Home»National»التبين منهج المؤمن

التبين منهج المؤمن

0
Shares
PinterestGoogle+

     لم يعد بإمكان الغيورين على المشروع الإسلامي السكوت على ما أصاب الحركة الإسلامية، لما عادت هذه الأخيرة شركة خاصة لإنتاج الأوصاف والألقاب من غير ضوابط شرعية، ومن غير مقاييس عقلية واضحة، وتحولت من هيأة تدافع عن الإسلام والمسلمين إلى مركز لتقديم التصنيفات المجانية والتهم الجاهزة، وتطور الأمر إلى غايته حتى صرنا أمام معضلة شرعية حقيقية وأزمة فكرية وثقافية، خلاصتها أن هذه الحركات تنفي الصواب خارجها، وتتنكر للخيرية إلا لأتباعها.

     حينما صار الأنصاري محط تهم لا تستقيم شرعا حتى تستقيم عقلا ومنطقا، وحينما صار أبناء الحركة الإسلامية يحقدون عليه ويمقتونه لا لشيء إلا لأنه جهر عاليا بالحق، فقد لفظت الحركة الإسلامية أنفاسها، وحطمت ما تبقى من معاقلها ومحاصنها، فمن لم يكن في قلبه شيء من الخير لأهله، فلا مكان فيه للخير لغيره.

     كان يفترض في الحركة الإسلامية أن تكون كالشجرة، يلقيها الناس بالحجارة وتلقيهم بالثمار، فعادت كالحجارة تلقي أطهر الناس لأنهم ألقوها بالثمار الطيبة.

     على أساس أن أجمل شيء يمكنه للمؤمن أن يهديه للحركة الإسلامية عيوبها التي غابت عنها، فقد أهداها الأنصاري هذه الهدية الغالية، لكن التعنت قد ذهب بعقول أبنائها، وكثرة حبهم « للمشروع الإسلامي » قد أعمى بصيرتهم، وصدق من قال بأن حبك الشيء يعمي ويصم.

     إن لهذه التصنيفات التي يطلقها أبناء المساجد خطرا بالغا، فهم من منطلق أن الرسول صلى الله عليهم وسلم أمرنا أن نشهد لهم بالإيمان، لهم سلطة روحية ونفسية توقع معظم الناس في فخ تصديقهم من غير تمحيص، ومن غير تبين أو تحقيق.

     إن الشارع الذي أمرنا بالشهادة لهم بالإيمان، نفسه من أمرنا بالتبين والتحقق، وقد قال الله تعالى: « إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا ».1

      إن هذه الآية، وعكس ما يمكن أن يعتقده جاهل، قد نزلت في صحابي، ومن ثم فإن التبين من صحة أقوال أبناء الحركة الإسلامية من باب الأولى شرعا والأحرى عقلا ومنطقا، خصوصا في الوقت الذي صارت فيه هذه الحركات محترفة في حرب الإشاعات المغرضة، ورغم هذا كله فأنا لا أستطيع أن أدعي أن أبناءها يفعلون ذلك بنية سيئة، لكن يفعلوه بنية التعبد إلى الله.

     إن أخطر ما يمكن أن يضر الدعوة هم المخلصون الساذجون، فهم ينطقون من غير علم، وينقلون ما يُروى لهم من غير بينة، ويحقدون على الدعاة المخلصين بما وصلهم عنهم من أخبار كاذبة لم يتحملوا عناء التحقق منها، لهذا قال الرسول Votre navigateur ne gère peut-être pas l’affichage de cette image.: « فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد ».2

     قريبا ستصدر طبعة منقحة للحركة الإسلامية، فليس لدينا غير طبعات وأخطاء مطبعية، لكن لا تنتظر أخي القارئ ثورة فكرية وثقافية تنزع الألغام التي وضعها المندسون، وتبحث عن السم المدسوس في العسل فتخلصه منه، فنور الشرع قد أتى عليه ظلام التأويل المتعسف، وحلاوة الإيمان قد أجهز عليها ضعف العلم الشرعي، وفكر الإمعة.

     أنا لا أتحدث من برج عال، ولا أنطق بما لا أعرف، فأنا واحد من أبناء حركة التوحيد والإصلاح اشتغلتُ فيها سنوات طويلة، وخبرتُ سلبياتها وإيجابياتها، ووقفتُ على انحرافات بعض قيادييها، وسلامة البعض الآخر، لكنها مهما كانت حبيبة إلى قلوبنا فالحق أحب إلينا منها.

     لقد كنا نسمع أن هذا حكيم الحركة، وهذا سياسي الحركة، وهذا أمين الحركة، ولم نكن نعي أن لهذه الألقاب تبعات خطيرة على عقول أبنائها، فهي تضع أقوالهم فوق أقوال الآخرين، ومواقفهم فوق مواقف الآخرين، فتصنفهم في خانة الذين لا يشق لهم غبار ولا يُرد عليهم بقول، فتهبهم قدسية إضافية قد يكون لها أثر سلبي على مواقف الحركة وتطلعاتها، مثلما كان يحدث في كثير من الأحيان.

     كثيرا ما كانت الألسن تتناقل عن فلان بأنه كان يكسر الطاولات في الإجتماعات من غيرته على الدين، فيحظى لدى أبناء الحركة بالتقدير والتبجيل، فيكون هذا بداية وصوله إلى البرلمان، أو على الأقل إلى المجلس الجماعي.

     إن هناك دوما عملية إخبارية تلقينية تتم داخل الحركة لتصنع رأيا عاما حول الأشخاص، بما تتناقله الألسن من أخبار، ومن ثم تساق الحركة إلى حيث يُراد لها، وأبناؤها لا علم لهم بما يُحاك بهم من مؤامرات، ولا أقول يُحاك ضدهم، لأن الأمر مجرد استغلال الحركة الإسلامية من أجل أغراض سيأتي أوان التفصيل فيها.

     إن ما فعلته حركة التوحيد والإصلاح بالإنتخابات الجماعية الأخيرة بوجدة، حيث إن المراسلات التي كان المكتب الإقليمي لحزب العدالة والتنمية يرسلها إلى الأمانة العامة أو مكتب جهة الحزب، كانت تقرأ داخل الجلسات التربوية لحركة التوحيد والإصلاح من أجل تشكيل رأي عام داخل الحركة لتشويه سمعة أعضاء المكتب الإقليمي الذين اختلفوا مع اختيارات الحركة.

     إن إخراج المراسلات الداخلية من هيآت الحزب إلى الجلسات التربوية للحركة جريمة شرعية وجب التوقف عندها، لتنبين حجم الانحراف وخطورة النزيف، ولنوضح أسباب وقوفنا مع الأستاذ الفاضل جنبا إلى جنب، فيما ذهب إليه في كتاب « الأخطاء الستة ».

     إن الجلسات التربوية أقيمت لتقويم الاعوجاج الأخلاقي الذي قد يعاني منه أبناء الحركة، ولتجاوز الضعف الشديد في مجالات الدين والفقه والأصول، وليس لإثقال كاهل الإخوان بجهالات جديدة، فبدلا أن يُدرس كتاب الله وسنة رسوله تدرس مراسلات الحزب، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

      هذا، وإن إخراج مراسلات من هيأة إلى هيأة أخرى يعتبر نميمة بامتياز، لكن أبناء الحركة الإسلامية لم يفطنوا لهذه النميمة، لأنهم كانوا بأمس الحاجة لأن لا يفطنوا إليها، فهي السبيل الوحيد لبلوغ المراد وتحقيق الأغراض.

     للأسف الشديد لم يفطن حكيم الحركة إلى هذه الزلة الشرعية الخطيرة، لأن حرصه على الحركة الإسلامية جعله ينهج كل السبل من أجل عافيتها وسلامتها، ومن أجل أن لا تتشتت ولا يستقيل أعضاؤها منها.

     ليس أسوأ ما يصيب الإسلام أن تتشتت حركة إسلامية، الأسوأ أن يداس الدين بدعوى الحفاظ على تماسكها.

     ما جعل كل أبناء حركة التوحيد والإصلاح لا ينتبهون إلى خدعة النميمة، هو سوء تعامل الإسلاميين مع المصطلحات الشرعية أو سوء فهمها، أو حصرها في مجالات ضيقة، وهل ما حل بالمسلمين من نكبات إلا من سوء الفهم؟

     في نفس السياق نجد هذه الحركة جاهزة لإطلاق أوصاف لا تليق، على كل من قد يهدد استقرارها، أو يطعن في توجهاتها وخلفياتها، أو يذكر مساوئها، لأن انتقاد الحركة الإسلامية قد يؤدي إلى مزيد من الانسحابات في صفوفها، والانسحاب من الحركة الإسلامية رجس من عمل الشيطان، « وجب محاربته » بكل الوسائل والطرق حتى ولو كانت طرقا غير شرعية، لأن الأمور بمقاصدها كما يقول الأصوليون.

     الحركة الإسلامية أساسا مجرد اجتهاد إنساني وليس تنزيلا مقدسا، وكل يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب هذا القبر.

     لن يزيد شيء في الإسلام إذا أضيفت لرصيده حركة إسلامية، ولن ينقص منه شيء إذا انمحت من الوجود حركة إسلامية، فلا يكن « الإخوان » غيورين إلى درجة أن يدوسوا على ما هو معلوم من الدين بالضرورة، مقابل اجتهاد قد يصيب وقد يخطأ.

     لو كانت الحركة الإسلامية من يحفظ الدين ويحميه، لكان الإسلام قد اندثر منذ زمن بعيد، فقد عمر الإسلام قرونا طويلة لم يكن هناك ولو حركة واحدة.

     الحماسة الزائدة قد تقبر العمل الإسلامي، والجهل المدقع بمبادئ الشرع قد يُسرع من وتيرة هذا الإقبار، فما أحوجنا إلى فكر يزيل عن الإسلام شوائبه، ويظهره للعالم في الحلة التي هو عليها حقيقة.

     نحن نتعاطف مع الحركة الإسلامية بقدر ما نلمس فيها من صدق وأخلاق وعلم ومواقف بطولية، ولا أحد يلومنا إذا خف هذا التعاطف جراء رقة أخلاق أبنائها وسوء تعاملاتهم.

     ما قام به الأنصاري هو عمل حركي بنائي ومُؤسس، وعمل البناء لا يجابه بفكر عشوائي مرتبط بالظرفية واللحظة، لذلك فقد أخطأ من ربط عمل الأنصاري بظرفية الإنتخابات، وأخطأ الريسوني حينما ألقى بنفسه في بحر لا يجيد السباحة فبه.

     لقد تفاجأت وتألمت حينما رأيتُ أن الدكتور الريسوني قد طلع علينا بحلقته الخامسة على أساس أنها آخر حلقاته، فأخطاء الحركة الإسلامية ستة وعدد حلقات الرد خمسة أعداد فقط.

      لو أن الريسوني قد رد على كل « خطئ » من أخطاء الحركة الإسلامية بحلقة، لكُنا بانتظار حلقته السادسة، لكنه في الحقيقة لم يرد على جوهر كتاب الأنصاري، إنما رد على عموميات هنا وهناك، وشكليات لا تمس عمق « الأخطاء ».

     لقد تحدث الأنصاري عن غياب القيادة الراشدة العالمة، ولم يرد الريسوني عن ذلك، وتحدث عن بروز المغانم التي قلبت العمل الإسلامي رأسا على عقب، ومر الأمر من دون تعقيب، وتحدث عن فكر الاستصنام، ولم يلتفت إليه أحد، و..

     إن الله يحب الإتقان في كل شيء، ورحم الله عبدا عمل عملا فأتقنه، لكن الريسوني لم يكن ناجحا في ردوده، لأنها ردود المكره، وردود المكره لا تجوز.

     إن الأستاذ الفاضل الريسوني يعلم أكثر من غيره، مما وصلنا عنه بسند متصل رواته ثقاة، أن « الإخوان » قد انزلقوا في وكر المصلحة الشخصية، وسقطوا في براثين الامتيازات، فليست هناك مقاصد شرعية تدعوه إذن للتستر عنهم، فهذا ليس من باب ستر المسلم المحمود شرعا، إنما هو من باب التستر على الفاجر المذموم شرعا وخلقا.

     إذا أردنا تلخيص ما جاء في ردود الريسوني، سنجدها لا تتجاوز اتهام الأنصاري بسوء الظن وبالمبالغات والتهويلات، أو استعمال الآيات التي نزلت على المنافقين والكافرين وإلصاقها بالمؤمنين.

     أما سوء الظن، فإن الأنصاري لم يقم بالدعوة إلى الله على سطح المريخ، إنما قام بها من داخل حركة التوحيد والإصلاح شهورا طويلة وسنوات عدة، وبالتالي فهو لا يتحدث عن أناس ليس له بهم سابق معرفة، أو قياديين لم يعرفهم حق المعرفة، وبالتالي فإن الحديث عن سوء الظن مجرد سوء ظن.

     أما التهويلات والمبالغات، فهي مجرد تقديرات نسبية تختلف من شخص لآخر، وقد تختلف لدى نفس الشخص من ظرف لآخر، فمن نطق عن علم يعلمه فقد أصاب، ولا يضيره إذا اتهمه أخر بالمبالغة لمجرد أن جهل ما علمه الأول.

    * مقال مقطتف من كتاب الجالية اليسارية المقيمة بحزب العدالة والتنمية  للكاتب الإقليمي سابقا لحزب العدالة والتنمية نور الدين زاوش

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *