المستشار بوطالب: الجزائر تغالط نفسها عندما توظف مبدأ حق تقرير الشعوب لمصيرها في حل النزاع
سياسي صحراوي مغربي: فكرة الانفصال في الصحراء ولدت في الرباط
الرباط : نبيل دريوش
قال محمد رشيد الدويهي، أحد الوجوه السياسية البارزة في الصحراء، والمحافظ الأسبق لمدينة بوجدور، إن ظهور الفكر الانفصالي في الصحراء برز في جامعات الرباط وليس في أقاليم (محافظات) الصحراء نتيجة اجتياح تيار يساري للجامعات المغربية في عقد السبعينات الذي تعاطف مع الشباب الصحراويين المتشبعين بهذه الأفكار قبل أن يتواطأ أولئك مع الجزائر لتجزئة المغرب. وأضاف الدويهي أن ذلك قاد المغرب إلى حرب في الصحراء دامت 16 سنة خلفت وراءها المئات من الضحايا من أبناء هذه الأقاليم. وأكد الدويهي أن المغرب يوجد في وضع المنتصر لكون العالم بأكمله يقف ضد التجزئة والانفصال في الظرف الحالي.
وجاء ت تصريحات الدويهي أمس في ندوة نظمها النادي الدبلوماسي المغربي تحت عنوان «الصحراء المغربية والثوابت الوطنية» التي تعقد على مدار ثلاثة أيام بالرباط.
ومن جهته ذهب، محمد العربي المساري، وزير الإعلام المغربي الأسبق، والخبير في العلاقات المغربية ـ الإسبانية، في تحليله لمصدر الالتباس بشأن اتفاقية مدريد المبرمة عام 1975، والتي أرجعت بمقتضاها اسبانيا الصحراء إلى المغرب، إلى أن موقف الجنرال فرانسيسكو فرانكو كان نابعا من قصور فكره بشأن ديناميكية تصفية الاستعمار التي كان العالم قد انخرط فيها. فيما عزا المساري موقف الحكومات الديمقراطية، التي توالت على الحكم، من نزاع الصحراء، إلى أن النخبة الجديدة لم تتحرر من المقولات الغريزية التي راجت في الأدبيات الإسبانية المعادية للمغرب طيلة عقود، فالقرن العشرون ارتبط دائما بأحداث سلبية ذات صلة بالمغرب.
وأردف المساري قائلا إن السجال الإسباني ـ المغربي حول موضوع التراب استمر طويلا، وكثيرا ما اكتسى طابع الحدة وأحدث احتقانا في العلاقات الثنائية.
وكشف أن التطرق إلى ملف الصحراء بكيفية حاسمة كان ممنوعا على الصحف الإسبانية في تلك الفترة، مما أدى بالرأي العام الإسباني إلى اكتشاف هذا الموضوع، فجأة، موضحا أنه بمقتضى قانون صدر عام 1968 سمي «الأسرار الرسمية» كان محرما الحديث علانية عن الصحراء وغينيا الاستوائية ولم يرفع هذا الحظر إلا عام 1974.
وأكد المساري أنه بسبب التوجيه الصارم والرقابة واحتكار وسائل الإعلام لم يكن ينشر أو يذاع إلا ما تريده الحكومة بالأسلوب الذي يرضيها. وأضاف أن الحزب الشيوعي وزع منشورا يتضمن قذفا في حق الملك خوان كارلوس، متهما إياه بتلقي رشوة لقاء ابرام اتفاقية مدريد، كما أصدر المؤتمر الثالث عشر للحزب الاشتراكي العمالي الإسباني توصية يتضامن فيها مع الشعب الصحرواي ويعارض أي حل لا يقوم على تقرير المصير.
وكانت الجلسة الافتتاحية للندوة التي انطلقت اعمالها مساء أول من أمس قد تميزت بتقديم عدة مداخلات، ضمنها مداخلة الدكتور عبد الهادي بوطالب، مستشار العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني، تناول فيها «الجانب السياسي القانوني لقضية الصحراء». وذكر بوطالب أن الصحراء تحررت من قبضة الاستعمار الإسباني بمجرد ما قالت محكمة العدل الدولية يوم 16 أكتوبر (تشرين الأول) 1975 رأيها المتمثل في ان الصحراء لم تكن أرضا خلاء لا مالك لها، بل إنها ارتبطت طيلة قرون ببيعة سكانها لسلاطين المغرب واستمرت على ذلك وتحررت بالمسيرة الخضراء التي تجاوز من شاركوا فيها نصف مليون من المغاربة، وبالتفاوض مع المستعمر الاسباني، وأيضا بإبرام المعاهدة الثلاثية الإسبانية ـ المغربية ـ الموريتانية بمدريد سنة 1975، وصدرت في الجريدة الرسمية الاسبانية وصادقت عليها الجماعة الصحراوية التي تعد المجلس التمثيلي الصحراوي.
وأردف بوطالب قائلا إن الاتفاقية وضعت في أرشيف الأمم المتحدة ورفع عامل المغرب يوم 28 فبراير (شباط) 1976 راية بلاده على مدينة العيون، وأنزلت الراية الإسبانية، فطوي ملف الصحراء لدى الأمم المتحدة.
وطرح بوطالب جوانب قانونية اعتبرها تشوش على موقف المغرب، في هذا الملف، موضحا أن الجزائر تغالط نفسها عندما توظف حق تقرير الشعوب لمصيرها في حل مشكلة الصحراء، وتحرفه عن سياقه، حيث أن هذا الحل لا ينطبق إلا على الشعوب المستعمرة التي تطمح إلى التحرر والاستقلال، وأضاف أن سكان الإقليم الصحراوي ليسوا شعبا قائم الذات في كيان محدود التراب على الخريطة يحمل اسم الشعب الصحراوي المحتل أو الدولة الصحراوية المحتلة.
وأشار إلى أنه توصل في بحث سبق أن أنجزه لأكاديمية المملكة المغربية خلال عقد التسعينات إلى أن المغالاة في طرح حق الشعوب في تقرير مصيرها يفقد هذا المبدأ مضمونه الايجابي الذي كانت غايته القضاء على الاستعمار. وأضاف أن الأحداث المروعة التي تمزق عدة بقاع من العالم تجعلنا نتخوف من المغالاة في تطبيق هذا الحق.
وأكد أن قبول المغرب اجراء الاستفتاء خلال قمة نيروبي عام 1981 لا يعني أنه تراجع عن موقفه في طي ملف الصحراء القانوني، فالعاهل المغربي الراحل الحسن الثاني صحح ما يعنيه الاستفتاء الذي لا يتعلق بالصحراء وحدها، وإنما يشمل عموم المغاربة، كما أنه أراد من الاستفتاء أن يكون تأكيديا ورفض نتائج استفتاء سلبي.
واعتبر بوطالب أن استقبال الملك الراحل الحسن الثاني لوفد من جبهة البوليساريو لا يعد تناقضا في مواقفه أو تراجعا عن ثوابت الوحدة الوطنية المغربية، إنما جاء ذلك نتيجة إلحاح الرئيس الجزائري الأسبق الشاذلي بن جديد، وثقة المغرب في قوة ملفه الذي يمكن الدفاع عنه بسهولة، مضيفا أن بعض وسطاء الأمم المتحدة الذين عهد لهم بايجاد حل للملف تخلوا عن أداء دور الوسيط المنفتح على جميع الحلول والساعي لايجاد أرضية مشتركة بين الأطراف إلى دور حكم يعمل لفرض الحل الذي يرتضيه هو لا ما ترضى عنه الأطراف.
ومن جهته، قال السفير أحمد السنوسي، المقرر العام للندوة، إن هذه الأخيرة تأتي للتعريف بقضية وحدة تراب المغرب، مشيرا إلى أن توقيتها يروم تبليغ رسالة واضحة متمثلة في استرجاع المغرب للصحراء.
وأضاف أن التغييرات التي شهدها العالم بعد سقوط جدار برلين ستطيح ببقايا أسوار عهد الهيمنة والأطماع والشعارات الجوفاء، مشيرا إلى أن المغرب يدخل في هذه السنة العقد الثالث من صراع ينتمي في خططه ومناوراته وأهدافه إلى ذلك العصر الذي انتهى وبقيت بعض البؤر المنتمية إليه متناثرة هنا وهناك.
وقال السنوسي: «نطمح ايضا ان تكون هذه الندوة مناسبة لنا كمغاربة ان نعيد حشد صفوفنا وشحذ همتنا وتجديد وعينا، وبصفة خاصة بالنسبة للجيل الذي ولد بعد المسيرة الخضراء، وعمره الآن ثلاثون سنة، هذا الجيل الذي ولد وترعرع في خضم مواجهة خاضها المغرب ملكا وشعبا للدفاع عن مكتسبات المسيرة التي اعادت لنا صحراءنا، وعادت بها صحراؤنا الينا، ليعرف هذا الجيل ان القضية تتعلق اولا وقبل كل شيء بثابت من ثوابت قيمنا الوطنية وليعلم كذلك ان الصحراء المغربية لم تكن حلما او وهما افاق عليهما المغرب والمغاربة ذات صباح، بل ان الصحراء كانت وستظل، وهي في الحقيقة جزء لا يتجزأ من جسدنا وهويتنا وتاريخنا ورسالتنا كأمة عظيمة ودولة جذورها ضاربة في اعماق التاريخ، وفي سياج متين من الوحدة والتلاحم مع العرش المغربي والملوك المغاربة حماة الوطن والشعب».
وأوضح السنوسي ان التذكير بالثوابت الوطنية قيما وقواعد وتراثنا ليس من قبيل المفاخرة، وقال إن هذا التذكير نعتبره استحضارا تدعو اليه بين الحين والآخر حاجتنا جيلا بعد جيل الى صيانة وتقوية مناعتنا أمام الازمات والعواصف، وهو ايضا تنبيه لكل من يتصور او يتخيل ان المغرب قابل للانكسار او الضعف او التسليم او الاستسلام
Aucun commentaire