Home»International»المغرب يتصالح مع ماضيه ويتجاهل حاضره

المغرب يتصالح مع ماضيه ويتجاهل حاضره

0
Shares
PinterestGoogle+

مصطفي أعراب ينفرد المغرب في العالم العربي كله بتجربة جريئة اطمأن لها البعض وتحفظ عليها البعض الآخر، تجربة تعرية كشف ما استبطنه العهد الحديث من خروقات وانتهاكات في مجال حقوق الإنسان. لاول مرة منذ الاسنقلال سنة 1956 تقدم الدولة المغربية علي مثل هذه الجرأة التي هي، علي الرغم من كل شييء، محط شك بالنسبة للشعب لطول اعتياده علي الإحباطات وخيبات الأمر المتكررة. لقيادة عملية سبر أغوار هذا الماضي الذي يعرف في الخطاب المغربي بسنوات الرصاص، أنشأ الملك محمد السادس، ليس لجنة برلمانية كما هو معتاد في الغرب، وإنما لجنة خاصة تضم شخصيات عاشت هي ذاتها محن القمع والاعتقال. مؤخراً بدأت اللجنة اً بعقد سلسلة من الجلسات العلنية (علي شاشة التلفزيون) للاستماع إلي شهادات ضحايا هذا العهد الممتد من سنة 1956 إلي وفاة الملك الحسن الثاني في يوليوز 1999. حتي المشاركة في هذه الجلسات التي يصفها البعض بالمسرح سادها انقسام في المواقف بين مؤيد ومعارض، الاول رحب بالتجربة والثاني يري فيها نوعاً من احتواء القضية وتوجيهها في في الوجهة المفيدة للدولة. بم يتعلق الأمر إذن؟ هل هو سيناريو سياسي يختلف عن جميع السينوريوهات التي انتجتها السياسة المغربية بعد الاستقلال أم أن هناك فعلاً مشروعاً سياسيا من شانه أن يؤسس لعهد جديد، عهد لم يتمكن بعد من إثبات كونه أنه جديد حسب ما تراه العين المجردة؟ عن التجربة في حد ذاتها قد ننضم إلي الموقف القائل أن الأمر يعتبر ثورة سياسية قام بها الملك محمد السادس

تجربة رائدة في العالم العربي من أقصاه إلي آدناه. لقد حدث ما كان لم يكن سيحدث نهائيا في عهد الحسن الثاني، حدث نوع من تحرير القدرة علي الكلام بعد ان أن كان الجميع مصابا بنوع من الشخيزوفرينا السياسية والاجتماعية، قل التقية إن كان مصطلج الشخيزفرينيا صعب الاستساغة بالنسبة للبعض. إنها وبحق ثورة إن راعينا المعني الإبستمولوجي وحده للمصطلح (مفهوم الثورة له دلالة اخري من طبيعة الحال)، هناك الآن علي الأ قل الرغبة في اجتثاث الأورام السياسية التي جبل بها الماضي الحديث للملكة التي اجتمعت فيها الجنة وجهنم في نفس الوقت، ماضيها وحاضرها أيضاً. ليس هناك ما يدعو إلي رفض هذه الإشارة التي قدمتها الدولة المغربية إلي  » الشعب » المقهور والذي يغرق باستمرار في اليأس وخيبة الأمل امام وفرة الخطابات الواعدة بالأفضل. من الناحية المنطقية يمكن القول ان الموقف الرافض للتجربة او علي الأقل ذاك الذي يشك في مصداقيتها هو موقف كان عليه أن يتأسس علي قواعد غير التي يقدمها الآن. يقال مثلاً أن المسألة كلها عبارة عن سيناريو أرادت منه الدولة التأسيس لمشهد سياسي لن يكون بالضرورة نقيضاً للمشاهد السابقة بل سيختلف عليها من حيث الشكل فقط. قد يكون لهذا الارتياب كل ما يبرره لو فحصنا الوضع السياسي الحالي في البلاد ونحن متحررين من الشخيزوفرينا التي سادت وما تزال بأقل من الحدة. لقد كتب الكثير عن التغييرات التي أقدمت عليها الدولة المغربية الجديدة وليس من الحكمة تكرار ما كتب وقيل، لذلك سنكتفي فقط بالوقوف علي هذه التجربة التي تبدو لنا هي الأخري معضلة متعددة الأبعاد. المعضلة الاولي هي ان الدولي تتصالح مع فئة واحدة من الشعب وهي النخبة التي قضت اعز عمرها في السجون والمعتقلات، هذا امر جد إيجابي من طبيعة الحالة. تتصالح الدولة دون الاعتراف العلني والصريح عن المسؤوليات، هناك شماعة واحدة يعلق عليها كل شييء وهي شماعة وزير الداخلية السابق إدريس البصري الذي يحاول إعلان الحرب من باريز الفرنسية. هنا تتجلي اعراض الشخيزوفرينيا من جديد إذ ان الجميع يعلم ان ادريس البصري كان بمثابة « مجرم » مرتزق باع حنكته وفراسته الإدارية مقابل ثروات لا تحصي. من غير إدريس البصري لم يذكر إلي حدود الآن أي مسؤول آخر عما حدث. قد يقال من باب السجال ان الامر يتعلق بالمصالحة فما الداعي إلي تحديد المسؤوليات، لكن ماذا تعني المصالحة في هذه الحالة غن لم تحدد أسباب  » الخصام » ولا أطرافه. هناك الآن طرف واحد في السيناريو وهو طرف الضحايا من النخب السياسية بالدرجة الأولي، كما لو انهم كانوا ضحايا مجهول ما. نعرف ان من بعض المسؤولين الرئيسيين علي سنوات الرصاص فارقوا الحياة الآن وليس من المعقول الإشارة إلي ادوارهم في كل ما حدث. لكن، ما الذي يمنع من مساءلة المسؤولين الذين ما يزالون علي قيد الحياة، ما الذي يمنع الدولة الحاضنة لهولاء لتقديم الاعتذارمرة واحدة وكفي الله المؤمنين شر القتال؟ قد تكون الدولة المغربية تدشين الشفافية انطلاقاً من جعل جلسات الاستماع إلي الضحايا جلسات يتتبعها الشعب المغربي عبر شاشة التلفزيون، لكن هذا لن يمنعنا من القول أن الدولة تدشن في الواقع هروباً إلي الماضي حتي يتم التعالي عن الحاضر المر. المعضلة الثانية وهي الرئيسية في نظرنا، هي معضلة كون الدولة تتحدث عن المصالحة وجبر الضرر بالنسبة للنخبة المتضررة وبالنسبة لبعض المناطق (الريف علي سبيل المثال)، كما لو ان من تضرر من سنوات الرصاص هو هذه النخبة فقط. ليس قصدي الاستنقاص مما عاشته هذه النخبة في قبور الأحياء، يختلف الضرر الذي عانت منه هذه النخبة علي جميع المستويات ولكن هذا لن يمنعنا من الحديث عن متضرر آخر ما تزال محنته تدوم باستمرار. المتضررالآخرهو الشعب المغربي برمته، الشعب هو الذي يتم تجويعه وتشتيته علي العالم (العارالذي لن ينمحي إلا بظهور مغرب جديد علي النمط الإسباني مثلاً). ليس مبالغة إن قلنا أنه منذ الاستقلال إلي الآن وسيكولوجية الشعب المغربي معتقلة ومحاصرة بالخوف من الدولة، إلي درجة ان المثل الشعبي يقول:  » ثلاثة يخاف منهم: البحر، النار والمخرن (الدولة) ». هل قررت الدولة إذن مصالحة العشب المغربي؟ نعم يقول البعض، لانه هناك الآن علي الأقل مجال حريات التعبير يسمح للمواطن بانتقاد الحكومة كما لو أن الحكومة تستحق النقد وهي شبه مجردة من الصلاحيات الفعلية أمام مؤسسات رسمية خلقتها الدولة بالموازاة مع البنيات الحكومية. إنها السخرية في ذروة قمتها خصوصاً وان انتقاد الحكومة مباح للغاية لكنه غير مجد للغاية أيضاً، الفرق بين الماضي والحاضر هو أن شروط المحاسبة لم تكن متوفرة في الماضي القريب والبعيد أيضاً أما الآن فالمحاسبة ممكنة لكن بدون جدوي فعلية. لقد اختلط النسق السياسي في المغرب إلي درجة أصبح فيه كل شييء شبه ديكورولا أحد يدري من يحاسب. كل الزعماء السياسيين يترددون بين الحين والآخر الظهور أمام عدسة التلفزيون لكن لا احد منهم يتحدث بضمير المتكلم وإنما بضمير الغائب، وهي حنكة سياسية كما تسمي في الخطاب السياسي العام. حتي أعضاء الحكومة مرتبكين في عملهم وفي تصريحاتهم أمام الشعب لأنهم يعلمون أنهم لا يحكمون إنما يديرون، كل واحد منهم يمارس الضبظ الذاتي ويزن كل كلمة حتي لا تتحول إلي سم سيقضي عليه. أمام هذا الوضع، تتباهي الدولة تتباهي ضمناً أو علناً بالجرأة علي المصالحة وعلي النبش في الماضي مع تحميل المسؤولية لمسؤولين خانوا المسؤولية، لكنهم غفل من الإسم. تسعي الدولة، والنخبة الملتحقة به
ا أيضاً، جادة إلي الإقناع بأن سياسة العهد القديم من المستحيل أن تعود، لن تعود بنفس الشكل من طبيعة الحال وإلا لكان العالم لا يعرف التحول. لكن ما يتم التعالي عنه قصداً أو عن غير قصد هو ما يعج به الحاضر السياسي من تجاوزات في حق الشعب برمته. يتصالح المغرب مع ماضيه لكنه ينتفض علي حاضره وكأن المصالحة مع الماضي ستعفي الدولة من مسؤولية ما يحدث الآن. بعد ما يزيد عن أربعة سنوات من حكم الملك محمد السادس ما يزال الحاضر المغربي يحبل بنفس السخط الاجتماعي المعهود بل تلاحظ التقارير الوطنية والدولية أن الأمور تتفاقم باستمرار. الفساد الإداري ينخر الاقتصاد الوطني، البطالة تتفاقم وتنهش نفسية المواطن، خريجو الجامعات ( من حاملي الإجازة إلي الدكتواره) يواجهون بالقمع كلما خرجوا إلي الشوارع للمطالبة بحقهم في الشغل، الخوف من المجهول يدفع بالشباب إلي الانتحار في مياه البوغاز أملا في الوصول إلي الضفة الأخري، الفقريزداد بدون انقطاع، المسرح السياسي غير واضح، البرلمان مجرد مسرح كما سماه الملك الحسن الثاني يوماً ما، البروتوطوكولات فاقت حد التحمل…..الخ. لقد أصبحنا فرجة بتعبير الفنان السوري دريد لحام في مسرحية  » كأسك يا وطن ». علي المستوي العالمي، يعتبر المغرب من البلدان التي تغرق كل سنة في الفقر و تعميق الفروقات الاجتماعية، هذا علي الرغم من أن البلاد تتوفر علي ما يكفيها من الثروات من أجل إعالة أبنائه. لقد سبق لأحد الباحثين الفرنسيين أن وصف المغرب ببرازيل إفريقياً قاصداً بذلك التناقضات الاجتماعية التي تجمع البلدين، الغني الفاحش لدي الأقلية والفقر أو الموت البطييء لدي الأغلبية. غير أن هذا الوصف لم يعد مناسباً الآن لأن تناقضات المغرب، السياسية علي وجه التحديد، تتعالي علي كل مقارنة. وقد تكون إحدي هذه التناقضات أن تعود الدولة بعد خمسين سنة ربما لتتصالح مع الماضي الذي هو حاضرنا الآن. لماذا المصالحة مع الماضي إذا كان الحاضر يخنق الشعب المغربي إلي درجة أن مآت المواطنين يصطفون يومياً أمام سفارات الدول الاوربية علي أمل الحصول علي تأشيرة الرحيل (ليس السفر). قد يشم القاريء ربما رائحة عدمية تفرغ أي شييء من مضمونه، لكن الأمر ليس كذلك نهائياً. إنني أحاول فقط ربط الأشياء والنظر إليها في سياق منسجم وأتساءل: فيم تفيد المصالحة مع الماضي الذي راح بكل مآسيه إذا كان الحاضر لا يزال امتداداً لهذا الماضي، ام هو تحايل علي التاريخ؟ ما يزال الاقتصاد الوطني في المغرب في ملك عائلات (حوالي ألفي عائلة حسب الأبحاث الميدانية) ورثت أعمدة الاقتصاد الوطني عن الفترة القصيرة التي تلت الاستقلال، عائلات استولت علي أهم المنشآت والأراضي الزراعية بعد رحيل الفرنسيين. الاقتصاد الرسمي في المغرب محتكر من طرف جماعات معروفة لا تتغبر، اما الاقتصاد غير الرسمي فهو في يد جماعات معر وفة أيضاً وهي شبه خارجة عن القانون. ومن يزور الرباط العاصمة أو أي مدينة أخري يواجه جيشاً من المعوزين في الشوارع يمدون اليد للمارة طمعاً في درهم أو أقل، الدخل الفردي مهزلة، مدن الصفيح تكثر، سوء التغذية يفترس الأحياء الضعفاء فيم نساء كبار البلاد يتسوقن في باريز أو لندن. هي مصالحة مع الماضي أم هو فصل الحاضر عن الماضي مع أنهما متداخلين في كل بنياتهما الأساسية؟ ما زلنا لا ننفي أهمية المصالحة مع الماضي مع أننا نعتقد مع العديد أن المصالحة لن تتم إلا عبر الكشف عن الحقيقة، لكن العارف بشؤون المغرب يعلم علم اليقين تقريباً أن الحقيقة لن تظهر إلا في بعض أشكالها المزيفة. وما دام الامر كذلك فإن الأسئلة المتعلقة بالماضي لن تتوقف مع انتهاء لجنة الأنصاف والمصالحة من عملها الذي يصعب الشك في مصداقيته. ونحن لا ننفي أهمية المصالحة مع الماضي نود فقط التذكير بأن المغرب رائد فعلاً علي هذا المستوي (عربياً) لكنه ليس رائداً علي مستوي التجربة السياسية لأن نفس البني الموروثة عن الماضي ما تزال تشكل اركان العهد الجديد. قد يندرج هذا القول كله في الإطار التشاؤمي الذي يرتاب في أي تغيير، لكن ولطمأنة ذوي هذا التفسير أقول أن مصدر التشاؤم- إن كان تشاؤماً- نابع من طبيعة السياسة المغربية ذاتها، وهي طبيعة تشكلت بعد الاستقلال جوهرها هو محاصرة السخط تارة بآلة القمع المباشر وتارة أخري بالتحايل. لقد تابعنا شهادات بعض الضحايا علي شاشة التلفزيون والأمر إيجابي جداً لو انطلقنا من مبدأ أحقية الشعب في معرفة ما جري، لكنها شهادات اكتفت بوصف أنواع العذاب الذي تعرض به الضحايا وهذا يزيدنا حسرة وخوفاً مما قد يحث في المستقبل. في مقابل هذه الخطوة الجريئة بحق كان من ألأفضل أن يتابع الشعب المغربي – كما هو معهود في البلدان الديموقراطية- المحاسبة القانونية والقضائية للعديد ممن أفرغوا خزينة الدولة ونهبوا أموال الشعب. كان من الأفضل أن يتابع كل من راكم ثروات هائلة من لا شييء ويطبق عليه مبدأ  » من أين لك هذا »، كان من الأفضل مثلاً أن يتم وضع نظام ضريبي كفيل بإنعاش الاقتصاد الوطني بالشكل الذي يجنب الفتنة الاجتماعية. صحيح هذه أمور لا يمكن تحقيقها في فترة وجيزة لكن من الممكن جداً وضع أول خطوة، وهذا ما هو غائب الآن. ما هو متوفربالجملة والتقسيط هو اكتظاظ الخطاب وأيضاً ظهور لوبيات جديدة علي المسرح السياسي تدعي العمل علي التخلص من مخلفات الماضي، مع أن الأمر- علي ما يبدو- لن يكون إلا تكراراً لتقنيات قديمة يعاد استعمالها بطرق مختلفة لإنتاج  » الجديد ». ما يتم الآن في المغرب هو نوع من محاسبة المجهول وسخرية القدر تجعل محاسبة

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *