العصا لمن عصى

يكثر الناس في جلساتهم الحديث عن التعليم أيام زمان والتعليم هذا الزمان, هذه الاحاديث التي يتطرق اليها المتحاورون لم تأت من فراغ, فهم يقرأون الصحف التي تطالعنا من حين الى آخر باعتداء طالب على مدرس في احدى مدارس المملكة
وأمام مثل هذه الحوادث يقف المرء حائرا لا يعرف ما هو السبب, أهو قصور في المدرس؟ أم قصور في الانظمة والتعليمات الحكومية؟ أم هو قصور ذهنية هؤلاء الافراد المعتدين وعدم مقدرتهم على استيعاب مفردات السلوك الحضاري المنبعث من قيمنا وعاداتنا وتقاليدنا
ثمة مرجعية تؤطر سلوكنا منذ نعومة أظفارنا, ديننا الاسلامي, وحضارتنا العربية الضاربة في اعماق التاريخ, فحضارتنا ليست وليدة الساعة ولا هي مستحدثة على اكتاف شعوب اخرى.
ترى لماذا يكثر الناس الكلام حول التعليم في زماننا الحاضر, ألا تتفق معي – اخي القارىء العزيز – كم تعاني قطاعات المجتمع عامة من سوء وتردي مستوى التعليم في بلادنا بشكل خاص والوطن العربي بشكل عام؟ لماذا لم نحاول مراجعة انفسنا حول هذا الموضوع, أيطيب لنا هذا الوضع الرديء الذي يسير من سيء الى اسوأ, لا اظن ذلك
هذا المعلم الذي سهر وتعب وجاب الامصار والدول حتى يحصل من التعليم احسنه لاجل خير الطالب والمجتمع والوطن قد اصبحت مسألة احترامه وتقديره كعنصر فاعل من عناصر المجتمع محل نظر واعادة تقييم من المشرفين والمسؤولين عن العملية التعليمية والتربوية
ان ما يحصل في المدارس التي هي النواة الاولى للتعليم من تهجم واعتداء على المعلم في بعض المدراس ما هو الا نوع من الانحراف عن مسار التربية والسلوك القويم الذي يفتقد بعض الطلبة ركائزه الاساسية, ولعل أغرب ما في حوادث الاعتداء على المدرس, ان الاعتداء يمر مرور الكرام, فيتبرع اهل الخير يرجون المدرس هذا او ذاك بان يسامح الطالب وذويه المعتدين, رغم ان هذا المدرس قد يكون قد كسرت يده او نحو ذلك او قد نزعت هيبته امام طلاب المدرسة نتيجة هذا الاعتداء
لقد تنبه المفكر طه حسين قبل عشرات السنين الى هذا الامر فاشار في كتابه « مستقبل الثقافة في مصر » الى هذه القضية قائلا: « يجب ان نطالب بالكرامة والطمأنينة للذين نأمنهم على اذاعة العلم والمعرفة في أبناء الشعب, حينئذ نستطيع ان نطالب المعلم بان يخلص في مهنته وينصح تلاميذه ويحتمل في سبيل ذلك المشقة والجهد والعناء, وحينئذ نقترب من الايمان بمهمة التعليم, ولعل ذلك يقربنا من اصلاح التعليم شيئا فشيئا ويقربنا من تحقيق الغاية من التعليم
منذ زمن صدر في بريطانيا قانون يمنع الضرب في المدارس, بدا لصانعي القرار في الوهلة الاولى ان هذا القانون في صالح الطالب والمجتمع, ولكن ظهرت لهم الحقيقة, فتنبه اصحاب العقول النيرة لخطأ صنيعهم وحجم الخسارة التي حلت بالمجتمع, فكان لا بد لهم من سن القانون القديم الذي يبيح الضرب وهذا الخبر تناقلته وكالات الانباء العالمية قبل سنوات قليلة.
ان على الجهات ذات العلاقة التي يعمل المعلم تحت مظلتها ان تعيد النظر في التشريعات التي تخدم المعلم من اجل الحفاظ على هيبته ومكانته, كمرب فاضل وقدوة للسلوك الحسن للاجيال التي تمر سنة تلو الاخرى حاملة رسالة العلم والمعرفة في قالب من السلوك القويم




1 Comment
نتقدون التعليم لأنهم يخافون من انتقاد مؤسسات اخرى لها سلطات ليست لرجال التعليم نظرا لتخلفهم وجهلهم بأمور السياسة والثقافة