راهنية – المجتمع المدني – بالمغرب و علاقته بالسياسي

طفا على السطح في بداية التسعينات من القرن الماضي مفهوم المجتمع المدني ، و من كثرة تداوله أضحى هذا المفهوم ملتبسا و هناك من ربطه بنضالات تنظيمات أوروبا الشرقية، ضد الأنظمة الإستبدادية،و التي دعت إلى التعددية و المطالبة بالديمقراطية و حقوق الإنسان،لكن هذا المفهوم له ارتباط و جذور عميقة في فكر المجتمعات الأوروبية ، وقد بدأت الوظيفة الوسائطية للمجتمع المدني تتبلور في عهد الأنوار خاصة في كتابات آدم فيركوست ،لتنمى بمجهودات صاحب النظرية المثالية هيغل.
وهكذا لبس مفهوم المجتمع المدني ثوبا متعدد الألوان و الحمولات و ذالك ناتج عن التطاحن بين رؤيتين مختلفتين وهما:
1-الرؤية الماركسية التي تقول بأن المجتمع المدني بمفهومه الهيجلي ، والديمقراطية كما آلت إليها نظرية »الإرادة العامة » لجون جاك روسو لا يحميان الطبقات الشعبية و الكادحة من الإستغلال الرأسمالي.
2-و الرؤية الليبرالية التي تدعي أن الإرادة الجماعية يجب فهمها كحصيلة لتوافق الطموحات و النشاطات الفردية وأن أطروحة العمل الجماعي و التعاوني لا تِِؤدي إلا لهيمنة أقلية تدعي تمثيل مصالح الجماعة و إلى كبت الوازع الفردي للنشاط والإبتكار.
لكن بعد انهيار جدار برلين ،و الإنهزام الإقتصادي و السياسي للمنظومة الإشتراكية هيمن التوجه الليبرالي.
يعرف هيغل المجتمع المدني بالشكل التالي : » يتموقع المجتمع المدني في الفرق الموجود بين الدولة و الأسرة »، و قد ترجمه هيغل إلى الألمانية تحت اسم
« Burgerliche gesllshift » ، وحسب هذا التعريف فإن « المجتمع السياسي » أو الدولة سابقة ل « مجتمع الحاجة » أو المجتمع المدني أو « اللادولة » حسب تعبير عبد الله العروي.رغم أن الدولة ترعى المجتمع المدني لكن في استقلالية كاملة عنها.
إذن تنظيمات المجتمع المدني تتكون من هيئات تدافع عن الحقوق الإجتماعية و الثقافية و المطالب الجديدة(المرأة/الطفل/الشخص المعاق/…..) و ذلك في يومي المواطن ووسط المجتمع كله و تتعامل مع التنظيمات الحزبية بشكل جدلي بحيث أنها تتعاضد معها في النضالات ،لكنها تراقبها عندما تصل الأحزاب إلى الحكم.
بعد هذا التقديم النظري للمجتمع المدني ،أتساءل :هل نمتلك كمغاربة مجتمعا مدنيا بمفهومه الهيجلي بعيدا عن العلاقات العائلية و في استقلالية عن الدولة؟ماهي مكونات هذا « المجتمع المدني إن كان موجودا حقا؟و ماهي علاقة مكوناته مع الدولة و الفاعلين السياسيين؟ وما هي علاقتها فيما بينها،وهل مد (Emergence ) الجمعيات يخدم أجندة ما للعهد الجديد؟
بعد صعود حكومة التناوب التوافقي إلى سدة الحكم الناتج عن ظروف وطنية و دولية،باشرت هذه الأخيرة بتفعيل الشراكات مع الجمعيات و تمويلها من خلال وزاراتها معتبرة إياه شريكا لا محيد عنه ،كما شرعت في تعديل قانون الحريات العامة لسنة 1958 حول تأسيس الجمعيات، و هكذا قامت سنة 2002 بإدخال تعديلات من قبيل اكتفاء الجمعيات بالتصريح و ليس الترخيص ،كما يمكنها التوصل بدعم من الخارج شريطة إخبار الأمانة العامة للحكومة فقط.
لكن رغم هذا الانفتاح الحذر ،تخوفت الدولة من مد(émergence) الجمعيات ، فهي أطلقت العنان ،لكن في سياق مضبوط و متحكم فيه.فمن بين أسباب الانفتاح على الجمعيات هو خدمة إحدى أجندات الدولة:
فكما يعلم الجميع فالعهد الجديد طالب الأحزاب السياسية بدمقرطة هياكلها ،و تشبيب فعالياتها، لكنها أضحت أكثر محافظة ،مما حذا بالدولة بدعم الجمعيات ، لخلق منافس للأحزاب حتى يتسنى خلق أناس يهتمون بالشأن المحلي يمكن أن يلجوا المجال السياسي مستقبلا،و هذا ما ظهر مؤخرا في الانتخابات الجماعية الأخيرة حيث أن مجموعة من الفعاليات الجمعوية في الجهة الشرقية التي كسبت مصداقيتها المحلية ،دخلت الانتخابات.فالدولة تريد أن تتخلى عن النخب التقليدية لأنها أصبحت تشكل عائقا لخدمة أجندتها.فمن خلال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية و في اجتماعات لجانها الإقليمية ترى بأم عينيك جلوس رئيس جماعة شبه أمي تربع على رأس هذا المنصب منذ أول انتخابات عرفتها البلاد ،و يجلس أمامه شاب في مقتبل العمر رئيس جمعية، و إذاك يلاحظ الفرق.فبينما رئيس الجماعة غارق في السكوت،ترى الفاعل الجمعوي يشكل قوة اقتراحيه.
إن الدولة دائما تخشى من شرعية مستقلة و منافسة ،فبعد فترة المد الذي عرفته مشاريع الجمعيات و الوقع الإيجابي الذي تركه لدى الساكنة في مختلف مناطق المغرب،من خلال شراكات و قعتها الجمعيات مع جهات أجنبية ،أصبح اليوم أغلبية الممولين يمرون عبر الدولة،و عبر تمثيلياتها المحلية(الولايات و العمالات).كما أن هاجس الإرهاب كان له وقع سلبي على مراقبة الجمعيات من خلال محاولة الدولة ضبط مصادر تمويل الجمعيات.فقانون 14.05 الخاص بمؤسسات الرعاية الإجتماعية يشكل نموذجا لضبط الجمعيات.
إن النسيج الجمعوي بالمغرب ليس وحدة متجانسة ،و ليست له نفس أللأهداف و المرجعيات و المشارب الفكرية ،فيمكن تقسيم هذه الجمعيات إلى:
1-جمعيات ذات طبيعة احتجاجية و صدامية لا تتقاطع أهدافها مع أهداف الدولة،و تتكون من جمعيات حقوقية و مطلبية،و لاينظر إليها بعين الرضى.
2-جمعيات مقربة من الدولة (pro étatique) و التي أخذت حصة كبيرة من الجانب الإعلامي بداية من ثمانينات القرن الماضي مكونة من جمعيات « السهول و الجبال » و تلقت كل الدعم و المؤازرة، و لها صبغة المنفعة العامة.
3-جمعيات ذات طبيعة تنموية،و التي أتت من خلال وعي فئات محلية بالنقص الحاصل في مجالها و التي يتحدد موقف الدولة منها حسب علاقة التقارب/التباعد.
4-جمعيات خلقت بعد ظهور الدعم التي تقدمه الدولة خاصة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
كما يسجل نوع من الصراعات و التطاحنات بين الجمعيات المختلفة نظرا لأن هذه الجمعيات يقف وراءها أشخاص ذوي طموحات مختلفة و خاصة سياسية لرفع موازين القوة داخلها و رفع سقف التفاوض مع دوائر اتخاذ القرار.كما يلاحظ أيضا أن الأشخاص المنحدرين من الوسط السياسي و الذين تربوا في مستنقع الصراعات و الريبة و الشك،كثيرا ما ينقلون صراعاتهم داخل الجمعيات و يفشلون مؤسستهم،لأن ذهنية المغاربة تعتمد على بناء القوة من خلال ضرب القوة المنافسة و تعويضها بالقوة القائمة.وهذا خطير على تقدم المغرب و المغاربة.




Aucun commentaire