Home»National»أيها الكبار رفقا بالشباب

أيها الكبار رفقا بالشباب

0
Shares
PinterestGoogle+

– ظهرت عند الشباب سلوكات وتصرفات جديدة لم يألفها المجتمع المغربي من قبل، سلوكات غريبة تثير سخط وسخرية كثير من الناس خاصة الكبار، فطريقة لباسهم غريبة مثيرة، فهذا صنف قد أرخى سراويله حتى صارت مجرورة تمسح أديم الأرض، وصنف مزق تمزيقا أطراف وأوساط سراويله فبدا من هذه الثقب ما تيسر من لحمه، وصنف اتخذ لباسا ضاغطا خنق مسامه، فأظهر مفاتنه الجسدية، وصنف لبس سراويل صبغت مؤخراتها بجير. ومن هؤلاء من زاحم المرأة عند ثاقب الآذان، فثقب أذنه وسد الثقبة بحلي مغشوشة، وهناك صنف لم يعجبه لون شعره فلوثه بأصباغ ليرتد شعره أدهم يشبه شعر كائنات أخرى، ومنهم من حسد الديك فحلق شعره على شاكلة عرفه، ومنهم ومنهم…أما حلاقة الوجه ففيها هي كذلك إبداع فمنهم من يرسم خطا رقيقا على أطراف وجهه تبدو كحدود وهمية تحد وجهه، وقس على هذا أشكال التزيين الأخرى المرتبطة بسلاسل تربط بها الأعناق، وأخرى تربط الأيدي، والحق أن سلاسل الأرجل لم تظهر بعد، وقد تظهر في المستقبل القريب.

ولشباب اليوم لغتهم الخاصة، لغة رقيقة لينة مخنثة أحيانا، ولغة ملوثة جنسية خبيثة متسخة، فهم لا يتحرجون من سب الدين وما اتصل به، ولا حرج عندهم من سب وقذف أمهات بعضهم البعض، في إطار الصداقة طبعا، بكلمات جنسية خبيثة أشد الخبث، وهي كلمات لو سمعها شباب الأمس لاقتص من قائلها، لكنها عندهم عادية لا تثير أي شيء، إذ أصبح الفحش في الكلام آية على التمدن والتحضر والانتماء إلى فئة خاصة. وفي كثير من الأحيان تمتد هذه اللغة الفاحشة من الأزقة فيسمعها المرء رغما عنه في بيته وهو بين أسرته. إن الأسرة المغربية اليوم في حاجة ماسة إلى من يحميها من هذه اللغة الفاحشة، إن الاعتداء على أسماع الناس أصبح جريمة نكراء يستحق صاحبها القصاص، فهل من الممكن أن تفكر السلطات في حماية أسماعنا ومعاقبة المعتدين؟
الحق أن هذه اللغة الفاحشة تجري على ألسنة بعض الناس صغيرهم وكبيرهم، لذلك من الظلم أن نلوم هذا الشباب الفارغ على كل ما يصدر منه، إن اللوم يجب أن يوجه إلى الكبار أولا، فما هؤلاء الشباب المراهقون إلا أبناء آباء كبار اجتازوا مرحلة المراهقة، إن الطفل- وكثيرا من الشباب اليوم مازالوا أطفالا حتى وإن ظهرت علامات البلوغ على أذقانهم- مرآة المجتمع، أعني أنه لو كان المجتمع صالحا لصلح هذا الطفل وهذا الشاب، إن هذه المظاهر غير السوية في اللباس واللغة والفكر ثمرة من ثمرات تربية الآباء والمجتمع، فلو أحسن الأب والأم تربية الابن لحسّن لغته ولباسه وفكره. وأزعم في هذا الصدد أن الآباء أصبحوا عاجزين عن تقويم سلوك أبنائهم، لأنهم هم أيضا خدعتهم المدنية، وآمنوا بمفهوم الحرية، فقلّت العصا، فعصا الأب ابنه، وتمرد عليه، على الأقل بهذه اللغة الخبيثة وهذا اللباس المخنث.

وقس هذا الوضع أيضا في المؤسسات التعليمية، فلم يعد من اختصاص المدرس أن يربي؛ أنجز درسك وأغلق فمك واحذر كل الحذر أن تتطاول يدك لصفع أو لكم من فسدت أخلاقة، إنها الحرية أنعمت علينا. أومن إيمانا قويا أن العقاب المادي التربوي المعقول له أثر فعال في تقويم سلوك المغاربة، وافعل ما شئت عدا العقاب المادي فلن تظفر إلا بما تسمع وترى.
الواقع أن هذه الظواهر الاجتماعية السلبية، لها إضافة إلى ما ذكرنا سابقا، أسباب أخرى، في مقدمتها غياب حلول حقيقية لهذا الشباب الذي يتخبط في أوحال البطالة، والفقر، إن سؤال المستقبل يؤرق شاب اليوم منذ الطفولة، إن سؤال المستقبل ينغص الحياة الغضة لشباب هذا العصر، وفي غياب حلول واقعية، يبدع الشاب أشكال مثيرة للتعبير عن وجوده، فالبطالة بالنسبة للشاب هي ضد الوجود، ومادام الشاب، خاصة في سن مبكرة، عاجز على التعبير عن رفضه لهذا الواقع الاجتماعي الذي أقصاه بأسلوب آخر قوي يواجه به المجتمع وجها لوجه، فإنه ينطوي على ذاته، ويعود إليها ليعبر عن همومه الاجتماعية والعاطفية بشكل سلمي، وهنا يصير جسده مادة للفن التشكيلي أو غيره من الفنون، فيرسم على جسده ما ذكرت سابقا، لا فرق بينه وبين الفنان التشكيلي، إلا المادة، فذاك يتخذ جسده مادة الفن، وهذا يتخذ الورق والحجر والجدران…

إن السمة القوية التي تميز الشباب اليوم ميلهم إلى أنواع خاصة من الموسيقى: « الراب » « التكتونك »، مثلا، وهذا الميل من الظلم أن نعتبره انبهارا أو تقليدا للغرب، بل هذا النوع من الفن خاصة « الراب » وسيلة فنية غير مكلفة للشاب تسمح له بالتعبير عن نفسه، فهو يعبر عن ذاته بل قل عن وجوده بكلمات موزونة هادفة لا تحتاج إلى آلات موسيقية مكلفة. وميل الشباب إلى الموسيقى والغناء أيضا وسيلة من التخلص من البطالة، فالمجتمع يشجع الموسيقى والغناء ولا يشجع المتفوقين في دراستهم، لذلك ما الهدف من الاهتمام بالدراسة والحال أن الموسيقى والغناء أغنى من الدراسة وما تؤدي إليه؟ إذ الوظيفة البسيطة لم تعد قادرة على تحقيق العيش الكريم للموظف الشاب في ظل غلاء مواد الاستهلاك وغلاء العقار ومواد البناء خاصة.
ظاهرة اللباس واللغة، لابد أن تربط كذلك بالجانب العاطفي للشاب كي تُفهم فهما حقيقيا، فمن خصائص المراهقة إظهار الذات، وأشكال إظهار الذات مختلفة، لكن الشاب يلجأ دائما إلى أسهلها وأقدرها على لفت الانتباه، فيعمد إلى ذلك النوع من اللباس وذلك الصنف من الحلاقة والتزيين. لو تأملنا وضع الشباب اليوم من الناحية العاطفية، لاعترفنا أنهم مظلومون ظلما قاسيا.

فأنى للشاب أن يكبح جماح عواطفه وقواه الجنسية في هذا الوسط الذي ملئ بما يهيج الجنس والعاطفة، نعم مهيجات الجنس والعاطفة في كل مكان، في الشارع في التلفاز في المذياع في الجريدة في المجلة في المدرسة في الإعدادية في الثانوية في الجامعة في الشارع…هذا الشاب الذي يستطيع أن يكبح جماح العاطفة والجنس لا شك أنه شاب صبور قوي يستحق التقدير. وما ذكرت لك من أن شباب اليوم يعيش وسط نار تلهب الجنس والعاطفة أمر يعيه أكثر الشباب، فهذا صديق موظف التقيته صدفة في مكان بعيد خال من الناس، فاستغربت لأمره فقلت مازحا لماذا هذه الخلوة؟ فرد قائلا إني أهرب بنفسي من فتنة الشارع والأزقة، فلم أعد أقوى على مقاومة فتنة الشارع، وأنا كما ترى مرتاح هنا في هذا المكان الخالي، ثم قلت له: هذا ليس حلا، فحتى متى ستبقى هاربا، ألا ترى الزواج حلا؟ قال: بلى، لكن مصاريف الزواج كثيرة، والمسكن غير متوفر، والعيش مع الأسرة لن يؤول إلا إلى نزاع…هنا صمت.
إن الزواج هو الحل لكثير من المظاهر الاجتماعية السلبية، وهو أمر يعيه الشباب حق الوعي، لكن في غياب الاستطاعة لا يستطيع الشاب أن ينزع العاطفة من دواخله، لذلك تجد الشاب يلجأ إلى ما يسمى بالصحوبية، فيربط علاقة عاطفية مع الجنس الآخر، قد تمتد لسنوات طويلة على أمل الزواج، هكذا فهم يحققون بهذه العلاقة جزءا مما يحققه الزواج من الحاجات العاطفية، وفي إطار مناقشة أمر الزواج مع صديق آخر، اقترح فكرة ساخرة « تحل مشكلة السكن » وهي أن يتزوج الشاب والشابة على أساس أن يبقى كل من الزوجين في منزل أسرته؟ على المجتمع أن يعي مشاكل الشاب قبل أن يلومه ويصفه بقصور الفهم وتأخر النضج، على المسؤولين أن يساعدوا الشباب على الزواج إن أرادوا إصلاح هذا الشباب، على الآباء أن يعفوا الشباب من ضرائب المهور الثقيلة، عليهم ألا يبخلوا بمساعدتهم، يسروا ولا تعسروا. –

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *