قراصنة الأدمغة

قرأت مقالا
في جريدة وطنية حول هجرة الأدمغة في المغرب
خصوصا وفي الوطن العربي عموما، فصدمت بالنسب
والأرقام المذكورة وتساءلت عن ضعف هذا
الموضوع في نقاشات الباحثين والمهتمين
وفي الإعلام الجهوي. يتحدث صاحب المقال
عن هجرة 60 % إلى 70% من خريجي المعاهد العليا
بالمغرب نحو أوروبا والولايات المتحدة
وكندا. إن المغرب حسب، نفس الدراسة، يخرج
سنويا 1800 مهندس في مختلف التخصصات وهذا
الرقم لا زال بعيدا عن طموح المغرب (10 آلاف
مهندس كل سنة!)، ورغم أن اقتصاد البلاد في
أمس الحاجة إلى هذه الكفاءات العلمية ،
فإن أغلبها تهاجر خارج الوطن أو يتم تهريبها
من طرف شبكات اقتناص الأدمغة التي تتصيد
الخريجين في مختلف المعاهد والأكاديميات.
وهكذا يكون (خيرنا لغيرنا) ونتكلف نحن بالتكوين
والتأهيل لتقطف أوروبا الثمار وتستفيد
من شبابنا وعقولنا. وذكر نفس المقال أيضا
أن العالم العربي يفقد كل سنة 50% من أطبائه،
و 23 % من مهندسيه و15% من علمائه في مختلف
التخصصات وأن 31% من الأطباء المزاولين
في بريطانيا هم من أصول عربية وأن العالم
العربي خسر 11 مليار دولار خلال 70 سنة بسبب
هجرة الأدمغة. وحسب تقرير صادر عن جامعة
الدول العربية، فإن الجزائر تأتي في مقدمة
أكثر الدول هجرة لأدمغتها وكفاءاتها بنسبة
215 ألفا و347 كفاءة علمية، يليها المغرب بـ207
ألف و117 كفاءة ثم مصر 147 ألف و835، فلبنان
110 ألف و960 كفاءة والعراق 83 ألف و465 كفاءة
وتونس 68 ألف و190 ثم سوريا 43 ألف 898 وكفاءة
وفي المرتبة الثامنة جاءت الأردن ولها
26 ألف و640 كفاءة ثم السودان 17 ألف و66 كفاءة.
ما جدوى
إذن هذه المشاريع التنموية الهائلة التي
تشهدها جهتنا الشرقية إذا كان خيرة شبابنا
يستقرون ببلاد العجم؟ من سيسير القطب التكنولوجي؟
من سيملأ تلك المساجد الفاخرة التي تعد
مفخرة للجهة؟ من سيستقبل الأعداد الهائلة
من السياح الذين تحضرون لهم تلك المركبات
والفنادق؟ من سيبحث في مراكز البحوث والدراسات؟
من سينتج لنا أدبا نظيفا وشعرا راقيا وعلما
نافعا؟
وإذا كان
بعض الشباب يعذرون في الهجرة لتأمين مستقبلهم
، فإن الكثير منهم لا يبذلون جهدا في البحث
عن عمل في المغرب قبل البحث عن التأشيرة
و »الدالف » و »الطوفل »، والعديد
من الأطر العليا من الجامعيين والمهندسين
والخبراء غادروا مناصبهم هنا وفضلوا العروض
المغرية في الخارج وأخلوا الساحة للطفيليات
والعناصر الوصولية والانتهازية. أنا أعرف
شابا مغربيا عرضت عليه الولايات المتحدة
مبلغا خياليا ليشرف على مركز للبحث فرفض
وفضل أن تستفيد بلده من وطاقاته العلمية
وقد بارك الله مسعاه وزاده رفعة وتألقا
في وطنه.
إن جهود
ولاية الجهة الشرقية ووكالة تنمية الأقاليم
الشرقية والمكتب الجهوي للاستثمار ومجلس
الجهة (رغم تحفظنا على طريق تنصيبه) يجب
أن تنصب على إعادة الاعتبار للشباب بإشراكهم
الفعلي في تدبير شؤونهم وتشجيعهم في إنشاء
المقاولات وتحقيق المشاريع… ولا أقصد
بالشباب من يأتون بهم ويضعونهم في الصورة
ويحركونهم كالكراكيز في جمعيات صورية ولا
تعرفهم الأحياء الشعبية ولا يعرفونها.
وقبل هذا وذاك، يجب إصلاح جهاز القضاء كما
ورد في الخطاب الملكي مؤخرا ، ثم إقامة
مؤسسات ديمقراطية قوية وفاعلة تحترم فيها
إرادة الناخبين ويتعبأ الجميع من حولها
دون وصاية الداخلية بالأساليب المتجاوزة
أو بالتعليمات الضغوط التي ترجع بنا إلى
الوراء. فالرهان الاقتصادي مهم جدا وهو
أولى الأولويات، لكنه مرتبط بالرهان الاجتماعي
وتحقيق العدل. يقول ابن تيمية رحمه الله:
(إن الله ينصر الأمة العادلة ولو كانت كافرة،
ولا ينصر الأمة الظالمة ولو كانت مسلمة).
إلى جانب ذلك، ينبغي على الجمعيات والهيئات
المدنية والمحاضن التربوية والرياضية
والثقافية أن تغلب خطاب الاعتزاز بالوطن.
فخلال
بعض المخيمات الصيفية أو الربيعية التي
نساهم في تأطيرها، نلمس دائما نفس التذمر
واليأس والتشاؤم والرغبة في الفرار من
الوطن. وحين نستعرض أمامهم بعض الحقائق
التاريخية كقيام الدولة المغربية منذ 13
قرنا وإشعاع حضارتنا في الأندلس لمدة ثمانية
قرون والحديث عن قصر الحمراء وفتحنا لإفريقيا
السوداء واهتمام المغاربة بالقدس الشريف
الذي يشهد عليه آثارهم هناك إلى يومنا هذا
واعتراف المغرب بالدولة الأمريكية والإشارة
إلى أمجاد يوسف بن تاشفين وطارق بن زياد
وملاحم بن عبد الكريم الخطابي والزرقطوني
وحين نذكر لهم بعض خيرات الوطن وكنوزه الطبيعية…
يكبر هذا الوطن في أعين الشباب وتتغير نظرتهم
إلى بلدهم ويستشعرون واجبهم نحوه وحقوقه
عليهم. إن من أفرغوا مادة التربية الإسلامية
من محتواها ونصبوا أنفسهم أوصياء علينا
وعلى أمننا وخربوا الإعلام الوطني ويدافعون
اليوم عن الشذوذ الجنسي بدعوى حماية الحريات
الفردية ويضيقون على اللغة العربية بدعوى
الانفتاح يساهمون من قريب أو من بعيد في
اهتزاز الثقة في الوطن ويسهلون مهمة « اليد
الخفية » في سرقة العقول والأدمغة.
2 Comments
حياك الله أخي السباعي ، أطالع مقالاتك وأجد فيها وطنية وغيرة عن أبناء هذا الوطن وعزة بتاريخ هذه الأمة.
إن الأدمغة المغربية التي وجب الوقوف لها إجلالا هي تلك الأطر الكفؤة المرابطة بالوطن وتكافح بما أوتيت من إمكانات للإرتقاء بهذا الوطن العزيز إلى الأمام، تحية فخر واعتزاز للكفاءات المغربية داخل الوطن وتحية للمدرسين والأساتذة والمفتشين المغاربة المخلصين الذين يصمدون من أجل الرسالة النبيلة، المرابطين في الأوحال والقرى النائية الذين لم يدعوا أنهم خريجوا » معهد الماساتشوسيتس » أو جامعة »هارفارد » إنهم أبناء المدرسة و الجامعة المغربية، لم ييأسوا ولم يشيعوا الهزيمة في صفوف النشىء. أعطوا نفسا جديدا وضخوا دما نقيا في شرايين الجيل على الرغم من مظاهر الفتن والإنحلال.
أي أطر نصنع و عن أي أدمغة مهاجرة نتحدث وهل ستعود هذه الشريحة يوما ما لتشغل مناصب حساسة تهم تحديث الكسب والتجارة والتأطير!؟ وهل سيكون مصير ملايين المواطنين بأيدي هؤلاء!؟. الموضوع يحتاج الكثير من الغوص لأن ليس كل من يحصل على شهادة عليا ويغادر وطنه يعتبر « دماغا مهاجرا! »
جزاك الله
filala71@yahoo.ca
حفظك الله ورعاك يا أخي عبد القادر وأنا كذلك أتابع باهتمام مقالاتك وتعليقاتك
لقد صرح أحد الرؤساء الفرنسيين يوما « صحيح أن فرنسا ليس لديها نفط ولكن لديها أفكار ». المغاربة كذلك لديهم أفكار ونبوغ
وحضارة عظيمة ولكنهم يتعرضون لحملات تهدف لطمس هويتهم ومسخ شخصيتهم وتمزيق أوصالهم. والمثقفون يتحملون قسطا من المسؤولية لأنهم أخلوا ساحة التأطير.