Home»National»المغرب و وضعية الاستعجال

المغرب و وضعية الاستعجال

0
Shares
PinterestGoogle+

يبدو أن بلدا كالمغرب، انغمس في سياسة يمكن
نعتها بالظرفية، قد خطا خطوات في طريق لا
تعرف آفاقه. إذ يتم الخوض في مشاريع محدودة
من حيث الزمن، تضخ لها مبالغ مالية ضخمة
ولا تحتسب نتائجها. قد يتم بناء قنطرة تجرفها
مياه نهر ظل لسنوات طوال جافا لا أثر فيه
لقطرة ماء. من هنا يمكن القول إن نهجا كهذا
لن ينتج سوى الأزمات على المستوى الاقتصادي
و السياسي و الاجتماعي.

    
حالة الظرفية هذه، يمكن نعتها بالسياسة
الاستعجالية. والتي يمكن، في نظري، تحديد
ملامحها عبر مستويات ثلاثة:

  1. المبادرة
    الوطنية للتنمية البشرية
  2. البرنامج
    الاستعجالي للتعليم
  3. الاستحقاقات
    الديمقراطية 

       
هذه العناصر الثلاثة هي التي حكمت سياسة
الدولة في السنوات الأخيرة. فالمبادرة
الوطنية للتنمية البشرية رصدت لها أغلفة
مالية كبيرة، تم توزيعها على عمالات الأقاليم،
لإنجاز مشاريع بشراكة مع جمعيات من المجتمع
المدني. فهل حققت النتائج المرجوة منها؟
هل صرفت الميزانيات الضخمة في مشاريع حقيقية؟
ما نسبة تحقيق الهدف من تلك المشاريع؟ ما
طبيعة الشركاء؟ هل جمعيات المجتمع المدني
لها امتداد داخل المجتمع؟ أم أن الأمر لا
يعدو أفراد يشكلون مكتبا مسيرا تودع وثائقه
لدا السلطات المحلية؟ ما حجم تدخل هذه الجمعيات؟
وما حجم استفادتها من المالية؟ ثم نخلص
إلى سؤال يؤكد جدية السعي لتحقيق هذه المشاريع
هو، ما مدى جدية عملية التتبع لكل هذه المشاريع
عبر محاسبة المسؤولين عن إنجازها؟

    
إن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية،
من حيث طبيعة مشاريعها و أهدافها، تقوم
مقام المجالس الجماعية. لدرجة أن المرء
يتساءل عن جدوى وجود مثل هذه المجالس أمام
ضخامة المشاريع التي تحققها المبادرة.
الملاحظات السطحية تؤكد أن عامة الناس
راضية على ما يتم تحقيقه من « منجزات »
في الميدان. ومن مساعدات يتم توزيعها على
الأسر المعوزة. لكن جوهر الأشياء مختلف
تماما عما يظهر الآن. لأن خطورة الأمر تتعلق
بغرس ثقافة الاتكال و العوز و الحاجة لعطايا
المخزن. الأمر يتعلق بسيطرة ذهنية التقاعس
و عدم السعي وراء تحقيق فرصة شغل. فطبيعة
المشاريع التي جاءت بها المبادرة لا توفر
مناصب شغل دائمة، بقدر ما توفر صفقات لأرباب
المقاولات لإنعاش مقاولاتهم و مضاعفة أرباحهم.
مقابل هذا الكم من المشاريع سجلت العديد
من الزيادات المتتالية في أسعار المواد
الغذائية بصفة عامة، بشكل لم يسبق له مثيل.
بل أن السوق التجاري أضحى مرتعا للمضاربين
في هذه المواد. يتحكمون في لوائح الأسعار
دون تدخل من طرف الدولة لحماية المستهلك
من الاحتكار. ثم اتساع رقعة البطالة. فكيف
يمكن الحديث عن التنمية أمام واقع كهذا؟
إلى متى ستستمر أوراش التنمية البشرية؟
التنمية البشرية مشروع متكامل و ليس أحادية
الجانب.

    
ثم هناك المسألة التعليمية، التي تبرمت
لسنوات بين الميثاق الوطنية للتربية و
التكوين و منتديات الإصلاح، وصولا إلى
البرنامج الاستعجالي. وكلها خطوات ذات
طابع تجريبي محدودة الآفاق، لم تلحق ذلك
التغيير المتوخى منها بالمنظومة التعليمية،
على مستوى الاختبارات و السياسة التعليمية
بشكل عام. فالأمور بخواتمها. يكفي الوقوف
على المستوى المعرفي للناشئة في مختلف
الأسلاك الدراسية. فإذا نحن استثنينا المتفوقين،
سوف نصطدم بتدني المستوى التحصيلي كظاهرة
تحتاج إلى تحليل مختبري و ميداني للوقوف
على مسبباتها. وهي المسببات التي تلاحق
الطالب في الجامعة و البحث العلمي بالخصوص.
فما هو منتوج الجامعة من المثقفين؟ ما هي
إصدارات الجامعة في السنة من إبداع الطلبة؟
كم عدد التلاميذ المتفوقين الحاصلين على
الباكلوريا بمعدلات قوية تفتح أبواب المعاهد
أمامهم؟ ما مدى نجاعة نظام الامتحانات؟
ما هو دور فئة المفتشين داخل المنظومة التربوية
التعليمية؟ هل من جدوى من التكويانت أو
التكوين المستمر؟ أليست التكوينات بشكلها
الحالي هدر للمال و الوقت؟ ألم يكن أجدى
فتح ورشات التكوين ميدانيا لوضع كل من المدرس
و المفتش و الإدارة التربوية و السياسة
التعليمية ككل على المحك؟ أسئلة كثيرة
تتناسل عند الخوض في مجال التعليم؟

    
أما العنصر الثالث، فيتعلق بالمسألة الديمقراطية
كاختيار لإشراك المغاربة في اتخاذ القرارات
الصائبة، التي يمكن أن تدفع بعجلة النمو
إلى الأمام، وتخرج المغرب من دائرة التخلف
و المراتب الدنيا التي يتم تصنيفها فيها
في التقارير الدولية. و لو أن هذه الأخيرة
ليس ذات مرجعية موضوعية. لكن التخلف الذي
هو ضد النمو، يطال العديد من واجهات الواقع
المغربي، إن على المستوى الحقوقي أو التعليمي
و الصحي و الاقتصادي وبالخصوص الممارسة
الانتخابية. فلا يمكن القفز على حقيقة أن
الاستحقاقات الديمقراطية بالمغرب تمر
بسلام دون تدخل سلطة المال و النفوذ و الصمت
المتواطئ للسلطة الإدارية. الشيء الذي
لا يمكن معه الحديث عن نخب élites، تتجدد و
تفرزها صناديق الاقتراع، وهي قادمة من
أحزاب ذات مرجعية فكرية و برامج قائمة.
فالنخب يصنعها المخزن وفق ما تمليه ظروف
معينة يؤثر فيها العامل الخارجي بالدرجة
الأولى والإملاءات الدولية، المالية و
الدبلوماسية. هذا ما يفسر تدني نسبة الإقبال
على صناديق الاقتراع و الاستعمال الفاحش
للمال للشراء أصوات الهيئة الناخبة و التنقل
بين الأحزاب، وبالتالي إفراز مجالس، جماعية
و برلمانية، تضم عددا كبيرا من المنتخبين
المفترضين الذي وصلوا إلى مقاعد المسؤولية
بطريقة غير ديمقراطية. فيتحولون إلى مسؤولين
يدبرون الشأنين الملحي و العام، ويتصرفون
في ميزانيات ضخمة هي أموال الشعب.

    
عند الربط بين هذه العناصر الثلاثة، يتأكد
أن المسار الذي يتجه في المغرب لا علاقة
له بالتنمية. لأن منبع التنمية هو استثمار
تراث البلاد على مختلف المستويات. بمعنى
الرجوع إلى الذات التي تتميز بالتعدد الثقافي
و غناه. الشيء الذي سيمكن المغاربة من استثمار
تلك الموارد الاقتصادية و البشرية و الثقافية،
وبالتالي إنتاج نخب قادرة على الإنتاج
و الإبداع و ضمان العيش الكريم و تحقيق
العدالة الاجتماعية.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *