Home»International»استفحال الظاهرة القارونية في عالم اليوم

استفحال الظاهرة القارونية في عالم اليوم

0
Shares
PinterestGoogle+

استفحال الظاهرة القارونية في عالم اليوم

محمد شركي

من المعلوم أن الناس جُبِلوا على حب المال الحب الجم كما خاطبهم  بذلك خالقهم العالم بهم سبحانه وتعالى في محكم التنزيل في قوله : (( وتحبون المال حبا جما ))  وكما أخبر عنهم  أيضا في قوله : (( زُيِّن للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة …الآية )) . وآفة حب الناس للمال أنه يوقعهم في الطغيان لقوله تعالى : ((  كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى )) .

ولقد مثل الله تعالى لطغيان الإنسان لاستغنائه بالمال  بقارون  فساق  في محكم التنزيل خبره للعالمين في سورة القصص ليكون لهم عبرة ، فقال عز من قائل : (( إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتيحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنسى نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبع الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين قال إنما أوتيته على علم عندي أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين فأصبح الذين تمنّوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كان يعملون )) صدق الله العظيم .

هذه قصة قارون في القرآن الكريم وقد ضمنها الله تعالى ما يجب أن يحذر منه الناس  بسبب حب المال الحب الجم والتهافت عليه بالسعي غير المشروع ومراكمته كما راكمه قارون، فكان طغيانه به سببا فيما آل إليه إذ خسف به وبداره

والذي يستشف مما ورد في  هذه القصة ما يلي :

1 ـ ارتباط غريزة حب المال بالحرص على تحصيله  بطرق غير مشروعة ومراكمته وكنزه .

2 ـ ومن نتائج مراكمة المال الطغيان والبطر والكبر الشيء الذي يتسبب في البغي والعلو في الأرض .

3 ـ الترفع عن قبول النصح بالتخلي عن الكبر والبطر والبغي.

4 ـ الانصراف الكلي إلى الدنيا ونسيان الآخرة .

5 ـ عدم الإحسان إلى المحازيج لمقابلة نعمة إحسان الله تعالى.

6 ـ الإفساد في الأرض الذي  مرده الطغيان .

7 ـ المباهاة بتحصيل ثروة المال بالجهد الشخصي والخبرة والشطارة ونكران نعمة المنعم بها ورازقها .

8 ـ الغفلة عن مصير الموسيرن السابقين الذين أطغاهم المال وعدم الاتعاظ  بمآلاتهم .

9 ـ الحرص على إظهار وإشهار زينة الغني.

10 ـ التلذذ بإعجاب المعجبين وانبهارهم  بتلك الزينة وأبهتها  وتمنيها .

11ـ إنزال العقوبة بهم لطغيانهم وفسادهم وإفسادهم في الأر

12 ـ ندم المعجبين على تمني مكانتهم  المادية بعد هلاكهم أصحابها .

13 ـ  البديل عن غنى الدنيا الزائل هو غنى الآخرة الدائم  .

14 ـ الإحسان في الدنيا يقابل بإحسان الآخرة ، والإساءة فيها تقابل بالسوء ، وحسن العاقبة يكون للمتقي وسوء العاقبة  يكون للمسيئين .

عندما ننظر إلى هذه الأمور مجتمعة نحصل على ما يمكن تسميته  بمكونات القارونية  أو معاييرها التي ذمها الله تعالى في محكم التنزيل والتي يعرض عليها الطغاة من أهل الثراء في كل زمان وفي كل مكان إلى قيام الساعة .ولا يطغي المال أحد إلا  وتثبت له هذه الصفات المذمومة المستقبحة  كاملة.

 وإذا نظرنا اليوم إلى الطغاة من أهل الثراء الفاحش لا نعدم عندهم أو فيهم هذه الصفات  حيث يتحول كل واحد منهم إلى قارون  هذا العصر الذي استفحلت فيها الظاهرة القارونية بشكل غير مسبوق بسبب التحولات التي طرأت على حياة البشر حيث يكاد وصف كنوز قارون ينطبق تماما على  كنوز أثرياء هذا العصر ولا يمنع أن يقال عنها أنها ربما فاقتها إلا التأدب مع قول الله تعالى : (( وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتيحه لتنوء بالعصبة أولي القوة ))، وهو سبحانه أحصى لها وأعلم  بها .

والناس  اليوم يتناقلون أنباء ثروات أرباب الغنى الفاحش وهم ما بين معجبين بهم كالذين أعجبوا بثروة قارون من الذين تمنوا مكانه  ثم ندموا على ذلك بعد أن خسف به وبداره، وبين منكرين ومحذرين من سوء عاقبتهم . ولقد لقي بعض هؤلاء في هذا الزمان ما يقابل ما لقيه قارون من سوء العاقبة ،ومع ذلك لا زال بعض الغافلين الذين يستهويهم  متاع الدنيا وزيتها  وهما إلى زوال سريع لم يتعظوا بما لقيه من سبقوهم إلى الدار الآخرة  وقد عاصروهم ، وشهدوا نهاياتهم المؤسفة ، كما  أن كثيرا من المعجبين بهم  ممن لا غنى لهم  لم يتعظوا هم كذلك ، ولا زالوا يتمنون مكانهم  ويتشوقون إليها دون الحذر من سوء مآلاتهم  المخزية.

وإذا كان اليوم غير المؤمنين بما أنزل الله تعالى في رسالته الخاتمة للعالمين على رسوله خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم بخصوص الغفلة عما حذر منه من  كسب المال بالطرق غير المشروعة ومراكمته وكنزه واستعماله في الطغيان والبغي والفساد  والإفساد في الأرض ، فإنه لا يعذر المؤمنون الذين يتلون كتاب الله ومع ذلك  يطغيهم المال ، ويرضون بالانتساب  إلى القارونية المعاصرة التي تنذر بالويل والثبور وعواقب الأمور .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *