قمة مغربية- جزائرية رسمية..فتح الحدود وإلغــاء التأشيــرة مسألة وقت
بانعقاد أول قمة مغربية جزائرية رسمية صباح يوم أمس الخميس حسب إذاعة فرنسا الدولية في ختام القمة العربية بالجزائر وارتفاع مؤشرات التفاؤل لدى مسؤولي البلدين بمستقبل إيجابي، تكون احتمالات فتح الحدود وإلغاء التاشيرة من قبل الجزائر قد أصبحت مسألة وقت لا غير، وذلك على خلاف محطات التقارب الظرفية التي شهدتها العلاقات بين البلدين في السنوات الخمس الماضية، أي منذ ربيع 1999 وإلى غاية يوليوز 2004 , حيث تكررت لحظات الانفراج والزيارات والتي سرعان ما تعقبها لحظات توتر تدفع المنطقة إلى حافة الاحتراب، دون أن يكون هناك سبب معقول في بعض الحالات، سوى مقالة نشرت في صحيفة من صحف البلدين، وأصبح معه مطلب عقد قمة بين البلدين حلما بعيد المنال
.
في هذه المرة حصل تحول لا يمكن تجاهله، حيث تراكمت اAلمعطيات الإيجابية من أزيد من شهر، وأخذت تتأكد مع انعقاد اجتماع وزراء خارجدية الاتحاد المغاربي بالرباط، وزيارة عضو الديوان الملكي للجزائر والاستجابة المغربية للحضور في القمة العربية بالجزائر، واجتماع رجال الأعمال المغاربة والجزائريين في لقاء موسع وغير مسبوق بالدار البيضاء في فبراير الماضي، وفتح الجزائر خط جوي بين وهران والدارالبيضاء، وصولا إلى قمة شبه رسمية، ثم الاتفاق على عقد القمة المغاربية في الصيف القادم بطرابلس
.
طبيعة القمة
لقد كان من المفترض أن تكون القمة المغربية الجزائرية مجرد قمة على هامش القمة العربية، واعتبر البعض ذلك مؤشرا على أنها ستكون سريعة وذات بعد بروتوكولي أكثر منه عملي، خاصة في ظل الضغط الناجم عن القمة العربية وإشكالاتها، ثم غياب جدول أعمل واضح للقمة الثنائية، مما جعل المراهنة عليها في إعادة هيكلة العلاقات المغربية الجزائرية مراهنة محدودة، إلا أن المجريات كانت عكس ذلك، فما جرى على هامش القمة العربية في ختام اليوم الأول كان مجرد لقاء غير رسمي بعد أن انتهت مأدبة العشاء التي نظمت على شرف المدعوين للقمة العربية، أي ما يشبه اللقاء الإعدادي للقمة الرسمية التي تمت أمس الخميس، وعكس تصريح وزير الخارجية الجزائري بلخادم أن نتائج اللقاء أفضت للتوجه نحو إذابة الجليد الذي أصاب العلاقات منذ ثلاثين سنة بسبب نزاع الصحراء المغربية، مخبرا بأنه ستكون هناك لقاءات أخرى، بما يعني أن نتائج الاجتماع كانت مشجعة، وأن مستقبل علاقات البلدين أخذ منحى التفكير الاستراتيجي. كما أن خطوة الملك محمد السادس في القيام بزيارة شعبية لوسط العاصمة الجزائرية، أكدت ضرورة تحصين القاعدة الشعبية لخيار التقارب، وأعطت هي الأخرى مؤشرا عن هذا التوجه الاستراتيجي والمتجاوز لما هو سياسي في تفكير قادة البلدين، بل إن يومية الوطن الجزائرية ذهبت أبعد في استقراء عناصر إرادة الطرفين في بدء صفحة جديدة في العلاقات، من خلال إحالتها على خطاب الملك محمد السادس في القمة من حيث عدم ورود لفظ الصحراء المغربية ولو لمرة واحدة في خطابه، وهي مسألة لا نعتقد أن من الصواب الإحالة عليها مادام المغرب قد اختار النأي بالقمة العربية منذ عقود عن الدخول طرفا في نزاع الصحراء المغربية.
المثير في التقارب الجاري بين البلدين هي حالة التكتم الشديدة التي أحيطت به محطاتهن وربما يعكس هذا وعيا بالدور السلبي لعدد من وسائل الإعلام وبعض لوبيات المصالح الداخلية والأجنبية والمستفيدة من التوتر الحالي، كما يعكس إرادة في الاستفادة من الإخفاقات التي عرفتها التجارب السابقة منذ اللقاء السريع على هامش جنازة الملك الراحل الحسن الثاني في يوليوز 1999 والتي سبقها توقع انعقاد قمة مغربية ـ جزائرية بعد انتخاب الرئيس بوتفليقة رئيسا للجزائر ثم ارتد كل شيء إلى نقطة الصفر في نهاية صيف ,1999 وهي القاعدة التي حكمت كل محاولات التقارب وآخرها في بداية غشت 2004 عندما أقدم المغرب على إلغاء التأشيرة المفروضة على الجزائريين منذ صيف .1994
قضية الصحراء المغربية
وإذا كان المتتبعون للعلاقات بين البلدين ينظرون بإيجابية للتطورات الحالية، فإن معضلة حل قضية الصحراء المغربية تمثل مصدر التوجس الأساسي من أن تكون عامل إفشال، خاصة وأن مجلس الأمن سيجتمع قبل نهاية الشهر القادم للبث في مستقبل قضية الصحراء المغربية، ورغم أن هذا الرأي لا يمكن تجاهله ويحتفظ باعتبار خاص، إلا أن الظاهر هو وجود تفاهم مغربي جزائري على تجميد تناول هذا الملف، يقوم على توقف الجزائر عن الخطوات المستفزة للمغرب ودعمها المباشر للبوليزاريو وخاصة على الصعيد الأممي وفي المقابل يدفع المغرب في اتجاه البحث عن تفاهم مع البوليزاريو ومراجعة موقفه من ربط حل النزاع بمفاوضات مغربية ـ جزائرية أو اعتبار تسوية القضية شرطا في مواصلة التقارب المغاربي، وهي خلاصة يمكن استنتاجها من تصريح وزير الخارجية الجزائري عبدالعزيز بلخادم عندما سئل عن الموضوع في ندوة صحفية أثناء القمة، حيث أجاب »إن ما سيتفق عليه طرفا النزاع، المغرب وجبهة البوليساريو، سيحظى بدعم ومباركة الجزائر »، فضلا عن أن موضوع الصحراء المغربية أخذ يتخد بعدا إنسانيا أكثر منه سياسيا في الظرف الراهن سواء من خلال قضية الأسرى أو من خلال استمرار برنامج المفوضية العليا للاجئين في تبادل الزيارات، وبجانبه الموقف الدولي والأممي غير المستعد لفرض حل جذري على أي من أطراف النزاع وفق ما عبر عنه الأمين العام كوفي عنان في مدريد بمناسبة الذكرى الاولى لتفجيرات الحادي عشر من مارس، مع ملاحظة الحماس الإسباني والمدعوم أمريكيا وفرنسيا لصالح القيام بدور في إيجاد مخرج للقضية، والذي يبدو أن استحقاقات الأمن والشراكة في صيغتيها الأمريكية والمتوسطية عملتا إيجابا لصالح تواري موضوع النزاع من واجهة التأثير في مسار العلاقات بين دول المنطقة
.
أي أفق؟
بحسب المسار المفترض فمن المرجح أن يعقب لقاء الخميس الدعوة إلى اجتماع اللجنة الوزارية المختلطة وكذا لجنة الخبراء كمقدمة للحسم الأولي في الاتفاقيات المطروح على البلدين البت فيهما، وخاصة في المجالات القنصلية والاقتصادية والأمنية، فضلا عن التفاهم في القمة على التصور المطلوب لاستئناف مشروع الاندماج المغاربين، وبموازاة ذلك تقدم الجزائر على خطوة فتح الحدود وإلغاء التأشيرة المفروضة على المغاربة الراغبين في زيارة الجزائر، وهذا المسار يمثل توفيقا بين الأطروحتين الجزائرية والمغربية، حيث كانت الأولى ترهن أي تقدم بنتائج اجتماعات اللجان مع الحسم فيها في لقاء قمة، أما الثانية فقد كانت تدعو إلى اتخاد قرارات إيجابية تشجع على االمضي قدما في التقارب ومن ذلك ملفا فتح الحدود وإلغاء التأشيرة، والتوفيق بين الرأيين أصبح ممكنا بعد أن قام المغرب بالخطوة الأولى ممثلة في الاستجابة لطلب الحضور في القمة العربية وزيارة الجزائر وقبل ذلك احتضان اجتماع وزراء الخارجية المغاربيين.
نعتقد أن المغرب خطا خطوة إيجابية مقدرة في اتجاه تطويق الجمود السابق في العلاقات المغربية ـ الجزائرية، والدفع في اتجاه مسار جديد ينسجم والتحديات التي تمر بها المنطقة، وهي خطوة تقتضي الإسراع في إنفاذ مقتضياتها العملية
.
مصطفى الخلفي
عن : جريدة التجديد
Aucun commentaire