الحاجة إلى ثورة تعليمية لا إلى ترنامج استعجالي

الثورة
مفهوم سياسي، يقصد به تغيير الوضع
القائم ، وهي ظاهرة اجتماعية ظلت مصاحبة للتاريخ البشري ،غايتها
إعادة التنظيم الجذري والشامل ، للمجال الاقاصادي والاجتماعي والثقافي
والتعليمي … . تحدث في الغالب بسبب غضب الشعب المتراكم ، وعدم رضاه عن أداء حكوماته ، ووزاراته ، واتهامهن بالتقصير، بواسطة أدوات يختارها الشعب ، ومن خلال شخصيات مرموقة يسمح لها وضعها السياسي والاجتماعي والثقافي …بتأطيرالحركات الشعب وقيادتها نحو تحقيق أهدفها وطموحاتها الهادفة إلى التغيير. إن المفهوم التقليدي والمعاصر للثورة ، ليس من همي .لأن الذي يشغلني واقع التعليم ومستواه المتدني بوطني ، فالتجارب الإصلاحية المتعددة (11 تجربة إصلاح في 54سنة ) ، لم تغير من واقع التعليم ، ولم ترفع من مستواه الكمي والكيفي ، فالهدر المدرسي يتنامى سنة بعد سنة ، والمستوى الدراسي التعليمي يتدنى بشكل مخيف ، بسبب العزوف عن الدراسة ، وعدم الاهتمام بالعلم والمعرفة ، والهوة بين التعليم والتنمية المستدامة في اتساع مستمر…
فلا الميثاق الوطني حقق أهدافه ، ولا البرامج والمناهج والأنظمة والأساليب التعليمية على كثرتها ، دربت التلميذ على كيفية التفكير ، ولا على تنمية مهاراته العقلية ، واستقلاله الفكري ، ولا هي أكسبته أخلاقا وقيما عليا ، أو معرفة بدينه وحبا لوطنه … صحيح أن القائمين على الشأن التربوي
، في بلادي على وعي بكون التعليم ، هو
الوسيلة الأساسية ، إن لم تكن الوحيدة ، لتحقيق التقدم والتنمية ، ومسايرة الركب الحضاري.ومن ثم فالوزارة تبذل مجهودات وتتخذ تدابير مختلفة ، لإرساء قواعد وأساليب التحصيل والرفع من المستوى الدراسي
باعتباره مؤشرا أساسيا، على نجاح العملية التعليمية و فعالية
التعليم .والمذكرة 128 الصادرة بتاريخ 04/9/2009 تشير
إلى أن موجهات البرنامج الاستعجالي تجعل التلميذ
في قلب المنظومة التربوية ،فأوصت بتقويم المستلزمات الدراسية القبلية
لسنة 2009/2010 ، أي تشخيص وتقويم وتتبع مدى تحصيل التلاميذ في بداية السنة الدراسية بهدف تحديد مكامن الخلل .كما أن المذكرة 146 الصادرة بتاريخ 13/10/2009 المتعلقة بإدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بالمجال التربوي بالمؤسسات التعليمية دعت بدورها إلى تفعيل مقتضيات البرنامج الاستعجالي ، لتحقيق الجودة عن طريق استعمال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات عبر مشروع » إدماج تقنيات الإعلام والتواصل والتجديد في التعلمات « . إن إقحام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المجال
التربوي بهدف تحديث العملية التعليمية والرفع من جودتها و
نجاعتها وأهميتها ، ورفع شعار الموسم الدراسي 2009/2010
« جميعا من أجل مدرسة النجاع » . يبقى في تصوري
بعيدا عن تحقيق الأهداف والإستراتيجية ، التي رسمتها الجهات المعنية بالتربية ، نظرا لصعوبة أجرأة برنامج « جيني »الضخم ، لعدم
توفرالموارد البشرية المختصة ، وضعف التكوين الناتج عن ضعف
المكونين ،( التكوين يتحول في الغالب إلى مجرد تحسيس
بأهمية تكنولوجيا المعلومات في المجال التربوي، دون
الاهتمام بالجانب التقني والتطبيقي ،خصوصا إذا كان عدد المكونين كبيرا والوقت ضيقا …) ، زيادة على النقص في التجهيز والعتاد المعلوماتي بالمؤسسات ،وتعرض الكثير منها سنويا للسرقة أو التخريب (ظاهرة التخريب المتنامية طالت كل ما يسمى بالملك العام ) . دون أن ننسى الاكتضاض داخل الأقسام والمحدد في أربعين تلميذا في كل قسم ،(أحيانا يفوق العدد الخمسين في القسم ) وهذا العدد لا يتناسب طبعا مع منهجية استعمال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المجال التربوي .
أضف إلى ذلك عدم أجرأة و تنفيذ العديد من البرامج الواعدة ،لاصطدامها بمعوقات اجتماعية أو اقتصادية مادية أو سياسية أوثقافية …إلى جانب النظرة السوداوية للإصلاحات السابقة ، التي أبانت عن عدم نجاعتها ، والتي يعزى إليها فشل العملية التعليمية التعلمية . خصوصا وأن مجتمعنا يمر بمرحلة انتقالية ،ومن الطبيعي في هذه المرحلة ، أن يميل الفكر الاجتماعي إلى رفض الجديد والتشبث بالموروث القديم . كل المجهودات التي تقوم بها الوزارة ، وعلى رأسها البرنامج الاستعجالي ، تبقى في حدود ومجال الإصلاح ، الذي اُثبت الواقع والتاريخ عدم نجاعته ، أوعدم قابليته للتطبيق الفعلي .فإذ أخذنا مثلا المذكرة الوزارية 156 الصادرة بتاريخ 10/11/2009 والتي تدعو إلى تفعيل مضامين البرنامج الاستعجالي من أجل إنجاح الإصلاح وتحقيق » مدرسة النجاح « .
فإننا نجدها ترهق الأستاذ بتكليفه بمهام جديدة (ككفالة
المتعلم ورعايته الجسدية والنفسية والاجتماعية والتصدي
للهدر المدرسي وربط الاتصال مع الأسرة ومع الجهات
المعنية وتتبع الحالات الصعبة للمتعلمين والمتعلمات …. وعتبارها جزءا لا يتجزأ من مهامه التربوية ).
إن هذه المهام وغيرها من المهام الأخرى الوردة في المذكرة أكثرها غير قابل للتطبيق لأنها تحتاج إلى التفرغ والاختصاص، وإلى التخفيف من الغلاف الزمني للأستاذ أوتخصيص تعويضات خاصة به ككفيل عن القسم .كما أن نظام الأستاذ الكفيل جربته دول الخليج ولم تستفد منه ، اللهم إذا استثنينا العمل الإداري الذي يكلف به الأستاذ كمهمة ثانوية نظرا لغياب الطاقم الإدري(الحراس ،الموعدون ،الكتابة …) . إذا نحن اخترنا الثورة التعليمية ، نكون قد اخترنا فلسفة أخرى في العمل التربوي ، غير فلسفة الإصلاح ، تقوم أولا ، وقبل كل شيء ،على تحديد النموذج المجتمعي الذي نريد تحقيقه .فكأمة مغربية مسلمة يكون إطارها الطبيعي هو الإسلام ، ولا يستقيم مجتمعها ، إلا إذا استطاع أن يربي جيلا مسلما ،صالحا لخدمة مجتمعه ،مؤمنا بثوابت عقيدته وشريعته ،ومقدسات وطنه ، متشبثا ببيعة ملكه ، مستعدا للتضحية من أجلها في كل حين ، قادرا على مواجهة كل أشكال الغزو الثقافي والإعلامي ، التي قد تعرض استقرار الأمة وأمنها واستقلالها ، لما لا تلاغب فيه .ولا يتأتى ذلك إلا بثورة تعليمية تقوم
:( 1) على أساس عدم السماح لأي تدخل أجنبي في مناهجنا وبرامجنا التعليمية التي يجب أن تكون مستاقاة من مقوماتنا الثقافية والدينية والأخلاقية والوطنية .
(2) تنمية الثقة لدى المتعلم في العلم والمعرفة ، ولايمكن ذلك إلا برط التعلم بالشغل ، عن طريق المشاركة في التنمية المستدامة أو الدائمة ، وذلك بتوزيع الحصص الزمنية بين التكوين التطبيقية أو العمل اليدوي، وبين المعرفة النظرية الذهنية .مثلا تخصص حصص الصباح للمعرفة العلمية ، أما حصص المساء فتخصص لتعلم الحرف والمهن والتدريبات العملية بشكل حر، على أساس إدخالها ضمن عملية التقويم الدراسي،حتى ننمي في المتعلم القدرة على الاعتماد على نفسه ، في إيجاد الشغل الذي يحبه ويرتاح إليه ، وحتى نقضي على ظاهرة الهدر المدرسي ، التي تكون في الغالب سببها مساعدة الأسرة ،من أجل تأمين العيش الكريم
.(3)الرفع من شأن المعلم وتكريمه باعتباره ضمير الأمة ومرجعها
.(4) الاهتمام بتدريس تاريخ الصحابة وسيرتهم الذاتية كنموذج للاقتداء .
(5) الاهتمام بتجهيز المختبرات العلمية مع تشجيع المتعلمين على المعرفة العلمية وتاريخها وعلى محاولات الاختراع
(6) إجبارية تعلم القرآن والتشجيع على حفظه وفهمه وحسن
تلاوته ، لأن فيه حصانتنا
وخلاصنا والمحافظة على هويتنا .يقال : إن لكل وقت آذان ، وآذان وقتنا ، الثورة التعليمية ،لا البرنامج الاستعجالي .





1 Comment
في البداية أشكر السيد عمر حيمري على هذا المقال الذي وضع فيه اليد على الجوهر ودعا إلى الثورة التعليمية.جميل جدا هذا الاقتراح وهو في عين الصواب ،ولكن من ينفذ هذه الاقتراحات يا أخي؟؟؟ إن الوزارة تملى عليها التوجهات الكبرى من منطمات خارج الوطن ولا علاقة لها بتاتا بالواقع المفربي الذي عشنا في أعماقه ولمسنا حقائقه ودسائسه.ثم إن الوزارة تدعي في برنامجها الاستعجالي جعل المتعلم في قلب العملية التعليمية ،فأقول لواضعي هذا البرنامج الاستعجالي: عل شاورتم هذا المتعلم عن همومه؟وعل درستم آماله وطموحاته؟وعل عرفتم واقعه الاحتماعي والاقتصادي والبيئي….؟؟؟؟
صحيح أخي عمر ،إن اقتراحاتك عشناها كلنا يوم كنا تلاميذ بثانويتي عبد المومن وزيري بن عطية ،وهي نظرية تجمع بين المعرفي ـ النظري وبين العملي ـ التطبيقي ،ولكن هل تحد هذه العملية من ظاهرة الهدر المدرسي والفشل وارتفاع نسب الفشل والرسوب ؟؟؟ ما أظن ذلك يا أخي لأن هذه الظواهر ذات جذور عميقة جدا وهي ناتجة عن تراكمات ولدتها سياسات تعليمة فاشلة ،وها هي الآن تبدو نتائجها للعادي والبادي.وخلاصة القول إن أزمة التعليم ببلادنا ناتجة عن شبكة متداخلة من الأسباب لعل أبرزها انسداد الآفاق أمام المعلم والمتعلم والأب والأم والمدير والناظر والحارس العام وهـلم جرا,لأنه ما كان التعليم أبدا الجصول على شهادة الخبز وكفى،بل يستمر مدى الحياة،وهذه هي أزمتنا الحقيقية.ولنأخذ الشعب الصيني والياباني والكوري نموذجا نقتدي به في برامجها التعليمية التي تربي الأجيال على التعليم والوطنية الحقة,وما أحوجنا نحن إلى تلك السياسات التعليمية الرائدة.