إعادة ترتيب سور القرآن الكريم جحود صريح بتنجيمه و بتوقيف ترتيبه
لا تخلو جريدة مغربية ذات هوى علماني قناعة أو تعاطفا أو مجرد تقليد في هذه الأيام من الإشادة بكتب الكاتب المغربي عابد الجابري : » مدخل إلى القرآن الكريم » و »فهم القرآن الحكيم التفسير الواضح حسب ترتيب النزول « . ومعظم المقالات المنشورة في هذه الجرائد أصحابها منبهرون بالاختراع الجديد للكاتب الجابري الذي جعلوه يسد مسد الزعامة البروتستانتية بالنسبة للإسلام عندنا ردا على ما يعتبرونه أورتودوكسية أو كاثوليكية.
فالمنبهرون سارعوا إلى نزع المشروعية عن التفاسير القديمة ، وجردوا المفسرين القدامى من مصداقيتهم مقابل الإشادة بعمل الجابري. فمن المعلوم حتى عند صبية المسلمين وعامتهم أن المصحف الشريف إنما جمع في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابة بأمر من رب العزة جل جلاله ، وهو منجم ، وترتيبه ترتيب توقيفي من الله عز وجل. وسيرا مع ترتيبه التوقيفي لا يمكن أن يكون التفسير إلا تابعا لترتيبه. فإذا ما زعم الجابري أنه يفسر القرآن حسب ترتيب نزوله فإن من مقتضيات تفسيره إعادة ترتيبه مما يعد مساسا متجاسرا بقدسية النص القرآني المرتب ترتيبا توقيفيا من رب العزة القائل : (( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )) فالقول بتفسير القرآن الكريم حسب ترتيب النزول ، بمثابة القول بإعادة ترتيب المصحف ، وهو أمر ينقض صدقية آية حفظ القرآن الكريم بحيث يكون الله عز وجل ـ وحاشاه وتعالى عما يصفون ـ لم يحفظ كتابه عندما رتب المصحف حسب طول السور لا حسب أسباب النزول. ونخشى أن يقول المنبهرون بخبط الجابري أن تفسيره يدخل ضمن الحفظ الموعود ، وكأن الأمة الإسلامية انتظرت طويلا حتى تحبل أم الجابري بابنها النابغة لتتحقق على يديه معجزة حفظ القرآن الكريم . ولا يستبعد ذلك من سفاهة صارت منتشرة في مجتمعنا عند طائفة لا هم لها إلا التشكيك في الدين بطرق ملتوية ظاهرها الولاء للدين وباطنها العداء الدفين له.
وإذا ما استمر الوضع على وتيرة بحوث الجابري فستكثر التفاسير وفق معايير أخرى ، وترتيبات أخرى ،وستختلف التأويلات والتخريجات حتى تختلف الأمة في الواضحات من النصوص القطعية ، ولا يجتمع لها رأي في النصوص الظنية ، وهو ما يريده أصحاب النوايا المبيتة للحكم على الإسلام بالبعد عن موافقة الحياة ومسايرتها من أجل إقصاء المصحف وما يرتبط به من سنة من الحياة وإهماله في الرفوف ليصير في حكم تراث بشري تجاوزه الزمان. ولقد نبه الله عز وجل إلى غاية إقصاء القرآن ،و هي غاية قديمة لا زالت تتكرر عبر العصور فقال سبحانه : (( وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون )) لقد أدرك أعداء هذا الدين على اختلاف أصنافهم وأزمنتهم أن الغلبة تكون لهم على الإسلام بطريقتين :طريقة عدم الاستماع له ، وطريقة اللغو فيه . واللغو أو اللغا هو السقط من الكلام وما لا يعتد به ،والعرب تقول : اشتغل باللغو أو تكلم باللغو أي بما لا يعتد به من الكلام . واللغو أو اللغا عبارة عن لهو ولأمر ما تطلق العرب اسم اللغو على نباح الكلاب ، والله عز وجل يقول في محكم التنزيل : (( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزؤا )) والعبرة ههنا بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما يريد الجابري من تفسيره حسب الأسباب لا حسب الألفاظ. لقد جربت العلمانية عندنا بتأثر من العلمانية العالمية يوم كانت الشيوعية سيد ة تنازع الامبريالية السيادة على العالم طريقة عدم السماع للقرآن حتى أن المسلم في جامعاتنا لم يكن بمقدوره مجرد الجهر باسم الله بله قراءة القرآن وإلا عد عدوا وتوعده الويل والثبور وعواقب الأمور. فلما قضت الشيوعية غير مأسوف على ملتها ، وعقبى للإمبريالية وقد بدت بوادر انهيارها إن شاء الله تعالى عمد العلمانيون إلى أسلوب اللغو في القرآن فصاروا بين عشية وضحاها علماء تفسير بعدما كانوا منظرين للماركسية اللينينية. ومن اللغو في القرآن التشكيك في ترتيبه وفي تفسيره من أجل الوصول إلى إلغاء تطبيقه حذرا وخوفا منه وقد كانت نهاية الشيوعية على يديه ، وأوشكت نهاية الإمبريالية أيضا على يديه في بضع سنين ولله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم. فجعجعة إعلامنا المنبهر بالبروتستاتية الجابرية لن يطول ، ومآله مآل كل من أراد إطفاء نور الله بفيه . ورحم الله العلامة السوداني الدكتور عبد الله الطيب المجذوب يوم قال لأحدهم في ملتقى للبلاغة العربية والبلاغة العصرية في جامعة فاس وهو يريد اللغو في بلاغة القرآن الكريم ساخرا منه : ما أذكاك لقد أدركت استحالة السير على حد السيف فقلبته لتسير على صفحته بأمان. وعمل الجابري إنما هو سير على صفحة سيف القرآن لاستحالة السير على حده
Aucun commentaire