن رغم هذه الإيجابيات،يجب تسجيل عدة سلبيات من قبل أن المواطن المغربي الذي مازال يتوجس من رجل الأمن،ويحذر منه،فالجمعيات الحقوقية لم تع بعد في لا وعيها و سيكولوجيتها ،إن رجل الأمن مواطن مغربي و إنسان له حقوق كباقي المغاربة،كما أن من يخبر رجال الأمن بشخص في حالة سكر،أو سارق،و يتم « اكتشافه » من طرف أهل الحي،يعتبر منبوذا ، ويتم تهميشه داخل الجماعة،في وقت هو يساهم في محاربة المخاطر الإجتماعية ،و استتباب الأمن في إطار تشاركي.
أنا هنا أتحدث عن المواطن العادي،الذي له غيرة،وبعيدا عن كل الأشكال المشبوهة. كما أن درجات الوعي لدى المواطن المغربي تعرف درجات مختلفة،فالمحور الاقتصادي طنجة – الدار البيضاء، يمتاز بوعي متطور ،مقارنة بباقي مناطق المغرب، مما يجعل تعامل الجهاز الأمني مع مظاهرة في الدار البيضاء ،يختلف مع مظاهرة و بنفس المطالب ببوعرفة أو بني ملال !!!!!!
إنه مطلوب على المجتمع المدني أن يكرس أواصر التصالح بين المواطن و المؤسسات الأمنية التي خلقت من أجل حمايته،و ذلك عبر:
–
–القيام بحملات تحسيسية من طرف المجتمع المدني للتعريف بالدور الذي يلعبه رجل الأمن في تكريس قيم المواطنة،التي لن تتأتى إلا باستتباب الأمن،
– خلق شراكات محلية بين النسيج الجمعوي و المؤسسات الأمنية ، كالقيام مثلا بأنشطة مشتركة خلال الأيام الوطنية للسلامة الطرقية،
–انفتاح المؤسسات الأمنية على المدارس التعليمية،
–جعل الإعلام السمعي البصري،و المكتوب و الإلكتروني،قاطرة لخلق جسور التواصل بين رجل الأمن و المواطن،
–تثمين الأدوار الطلائعية التي يقوم بها رجل الأمن في محاربة الإرهاب.
–تعميم مجلة الأمن الوطني على النسيج الجمعوي ، للتعريف بالدور الذي يقوم به رجل الأمن.
لقد انخرط المغرب فعليا في دينامية الأوراش الكبرى و المهيكلة،و الإصلاحات الديمقراطية ،و هذه الخطوات لابد أن تواكبها إصلاحات اجتماعية ،و خلق الثقة بين المواطن و مؤسساته و منها الأمنية لا تخرج عن هذا السياق.
Aucun commentaire