Home»National»الإرشاد التربوي والتوجيه وجها لوجه

الإرشاد التربوي والتوجيه وجها لوجه

0
Shares
PinterestGoogle+

إن
أول ما ينبغي أن نعترف به، ولو بينا وبين
ذواتنا، أن التعليم يحتاج اليوم إلى أكثر
من أي وقت مضى إلى أن يساهم الجميع في إصلاحه،
فلعل التعليم هو المهنة الوحيدة التي تحتاج
إلى كافة شرائح المجتمع كي تنتج ثمارها،
فالأسرة والمتعلم والأستاذ و الساسة جميعهم
أطراف ضرورية لإنجاح التعليم، ولا شك أن
تخلف أي طرف عن أداء دوره يُفْشِل التعليم.
لكن هذه الأطراف تتفاوت أهميتها ويختلف
تأثيرها. ولنحصر القول فيما يعنينا لنصرح
أن أهم طرف في العملية التعليمية التعلمية 
هو الأستاذ. قد يصعب إقناع المهتمين بالتربية
والتعليم بهذا الطرح الذي قد يبدو جديدا
وغير مألوف، إذ المعروف في النظريات التربوية
الحديثة أن المتعلم أهم طرف في العملية
التعليمية. أظن أن اعتبار المتعلم أهم ما
في التربية والتعليم خدعة خدعت الكثيرين،
وخطأ تربوي ألحق أضرارا بليغة بتعليمنا،
وما مشكلات التعليم اليوم إلا عاقبة المذهب
التربوي الذي عد المتعلم كل شيء في التعليم.

      هكذا
ففي الوقت الذي كان ينبغي فيه أن يهتم المجتمع
والمسؤولون برأس العملية التعليمية التعلمية،
ألا وهو الأستاذ، انحرف اهتمامهم إلى المتعلم،
فنسوا المدرس، وحشدوا كثيرا من التشريعات
التي تبدو في الظاهر أنها تحمي المتعلم
من « هيمنة  » المدرس، وتسعى للرفع من
شأنه ومستواه، لكن في الظاهر هي تشريعات
كانت وبالا على المتعلم والتعليم.

      إني
أومن إيمانا قويا أن نجاح أي إصلاح لن يتحقق
إلا بإعادة الاعتبار للمدرس بتشجيعه و
تحفيزه واستشارته وتوسيع صلاحياته وتكوينه
تكوينا حقيقيا وإحياء إحساس الضمير المهني
فيه وإشراكه في ورش الإصلاح. إن أهم ما ينبغي
أن يعرفه الناس قاطبة والمهتمين بشأن التعليم
والتربية خاصة هو أن المدرس اليوم لا حافز
له للتعليم إلا ضميره المهني أو خوفه من
الله سبحانه وتعالى، وهذه خصلة ذهبية 
لابد من تنميتها واستثمارها. لكن رغم هذا
فإن المدرس اليوم يعمل وفق ما يحيط به من
ظروف، فهو ليس غبيا كي يتعب نفسه في إنجاز
ما لا يُرَادُ منه، فرغم أنه يعرف موطن
الخلل فإن الجو التشريعي والأسري وغير
ذلك لا يسمح له بإنجاز ما ينبغي إنجازه
للرفع من مستوى المتعلم، فقد وثق اليوم
أن المطلوب منه محصور في  » ادع إلى التعلم
فمن شاء فليتعلم ومن لم يشأ فله ذلك »…وهذه
الفكرة رغم أنها مُفسدة للتعليم فإن المدرس
يعمل بها لأن ظروف التعليم تفرض ذلك.

      أعود
فأقول إن رأس العملية التعليمية هو المدرس،
وهذا ما أشار إليه تقرير المجلس الأعلى
للتربية والتعليم، لذلك فنجاح الإصلاح
لا يتم إلا عن طريق المدرس، ولعل ما جاء
في تقرير المجلس الأعلى للتربية والتعليم
يوحي إلى أن هناك فعلا تغيرا في الأفكار،
إذ حث التقرير على الاهتمام بالمدرس ماديا
ومعنويا، وهذا هو السبيل الصحيح للإصلاح،
وفي السياق نفسه تأتي المذكرة التي دعت
إلى اختيار أساتذة وتكليفهم بمهمة مرشد
تربوي. وهذا أمر يثلج الصدر، حيث إن المدرس
يحتاج في كل وقت وحين إلى من يرشده ويحفزه
حتى وإن كان زميله في المؤسسة.

      يبدو
أن أهم شيء في تحقيق أي هدف، هو الرغبة والحب،
لذا فيظهر أن أول ما يستوجب أن يرشد إليه
مرشد هو خلق الرغبة في الإصلاح عند من لا
رغبة له، وتعزيز رغبة من له الرغبة في الإصلاح،
وهذا يستدعي من المرشد أن يبتكر وسائل مختلفة
لإقناع المدرسين بجدوى الإصلاح، فإذا كان
من عادة الناس أن يعادوا كل جديد، فعلى
المرشد التربوي أن يحرص على تغيير هذه الفكرة،
فإذا استطاع المرشد أن يقنع المدرسين بأن
هناك أمورا جديدة تخدم التعليم خدمة جليلة
فقد حقق الأهم.

      وهنا
لا بد من أن يكون المرشد قدوة للإصلاح،
فعليه مثلا أن يستعمل الوسائل السمعية
البصرية في إنجاز الدروس، وعليه أن يظهر
أن العمل في مجموعات مثلا مثمر وهلمجرا…ومما
ينبغي الإشارة إليه أن يكون المرشد قادرا
على التواصل الجيد مع السادة الأساتذة،
وذلك بحسن التعامل وتبادل الآراء والأفكار
وحسن التحاور، إذ ينبغي للمرشد أن يذيب
كل الحواجز بينه وبين المدرسين، وإذا كان
هناك من لا يعرف أن المدرس يكره أشد الكره
كل من يشم فيه راحة التسلط أو التعالي وهو
يراقب عمله، فليضع المرشدون هذا الإحساس
نصب أعينهم، وليحاولوا أن يمحوا تلك الصورة
السوداء التي تكونت عند البعض حول  » المفتش »
و »التفتيش »، وهنا أرجو أن لا يفهم
كلامي فهما خاطئا، فشخصيا، لم أجد في المفتشين
الأربعة الذين زاروني إلا التواضع والتوجيه
والنصح الأخوي، بل والتشجيع والتقدير،
لكن هذا لا يمنع من أن أصرح أنه مازال هناك
من المفتشين من يأتون « للتفتيش » لا
للتوجيه والإرشاد…أملنا أن تُغير كلمة
« مفتش » و » تفتيش »، تغييرا لفظيا
ومعنويا، إلى كلمة « موجه » أو « مرشد »
أو « مؤطر »…فكلمة « تفتيش » تفوح
منها رائحة الحرب والترهيب والتهديد، وهذا
كله مرفوض من هيئة التدريس.

      إن
خلق الرغبة في التعليم واالتعلم من أهم
ما يحتاجه تعليمنا اليوم، (إن ما يثلج الصدر
في مضامين تقرير المجلس الأعلى للتعليم
أنه جسد في كثير من محطاته مشاكل ومواقف
المدرس بواقعية تامة، فهو يعبر بصراحة
أنه لا شيء يخلق الرغبة عند رجال ونساء
التدريس سوى هذا الوازع المهني، وقد عبر
التقرير عن غياب الرغبة  بعدم انخراط
المدرس، حيث قال:  » ومن العوامل التي
تحد من انخراط المدرسين، صعوبة ظروف مزاولة
المهنة، ونقص الوسائل والقدرات لمواجهتها،
والافتقار إلى مقاربة لتدبير الموارد البشرية،
مبنية على النتائج والمساءلة وعلى الحفز
المستحق للمدرسين1« 

      ثم
ذكَّر  بأهم ما يخلق الرغبة والتحفيز
عند المدرس إذ قال: » للتذكير فإن الرضى
عن أداء المهام، والرغبة في تحسين الوضعية
المادية، والانخراط في مشروع المؤسسة،
والطموح إلى الارتقاء نحو مناصب أخرى،
وأيضا الحق في الاعتراف والتقدير من طرف
الزملاء والمسؤولين، تعد من المحفزات الأساسية
لهيئة التدريس2« 

      ثم
قال يعترف صراحة وبطريقة لبقة دائما أن
تلك المحفزات لا وجود لها على أرض الواقع،
ذلك أن الوازع المهني وحده، ووحده هنا توكيد،
هو الذي يشجع المدرس على الانخراط: « فبتحليل
الطرق المعتمدة لتدبير هيئة التدريس، يتضح
أنه الوازع المهني وحده الذي يشجع المدرس
على الانخراط وتحسين الأداء والسعي نحو
الامتياز3« 

      لقد
أكد التقرير أن أهم سبب لا يرغب ولا يشجع
المدرس في العمل هو الأوضاع المادية، فـ »من
بين الأسباب التي يعتبر المدرسون أنها
تحد من انخراطهم، أوضاعهم المادية التي
يرون أنها غير مرضية، مع أنه تم تحسين الأجور
والتعويضات في السنوات الأخيرة، إلى جانب
تقديم خدمات اجتماعية لنساء ورجال التعليم
ولأسرهم منذ سنة 20024« )5.

      « إذا
أردنا إحداث تغييرات إبداعية في المدرسة
فعلينا أن نبدأ لا بالطرائق المستعملة
في التعليم ولكن بالأشخاص الذين يعلمون
وأن نقنعهم بتغيير مفاهيمهم ومواقفهم »
هذا كلام الدكتور فاخر عاقل، وهو كلام ثمين
ينبغي أن يعض عليه مصلحو التعليم ومنهم
المرشد التربوي بالنواجذ، فكما قلت سابقا
لا يمكن لإي إصلاح أن ينجح إلا بانخراط
المدرس ولا يمكن للمدرس أن ينخرط إلا إذا
خلقنا لديه الرغبة.

      ويبدو
أن من أهم القضايا التربوية التي ينبغي
الإرشاد فيها ومناقشتها، مشكل غياب الرغبة
عند المدرس والمتعلم على السواء.

      ومن
الأمور التربوية الأخرى التي تستحق أن
تدرج في هذا الإرشاد مسألة الوسائل الديداكتيكية المستعملة في مدراسنا،
إذ لا ينبغي أن تبقى وسيلة السبورة والكتاب
المدرسي مسيطرة، « ففي
عصر الإعلاميات لا يجب أن تبقى السبورة
وسيلة يتيمة في التعليم، أليس من المفيد
جدا أن يقدم الدرس بواسطة الحاسوب؟ إن المتعلم
اليوم تغريه الألوان والصور، إن تقديم
الدرس بواسطة الحاسوب يقضي على رتابة الدرس
التقليدي، ويجعله أكثر جاذبية للمتعلم،
وهو إلى ذلك يسير وتطورات العصر »6.

      ومن
أهم القضايا التي ينبغي أن تطرح للنقاش
هي مسالة الغش في المدرسة المغربية، وهي
مسألة ذات خطر شديد على التعليم، ومما يزيد
المشكل حدة هو أن أكثر الأساتذة يساهمون في هذه العملية ويقدمون
تبريرات شتى، وهي كلها في نظرنا واهية،
ولعل أهم هذه التبريرات متمثلة في اللامبالاة
وفقدان الثقة في مصداقية التعليم ككل،
وهذا فعلا خطر حقيقي، لذا ينبغي على المرشدين
وعلى المصلحين على وجه الخصوص أن يقولوا
كلمة صريحة في هذا الباب، إني أستغرب كيف
يمكن أن نصلح التعليم وأن نكوّن جيلا قويا
قادرا على تحمل المسؤولية ونحن نعلمه منذ
التعليم الابتدائي الغش ونشجعه عليه.

      ما
ذكرناه سابقا هي قضايا تربوية عامة مشتركة
تصلح لجميع المرشدين والسادة الأساتذة.
والآن نشير باختصار إلى أهم ما يستدعي الإرشاد
في مادة اللغة العربية. يبدو أن أهم مكون
في اللغة العربية هو الدرس اللغوي، وهنا
من المفيد أن يجتهد المرشد في إظهار أهمية
هذه الدروس اللغوية المقررة في التعليم
الإعدادي وقيمتها التعبيرية التواصلية.

      ومعرفة
قيمة الشيء تخلق الرغبة والحماس في تعليمه
والتحدث عنه بين الناس، وهذا حال الدرس
اللغوي إذ ينبغي على المرشد التربوي أن
يظهر أهمية هذه الدروس للسادة الأساتذة
كي يقبلوا على إنجازها بحماس وحب، وهذا
ما سعيت إليه في الفصل الأول من بحث الإجازة
الذي عنوانه: أهمية الدروس اللغوية المقررة
في التعليم الإعدادي، فقد قلت عن درس الإعراب
والبناء مثلا:  » إن أهمية هذا الدرس تكمن
في أن المتعلم يتجاوز –بفضل درس الإعراب
والبناء- الاضطراب الذي يكاد لا يفارقه
حينما يكون بصدد إعراب جملة ما؛ إذ يكتشف
أن كل كلمة لا تقبل إلا حالة من حالتين:
فهي إما معربة وإما مبنية.

      ولا
يخامرنا أدنى شك في أن المدرسين يلمسون
تعثرا واضحا لدى المتعلمين في مهارة الإعراب. والسبب ليس هو التلميذ لأنه إن وجه بأسئلة
مغلقة استطاع أن يعرب
ما عجز عن إعرابه من قبل، فإذًا المتعلم
لا تنقصه المعلومات بقدر ما ينقصه التنظيم.
هكذا لو تدرجنا في طرح الأسئلة على من عجز
عن إعراب جملة: جاء محمد يجري: ما نوع كلمة
« جاء »؟ أ هي اسم أو فعل أو حرف؟ لقال
إنها فعل. ولو سألناه: الفعل الماضي مبني
أو معرب؟ لقال: مبني. ولو قلنا له: ما علامة
بنائه؟ لقال: إنها الفتحة، ثم تجمع هذه
المعلومات فيقول: جاء: فعل ماض مبني على
الفتح الظاهر. ولو طرحنا الأسئلة نفسها
تقريبا حول ما تبقى من الجملة لكانت النتيجة
كنتيجة الفعل »جاء » فهل يصدق فينا قول
الشافعي رحمه الله؟

               
نعيب زماننا والعيب فينا   == وما لزماننا
عيب سوانا!

      إن
الإعراب مهارة يتعين علينا –معاشر المدرسين-
أن نقرب مفهومها لأذهان المتعلمين حتى
يقضوا على ذلك التذبذب الناتج لا عن فقر
في المعلومات بل عن سوء تنظيمها… »7 ومن الأمور المتعلقة بالدرس اللغوي التي
تحتاج ألى إرشاد هي مسألة حفظ القواعد.

      هذا
فيما يخص الدرس اللغوي، وأما باقي مكونات
اللغة العربية
، فإنه ينبغي التركيز في
القراءة الوظيفية والشعرية على كفايات
التعبير والتواصل
، إذ من المفيد للمتعلم
أن يتحدث كثيرا في درس القراءة مستثمرا
ما تعرف عليه من مفردات جديدة ومن تعابير
وقواعد لغوية، بمعنى آخر أرى أنه من الضروري
أن نحث ونشجع المتعلمين على التعبير مستثمرين
ما تعرفوا عليه في كل مكونات اللغة العربية،
وهذا ما يسمى ببداغوجيا الإدماج، إذ
الغرض من مكونات اللغة العربية ليس هو تحفيظ
المتعلم وشحن ذاكرته بقواعد لا يسستعملها
أو بمفردات لا يوظفها في تعابيره كتابيا
أو شفويا، ومن طبيعة الحال يبقى مكون
التعبير أهم مجال لتحقيق بداغوجيا الإدماج
،
لكن لا بد من التدريب باستمرار على إدماج
ما درس المتعلم في كل المواد وفي كل مكون
من مكونات اللغة العربية، حسب ما يسمح به
الوقت.

                                                                     

 
 

أسباب
وحلول هبوط مستوى المتعلم المغربي


النحو نموذجا-

استضاءات
من منظور ابن خلدون في التربية والتعليم.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *